الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/10/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

التنبيه السابع: مناقشة الأقوال:

كان الكلام بالنسبة إلى حكومة لا ضرر على الأحكام العدمية، وتقدم الكلام فيما أفاده المحقق النائيني (قده) وما أفاده السيد الخوئي (ره) وأن المحقق النائيني لا يرى أصل الكبرى فلا يرى أن لا ضرر ناظرة إلى الأحكام العدمية بل تنحصر في خصوص الأحكام الوجودية، والسيد الخوئي من حيث الكبرى يقول لا مانع من جريان لا ضرر في الأحكام العدمية، فتكون حاكمة عليها.

الكلام في النقطة التي اثرناها وهي أن لا ضرر تأتي في المورد الذي يستند فيه الضرر إلى الشارع فتنفيه، وهذا بيّناه ولكن لا بأس بإعادته بصورة مفصلة نوعاً ما.

نقول: نحن فعلاً لا نريد أن نقول بنفي الأحكام العدمية، يعني لا يظهر البحث حتى عند المحقق النائيني (ره) أن لا ضرر إنما لا تجري في الأحكام العدمية لعدم وجود الأحكام العدمية، يعني لعدم كونها مجعولة، بل تنظر إلى خصوص الأحكام الوجودية المجعولة، نقول: نحن الآن لا نريد أن ننفي وجود الأحكام العدمية، وأيضاً يمكن أن تُجعل الأحكام العدمية، هذا لا كلام لنا فيه.

ولكن الكلام فيما يستفاد من لا ضرر، على حسب ما تقدم فإن لا ضرر تنفي الحكم الضرري عند الشارع، إما تنفي الحكم الضرري، أو تنفي الموضوع الضرري، فتنفي حكمه بلسان نفي الموضوع، على حسب ما تقدم الخلاف في ذلك، عليه: يترتب على ذلك: أن الضرر المستند إلى الشارع هو الذي تنفيه لا ضرر، أما الضرر الذي لا يستند إلى الشارع فلا ضرر أجنبية عنه، كما مثلنا بأنه في حالة الغبن مثلاً لو أن الشارع حكم بلزوم البيع لكان المغبون متضرراً والضرر ناشئ من حكم الشارع باللزوم، في مثل هذا المورد نقول يُنفى بلا ضرر على حسب كلام بينهم في أن لا ضرر هل تصلح أن تكون مستنداً للغبن أو لا؟ ولكن فقط للتنظير.

فنقول: لو حكم الشارع بلزوم العقد لتسبب الشارع في ضرر المكلف المغبون، هن لا ضرر تنفي هذا الحكم.

إذاً النقطة التي ينبغي أن يُركز عليها هي استناد الضرر إلى الشارع وعدم استناده إليه، وهذه النقطة نقول: بأن عدم جعل الحكم في المورد القابل لجعل الحكم هل يكون الأثر مستنداً إلى الشارع في عدم جعله للحكم أو لا ربط للشارع بذلك؟ السيد الخوئي أراد أن يثبت أن عدم الحكم في المورد القبل للحكم هو حكم بالعدم، في الرد على المحقق النائيني.

نحن نقول: إننا لا نريد أن ننفي الحكم العدمي، إنما نريد أن نقول: في حالة جعل الحكم هل يستند الضرر إلى الشارع إذا لم يضع الحكم أم لا؟ فنضع يدنا على الاستناد وعدم الاستناد، من الواضح أن المعلول يتوقف على وجود علة تامة، والعلة التامة تشتمل على المقتضي للأثر والشرط لتحقق الأثر وعدم المانع من تحقق الأثر إذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة يتحقق الأثر، هذا أمر واضح ومسلَّم، بعد هذا نقول: إذا وُجد المقتضي يصح استناد الأثر إلى المقتضي، استناد الضرر يتحقق بالتسبيب إليه وإيجاد ما يستلزمه، إذاً صحة نسبة الأثر إلى المقتضي لا خلاف فيها، إذا وجد المعلول ينسب الأثر إلى المقتضي، هذا لا كلام فيه، فالضرر يستند إلى من يحقق السبب له وإيجاد ما يستلزمه، عدم إيجاد المانع عن الضرر لا يحقق استناد الضرر، لو رأيت شخصاً أشعل النار وقارب بين الخشب والنار وأنا أنظر إليه وأستطيع أن أضع المانع على الخشب ولم أضعه، هل هنا يصح استناد الضرر إلي لعدم إيجاد المانع من الضرر؟ نقول: لا يصح، استناد الضرر إلى من أشعل النار، ولو هناك من قارب بين الخشب والنار يصح اسناد الضرر إليه، أما الذي ينظر من بعيد ولم يجعل المانع هل يصح إسناد الضرر إليه، نقول: لا يصح. أمثلة عرفية أخرى: لو أن شخصاً أرسل كلبه على آخر وثالث بإمكانه أن يوجد المانع ويوقف الكلب، هل الضرر الناشئ والواقع على المرسل إليه ينسب إلى خصوص من أرسل الكلب أو يسند حتى إلى من كان ينظر ولم يضع المانع؟ عرفاً لا يسند الضرر إلى الثاني وإنما إلى الأول الذي أرسل الكلب، ولا يقال للثاني لو أنك موجود وكان بإمكانك أن توجد المانع أنت أدخلت الضرر أيضاً، نقول: لا يسند الضرر إليه، نعم يكون ملاماً عند العقلاء لأنه لم يوقف الكلب، ولكنه لا يسند إليه الفعل.

إذاً النقطة المهمة هنا: في محل البحث عندنا الشارع لم يجعل الحكم في المورد، عدم جعله للحكم ترتب الأثر، لو جعل الحكم لم يترتب هذا الضرر، هل يُسند هذا الضرر إلى الشارع؟ لو ناقشنا المثال الذي ذكروه، فلو أن الشارع لم يجعل الطلاق بيد الحاكم الشرعي والزوج لم ينفق على زوجته ولم يطلق فدخل الضرر على الزوجة في بقائها في حبالته، هل يسند هذا الضرر إلى الشارع لأنه لم يجعل الحكم بجواز الطلاق بيد الحاكم أو بيد الزوجة؟ هنا المهم بغض النظر عن الحكم بالعدم أو لا، هل يسند الضرر للشارع أو لا؟ نقول: لا يسند، إذاً عرفاً نلاحظ أن إسناد الضرر لمن لم يوجد المانع لا يصح مع تمكنه من إيجاد المانع، أيضاً هنا لا يصح إسناد الضرر إلى الشارع لأنه لم يجعل الحكم، فمن هذه الجهة نقول: بأن لا ضرر تختص بالأحكام الوجودية لأن الضرر يًسند إلى الشارع عند وجود الحكم الوجودي الذي يتسبب منه الضرر وفي حالة عدم الجعل لا يسند إلى الشارع.

من هذا يتضح أيضاً المناقشة فيما أفاده بعض الأعاظم المعاصرين (حفظه الله) في رسالته لا ضرر ناقش المحقق النائيني بأن عدم نظر الحديث إلى الأحكام العدمية محل منع، لأن مفاد الحديث هو عدم التسبيب إلى تحمل الضرر، يعني لا ضرر يعني لا يتسبب بما يحمل الضرر، أي نفي وجود ضرر منتسب إلى الشارع بما هو شارع ومقنن، وهذا التسبيب إلى تحمل الضرر كما يصدق في موارد جعل الحكم فكذلك يصدق في حالة عدمن جعل الحكم، يعني بما أن الجهة المنفية بلا ضرر هي التسبيب إلى الضرر فكذلك ينسب إلى الشارع في مورد عدم الحكم، وهذا المعنى يصدق في موارد جعل الحكم التي هي الأحكام الوجودية وفي موارد عدم جعل الحكم أيضاً، نفس عدم جعل الحكم ممن بيده التشريع تسبيب منه إلى الضرر نفس عدم الجعل تسبيب منه للضرر، ثم بين أن عدم جعل الحكم المانع عن الضرر يعد تسبيباً منه إلى الضرر وعليه: فلا يقدح عدم صدق الحكم على مجرد عدم جعل الحكم، بعد صدق التسبيب إلى تحمل الضرر، وقال في الأخير: ويمكن أن يقال بأن عدم الحكم يعد حكماً، كما يعد عدم القيام لأحد الشخصين مع التساوي في الرتبة يعتبر توهين له.

إذا ً هنا نقطتان:

النقطة الأولى: أن عدم جعل المانع من الضرر يعتبر تسبيباً، بما أن مفاد لا ضرر هو نفي التسبيب إلى تحمل الضرر يطبق هذا المعنى على عدم المانع، عدم إيجاد المانع من قبل من يستطيع إيجاد المانع يعد تسبيباً للضرر، فالشارع الذي بيده التشريع إذا لم يوجد المانع يعتبر تسبيباً للضرر.

النقطة الثانية: أنه يمكن أن يقال عدم الحكم في ذلك يعد حكماً بالعدم كما قال السيد الخوئي (ره) في هذه الجهة، مثل عدم القيام لأحد الشخصين إذا جاء شخصان وكلاهما متساويان في الرتبة وقام لأحدهما ولم يقم للآخر فعدم القيام للآخر يعد توهيناً لهذا القادم، هنا أيضاً نفس الكلام، عدم جعل الحكم ممن بيده التشريع يعد تسبيباً للضرر، كما أيضاً قال: بأن عدم التقييد في الموضع القابل للتقييد يعد إطلاقاً.

أما بالنسبة إلى النقطة الأولى: ظهر مما تقدم أنه عرفاً لا يُسند الأثر إلى من لم يوجد المانع مع قدرته على إيجاد المانع، المقتضي من شخص والشرط من شخص ولا يوجد مانع فيؤثر المقتضي والشرط فتحترق الخشبة، الذي يستطيع الماء ولم يضع لا يقال له أحرقت الخشبة عرفاً وإنما يقال لمن أوجد المقتضي ولمن أوجد الشرط أنكما أحرقتما الخشبة، فالإسناد للأثر إلى من لم يجعل المانع غير تام عرفاً، فالشارع عندما لم يجعل الحكم لا يصدق الإسناد إليه لعدم جعله للحكم، فعدم جعل الحكم المانع عن الضرر لا يعد تسبيباً من طرفه، ففرق بين أن نقول أدخل الضرر عليه وبين أنه لم يوجد المانع من تضرره، فرتبة المانع متأخرة عن رتبة المقتضي والشرط والإسناد يرتبط برتبة المقتضي والشرط.

أما النقطة الثانية: إن عدم الجعل هل يعد جعلاً للعدم؟ نقول: لا يعد، ولكن لو عدَّ لعُدَّ من جهة عدم الجعل لا من جهة المقتضي لجعل العدم، عندنا جهتان: عدم الجعل معناه أنه لا يوجد مقتضي لا وجد ملاك للجعل وجعل العدم يعني يوجد ملاك للعدم، كما يقال في الإباحة فالإباحة الاقتضائية والإباحة اللاقتضائية، في الاقتضائية هناك ملاك لجعل الترخيص وجعل المكلف في سعة، هنا يوجد ملاك في عدم الجعل، وعندنا إباحة لا اقتضائية، يعني لا يوجد ملاك جعل الوجوب ولا يوجد ملاك جعل الحرمة فلا يجعل، وهناك فرق بينهما، هنا جعل العدم معناه وجود ملاك لجعل العدم وأما عدم الجعل لا يوجد فيه جعل وجودي لا في الطرف الإيجابي ولا في الطرف السلبي فلا يجعل، فكيف نقول: بأن مجرد عدم الجعل يعد جعلاً؟

تتمة ذلك: بأنه بملاحظة أن الشارع بأن الشارع أكمل دينه وأنه لا يوجد عنده وإلا كان فيه حكم شرعي، هذا مرحلة ثانية فيمكن أن تتم الدعوى في ان عدم الجعل جعل للعدم تتمم بملاحظة الروايات التي دلت على أنه لا يوجد موضوع إلا وله حكم، معناه أنه كل مورد لم يُجعل فيه حكم بالعدم، نقول هذا المعنى الذي يريد أن يتمم فيه أيضاً لا يصح، فمعنى أنه لا يوجد موضوع إلا وله حكم شرعي يعني لا بد أن يوجد جعل موجود من وجوب أو استحباب أو حرمة أو كراهة، أو يشمل حتى الإباحة الاقتضائية التي ذكرناها؟ هذه مقطة لعلنا نتوسع بها غداً إن شاء الله، للتكملة نقول إن المثال بأن عدم القيام للشخص الآخر يعد توهيناً، نقول: صحيح ولكن التوهين معنى عرفي ينتزع من أمر وجودي أو من أمر عدمي، فعدم القيام لهذا الشخص المؤهل للقيام، العرف ينتزع منه التوهين، ولكن هذا أجنبي وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.