الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/10/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

التنبيه السابع: بقية الأقوال:

كان الكلام بالنسبة إلى حكومة لا ضرر على الأحكام العدمية وقلنا بأن في المسألة أقوال ومن جملتها ما أفاده المحقق النائيني (قده) وهو أن لا ضرر لا تكون حاكمة على الأحكام العدمية وذلك من جهتين، الجهة الأولى وهي كبروية وهي أن لا ضرر واردة في خصوص الأحكام المجعولة فتضيق دائرتها مثل أحكام الوضوء والغسل والصوم هذه أحكام وجودية واجبة ولكن في حالة الضرر يرتفع وجوبها، فهي غير ناظرة إلى الأحكام العدمية.

ثانياً أن لا ضرر لا ربط لها بالضرر الموجود في الخارج حتى ترفعه أو لا ترفعه، يعني لا يُتدارك بها الضرر الواقع في الخارج، وإنما يُرفع بها الضرر في عالم التشريع، فبالنسبة إلى المثالين الذين ذكرناهما يقول الضرر هنا ليس ناشئاً من الشارع، فمثلاً في مثال الضمان إذا حبس شخص آخر ففر حيوانه أو عبده هنا المدعى أن عدم الضمان على الحابس ضرر على المحبوس الذي فر حيوانه فينتفى الضرر، هنا عند التأمل في هذا المثال نرى أن الضرر لم ينشأ من عدم الحكم بالضمان وإنما نشأ من الحابس فهو لما حبس الرجل تسبب في ضرره، هذا الضرر لم يكن من جهة التشريع، يعني نفس الضرر لم يكن من جهة عدم الحكم بالضمان وإنما لحبس الحابس له، هذا الضرر الذي حدث منه لا يرتفع بلا ضرر التي تقول في عالم التشريع لا يوجد حكم ضرري.

أيضاً في مثال النفقة، عدم إنفاق الزوج هو الذي تسبب في ضررها وليس عدم الحكم من طرف الشارع، إذا لا ضرر إنما تنفي الحكم الذي يتسبب منه الضرر في عالم التشريع، هذا ما أفاده المحقق النائيني.

السيد الخوئي (ره) أورد عليه في الأول ورد الثاني، في الأول يقول بأنه لا يوجد عندنا مورد إلا وفيه حكم شرعي، لا يخلو الحال من وجود حكم شرعي في كل أمر من الأمور، فعدم الحكم من طرف الشارع في مورد هو حكم بالعدم فيكون عندنا حكم عدمي ففي مثال الضمان وهذا المثال للتقريب فقط وإلا فهو مناقَش، ففيه لم يجعل الحكم للضمان وإنما جعل الحكم بعدم الضمان، لما لم يحكم بالضمان على الحابس وإنما جعل عدم الحكم في الضمان وعدم الحكم حكم بالعدم، وأيضاً جعل الطلاق بيد الحاكم عندما يمتنع الزوج من الإنفاق هذا يكون أيضاً حكم بعدم جعل الطلاق بيد الحاكم، فالمهم أن الدعوى في الأساس بأن لا ضرر لا تنفي عدم الحكم لأنها تنفي الأحكام المجعولة هذا غير تام لأن الأحكام سواء كانت وجودية أو كانت عدمية فهو من قبل الشارع فتشمله لا ضرر، فلا ضرر على حسب ما بينا أنها تنفي الحكم الناشئ من الشارع الذي يلزم منه الضرر، فبما أنه حكم من قبل الشارع فالقاعدة تشمله، إذاً نقطة الفرق في أن إثبات الحكم العدمي ومن جهة أخرى في سعة دائرة لا ضرر، فلا ضرر تشمل الحكم الذي ينشئ منه الضرر سواء كان عدمياً أم وجودياً، هذه نقطة الخلاف بينهما.

ونؤكد عليها: أنا إذا أثبتنا وجود الحكم العدمي بحيث يُنسب الحكم العدمي إلى الشارع فلا ضرر تشمله، لأن لا ضرر تقول لا يوجد عندنا من قبل الشارع حكم ضرريٍ، والحكم الناشئ منه الضرر أعم من كونه وجودياً أو عدمياً.

أما بالنسبة إلى الطرف الثاني، كلام المحقق النائيني تام، يعني لا يوجد عندنا صغرى الحكم العدمي موجباً للضرر، فإذا لاحظنا المثالين المتقدمين، نلاحظ أن الضرر ناشئ من نفس الحابس فهو الذي أدخل المحبوس في الضرر فهذا الضرر لم يكن من طرف الشارع فلا تنفيه لا ضرر، وكذلك بالنسبة إلى النفقة نحن نلاحظ عندنا وجوب الإنفاق وعندنا الحكم بالزوجية والحكم بالطلاق من أيهما نشأ الضرر؟ الضرر لم ينشأ من الحكم بالزوجية، فالحكم بالزوجية لا ينشئ منه الضرر وأقدمت عليه الزوجة برضاها، والحكم بالطلاق وأن الطلاق بيد الزوج هذا لم ينشئ منه الضرر، إنما نشأ الضرر من الامتناع من الإنفاق ولم ينشئ من الحكم الشرعي نفسه، فالضرر حصل من الزوج فلا يشمله قاعدة لا ضرر.

ثم السيد الخوئي (ره) أورد إشكالاً آخر: يقول: بأن التمسك بلا ضرر طبعاً في الثاني في مثل الامتناع عن الإنفاق، التمسك بلا ضرر إنما هو لإثبات جواز الطلاق للحاكم وهكذا صوره السيد اليزدي (ره) يقول: عدم جواز الطلاق من طرف الحاكم عند امتناع الزوج عن الإنفاق عدم الحكم ضرري فلهذا نفي هذا الضرر جواز الطلاق لأن نفي النفي إثبات، السيد الخوئي (ره) هنا أورد إشكالاً آخر فيقول: هذا الحكم بالضرر معارض بالضرر المترتب على الحكم بعدم جوا الطلاق، أيضاً في الضمان الحكم الضرري الحاصل على المحبوس معارض بالحكم بعدم الضمان.

توضيح ذلك: يقول: بحسب ما صوره من أثبت لا ضرر لوجود الضمان يقول: يوجد عندنا ضرر ناشئ من عدم الضمان على الحابس وهذا الضرر على المحبوس، يعني يوجد ضرر على المحبوس ناشئ من عدم الحكم بالضمان على الحابس، هذا الضرر معارض بضرر آخر وهو الضرر على الحابس، يعني الحكم بضمان الحابس ضرر عليه، نفس الحكم بضمان الحابس ضرر ناشئ من الحكم بالضمان، فإذاً الحكم بالضمان على الحابس ضرر معارض للحكم بعدم الضمان على الحابس لأنه ضرر على المحبوس، فهنا عندنا ضرر على المحبوس وعندنا ضرر على الحابس وهذا الحكمان متعارضان، ولا مرجح لأحدهما على الآخر، كذلك بالنسبة إلى الإنفاق فالحكم بعدم جواز الطلاق للحاكم ضرري على الزوجة والحكم بجواز طلاق الحاكم ضرر على الزوج، فأيضاً هنا يتعارض الضرران.

تقول: إن هذين الضررين غي متعارضين لوجود المرجح لأحدهما على الآخر، لأن الحابس هو أقدم على الضرر فلا تنتفي عنه لا ضرر، أو الزوج عندما امتنع على الإنفاق هو أقدم على الضرر، فلا تنفيه لا ضرر، هناك قاعدة عندهم وتُذكر في لا ضرر وفي مواردها، وأشرنا لها فيما سبق في بعض الأبحاث هو أن الشخص لو أقدم بنفسه على الضرر فلا تشمله لا ضرر، إذا علم مثلاً المشتري بأن هذا البيع غبن عليه، يعلم أن هذا فيه غبن، جعل الثمن لهذا المتاع بهذا المقدار هذا غبنٌ، يعني فيه فُحش في السعر يعني تباعد متفاحش، مع ذلك أقدم على الشراء، هنا من يتسمك بلا ضرر لا نقول: يجوز له الخيار، لا يثبت له خيار الغبن للضرر، من تمسك بلا ضرر لإثبات خيار الغبن في مثل هذا المورد لا يقول بأنه أنت مخير لأنه لا ضرر، لأنه هو أقدم على الضرر، يعلم بالضرر وأقدم عليه، فلا تشمله لا ضرر، هنا أيضاً كذلك الحابس هو أقدم على الضرر والزوج هو أقدم على الضرر فلا تشمله قاعدة لا ضرر، لا ضرر تشمل من لم يقدم على الضرر.

قلت: أجاب السيد الخوئي (ره) بأن الزوج أو الحابس لم يقدم على ضرر نفسه، القاعدة أن من أقدم على الضرر لا تجري في حقه قاعدة لا ضرر إذا أقدم على ضرر نفسه، فالمثال الذي ذكرناه في الغبن، هو علم بأن سعر هذا المتاع ألف في السوق والآن هذا البائع سيبيعه إياه بعشرة آلاف، وهذا فرق واسع وهو غبنٌ ولكن هو يعلم بذلك ومع ذلك أقدم على الشراء، فهو أقدم على ضرر نفسه، لما أقدم على ضرر نفسه لا يرتفع بلا ضرر، والحابس أقدم على الضرر لكن على ضرر غيره فهو أقدم على ضرر المحبوس، الزوج أقدم على ضرر الزوجة ولم يقدم على ضرر نفسه حتى نقول لا تشمله لا ضرر، إذاً لا ضرر تشمل الحابس عندما يجعل الحكم بالضمان في حقه، وأيضاً تشمل الزوج عندما يُجعل جواز الطلاق بيد الحاكم الشرعي ولا يُنتظر رأيه فيه، فإذاً عندنا ضرران متعارضان، جريان قاعدة لا ضرر في أحدهما من جهة أخرى جريانها في الآخر.

لكن هنا يوجد إشكال على السيد الخوئي ويكون هذا الإشكال تأييد لما أفاده المحقق النائيني (ره) في الجهة الأولى الآن، في الجهة الثانية اتفقوا على عدم الضرر، يعني أن لا ضرر لا تدارك بها الضرر الخارجي غير الناشئ من جهة الشارع والموجود لم ينشئ من جهة الشارع، ولكن بالنسبة إلى الكبرى، سلمنا بوجود الأحكام العدمية وهذا سنشير له فيما بعد أيضاً، سلمنا وجود الأحكام العدمية ولكن النقطة هنا الموجودة عندنا في لا ضرر هي أن يُسند الضرر إلى الشارع، يعني لا ضرر إنما تنفي الضرر المستند إلى الشارع إذا صح استناد الضرر إلى الشارع فتشمله لا ضرر، هذه النقطة المهمة في بحث لا ضرر، وهي سيالة في موارد كثيرة ونلاحظ إشكالات الفقهاء أو بيانهم في مسائل على هذه النكتة، يعني ربما أحد الفقهاء يجري لا ضرر في مورد فيشكل عليه الفقيه الآخر بأن هذا الضرر لم يستند إلى الشارع، كما في الحكم بلزوم في موارد مثل الغبن الذي ذكرناه، الشارع لما حكم باللزوم في هذه المعاملة الضرر لم ينشأ من الحكم باللزوم، الشارع يقول: في مورد خيار الغبن باللزوم، فيحكم باللزوم في المورد غير الغبني ولكن إذا أقدم المشتري على شراء المتاع وهو يعلم بذلك، هنا الضرر لم ينشأ من حكم الشارع باللزوم، وإنما يستند إلى نفس المشتري، فالنقطة المهمة هي هذه، هل يستند الضرر إلى الحكم الشرعي يعني إلى الشارع أو لا؟

في المقام: الآن عندما لم يحكم الشارع بالضمان على الحابس هنا عرفاً لم يستند الضرر إلى الحكم الشرعي لم يستند إلى الشارع، الشارع جعل أحكاماً وقال: لا يجوز لك أن تحبس الآخر ظلماً، لما أقدم زيد على الحبس فحبس زيد عمرواً وفر عبده الشارع هنا لم يجعل الحكم بالضمان فهل عرفاً يقال: الضرر المتوجه على المحبوس بسبب الشارع مستند إلى الشارع، عرفاً لا يقال إنه استند إلى الشارع، فبما أنه لم ستند إلى الشارع فلا تجري فيه لا ضرر، أو بالنسبة إلى الإنفاق أيضاً عدم جواز الطلاق من طرف الحاكم الشرعي لم يسبب الضرر، عرفاً هذا الضرر لا يستند إلى الشارع، فنقول في الكبرى بغض النظر عن المصاديق: إن عدم الحكم من طرف الشارع لا يوجب استناد الضرر إلى الشارع، فيقال للشارع: لما حكمت بهذا الحكم العدمي دخل الضرر على الآخر، العرف لا يفهم ذلك.

إذاً النقطة المهمة التي ينبغي التوجه إليها هي: أن الضرر هل يستند عرفاً إلى الشارع حتى ينفى بلا ضرر أو لا؟ في الأحكام العدمية يعني في عدم الحكم من طرف الشارع لا يقال للضرر: إنه مستند إلى حكم الشارع بالعدم إلى عدم حكم الشارع، بما أنه لم ستند إليه لا تجري فيه لا ضرر، ويبقى للحديث بقية إن شاء الله تعالى.