الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/10/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

التنبيه السابع:

هو في شمول قاعدة لا ضرر إلى الأحكام العدمية، هل تشمل الأحكام العدمية أو لا تشملها؟ بحسب ما تقدم الكلام فيه أنها ناظرة إلى الأحكام الوجودية، بمعنى أنه الحكم مثلاً بوجوب الوضوء إذا كان يلزم منه الضرر فهو منفي لقاعدة لا ضرر فتقيد وجوب الوضوء بخصوص ما إذا لم يكن الوضوء ضررياً، وهكذا بالنسبة إلى غيره من الأحكام، هذا هو القدر المتيقن من القاعدة، وهي حكومتها على الأحكام الوجودية.

الكلام فعلاً في أنها هل هي أيضاً حاكمة على الأحكام العدمية أو ليست حاكمة عليها؟

أولاً: ما هو المراد من الأحكام العدمية؟ وهي عدم وجود الحكم، ولكن إذا تصورنا أن عدم وجود الحكم يستلزم منه الضرر فهل تكون قاعدة لا ضرر حاكمة عليه؟ ونتيجة نفي النفي الإثبات، فيكون ثبوت الحكم، بما أن عدم ثبوت الحكم ضرري وجعلنا قاعدة لا ضرر حاكمة على هذا الحكم العدمي فيكون نفي لهذا الحكم العدمي وهو إثبات للحكم.

فالكلام هنا الآن، هل قاعدة لا ضرر حاكمة على الأحكام العدمية كما هي حاكمة على الأحكام الوجودية أو لا؟

المنقول عن السيد اليزدي (ره) في ملحقات العروة، يقول: بأن لا ضرر حاكمة على الأحكام العدمية، طبعاً إن لم يكن بهذا النص وإنما هو بعد تطبيق القاعدة على موردين عدميين، فالنتيجة أنه يرى ذلك.

توضيح ذلك: أنه هنا في الواقع بحثان: بحث كبروي وبحث صغروي، البحث الكبروي هو الذي ذكرناه، أنه هل قاعدة لا ضرر حاكمة على الأحكام العدمية أو لا؟ والبحث الصغروي هو في الموارد الفقهية، هل توجد عندنا موارد فقهية يكون فيها أحكام عدمية ضررية حتى نطبق القاعدة عليها أو لا؟

الذي يظهر أن هناك ثلاثة أقوال:

القول الأول: وهو ما يستفاد من السيد اليزدي في تطبيقه في ملحقات العروة أنه يرى الكبرى والصغرى، يعني يرى حكومة قاعدة لا ضرر على الأحكام العدمية الضررية من حيث الكبرى ويرى من حيث الصغرى وجود أحكام عدمية ضررية في الفقه ويطبق عليها قاعدة لا ضرر.

القول الثاني: هو ما يستفاد من المحقق النائيني وهو المناقشة في الجهتين الكبرى والصغرى، فلا الكبرى ثابتة ولا الصغرى ثابتة.

القول الثالث: ما يستفاد من كلمات السيد الخوئي (ره) وهو قبوله بالكبرى ومناقشته في الصغرى، من حيث الكبرى يقول بأن لا ضرر تكون حاكمة على الأحكام العدمية الضررية ولكن يناقش من حيث الصغرى أنه لا يوجد عندنا في الفقه أحكام عدمية ضررية.

أما من حيث بيان هذه الأقوال:

فالسيد اليزدي (ره) في مثال وأضيف مثال آخر، والمثال الأول: لو أن شخصاً حبس آخر فشرد حيوان له هنا هل نحكم عليه بالضمان أو لا؟ الحكم بعدم الضمان يكون ضررياً، زيد من الناس أمسك بعمروٍ لما أمسكه فر غزاله، عمروٍ له غزال ملكه وفر عندما أمسك زيد بعمرو بحيث أنه لما شرد هذا الحيوان أو عنده عبد وأبق هذا العبد وكان بإمكانه أن يمسكه ولكن لأن الشخص حبسه فلم يستطع اللحاق به ففر العبد أو الحيوان، هنا عدم الحكم بالضمان على زيد يستلزم منه الضرر على عمرو صاحب الحيوان أو العبد، فهنا عندنا حكم عدمي وهو عدم الضمان نطبق عليه لا ضرر ونقول إنه ضرري فنقول إنه يرتفع فيثبت الضمان.

المثال الثاني: الذي ذكره السيد اليزدي (ره) في ملحقات العروة واستدل عليه بالقاعدة والروايات، وهو أنه لو امتنع الزوج عن نفقة زوجته، هنا لو لم يحكم الشارع بجواز طلاقها من قبل الحاكم لكان ذلك ضرراً عليها فيُرفع بلا ضرر فيثبت جواز طلاقها بيد الحاكم.

هذا المثال لا يُقتصر فيه على خصوص هذا لأن له شقوق فتارة الزوج يمتنع أساساً من الإنفاق فهل نقول يجوز للحاكم الشرعي أن يطلقها مع امتناعه أو لا؟ تارة نتصور أن الزوج مثلاً سُجن مدة طويلة وغير معلوم، الزوجة إذا تبقى بلا زوج أيضاً تكون متضررة من ناحية النفقة، أو لعدم وجود الزوج، هنا يأتي السؤال، عدم الحكم بجواز الطلاق من ناحية الحاكم الشرعي يستلزم منه الضرر على الزوجة، فهل نرفع عدم الجواز ويثبت الجواز أو لا؟

أيضاً يمكن أن يتصور في مثال ثالث، وهو أنه لو غاب الزوج ومضت له سنين ولا يُعرف خبره، وبقاء الزوجة لا سيما إذا كانت شابة هكذا بلا زوج ضرر عليها، فأيضاً نفس الكلام، عدم الطلاق من قبل الحاكم الشرعي ضرر، فهل نرفعه بلا ضرر ونثبت جواز الطلاق أو لا؟

هذه أمثلة كلها تندرج في المثال الثاني، صاحب العروة (ره) يقول: إذا امتنع الزوج من الإنفاق على زوجته فعدم جواز طلاق الحاكم الشرعي ضرر، فهذا الحكم وهو عدم جواز الطلاق من قبل الحاكم الشرعي، هذا الحكم العدمي يلزم منه الضرر على الزوجة، في مثل هذا يقول بأنه يرتفع بلا ضرر ويثبت بذلك للحاكم جواز الطلاق.

فالسيد اليزدي يرى الكبرى ويطبقها على هذه الصغرى.

المحقق النائيني (قده) ناقش في الأمرين، في الكبرى وفي الصغرى، أساساً الكبرى لم تثبت والصغرى لا وجود لها.

البيان بالنسبة إلى الكبرى: فيقول: لا ضرر موضوعة وناظرة إلى الأحكام المجعولة عند الشارع المقدس إذا كان يستلزم منها الضرر تكون منفية، فوظيفة لا ضرر أن تقيد الأحكام المجعولة ولها حالتان: حالة يستلزم منها الضرر وحالة لا يستلزم منه الضرر، وظيفة لا ضرر تقيد الأدلة الأولية والأحكام الأولية فتقصرها على خصوص ما لا يستلزم منه الضرر، وجوب الوضوء فالوضوء تارة يكون ضررياً وتارة غير ضرري إذا استلزم منه الضرر يرتفع حكمه بالوجوب.

المهم أن المحقق النائيني أخذ في لا ضرر أنها ناظرة إلى الأحكام المجعولة، فالأحكام العدمية غير مجعولة، عدم الضمان وعدم جواز الطلاق من قبل الحاكم الشرعي ليست أحكاماً مجعولة، فقاعدة لا ضرر غير ناظرة إليه، فمن حيث الكبرى إن لا ضرر ناظرة إلى الأحكام المجعولة التي يستلزم منها الضرر وغير ناظرة إلى الأحكام العدمية التي يستلزم منها الضرر.

وأما المناقشة في الصغرى: نقول: إن لا ضرر لا تدل على التدارك في الضرر الخارجي، يعني أنه لا يتدارك به الضرر الموجود في الخارج، وفي عالم التشريع لا ضرر تنفي الحكم الناشئ منه الضرر، فكما قلنا المجعول إذا استلزم الضرر فهو منفي، ولكن إذا وقع ضرر في الخارج فهل لا ضرر يتدارك به ما وقع في الخارج من ضرر؟ لا، عدم الضمان الآن لما زيد حبس عمرواً أو أمسك به ففر غزاله أو عبده هذا الضرر وقع في الخارج أو نفس الرجل امتنع من الإنفاق على زوجته، هذا بامتناعه وقع ضرر في الخارج على الزوجة هذا الضرر الموجود في الخارج هل يتدارك بواسطة لا ضرر، بحيث لا ضرر تثبت الحكم الذي يتدارك به الضرر؟ نقول: لا، لا ضرر تنفي الحكم الذي ينشأ منه الضرر، ولهذا نقول: في الشرع لا يوجد عندنا ضرر، وهذا معنى لا ضرر في بعض التعبيرات، أما أنه تثبت حكم ليتدارك به الضرر؟ فلا، فلا يمكن التمسك بلا ضرر لإثبات الضمان أو الإنفاق.

هذا الأمر الثاني يرجع إلى منع الصغرى عند المحقق النائيني، فالمحقق (قده) عنده المناقشة في كلا الأمرين.

السيد الخوئي (ره) يقول: ما أفاده المحقق النائيني من حيث الكبرى غير تام، أما من حيث الصغرى فما أفاده تام، بهذا البيان: المحقق النائيني يقول: لا ضرر ناظرة إلى الحكم المجعول ومعنى ذلك الحكم الوجودي هو المجعول الحكم العدمي غير مجعول، السيد الخوئي (ره) يقول: بأن عدم الجعل في مورد يمكن فيه الجعل هو جعل للعدم، في المثال على فرض صحته، نقول: إذا أمسك زيد بعمرو ففر غزاله هنا يمكن أن يُجعل الحكم بالضمان على زيد أو لا يمكن؟ نقول: بالطبع يمكن بما أنه تسبب بالضرر في فرار غزاله، في هذا المورد الذي يمكن أن يُجعل الضمان إذا لم يجعل الشارع الضمان هذا معناه حكمٌ بعدم الضمان، بما أن المورد قابل لجعل الضمان والشارع لم يجعل الضمان فلا نقول أمر عدمي وفقط، بل نقول هنا جعل حكماً بعدم الضمان، إذاً إن عدم الحكم في مورد قابل لجعل الحكم هو حكم بالعدم، فقولك أيها المحقق النائيني أن لا ضرر غير ناظرة إلا إلى الأحكام المجعولة، نقول: عدم الحكم مجعول فتكون ناظرة إليه.

فملخص الكلام:

المحقق النائيني (ره) يقول: بأن لا ضرر ناظرة إلى الأحكام المجعولة ومعناها يعني الأحكام الوجودية وغير ناظرة إلى الأحكام العدمية، يعني الأحكام العدمية عدمٌ وغير مجعولة أساساً، السيد الخوئي (ره) يريد أن يثبت أن الأحكام العدمية مجعولة أيضاً بهذا البيان الذي ذكرناه، وهو أن الحكم في المورد القابل لجعل الحكم هو حكم بالعدم، يعني الشارع جعل حكماً عدمياً، يعني جعل الحكم بعدم الضمان فيكون هذا الحكم مثله مثل غيره من الأحكام الوجودية، إذا كان ينشأ منه الضرر فيقيد بقاعدة لا ضرر، كما في الأحكام الوجودية تقيد بلا ضرر كذلك الأحكام العدمية بعدما قيدناه بالحكم العدمي فهي مقيدة بعدم الضرر، فالبحث في الكبرى عند السيد الخوئي (ره) تام، وبقية الكلام ستأتي إن شاء الله تعالى.