الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/10/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

كان الكلام بالنسبة إلى من اعتقد الضرر وتيمم وصلى ثم انكشف له أن الوضوء غير مضر له في الواقع، فهل هنا تصح صلاته وتيممه أو لا؟ ذكرنا بأن المحقق النائيني (قده) نسب الحكم بالصحة وعدم وجوب الإعادة ولا القضاء إلى المشهور، وتقدم أيضاً إشكال السيد الخوئي (ره) في ذلك، وخصوصاً فيمن اعتقد الضرر، لأنه ذكرنا أن المحقق النائيني ذكر صورتين، الصورة الأولى: اعتقد عدم وجدان الماء، والصورة الثانية: اعتقد عدم وجود الضرر، والصورة الثانية هي التي تدخل في محل بحثنا.

وفي هذه الصورة الثانية أورد السيد الخوئي على المحقق النائيني ولم يقبل كلامه إلا على مبنى من يرى حرمة الضرر مطلقاً، يعني إدخال الضرر على النفس مطلقاً هنا يأتي كلام المحقق النائيني، هذا كله تقدم الكلام فيه.

الروايات الواردة في المقام:

إن هذه المسألة يمكن بحثها من جهة روائية على فرض عدم وجود الرواية فيها بعد ذلك تُبحث من جملة اقتضاء القاعدة، هل لا ضرر تشملها أو لا؟ ومن جانب آخر أننا نبحث هذه الرواية تارة مع انكشاف عدم الضرر داخل الوقت وتارة من انكشاف عدم الضرر خارج الوقت، يعني اعتقد الضرر ثم بعد خروج الوقت انكشف له أنه لا يوجد ضرر، وتارة في داخل الوقت انكشف له أنه لا يوجد ضرر، وينبغي التفريق بينهما.

فعليه: بالنسبة إلى الجهة الأولى: نقول بأنه توجد عندنا روايات دلت على أنه بمجرد خوف الضرر تنتقل الحالة إلى التيمم، فمن اعتقد الضرر من باب أولى، الرواية في الوسائل الباب الخامس من أبواب التيمم الحديث السابع، الرواية (عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الرضا عليه السلام: في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يخاف على نفسه البرد، فقال: لا يغتسل يتيمم)، نلاحظ أنه في القسم الثاني صرّح بأنه يخاف على نفسه فهو إشارة إلى خوف الضرر من هذا الغسل، فقال لا يغتسل يتيمم.

الرواية الأخرى وهي الحديث الثامن في نفس الباب، (عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن داوود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام، في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه البرد، فقال: لا يغتسل ويتيمم)

هاتان الروايتان نلاحظ أنهما جعلتا المدار هو الخوف، يعني مدار الانتقال من الوضوء إلى التيمم، من الطهارة المائية إلى الترابية هو الخوف خوف الضرر، عليه: إذا كان يعتقد بالضرر من باب أولى لأنه فوق مرتبة الخوف، فخوف الضرر يعني يحتمل احتمالاً عقلائياً معتد به أنه يحصل منه الضرر، وفرض مسألتنا أنه يعتقد الضرر يعني فوق مرتبة الاحتمال، فإذا كان يحتمل الضرر الإمام عليه السلام قال بأنه يتيمم ولا يغتسل، فإذا كان معتقداً أيضاً يكون من باب أولى.

في روايات أخرى مثلاً في الباب الخامس والعشرين من أبواب التيمم يمكن أيضاً الإشارة إلى الموضوع، (عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه قال: في رجل أصابته جنابة في السغر وليس معه إلا ماء قليل ويخاف إن هو اغتسل أن يعطش، قال: إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة وليتيمم بالصعيد فإن الصعيد أحب إلي) هنا التعبير خاف عطشاً وهو يظهر أنه خاف الضرر من جهة العطش، يعني العطش الذي يسبب الضرر وليس العطش العادي، هنا مع ذلك الإمام عليه السلام قال: إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة وليتيمم في الصعيد فإن الصعيد أحب إلي.

والرواية الأخرى الحديث الثاني من نفس الباب، (عن الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الجنب يكون معه الماء القليل فإن هو اغتسل به خاف العطش أيغتسل به أو يتيمم؟ فقال: بل يتيمم، وكذلك إذا أراد الوضوء)

إذاً هذه الروايات يستفاد منها أنه يجوز التيمم أو يلزم التيمم أو تنتقل الحالة من الطهارة المائية إلى الترابية عند خوف الضرر، فعليه: إذا كان يعتقد بالضرر أيضاً تنتقل الحالة إلى التيمم، ومع وجود هذه الروايات لا ننتقل إلى القاعدة، وإنما نستفيد من الروايات.

عليه: تأتي النوبة الثانية، وهي أن هل المستفاد من هذه الروايات بإجزاء التيمم حتى لو انكشف له داخل الوقت، أو لا، وإنما إذا كان خارج الوقت؟

أما بالنسبة إلى الانكشاف خارج الوقت فالأمر واضح من شمول الروايات له، يعني من اعتقد الضرر وتيمم وصلى وبعد خروج الوقت انكشف له أنه لا يوجد ضرر، في مثل هذا الفرض نقول: هذه الرواية تشمله، فهنا مأمور بالتيمم، والروايات الأخرى التي دلت على إجزاء التيمم وكفايته تنطبق عليه فلا يجب عليه القضاء، فإذا كان انكشاف الخلاف بعد خروج الوقت فالأمر واضح.

أما إذا كان الانكشاف داخل الوقت، هل هذا التيمم كاف والصلاة كافية أو لا؟ يظهر من السيد اليزدي (ره) في العروة بأنه يكفي هذا التيمم، وإن كان عنده احتياط استحبابي على الإعادة، وخالفه غيره.

هنا البحث في هذه الجهة يرتبط أيضاً في البحث في جهة أخرى، وهي أنه هل يجوز لذوي الأعذار البدار في الصلاة أو لا؟ فمن كان عنده عذر كعدم وجود الماء هل يجوز له أن يبادر للصلاة أو ينتظر إلى آخر الوقت؟ فإذا كان معذوراً إلى آخر الوقت هناك يتيمم ويصلي، مثل الوضوء الجبيري، فمن كانت عليه جبيرة مباشرة يتوضأ الوضوء الجبيري أم ينتظر إلى آخر الوقت؟ هنا أيضاً نفس الكلام، يعتقد الضرر أو يوجد ضرر حقيقي فعلي، فهل الآن يجوز له البدار فيتيمم ويصلي أو ينتظر إلى آخر الوقت، فإذا كان الضرر موجوداً يتيمم ويصلي وإلا فيتوضأ ويصلي، هناك مسألة مطروحة في الفقه عند الفقهاء (رض) على أنه هل يجوز البدار أو لا؟

من يقول بجواز البدار يقول إن المدار على الفعلية، فعلاً هو معذور في التيمم أو غير معذور؟ فإذا كان فعلاً معذور فيعمل بحسب وظيفته الفعلية، أما من يمنع من ذلك فيقول المدار على عدم وجدان الماء إلى آخر الوقت أو المدار على وجود العذر إلى آخر الوقت ولا يكفي مجرد وجود العذر فعلاً، فالبحث هناك مطروق عندهم في الفقه بنحو مفصل.

وملخص الحال نقول: تارة نقول بأن شرط صحة التيمم عدم وجود الماء في جميع الوقت وتارة نقول عدم وجود الماء أو بقاء العذر حال الفعل، هذان القولان الموجودان في المسألة بحيث يترتب الأثر عليهم.

إذا قلنا بأنه وجود الضرر حال الإتيان بالعمل هذا يكفي في جواز التيمم فهنا إذا تيمم وصلى ثم انكشف له قبل آخر الوقت أن استعماله إلى الماء لم يكن ضررياً، هنا لا إشكال في صحة التيمم، ولا إشكال في عدم وجوب الإعادة، وبتعبير آخر يجوز له البدار، إذا قلنا إنه المدار على حين العمل، فنقول هذا العذر كافي وتصح الصلاة مع التيمم ولا إعادة عليه ولا قضاء.

أما إذا قلنا بأن المدار على عدم وجدان الماء إلى آخر الوقت، أو وجود الضرر إلى آخر الوقت، بناء عليه نقول التيمم غير صحيح وعليه الإعادة، هذا القول المصحح والمقوي له هو هذا: بأن المطلوب من المكلف هو الصلاة بين الحدين، يعني تعلق الأمر بطبيعي الصلاة، وطبيعي الصلاة ينطبق على الفرد الأول والثاني والثالث إلى آخر الوقت، كل واحد من هذه الأفراد ينطبق عليه طبيعي الصلاة، هو يجب عليه أن يأتي بالطبيعة والطبيعة المطلوبة هي الصلاة تامة الأجزاء والشرائط بحسب الحكم الأولي، تجب عليه الصلاة عم وضوء مثلاً، هذه الطبيعة تنطبق إما على الفرد الأول أو الثاني أو الرابع أو العاشر، إذا كانت الأفراد الأولى في أول الوقت لم تكن واجدة لجميع الأجزاء والشرائط إذاً لم تنطبق عليها الطبيعة المأمور بها المطلوبة، فإذا وُجد في آخر الوقت فرد تام الأجزاء والشرائط بحيث ينطبق عليه الطبيعة المأمور بها فنقول: هو لم يحقق الامتثال فعليه أن يمتثل فعلاً، عندنا قيود للطبيعة في أول الوقت لا يوجد فرد لهذه الطبيعة في الوقت الثاني لا يوجد فرد لهذه الطبيعة المأمور بها أيضاً لا أصلي في آخر الوقت يوجد فرد للطبيعة فالآن أصلي، فمن خلال ذلك نعرف أنه لا يجوز البدار إلا بتحقيق الطبيعة، فبما أن هذه القيود ترجع إلى الطبيعة المأمور بها فلا أصلي حتى يأتي فرد لها.

نقول: هذا الشخص يعتقد وجود الضرر، واعتقاد وجود الضرر مسوغ للتيمم كما استفدنا من الرواية، ولكن هل هو مسوغ للتيمم بنحو البدار؟ أو مسوغ للتيمم إلى أن ينقضي الوقت؟ بحسب ما بيناه الآن نقول إن خوف الضرر مسوغ للتيمم إذا كان الضرر موجوداً إلى نهاية الوقت.

فعليه: تكون عندنا عدة صور في المسألة:

الصورة الأولى: من اعتقد بالضرر وعلم ببقائه إلى آخر الوقت، قطعاً يبقى بحسب ما يعلمه من الجرح أو الكسر، هنا يجوز له البدار.

الصورة الثانية: اعتقد بالضرر أو حتى لو علم بالضرر ويعلم بأنه لا يستمر لآخر الوقت وأنه سيرتفع قبل خروج الوقت، هنا نقول له ليس لك البدار، تنتظر حتى يرتفع الضرر وتتوضأ.

وتارة يحتمل ارتفاع الضرر فهنا يجوز له البدار بناء على الاستصحاب، الآن فعلاً يوجد ضرر ويحتمل بقاء الضرر إلى آخر الوقت يستصحب ببقاء الوقت يتيمم ويصلي. ولكن إذا انكشف بعد ذلك ارتفاع الضرر أو عدم وجوده، هنا لو قلنا بأن الضرر موجود واقعاً وانكشف ارتفاعه قبل خروج الوقت فالمسألة تدخل فيف بحث الإجزاء، فمن أتى بالوظيفة على ضوء الحكم الظاهري وانكشف له الخلاف فهل يكون ذلك مجزياً أو لا؟ من قبيل استصحاب بقاء الطهارة عن الحدث ثم انكشف له بأنه لم يكن محدثاً فهنا عمل بالوظيفة على طبق الاستصحاب ولكن لما انكشف نقول هل يجزي الظاهري عن الواقعي أو لا يجزي، هناك قالوا لا يجزي، وهنا في المسألة اعتقد وجود الضرر إلى آخر الوقت هنا نقول له صل إذا انكشف عدم الضرر وكانت وظيفته الواقعية الوضوء نقول له ما أتيت به على الحكم الظاهري غير مجزٍ عن الواقع فيجب عليك الوضوء والإعادة.

أيضاً مثلما لو علم بعدم وجود الماء وأنه سيستمر إلى آخر الوقت، ثم بعد الصلاة انكشف أن الماء موجود في رحله هنا نقول له توضأ وصل، إذاً هذا هو الحكم للمسألة في المقام وتفصيل المقام أكثر يكون في محله في الفقه.