الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/10/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

كان الكلام في التنبيه في أن الضرر المأخوذ في قاعدة لا ضرر هل هو الضرر الواقعي أو الضرر الأعم من الواقعي والاعتقادي؟

وتقدم الكلام فيه مفصلاً وتقدم أيضاً بعض الفروع المرتبطة بذلك، بحيث لو اعتقد عدم الضرر وتوضأ، هل وضوؤه صحيح أو لا؟

الآن يوجد فرع يرتبط بهذا التنبيه.

فرعٌ:

وهو أنه لو اعتقد المكلف بعدم وجدان الماء ثم تيمم، فهل تيممه صحيح أو لا؟ هذا الفرع في الواقع يحتوي على صورتين:

الصورة الأولى: إذا اعتقد عدم وجدان الماء، كأن يكون في سفر وفي صحراء واعتقد أنه لا يوجد عنده ماء فتيمم، ثم انكشف له بعد ذلك أن الماء موجود، فهل تيممه صحيح أو ليس بصحيح؟

والصورة الثانية: من اعتقد بأن الوضوء مضر له فتيمم أيضاً، فهل هنا التيمم صحيح أو غير صحيح؟ طبعاً يترتب على ذلك أن الصلاة التي صلاها بهذا التيمم هل تقع صحيحة أو لا؟

طبعاً هنا من حيث التصور والاحتمالات أن نقول: تارة ينكشف له الخطأ في حال الوقت وتارة ينكشف الخطأ بعد الوقت، فعليه تصوراً يمكن أن نتصور عدة أوجه للمسألة:

الوجه الأول: أن التيمم صحيح، فلا إعادة عليه في داخل الوقت ولا قضاء عليه خارج الوقت.

الوجه الثاني: أن نحتمل بطلان التيمم، فهنا يُحكم ببطلان الصلاة سواء كان داخل الوقت أو خارج الوقت، وهنا نقول: بأن التيمم باطل، فلا فرق إذاً بين داخل الوقت وخارج الوقت أن نحكم ببطلان الصلاة، باعتبار أن شرط الطهارة شرطٌ واقعيٌ وليس شرطاً ظاهرياً أو علمياً، فعليه: إذا قلنا ببطلان التيمم فالصلاة وقعت من غير طهارة.

الوجه الثالث: أن يُفصّل بين داخل الوقت وخارج الوقت، فإذا انكشف له الخطأ داخل الوقت تجب عليه الإعادة وإذا انكشف له الخطأ خارج الوقت لا يجب عليه القضاء.

المحقق النائيني (قده) هنا نقل عن المشهور الحكم بصحة التيمم وقبل ما أفاده المحقق النائيني نشير هنا إلى نكتة وهي: أن ما تقدم وما اختاره المحقق النائيني نفسه أن الضرر ضرر واقعي، القاعدة تنفي الضرر الواقعي، باعتبار أن العناوين المأخوذة في المواضيع الشرعية تُحمل على الواقعية، أي عنوان يؤخذ يحمل على العنوان الواقعي وليس على الأعم من الواقعي والاعتقادي، إذا واقعاً تحقق هذا العنوان يترتب الحكم، فعنوان الضرر مثله مثل سائر العناوين يؤخذ فيها أن يكون العنوان واقعياً، بعد ذلك يترتب عليه الحكم.

بناء على هذا يُفترض أن يقال ببطلان هذا التيمم لأن لا ضرر تنفي الحكم عند تحقق الضرر الواقعي، هذا هنا في الصورة الثانية اعتقد الضرر وفي الصورة الأولى اعتقد عدم وجدان الماء وهذه خارجة أساساً عن لا ضرر ولكن ذُكرت في المقام، الصورة الثانية اعتقد الضرر فتيمم فاعتقاده الضرر غير وجود نفس الضرر الواقعي، فإذا قلنا بأن الضرر المأخوذ في قاعدة لا ضرر هو الضرر الواقعي فلم يكن متحققاً فالتيمم يكون باطلاً، هذا كمقتضى للقاعدة على ضوء المختار من أن الضرر ضرر واقعي.

إذاً كيف حكم المشهور بالصحة؟ المحقق النائيني (ره) نسب الحكم بالصحة وعدم وجوب الإعادة إلى المشهور، ثم ذكر في تقريب ذلك، لأنه قلنا بحسب ظاهر الحال يتنافى مع المختار فكيف حكموا بصحة التيمم؟ يقول الحكم بصحة التيمم من جهة أن الموضوع المأخوذ في التيمم هو عدم التمكن من استعمال الماء (فلم تجدوا ماء فتيمموا) هنا حُملت على عدم التمكن من الاستعمال ولم تُحمل على عدم وجدان الماء، والسر في ذلك بيناه سابقاً، أن الموارد التي استثنيت من الوضوء وينتقل للتيمم من جملتها أن كان مريضاً المريض عنده ماء ولكنه غير قادر على استخدامه، بخلاف إذا ما كان على سفر فلا يكون عنده ماء فيتيمم، لكن المريض عذره المرض وليس عدم وجدان الماء، إذاً الآية (فلم تجدوا ماء) المقصود الأعم عدم وجدانه أو وجدانه مع عدم تمكنه من الاستعمال.

إذاً على هذا الضوء نقول: بأن المقصود من عدم الوجدان عدم التمكن فإذاً موضوع التيمم هو عدم تمكن من استعمال الماء، عليه: نطبق هذا الضابط على كلتا الصورتين، الأولى من اعتقد عدم وجدان الماء هنا هل يكون متمكناً من استعماله؟ بالطبع لم يكن متمكناً من استعمال الماء، فإذاً هناك المسوغ للتيمم فنقول الآن يصدق عليه الآية، والصورة الثانية كذلك: اعتقد الضرر وأن الماء يضره في الوضوء هنا لما اعتقد الضرر أيضاً هو غير متمكن من استعمال الماء.

إذاً المشهور إنما حكموا بصحة التيمم وعدم وجوب إعادة الصلاة في الوقت فضلاً عن خارجها مع أنهم ومقتضى القاعدة أن الضرر المنفي في الحديث هو الضرر الواقعي حكمهم من جهة أن هذين الموردين ينطبق عليهما موضوع التيمم وهو عدم التمكن من استعمال الماء، فلهذا قالوا بالتيمم وبصحته.

السيد الخوئي (ره) أورد على المحقق النائيني وفصّل في المقام، قال: بالنسبة إلى الصورة الأولى وهي اعتقاده بعدم وجدان الماء فكلام المحقق متين، بما أنه فعلاً يعتقد بعدم وجدان الماء فهو غير متمكن من استعماله، وهذا أمر يحصل، ربما يموت الإنسان عطشاً مع وجود الماء في رحله ولكن يعتقد بعدم وجوده فلا يسعى له ولا يتحرك نحوه، فلما يعتقد بعدم وجدان الماء، هنا غير متمكن من استعماله، فيتنقح موضوع التيمم، هذا كلام متين في هذه الصورة.

ولكن في الصورة الثانية: لا يوافق المحقق النائيني عليها، فالصورة الثانية أنه من اعتقد الضرر فينتقل إلى التيمم المحقق النائيني وما نسبه إلى المشهور ذهبوا إلى الصحة، السيد الخوئي يقول: لا، من اعتقد الضرر مع عدم وجود الضرر في الواقع فهنا لا بد أن نفصّل، وجهة التفصيل في أنه هل نحكم عليه بأنه غير متمكن من استعمال الماء؟ هذه النقطة التي أراد إثباتها المحق النائيني أن من اعتقد الضرر فهو غير متمكن من استعمال الماء حتى يتحقق موضوع التيمم، هنا يقول: لا بد أن ننظر إلى المبنى الذي تقدم البحث فيه وهو: هل يحرم على المكلف إدخال الضرر على نفسه بنحو مطلق أو لا؟ ناك تقدم الكلام فيه، هل يحرم إدخال الضرر على النفس أو لا؟ إذا قلنا بالحرمة يتم كلام المحقق النائيني أيضاً، الآن من اعتقد بأن الوضوء مضر له هنا نقول غير متمكن من استعمال الماء لأنه ممنوع شرعاً والممنوع الشرعي كالممنوع العقلي، المقدمة الأولى يحرم إضرار النفس، سلمنا بهذه المقدمة، تأتي مقدمة أخرى وهي أنه اعتقد بأن هذا الوضوء مضر له، إذاً في اعتقاده فعلاً يحرم عليه استعمال الماء، إذا حرم استعمال الماء، الممنوع شرعاً كالممنوع عقلاً فهو غير متمكن من استعمال الماء، فيأتي كلام المحقق النائيني بأن هذا الشخص غير متمكن من استعمال الماء فانتقلت الحالة إلى التيمم.

أما لو لم نقل بذلك كما اختاره السيد الخوئي وهو الذي أيّدناه، وهو عدم حرمة إدخال الضرر على النفس بنحو مطلق، الضرر الموجب لإتلاف النفس أو عضو حرام، أما إذا كان الإضرار بنحو التألم لمدة ساعة ثم يرجع الأمر طبيعياً هنا لم تثبت حرمته، عليه: إذا لم نقل بحرمة الإضرار هنا من اعتقد بأن هذا الوضوء مضر له هذا المقدار لم يُمنع شرعاً حتى يكون كالممتنع عقلاً، فلا تأتي هذه القاعدة فعليه يكون غير متمكن، فإذاً لا بد أن نبني المسألة على المبنى هناك، إن قلنا بحرمة إضرار النفس بنحو مطلق فيأتي كلام المحقق النائيني (قده) من اعتقد بالضرر فهو حرام عليه في اعتقاده استعمال الماء فإذا حرم امتنع شرعاً وعقلاً فهو غير متمكن، أما إذا لم نقل بحرمة إدخال الضرر على النفس بنحو مطلق فهنا اعتقد الضرر ولكنه لا يحرم عليه، نعم مرخص له شيء آخر كالتيمم، وهنا نريد إثبات الحرمة لإثبات عدم التمكن، أما مجرد كونه مرخصاً له في ترك الوضوء فهنا لم يكن حراماً عليه حتى يكون كالممتنع عقلاً، فعليه: مع القول بعدم حرمة إضرار النفس هنا لا يتم كلام المحقق النائيني.

حاصل الإشكال: يقول السيد الخوئي (ره) بالنسبة إلى ما ذكرتَه من اعتقاده عدم الوجدان هذا تام وهذه الصورة خارجة عن الضرر، وكلامنا الآن فيما يرتبط بالضرر، والصورة الثانية وهي من اعتقد الضرر هي التي تدخل في بحث قاعدة لا ضرر، فهنا ما أفاده المحقق النائيني يعتمد على المبنى في إدخال الضرر وعدمه.

هذا كله بحسب مقتضى القاعدة، أما لو نظرنا إلى الروايات فهذا ما سيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.