الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/08/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

القول الثالث في التذييل الثاني:

كان الكلام بالنسبة إلى وضوء من يعلم بالضرر إذا أقدم على الوضوء وهو يعلم أنه ضرري، فهل هذا الوضوء صحيح أو لا؟ قلنا بأن في المسألة أقوال:

القول الأول: هو صحة الوضوء وهذا الذي اختاره السيد الخوئي (ره) سواء كان في حالة الضرر أو في حالة الحرج فالوضوء صحيح، وبيّنّا وجهه.

القول الثاني: ما اختاره المحقق النائيني (قده) وهو بطلان الوضوء سواء في حالة الضرر أو في حالة الحرج، وأيضاً بيّنّا الوجه فيه.

القول الثالث: هو القول بالتفصيل وهو الذي اختاره السيد الفقيه صاحب العروة (قده) وهو أنه في حالة الضرر حكم بالفساد وفي حالة الحرج حكم بالصحة، وكثير من الأعلام أيضاً لم يعلقوا على كلامه مما يظهر قبولهم لهذا الرأي أيضاً.

فعندما تعرض للمسألة في العروة، يقول في المسألة الثامنة عشرة في التيمم: (إذا تحمل الضرر وتوضأ أو اغتسل، فإن كان الضرر في المقدمات من تحصيل الماء ونحوه وجب الوضوء أو الغسل وصح، وإن كان في استعمال الماء في أحدهما بطل، وأما إذا لم يكن استعمال الماء مضراً بل كان موجباً للحرج والمشقة كتحمل ألم البرد أو الشَّين مثلاً فلا يبعد الصحة، وإن كان يجوز معه التيمم، لأن نفي الحرج من باب الرخصة لا العزيمة، ولكن الأحوط ترك الاستعمال وعدم الاكتفاء به على فرضه فيتيمم أيضاً)

نلاحظ أن المحشّين من الأعلام على قوله: (وإن كان في استعمال الماء في أحدهما بطل).

السيد الخوئي(ره) قال: فيه إشكال ولا تبعد الصحة في بعض مراتب الضرر، وتبين وجهه من خلال ما ذكرناه من نظره.

السيد عبد الهادي الشيرازي(ره) أيضاً قال: في إطلاق البطلان لمطلق الضرر نظر.

والبقية كالمحقق النائيني والآغا ضياء والسيد الحكيم (رحمهم الله) هؤلاء لم يعلقوا على ذلك.

وبالنسبة إلى الحرج هو قال: (فلا يبعد الصحة) الشيخ آل ياسين(ره) قال: والأقرب البطلان، معنى ذلك أنه يرى البطلان في حالتي الضرر والحرج.

وفي التعليق أيضاً لما علل (أنه لا يبعد الصحة وأن كان يجوز معه التيمم، لأن نفي الحرج من باب الرخصة لا العزيمة، ولكن الأحوط ترك الاستعمال)، السيد البروجردي والسيد الكلبايكاني قالا: لا يترك، المحقق النائيني قال: بل الأقوى، المحقق الخونساري قال: لا يترك.

فنلاحظ أن الكثير من المحشين تبعوا في ذلك ما أفاده السيد الفقيه اليزدي (ره).

الكلام فعلاً فيما هو الوجه في التفريق بين الضرر والحرج؟

أما بالنسبة إلى الضرر القول بالبطلان فيه، فالمذكور وجه آخر غير ما أفاده المحقق النائيني (قده) للبطلان، وحاصل ذلك: أنه مبني على ما ذهب إليه المشهور من المتأخرين من حرمة الإضرار بالنفس، المسألة التي تقدم الكلام فيها وقلنا: بأنه لا يحرم الإضرار بالنفس بنحو مطلق إلا إذا لزم هلاك النفس أو قطع عضو، ولكن المنسوب إلى المشهور أنهم ذهبوا إلى حرمة الإضرار بالنفس، فعليه: المكلف هنا بما أنه يعلم الضرر من الوضوء أو الغسل لا يكون قادراً على استعمال الماء شرعاً لأنه يحرم عليه الإضرار بالنفس والوضوء أو الغسل إضرار بالنفس، فهو غير قادر على استعمال الماء شرعاً، وكما هي القاعدة عندهم الممنوع شرعاً كالممنوع عقلاً، فيكون غير قادر على استعمال الماء عقلاً فتكون الطهارة المائية مبغوضة لدى الشارع ولا يمكن التقرب إلى الله تعالى بما هو مبغوض عنده، فعليه: يحكم ببطلان الوضوء ويجب عليه التيمم.

أما بالنسبة إلى الحرج: فكما قال السيد اليزدي في ذلك واعتبر أن رفع الحج رخصة وليست عزيمة، يعني هو مرخص له ألا يقدم على الحرج وليس أنه على نحو العزيمة يعني أنه لا يجوز له الإقدام على الحرج، وعليه لو أقدم على الوضوء الحرجي لا موجب لبطلانه.

يأتي إشكال: أنه هل يفرَّق في ذلك بين ما إذا سرت الحرمة من المسبب إلى السبب وبين ما لم تسرِ الحرمة؟ هذه النقطة التي تقدم الكلام فيها، إذا كان عندنا أمر توليدي فعندنا سبب ومسبب ويكون المسبب حراماً هل تسري الحرمة إلى السبب؟ فهل يمكن التفريق بين ما إذا كانت تسري من السبب إلى المسبب وبين ما لم تسرِ، بمعنى أنه إذا سرت الحرمة من المسبب إلى السبب فكما أن الإضرار حرام فالوضوء حرام، لأنه هو سبب للحرام وتسري الحرمة من المسبب إلى السبب، وإذا لم نقل بالسريان فالسبب يبقى أنه ليس بحرام، فالوضوء واجب، فهل يمكن التفريق بذلك أو لا؟ على مبنى المشهور أنه لا فرق، يعني سواء قلنا بسراية الحرمة من المسبب إلى السبب أو لم نقل بالسراية.

أما إذا قلنا بالسراية فالأمر واضح إذا كان المسبب وهو الإضرار حرام وسرت الحرمة إلى الوضوء فصار الوضوء حرام ولا يمكن التقرب بما هو حرام، إذاً لا يجوز التقرب بما هو حرام إذاً هذا الوضوء باطل.

أما إذا لم نقل بالسريان، المسبب وهو الإضرار حرام، ولكن السبب وهو الوضوء الذي سبَّب الإضرار ليس بحرام لأنا لا نقول بالسراية فهنا أيضاً المشهور يقولون كذلك هذا الوضوء باطل بهذا البيان:

أن الوضوء وإن لم يتصف بالحرمة لعدم سريان الحرمة من الإضرار إليه إلا أنه لا يمكن أن يتصف بالوجوب، لأن اتصافه بالوجوب وانصاف الإضرار بالحرمة وبينهما علاقة السببية والمسببية يقتضي عدم إمكان الامتثال لكليهما فالتكليف به تكليف بما لا يطاق، عندما يقول الشارع إن الإضرار بالنفس حرام ويقول: يجب عليك الوضوء الذي هو في الواقع سبب للإضرار هنا تكليف بما لا يطاق لأنه إذا امتثل وجوب الوضوء يعني توضأ، تسبب في الإضرار يعني خالف الحرمة، لأن حرمة الإضرار تقتضي الترك، فإذا قلنا يجب الوضوء وتوضأ إذاً ارتكب المحرم وهو الإضرار، وإذا قلنا امتثل الحرمة فلا تضر نفسك يعني لا يمكن التوضؤ وهذا يخالف وجوب الوضوء.

إذاً الجمع بين وجوب الوضوء من جهة وحرمة الإضرار من جهة أخرى هذا تكليف بما لا يطاق ولا يمكن صدوره من الشارع، فلا يمكن أن يحكم الشارع بوجوب الطهارة المائية فعلاً ومع ذلك يقول أن الإضرار حرام الذي هو مسبب عن الوضوء، وهذا من قبيل المتزاحمين فالمتزاحمان عندما لا يمكن أن يأتي بهما ويمتثل كليهما فهنا لا بد أن نرفع اليد عن أحدهما، فلو كان الغرق المؤمن في الأرض المغصوبة، لو قلنا يحرم التصرف في الأرض المغصوبة فعلاً ويحجب إنقاذ المؤمن الغريق فعلاً هنا لا يمكن امتثال كليهما معاً، فلا بد أن نرفع اليد عن أحدهما، هنا ايضاً لا يمكن أن نقول يجب الوضوء الذي هو سبب لإضرار النفس ويقول يحرم إضرار النفس على نحو الفعلية.

لأننا نتحدث في حالة العلم بالضرر، نعم لو كان في حالة الجهل بالضرر الحرمة لا تكون فعلية، الآن كلامنا في حالة الجهل، فلا يمكن الجمع بينهما فلا نقول بوجوب الوضوء مع وجود الحرمة للإضرار.

ربما يقال إنه يمكن تصحيح ذلك على نحو الترتب، الترتب مثلاً في إزالة النجاسة مع الصلاة، إذا ذهب إلى المسجد ورأى نجاسة فيه، هنا نقول يجب عليه إزالة النجاسة ومن جهة أخرى دخل وقت الصلاة تجب عليه الصلاة، لا يمكن الجمع بينهما فيزيل النجاسة ويصلي في نفس الوقت لا يمكن ذلك، إذا فُرض بأن إزالة النجاسة أهم لكونه في أول الوقت مثلاً وواجب فوري والصلاة موسعة فقدمنا إزالة النجاسة، فلو خالف إزالة النجاسة وصلى، على مقتضى الترتب نحكم بصحة الصلاة، طبعاً هذا المثال ليس مثالاً للترتب على وجه الدقة ولكن هذا للتقريب فقط، فهنا لو أقدم على الصلاة نحكم بالصحة للترتب، ما نحن فيه لماذا لا يكون من هذا القبيل، متزاحمان والمقدم أحدهما ولكن خالف وعصى الأول فامتثل الثاني ويكون الثاني صحيح، فهنا عندنا يحرم الإضرار بالنفس وعندنا يجب الوضوء يتزاحمان ولا يمكن الجمع بينهما وامتثال كليهما فهذا المكلف عصى التكليف بالحرمة فامتثل الوضوء، يعني أراد أن يرتكب الضرر فعصى التكليف بالحرمة وارتكب الوضوء، لما ارتكب الوضوء نصحح وضوئه بنحو الترتب كما في المثال السابق.

هذا غير وارد في المقام: وذلك لأن الترتب يتصور في المتزاحمين العرضيين كالمثال الذي ذكرناه في إنقاذ الغريق أو إزالة النجاسة هنا أمران عرضيان بحيث لو انتفى أحدهما يأتي الثاني، فلو ارتفع الآخر يُلتزم بفعلية الأول، أما ما نحن فيه ليسا واجبين فعليين وإنما هما تستطيع أن تقول طوليان ليسا عرضيين وبالتالي أيضاً ليسا فعليين بهذا النحو: وجوب الطهارة المائية على حسب هذا الوجه يتحقق بعد عصيان حرمة الإضرار أنت هكذا تقول، هذا لا يُلتزم به لأن العصيان والإضرار يتوقفان على الطهارة أو يتحققان بنفس الطهارة، يعني عندما توضأ الآن عصى وتحقق الضرر، لأنها سببية كما قلنا، فيخرج عن باب الترتب فلا يمكن التصحيح عن طريق الترتب.

من جهة أخرى أيضاً يمكن أن يقال: بأن الترتب إنما يكون فيما إذا كان الملاك موجوداً في الطرفين، يعني الملاك تام في الطرفين، في إزالة النجاسة ملاكه تام وفي الصلاة ملاكه تام، الإشكال كان في الامتثال في مقام التزاحم، فالترتب هناك متصور، وجوب إنقاذ الغريق ملاكه تام وحرمة التصرف في الأرض المغصوبة ملاكها تام، في الامتثال الآن غير قادر، وما نحن فيه لا يمكن أيضاً أن نقول بتمامية الملاك لأنه بالنسبة إلى حرمة الإضرار غير مشروط بالقدرة الشرعية فقط مشروط بالقدرة العقلية، وبالنسبة إلى الطهارة المائية مشروط بالقدرة الشرعية، فمع وجود حرمة الإضرار وكون الوضوء سبباً في الإضرار هنا لم يتحقق شرط الطهارة المائية وهو القدرة الشرعية، يعني هو ممنوع شرعاً غير قادر شرعاً على الوضوء، فيكون هذا الوضوء شرطه منتفي فلا موجب للقول بتصحيحه، حرمة الإضرار فعلية والإضرار يتحقق بالوضوء والوضوء مشروط بالقدرة الشرعية، يعني أن لا يكون مانع شرعي منه، حرمة الإضرار مانع شرعي منه، إذاً الوضوء فاقد لشرط القدرة الشرعية فملاكه غير موجود.

إذاً هنا ملاك أحد الواجبين غير موجود وملاك الآخر موجود فلا يقع الترتب، لأن الترتب بعد التزاحم وهو بعد فرض تمامية الملاك وهنا أحدهما غير تام الملاك.

فالنتيجة أن المشهور يرى حرمة الإضرار بالنفس والوضوء إضرار بالنفس فيكون الوضوء حراماً ولا يمكن التقرب بما هو حرام، فيقع فاسداً، هذا حاصل كلام المشهور حاصل كلام المشهور.

الجواب عن هذا واضح مما تقدم، وهو أنه لا يحرم الإضرار بالنفس بنحو مطلق، المشهور بنى الحكم ببطلان الوضوء في المقام على حرمة الإضرار بالنفس بنحو مطلق، عليه يتم الاستدلال عندهم.

المناقشة هنا، وهي أننا لا نسلم بحرمة الإضرار بالنفس بنحو مطلق فلا يأتي هذا الكلام كله، فإذاً الدليل كله يبتني على التسليم بحرمة الإضرار، أما إذا قلنا لا يحرم الإضرار فلا نقول بالبطلان من هذه الجهة، البطلان في المقام عند المشهور مبني على القول بحرمة الإضرار بالنفس بنحو مطلق، فإذا نفينا حرمة الإضرار بالنفس بنحو مطلق فهنا لا يبطل الوضوء من هذه الجهة، وهذا أيضاً ما أورده السيد الخوئي (ره) على المشهور.

فالنتيجة من هذا الكلام كله: هل نقول ببطلان الوضوء أو لا نقول؟ المناقشة فيما أفاده المحقق النائيني التي أوردها السيد الخوئي (ره) فالذي يبدو في النظر فعلاً أنما أفاده المحقق النائيني (قده) في المقام متين، وملخصه: أننا نستفيد من الآية الكريمة أن المكلف على نحوين: نحو من المكلفين واجد للماء ونحو آخر من المكلفين غير واجد للماء، نقول بمقتضى الآية: أنت أيها الواجد للماء وظيفتك الوضوء ولا يشرع لك التيمم، وأنت أيها الفاقد للماء وغير الواجد للماء عقلاً وشرعاً وظيفتك التيمم ولا يشرع لك الوضوء، لا نقول إن لا ضرر رفعت الوجوب ويمكن قصد الاستحباب كما يقول السيد الخوئي (ره) في مناقشته للمحقق النائيني أن لا ضرر رفعت وجوب الوضوء ولكن يمكن قصد الاستحباب النفسي المتعلق بالوضوء، لا، بل نقول بحسب ما يستفاد من الآية: إن الوضوء غير مشرَّع لغير الواجد للماء عقلاً وشرعاً، إذا هو غير مشرَّع له فلا مقتضي لصحة الوضوء أساساً، هذا ما يخطر في الذهن.