الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/08/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:مناقشة ما أفاده السيد الخوئي (قده):

كان الكلام فيما أفاده المحقق النائيني (قده) في عدم صحة الوضوء والغسل في حالة الضرر وفي حالة الحرج إلا أنه إذا كان يعلم بالضرر أو بالحرج فغسله ووضوؤه باطلان.

واستدل على ذلك بما ملخصه: أنا نستفيد من الأدلة وبالخصوص الآية الشريفة أن المكلف على نحوين: تارة يكون واجداً للماء فوظيفته هي الوضوء ولا يشرع له التيمم، وتارة يكون غير واجد للماء فتكون وظيفته التيمم ولا يشرع له الوضوء.

والحكم بالتخيير بين الوضوء والتيمم يستفاد من القول بأن وظيفته التيمم ولو توضأ مع العلم بالضرر لكنا صحيحاً، هذا الحكم أشبه ما يكون بالجمع بين النقيضين، لأنه كما قلنا إن غير الواجد وظيفته التيمم والواجد وظيفته الوضوء، فهذا إذا كان مخيراً بينهما، فكأنه قيل هو واجد وغير واجد للماء فلهذا لا يصح.

وأورد عليه السيد الخوئي (ره): بأن المعلق على عدم وجدان الماء هو وجوب التيمم تعييناً لا مشروعية التيمم، يعني إذا لم يجد الماء فلا يجب عليه الوضوء تعييناً أو إذا لم يجد الماء فيجب عليه التيمم لا أنه يجب عليه التيمم تعييناً أو يشرع له التيمم، فالمعلق على عدم الوجدان هو وجوب التيمم تعييناً، والمعلق على وجدان الماء هو وجوب الوضوء تعييناً، الآية ليس فيها دلالة على انحصار مشروعية التيمم بموارد فقدان الماء، يعني عدم وجدان الماء عقلاً وشرعاً كما بينا سابقاً، وبعد أن رفع الإلزام الموجود في وجوب الوضوء بلا ضرر فيبقى الاستحباب، فيمكنه أن يقصد الاستحباب مع عدم وجود الحصر السابق، هذا ملخص ما ذكره السيد الخوئي (ره) هذا فيما قبل التأييدات الأخرى.

ما نقوله الآن فعلاً على كلام السيد الخوئي (ره) أن ما ذكره يخالف ما استفاده في بحث التيمم من نفس الآية، الآن نفى دلالة الآية على انحصار مشروعية التيمم بموارد فقدان الماء، هناك في بحث التيمم المجلد العاشر من بحث الطهارة، يقول: لا شبهة ولا خلاف في مشروعية التيمم في الشريعة المقدسة، ويسوّغه عدم وجدان الماء على ما دلت عليه الآية المباركة، فإن التفصيل قاطع للشركة فهي بتفصيلها بين الواجد للماء وغيره، يعني إما واجد للماء وإما غير واجد دلت على وجوب التيمم على من لم يجد ماءً، والجدان في اللغة بمعنى الإدراك والإصابة والظفر، إلا أن المراد به في الآية المباركة ليس هو عدم الإدراك والإصابة حقيقة وعقلاً بل هو الأعم منه ومن العجز من استعماله شرعاً، كما لو كان الماء الموجود مغصوباً، فهنا شرعاً نقول أنت غير واجد للماء ولا يجوز لك التصرف فيه لأنه مغصوب.

ويدل عليه قوله تعالى (إذا قمتم فاغسلوا) فالأمر بالغسل لا يكون إلا مع التمكن من استعمال الماء عقلاً وشرعاً، وقوله تعالى (وإن كنتم مرضى أو على سفر) فالمسافر في الزمن القديم في الصحاري متمكن من الماء حقيقة وعقلاً إلا أنه عاجز عن استعماله لأنه مضر به.

فالملخص أن المراد من عدم وجدان الماء في الآية المباركة هو عدم التمكن من الماء عقلاً وشرعاً.

إذاً هذا الكلام كله يبين فيه أن الآية تفيد انحصار الحكم بين من وظيفته التيمم ومن وظيفته الوضوء أو الغسل، فمن وظيفته الوضوء أو الغسل هو الواجد للماء والمقصود أن يكون واجداً له عقلاً وشرعاً، بحيث لو لم يجد الماء عقلاً وشرعاً فالوظيفة الثانية وهي عدم وجدان الماء عقلاً وشرعاً ووظيفته التيمم، وجد الماء ولكنه مغصوب هذا أيضاً غير واجد للماء ووظيفته التيمم، إذا وجد الماء ولكنه يضره نقول أيضاً أنت غير واجد للماء، ثم الآن يوضح محل ما نريده أكثر فيقول: ثم إنه لو كنا نحن وهذه الآية المباركة لخصصنا مشروعية التيمم بموارد عدم التمكن من استعماله عقلاً أو شرعاً كما مرّ إلا أن أدلة نفي الضرر والحرج دلتنا على أن مشروعية التيمم عامة لما إذا تمكن المكلف من استعمال الماء عقلاً وشرعاً بأن كان الماء مباح له إلا أنه حرجي وعسري للمكلف فلا بد من التيمم حينئذ، وهذه في الحقيقة تخصيص في أدلة الوضوء والغسل لأن أدلة نفي الضرر والحرج حاكمة على أدلة وجوب الوضوء أو الغسل، و قد أوضحنا في محله أن الحكومة هي التخصيص واقعاً غاية الأمر أنها نفي للحكم عن موضوعه بلسان نفي الموضوع وعدم تحققه.

إذاً كلامه في الأخير من قوله: ثم إنه لو قلنا، خلاف ما ذكره الآن واستفاده من بحث لا ضرر في المصباح، هنا في بحث التيمم يقول: بأننا لو خلينا والآية لخصصنا مشروعية التيمم بموارد عدم التمكن من استعماله عقلاً أو شرعاً وعدم التمكن عقلاً كما قلنا أنه غير واجد للماء حقيقة وعدم التمكن شرعاً هو أن الماء موجود ولكنه مغصوب هنا نقول: أيضاً غير واجد للماء شرعاً، السيد الخوئي (ره) يقول: لو خلينا والآية المباركة لقلنا أن مشروعية التيمم في خصوص عدم وجدان الماء حقيقة وشرعاً على حسب الآية المباركة، ولكن إلا أن أدلة نفي الضرر والحرج دلتنا على أن مشروعية التيمم عامة لما إذا تمكن المكلف من استعمال الماء عقلاً وشرعاً وكان مباحاً له إلا أن استعمال الماء حرجي وعسري بحقه.

الآن بواسطة لا ضرر ولا حرج وسعنا دائرة عدم الوجدان، الماء موجود فلا يقال له عدم الوجدان عقلاً وإذا كان الماء مباحاً لا يقال له عدم الوجدان شرعاً، إذاً لماذا لا تتوضأ يقال لأنه مضر، الوضوء في الوقت البارد مع الماء البارد حرجي، هنا دخلت حالة ثالثة غير عدم الوجدان العقلي والشرعي وهي أنه لم يتمكن من الاستعمال لأنه مضر، هذه ببركة لا ضرر ولا حرج قلنا هذا القسم أيضاً وظيفته التيمم وجعله السيد الخوئي وقال هذا حقيقة تخصيص في أدلة الوضوء والغسل لأن أدلتها تشمل حالة الضرر وببركة لا ضرر أخرجنا حالة الضرر من أدلة وجوب الغسل والوضوء، وهذا في الحقيقة تخصيص في أدلة الوضوء والغسل لأن أدلة نفي الضرر والحرج حاكمة على أدلة وجوي الوضوء أو الغسل وقد أوضحنا في محله أن الحكومة هي التخصيص واقعاً غاية الأمر أنها نفي للحكم عن موضوعه، إذاً أخرجنا هذه الحالة من تحت الوضوء فلا يشرع له الوضوء.

فما أفاده السيد الخوئي في إشكاله عن المحقق النائيني مخالف لما ذكره هناك بالتفصيل، نحن لا نريد فقط إثبات المخالفة لأن تغير الرأي حاصل، كما لو كان بين البحثين وقت طويل، بل نريد أنه نفس هذا المضمون الذي ذكره صالح للجواب عما أفاده هناك، فنقول: إن الآية الشريفة كما ذكر المحقق النائيني (قده) تبين أن المكلف على نحوين، مكلف واجد للماء عقلاً وشرعاً ووظيفته الطهارة المائية ومكلف غير واجد للماء عقلاً وشرعاً ووظيفته الطهارة الترابية، ولا ضرر أدخلت المتضرر في ضمن غير الواجد شرعاً، فتنتقل وظيفته إلى الطهارة الترابية، ولا يُتعقل التخيير الذي أفاده (قده) لأن التخيير لا يكون بين الأمرين الطوليين، بل يكون بين الأمرين العرضيين، أساساً التيمم لا يكون إلا مع عدم التمكن من الوضوء، فقوله (فتيمموا) هذا العطف بالفاء على الشرط فمتى ما تحقق الماء انتفى شرط الطهارة الترابية ومتى ما انتفت الواجدية هنا يأتي التيمم، فالتيمم وظيفة متعقبة على عدم الواجدية فكيف يمكن أن نقول بالتخيير، فالقول بالتخيير في مثل هذا الأمر لا يخلو من مجازفة، هذا ما يرتبط بأصل الكلام مع السيد الخوئي (ره).

ثم إن السيد الخوئي (ره) قال بما مضمون كلامه أنه لا استيحاش في التخيير بين الوضوء والتيمم لأننا رأينا الشارع في بعض الموارد خير بين الوضوء والتيمم، المورد الأول فيمن ذهب إلى فراشه وتذكر أنه لم يتوضأ هنا الشارع يقول له لك أن تتيمم، فهذا مورد معناه أنه مخير بين الوضوء والتيمم.

يمكن المناقشة في الأمر الأول: أنه لا يرد مثل المحقق النائيني (ره) يعني الآن فعلاً الكلام بحسب المستفاد من الآية أنه (إذا قمتم إلى الصلاة....) هنا في شرط الطهارة للصلاة هنا نقول وجوب الوضوء معلق على وجدان الماء وجوب التيمم معلق على فقدان الماء، في هذه الصورة التي أردت أن تجري فيها التخيير هذه لا تجري بمقتضى الآية، أما في مورد آخر ربما الشارع لمصلحة والأمر ليس بأهمية الصلاة يقول: إنه في حالة قبل النوم ولم تتوضأ يمكنك التيمم هذا لا يصلح أن يكون دليلاً وشاهداً على التخيير بين الطهارة المائية والطهارة الترابية لأجل الصلاة، وكلام المحقق والأعلام هو في الصلاة، أما في مورد آخر لا مشكلة فالشارع لمصلحة قال بأنه لا بأس بأن تأتي بالتيمم في هذه الصور، فلا يمكن أن نجعل هذا دليلاً على ما نحن فيه.

الشاهد الثاني: بالنسبة إلى الصلاة على الميت، فإذا لم يتوضأ يمكنه أن يتيمم ويصلي، نعم اختلفوا هل الانتقال للتيمم في حال عدم اللحاق بالصلاة؟ أو مطلقاً يجوز له التيمم؟ على كل حال هنا جاز له التيمم فصار مخيراً.

نقول: هذا أيضاً لا يصلح أن يكون شاهداً لأن الصلاة على الميت تجوّزاً نسميها صلاة هي دعاء ولا يوجد فيها أركان الصلاة لا سجود ولا ركوع، لو شخص لم يتوضأ ولم يتيمم يمكنه أن يصلي، فهو مخير بين الطهارة وعدم الطهارة فنقول إنه يستحب له الوضوء والكون على طهارة في صلاة الميت، وهذا أيضاً لا يصح أن يٌعد شاهداً، بل حتى لو قلنا بكونها شاهداً صحيحاً فالتخصيص غير عزيز فيمكن أن يخصص، الآية تدل على ما ذكرناه بأن مشروعية التيمم مترتبة على فقدان الماء وفقدان الطهارة المائية بحيث إذا لم تشرع الطهارة المائية تنتقل الحالة إلى الطهارة الترابية لفقدان شرط الطهارة المائية، وفي الموردين الآخرين خصصنا لو سلمنا بصحتهما، لا مانع من التخصيص.

أيضاً بالنسبة إلى الشاهد الثالث، فلو كان على جسم المكلف جرح أو قرح مكشوف غير مجبر، فإذا كان مجبراً يتوضأ وضوء جبيرة، أما إذا كان غير مجبر فهنا الروايات مختلفة، فروايات تقول يتوضأ ويغسل ما حول الجرح، وروايات تقول يتيمم، السيد الخوئي قال الجمع بينها أن نقول هو مخير بين الوضوء والتيمم.

هنا لو استفيد من الروايات التخيير فنقول أيضاً هذه حالة خاصة، الآن لا يستطيع أن يغسل جميع الأعضاء وليس عليه جبيرة ليمسح عليها نقول له تكتفي بغسل ما حوله أو تتيمم، هذه حالة خاصة يمكن فيها التخصيص، إذاً لحد الآن ما أفاده السيد الخوئي (ره) غير ناهض للنقض على ما افاده المحقق النائيني (قده) وللكلام تتمة.