الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/08/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

مناقشة الأقوال في التذييل الثاني:

كان الكلام فيما إذا علم بالضرر ومع ذلك أقدم عليه، فتوضأ أو اغتسل مثلاً، وقلنا إنه في المسألة ثلاثة أقوال:

القول الأول: هو القول بالصحة سواء مع الضرر أو الحرج، ولا يصح غيرهما.

القول الثاني: هو عدم الصحة لا مع الضرر ولا مع الحرج.

القول الثالث: التفصيل بين حالة الحرج فيصح وفي حالة الضرر لا يصح.

القول الأول ذهب إليه السيد الخوئي (ره) وقد أوضحنا كلامه، باعتبار أن الوضوء والغسل مستحبان نفسيان فبإمكان المكلف أن يقصد استحبابهما النفسي، ولا ضرر إنما رفعت الحكم الإلزامي وعليه يصح الوضوء والغسل وهذا لا يتأتى في مثل القيام في الصلاة لأن القيام لم يكن مستحباً في نفسه لهذا لما رفع بلا ضرر الإلزام ارتفع الحكم وكانت وظيفته الجلوس فلو قام لكان مخالفاً لوظيفته الشرعية ونحكم بفساد صلاته.

وأشار إلى أنه ربما مع وجود لا ضرر ينتفي الحكم الفعلي الإلزامي ولكن يبقى الملاك والملاك يمكن قصده وتتحقق الصحة به، هذا الكلام كله تقدم، وكلام السيد يبتني على القول بأن الوضوء والغسل مستحبان نفسيان، وأن لا ضرر حاكمة على أدلة الأحكام الإلزامية فقط وليست حاكمة على أدلة الأحكام الاستحبابية مثلاً.

عندنا تعليق في هذه النقطة الأخيرة: نقول: السيد الخوئي (ره) فيما مضى وتعرضنا لذلك، بأنه يرى أن لا ضرر قاعدة امتنانية، امتنان من المولى سبحانه وتعالى على العبد يرفع عنه الحكم الضرري، وعلى هذا لما قلنا بأنها امتنانية قلنا بأنه لو توضئ غير عالم بالضرر وصلى وتبين أن هذا الوضوء ضرري نحكم بصحة وضوئه وصلاته، لأنه لو أوجبنا عليه الإعادة لكان ذلك على خلاف الامتنان.

نقول: هذا المعنى يمكن الاستفادة منه في المقام، بمعنى أنه لا نحتاج نحن إلى إثبات أن الوضوء مستحب نفسي أو الغسل مستحب نفسي في نفسه وأن يقصد هذا الاستحباب مع وجود البحث في الغسل، وأيضاً مع البحث في أنه هل لا ضرر ترفع الأحكام الإلزامية فقط أو يمكن أن ترفع الأحكام الإلزامية والترخيصية؟ هذا سنشير له فيما بعد إن شاء الله.

نقول: نحن لا نحتاج إلى هذا بعد أن قلت بأن لا ضرر قاعدة امتنانية فالامتنان لا يرفع الملاك بل يرفع الحكم الفعلي، صحيح بأن الملاك لا طريق لنا لاستكشافه إلا الأمر على حسب ما أوضحناه في الدرس السابق، ولكن الآن ارتفاع الأمر لأجل الامتنان على المكلف وإرفاقاً به رفع عنه الحكم الفعلي، إذا كان كذلك فلا موجب لرفع الملاك، الأمر المتعلق بالوضوء مثلاً يوجد فيه ملاك، يعني استكشفنا وجود الملاك في الوضوء أو في الغسل ملاك إلزامي واستكشفناه عن طريق الأمر بالغسل أو الوضوء، الآن في حالة كونه ضررياً تقول: هذا امتنان على المكلف والامتنان لا يرفع الملاك بل يرفع الخطاب الفعلي فقط فيبقى الملاك فلا موجب لرفعه فيمكن أن يأتي بالفعل بداعي الملاك الموجود فيه ونحكم بصحته من هذه الجهة.

فما ذكره السيد الخوئي (ره) من باب لزوم ما لا يلزم، ألزم نفسه بلا لازم، فبما أنه أنت تقول بأن القاعدة امتنانية إذاً الامتنان لا يرفع الملاك بل يرفع الخطاب الفعلي فقط وهذا ما يتم به الامتنان، نعم لو قلت بأنها غير امتنانية أو فسرت الامتنان بتفسير آخر، يعني لا ضرر نرفع الحكم من الأساس مع الملاك ولكن هو في مورد الامتنان لا نقول الآن الحكم بعدم اللزوم امتناني، بل نقول: نفس لا ضرر لما جاءت هي رفعت الحكم الإلزامي من الأساس بحيث نقول فعلاً لا يوجد حكم لا أنه لا يوجد خطاب، فهنا يرتفع الحكم، هذا النحو ورد مورد الامتنان، فرق بين أن تقول وردت القاعدة مورد الامتنان وبين أن تقول هي امتنانية، إذا قلت هي امتنانية فالامتنان يتحقق بعدم الخطاب الفعلي.

أما القول الآخر: وهو القول بعدم الصحة مطلقاً وهو الذي اختاره المحقق النائيني (قده) بحيث حكمنا بالفساد لو توضأ أو اغتسل مع علمه بالضرر هنا يُحكم بالفساد، وأيضاً مع علمه بالحرج، يعني الوضوء حرجي متحمل ولكن فيه مشقة شديدة ولا يوجب الضرر، فنقول هذا الوضوء حرجي وكذلك الغسل إذا كان الماء بارد والجو بارد، هذا الحكم المطلق بفساد الوضوء في حالة الضرر أو الحرج مبني على ما ذكره في بحث الترتب من أن المكلف ينقسم بحسب الآية آية الوضوء (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) ثم فيما بعد (فلم تجدوا ماءً فتيمموا) هذه الآية يستفاد منها التقسيم، يعني جعلت المكلف على قسمين، قسم واجد للماء وقسم غير واجد للماء.

القسم الأول الوجد للماء وظيفته هي الوضوء والغسل، يعني وظيفته الطهارة المائية.

والقسم الثاني: وهو غير الواجد للماء وظيفته التيمم الطهارة الترابية.

إذاً الطهارة المائية إنما تكون في حالة الوجدان، يعني كأنها مشروطة بالوجدان، والطهارة الترابية مشروطة بعدم وجدان الماء، إذا لم تجدوا الماء فيجب عليكم التيمم يعني تنتقل الحالة إلى التيمم، فإذا حكمنا هنا بصحة الوضوء أو الغسل يعني أن المكلف صار مخيراً بين الوضوء والتيمم، في حالة علمه بالضرر نقول له: يجوز لك التيمم ومن جهة أخرى نقول له: لو توضأت لكان وضوؤك صحيحاً، إذاً في الواقع مخيرٌ، التخيير بين الوضوء والتيمم يشبه الجمع بين النقيضين، لأن الأمر بالتيمم مشروط بفقدان الماء وعدم وجدانه، والوضوء مشروط بوجدان الماء، فإذا قلنا بالتخيير بينهما كأنك تقول أنت واجد وغير واجد للماء.

حاصل كلامه (قده): بما أننا استفدنا من الأدلة أن المكلف على نحوين واجد الماء وظيفته الوضوء وقسم غير واجد ووظيفته التيمم، فإذا قلت يجوز له التيمم نتيجته التخيير بينهما وهذا أشبه بجمع النقيضين، المقصود بالوجدان هو الوجدان العقلي والشرعي أو أن نقول هو القادر على الماء، فنتيجته أنه نحكم بالفساد لأن وظيفته التيمم وهو أتى بغير وظيفته.

السيد الخوئي (ره) أورد عليه: بأن المعلق على عدم وجدان الماء ليس هو وجوب التيمم، إنما المعلق هو وجوب التيمم التعييني، والمعلق على وجود الماء هو وجوب الوضوء تعييناً، هذا الشرط ليس فيه دلالة على انحصار مشروعية التيمم على فقدان الماء، يعني بعد رفع وجوب الوضوء تعييناً للضرر أو الحرج يبقى الاستحباب فلا تنتفي مشروعية الوضوء، لأن الشرط علق عليه وجوب الوضوء تعييناً فلما ارتفع الوجوب يبقى الاستحباب بحاله، باعتبار أن لا ضرر ترفع الحكم الإلزامي ولا ترفع الاستحبابي، النتيجة هو بطلان ما أفاده المحقق النائيني (قده)، والنتيجة هو الحكم بصحة الوضوء وصحة الصلاة، وهو مخير بين الوضوء والتيمم.

ثم أورد شواهد يؤكد فيها السيد الخوئي (ره) أن فيها المكلف مخير بين الوضوء والتيمم:

المورد الأول: من آوى إلى فراشه وتذكر أنه لم يتوضأ ويريد أن ينام على طهارة يمكنه أن يتوضأ ويمكنه أن يتيمم.

المورد الثاني: في الصلاة على الميت من لم يكن على وضوء مع وجدان الماء يمكنه أن يتمم ويلتحق معهم في الصلاة.

المورد الثالث: من كان في أحد أعضائه جرح أو قرح ولم يكن على الجرح جبيرة فهنا الروايات متعارضة هل يغتسل ويغسل ما حول الجرح أو ينتقل للتيمم؟ الجمع بين هاتين الطائفتين هو أن نقول إنه مخير بينهما.

فالحاصل من السيد الخوئي (ره): فمن كان يتضرر من استعمال الماء يمكنه أن ينتقل للتيمم ارفاقاً به ويمكنه أن يتوضأ لبقاء الاستحباب فيه، وهذا فيه شواهد كما ذكر (ره)، هذا حاصل كلامه وسيأتي الكلام فيه.