الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

مناقشة ما أفاده السيد الخوئي (ره):

كان كلام المحقق النائيني (قده) والسيد الخوئي (ره) في الواقع هو بحث عن سعة دائرة لا ضرر يعني هل تشمل الوضوء الضرري أم لا؟

نقول أولاً: ما ادعي من وجود إجماع بل تسالم على صحة هذا الوضوء هذا غير تام، يعني تعبير السيد الخوئي (ره) يقول لما ذكر الموردين اللذين يتنافيان مع القول بأن الضرر واقعي، قال: الثاني: تسالم الفقهاء على صحة الطهارة المائية مع جهل المكلف بكونها ضررية.

إما هو ينسب أو من يحكي عنه، يعني من أورد هذا الإشكال يدعي ذلك، نقول: هذه النسبة غير تامة لأن هذه المسألة غير مبحوثة عند القدماء بل حتى ما بعد القدماء بل بحثت في العصر الأخير، الإجماع والتسالم الذي يمكن أن يكون مستنداً هو الموجود عند المتقدمين، والسر في ذلك: عندما نريد أن نحكم بحجية الإجماع بما هو كاشف في نظرنا في مقابل العامة، إن الإجماع لا موضوعية له في حد نفسه بخلاف رأي العامة، نحن عندنا الإجماع بما هو كاشف عن رأي المعصوم فلهذا يكون حجة في كشفه عن رأي المعصوم، وإلا فمجرد الإجماع في حد ذاته لا موضوعية له.

بحث الإمامية في كيفية إثبات هذا الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم وكيف يكون حجة، فينبغي في مجال بحثنا أن نحقق في وجود إجماع عند المتقدمين كالشيخ الطوسي والشيخ المفيد السيد المرتضى والشيخ الصدوق وهكذا غيرهم، إذا أمكن تحصيل إجماعهم فنعم يمكن أن نضيف إلى ذلك بأنه مع عدم وجود آية أو رواية أو دليل معتبر آخر يمكن المسك به في المسألة فنقول: بأن هذا الإجماع قد أخذه هؤلاء العلماء طبقة عن طبقة إلى عصر المعصوم، فلهذا نكتشف رأي المعصوم من خلال ذلك.

وهذه مسألة مهمة في المسائل التي لا يوجد فيها نص أو لا يوجد مستند يمكن الاستناد إليه كسيرة العقلاء أو المتشرعة ولا يوجد أصل في هذه المسألة، مع ذلك نلاحظ أن الفقهاء أجمعوا على حكم، هنا بعد معرفة أن الفقهاء بمرتبة من الورع والتقوى والتتبع والعلم، بعد اجتماع هذه الصفات لا يمكن أن يفتوا من عند أنفسهم، إذاً الفقهاء في الطبقة الأخيرة قد أخذوا الحكم من الطبقة السابقة والسابقة أخذته من الأسبق وهكذا إلى عصر المعصوم، فنستكشف أن المعصوم كان من جملة من قال بهذا الرأي.

إذا فرضنا أن الإجماع حاصل عند المتقدمين ولكن المدرك الذي يمكن أن يستند إليه من آية أو رواية أو أصل أو ما شابه موجود، هنا لا يكون لهذا الإجماع حجية لأنه يكون مدركياً فنحن والمدرك، هل هذا المدرك الذي استندوا إليه تام في نظرنا أو لا؟ لأنه المفروض نحن بإزائهم في هذا المقدار.

النقطة التي نريد الآن بيانها: هي أن المتقدمين لا بد أن نعرف رأيهم، فإذا كان هناك خلاف بينهم لم يتم الإجماع، إذا لم تُحرر هذه المسألة عندهم أيضاً لا يمكن تحصيل الإجماع، لأنه أساساً لم تُحرر لعدة أمور، إذاً لا بد من تحصيل إجماع المتقدمين، هذه المسألة وهي أنه لو توضأ معتقداً بأنه غير مضر أو جاهلاً بكونه مضر ثم بعد ذلك تبين له أنه مضر هل تجب علليه الإعادة أو لا؟ مسألة لم تحرر عند المتقدمين فكيف ندعي تسالم الفقهاء عليها.

النقطة الأخرى: المسألة أثيرت عند المتأخرين ومع ذلك المتأخرون لم يجمعوا على المسألة بل فيها أقوال:

قول بالصحة مطلقاً بصحة الوضوء إذا كان ضررياً علم أو لم يعلم بالضرر، لأنه في المقابل عندنا مسألة لم يبحث عنها السيد الخوئي وينبغي أن تُبحث، وهي أنه لو كان معتقداً بأن الوضوء ضرري ومع ذلك أقدم وتوضأ وانكشف له عدم كونه ضررياً، هل نحكم بالصحة أو لا؟ يعني بعكس مسألتنا، المهم أن بعض الفقهاء ذهبوا إلى أن الوضوء صحيح علم بالضرر أو جهل به.

وقسم آخر من الفقهاء ذهبوا إلى أن الوضوء فاسد علم بالضرر أو لم يعلم به.

وقسم ثالث من الفقهاء ذهبوا إلى أن الوضوء صحيح إذا لم يكن يعلم بالضرر أي كان جاهلاً به، وأن الوضوء فاسد إذا علم بالضرر.

المهم أن هناك خلاف عند المتأخرين في هذه المسألة فكيف يُدعى التسالم.

النقطة الثانية: يمكن أن يقال: بأن المورد ليس من موارد البحث في سعة وضيق دائرة لا ضرر وأنها هل تشمل المورد أو لا تشمله من جهة كونها امتنانية وهذا خلاف الامتنان، المسألة ينبغي أن تُحرر من جانب ثاني، وهي أنه ما هو المستفاد من أدلة الوضوء؟ هل يستفاد منها الشمول لحالة الضرر بحيث تكون مطلقة وإطلاقها يشمل حالة الضرر، ثم نأتي إلى لا ضرر ونقول هل تشمل أو لا تشمل؟

على ما سبق عندنا من الأبحاث السابقة قلنا بأن لا ضرر ناظرة إلى الأدلة الأولية المجعولة على الأحكام الأولية، الأحكام التي يكون في متعلقها يوجد الحالتان حالة الضرر وحالة عدم الضرر، تأتي لا ضرر وتقول بأنه لا ضرر مرفوع، هذا الحكم بحد نفسه يجب الصوم مثلاً يشمل حالة الضرر والحالة العادية بإطلاقه، فتأتي لا ضرر وتقول حالة الضرر منفية، هكذا بحسب ما تقدم عندنا.

الذي نريد أن نقوله في باب الوضوء هنا، هل يستفاد من أدلة الوضوء الإطلاق في الحكم بحيث يشمل حتى حالة الضرر فنقول يجب الوضوء له، الوضوء صنف ضرري وصنف غير ضرري مقتضى الإطلاق دليل الوضوء يشملهما، ثم نأتي هل لا ضرر ترفع أو لا ترفع الوضوء الضرري؟ ترفع الوضوء الضرري في حالة الجهل أو في حالة العلم، هذا بحث في سعة دائرة لا ضرر، فنقول: هي تشمل حالة العلم فقط، أما حالة الجهل لو أردنا أن نجريها في المقام لكانت على خلاف الامتنان.

فلاحظوا البحث الذي مشيا عليه يكون في سعة وضيق دائرة لا ضرر، هكذا السير عندهم، ولكن أساسً نقول: ماذا نستفيد من أدلة لا ضرر؟ هل نستفيد الشمول للضرر وعدم الشمول أو لا؟

الأدلة المهمة هي الآية الشريفة التي قالت ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾[1] [المائدة: 6]، هذه الآية هي الأساس في الإطلاقات وآية أخرى في هذا الجانب، هذه الآية وقعت محل بحث طويل ليس هذا محل الكلام فيه بل في الفقه، لكن ما نريد أن نقوله بما يرتبط في المقام: يمكن أن نستفيد من خلال هذه الآية مع بقية سائر الأدلة بأن المكلف ينقسم إلى قسمين: قسم واجد للماء وقسم غير واجد للماء، المقصود من الواجد هنا ليس هو من عنده الماء فعلاً بل المقصود منه القادر على الوضوء وغير القادر، وهذه نقطة بحث مهمة، أن من جملة من استثنوا هم المرضى فالمريض عنده الماء ولكنه غير قادر لأنه مريض، وظيفة القادر على الماء هي الوضوء، ووظيفة غير القادر هي التيمم، إذاً لما نريد أن نطبق على المقام نقول: بأن هذا المكلف الذي كون وضوؤه ضررياً عليه هل هو في واقعه قادر على الماء أو غير قادر عليه؟ إن كان في واقعه غير قادر عليه فمن الأول وظيفته التيمم فلما أتى بوظيفة أخرى يفترض أنه لم يأت بالوظيفة المطلوبة، فوضوؤه فاسد لا من جهة لا ضرر بل من جهة أنه لم يأت بالوظيفة المطلوبة منه، وإن كان قادر وجاهل بالضرر فوظيفته الوضوء فلا نحتاج إلى أن نتمسك ونقول لا ضرر لا تأتي هنا لكونها امتنانية.

إذاً نقطة البحث أجنبية عما ذكراه، ليس من جهة الامتنان وعدم الامتنان، وإنما ماذا نستفيد من أدلة الوضوء؟ إذا استفدنا هذا التقسيم قسم قادر على الماء وقسم غير قادر عليه، القادر على الماء يجب عليه الوضوء ولا يشرع له التيمم وغير القادر يجب عليه التيمم ولا يشرع له الوضوء، فهنا إذا عرفنا ذلك نطبق، فإذا كان عرفاً قادراً على الماء فأتى بوظيفته وإذا كان عرفاً غير قادر على الماء فلم يأت بوظيفته، فلو كان جاهلاً بالضرر عرفاً يكون قادراً على الوضوء من هذه الجهة نحكم بالصحة، لا من جهة أن لا ضرر لا تشمله لكونها امتنانية، بل لأنه أتى بوظيفته المطلوبة منه، هكذا ينبغي أن يُحرر البحث.


[1] مائده/سوره5، آیه6.