الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

ما أفاده صاحب الكفاية في وجه تقديم لا ضرر:

كان الكلام في الجمع بين لا ضرر وبين إطلاقات الأدلة الدالة على الأحكام الأولية، وقلنا بأن الوجه الصحيح التام هو ما أفادته مدرسة المحقق النائيني (قده) وقد أفاده الشيخ قبله ولكن فيه إشكال أورده صاحب الكفاية (ره).

التقريب النهائي هو الذي أفاده السيد الخوئي (ره) يدفع الإشكال وأن التقديم باعتبار الحكومة أن لا ضرر حاكم على تلك الأدلة، ومع التقديم بالحكومة لا ينظر إلى الجهات الأخرى، كون أحدها أقوى سندا أو دلالة وما شاكل، هذا تقدم الكلام فيه، وهناك أوجه ضعيفة لا تحتاج إلى بحث وعناء.

الوجه الذي أفاده صاحب الكفاية (قده):

فإنه بعد أن أورد الإشكال على الشيخ من جهة الحكومة باعتبار أن الحكومة هي التي يكون فيها نظر من الدليل الحاكم إلى الدليل المحكوم متصرف فيه ومفسر له، وهذا لا نطبق على لا ضرر، وهذا الإشكال قلنا بالأمس بأنه بعد البيان الواضح لأقسام الحكومة يتضح اندفاع هذا الإشكال وأن لا ضرر ناظرة إلى أدلة الأحكام الأولية، ولا نحتاج إلى الإعادة، المهم أن صاحب الكفاية بعد أن أورد هذا الإشكال على الحكومة سلك مسلك آخر لبيان الجمع.

حاصل هذا المسلك: يقول: نحن عندنا إطلاقات الأحكام الموجودة في الكتاب والسنة، تتكفل الأحكام الشرعية الأولية، بمعنى تتكفل بالأحكام الشرعية المجعولة لعناوينها الأولية فدليل وجوب الوضوء يتكفل بجعل الوجوب على الوضوء بما هو وضوء بعنوانه الأولي لا بنظر آخر، ومثلاً وجوب الصوم يتكفل إلى وجوب الصوم بما هو صوم لا بما يطرأ عليه من عنوان آخر وهكذا بقية الأحكام.

المهم أن هذه الإطلاقات تتكفل جعل الأحكام الشرعية للأشياء بحسب عناوينها الأولية ولا ينظر فيها إلى أي أمر آخر، ومقتضى الإطلاق طبعاً أنه يثبت الحكم لهذا العنوان الأولي سواء كان ضررياً أو غير ضرري، لأنه بنحو الإطلاق يثبت الحكم للعنوان بنحو مطلق ضرري كان أو غير ضرري، وعندنا من جانب آخر لا ضرر تتكفل لنفي الأحكام الضررية يعني بالعنوان الثانوي، الوضوء بما هو ضرري ليس بواجب، وكذلك الصوم والغسل.

إذا ألقينا هذين النوعين من الأدلة إلى العرف نرى أن العرف يقدم الدليل المتكفل بالعنوان الثانوي على المتكفل بالعنوان الأولي بحسب ارتكازهم، فالدليل الثانوي يعتبر فعلياً والدليل الأولي يعتبر اقتضائياً، فنقدم الحكم الفعلي على الاقتضائي.

ويمكن أن يضاف للتقريب: أن الأدلة المتكفلة للأحكام الشرعية المجعولة بعناوينها الأولية هذه بحد المقتضي أو حكم اقتضائي، والمتكفل للحكم الفعلي يعني لا ضرر مانع، والمقتضي يؤثر ما لم يوجد المانع، فإذا وجد لا يؤثر المقتضي أثره.

نظير ذلك في حديث الرفع مع بقية الأدلة، فحديث الرفع ناظر إلى رفع ما لا يعلمون والنسيان وغيرها هذا يكون ناظر إلى الأدلة بحسب اتصافها بهذا العنوان الثانوي، يعني إن الأدلة الأولى ناظرة إلى المتعلقات بحسب عناوينها الأولية في حد نفسها تشمل حالة الجهل والنسيان والاضطرار والاختيار مطلقة، لما جاء حديث الرفع قال مع وجود هذه العناوين هذه الأحكام مرفوعة، فالعرف يجمع بينها ويقدم حديث الرفع على تلك الأدلة المثبتة للأشياء بحسب عناوينها الأولية، إذاً هذا توفيق عرفي، هذا حاصل ما أفاده المحقق صاحب الكفاية.

وهو أيضاً وجه متين ولكن لعله يستبطن الحكومة وإن كان هو لا يقول بالحكومة فيه، بل هو يجعله وجهاً آخر.

لكن أقول: لعله النكتة الأساسية في التقديم عندهم هي الحومة باعتبار أن الحكم الثانوي ناظر إلى الأحكام الأولية، وأنه لولا وجود الأحكام الأولية لكان الحكم الثاني لغواً، وهذه الضابطة الجامعة كما قلنا للحكومة من هذا القسم، لأنه عندنا قسم آخر من الحكومة لم يتعرض له لأنه الآن ليس محل لبحثنا، هناك حكومة مثل حكومة الأدلة الأمارات على الأصول، إذا ما اعتبرناها من الورود، فهذه ليست من جهة النظر وإنما هي رافعة إلى الموضوع ولكن تعبداً، هذا الآن لا ندخل فيه لأنه خارج عن محل البحث، ومحل البحث هو ما ذكرناه.

وما ذكرناه يجمعه كعنوان جامع أنه لولا وجود الدليل الأول وهو الدليل المحكوم لكان الدليل الحاكم لغواً لا حاجة له مثلما قلنا، لا شك لكثير الشك إذا لم يكن هناك حكم للشك يكون لغواً، وكذلك لا ربا بين الوالد والولد إذا لم يكن حكماً للربا يكون لغوا، ولا ضرر إذا لم يكن هناك حكم للأشياء بحسب عناوينها الأولية يكون لغواً.

إذاً عندنا أولاً حكم وهو وجوب الصوم بحسب إطلاق دليله نقول يجب الصوم سواء كان ضررياً أو غير ضرري، لما جاء لا ضرر فهو يقول: الصوم الضرري حكمه منتفي ولا يجب، هذه لا ضرر لو لم يوجد حكم للصوم يكون لغواً، ولكن لما يوجد عندي أحكام أولية وتكون مطلقة شاملة لحالة الضرر ولغيره تأتي لا ضرر فتنفيه، فعلى هذا الأساس يمكن أن نقول النكتة في التوفيق العرفي على هذا النحو، عندما يأتي دليل بحسب العنوان الثانوي والآخر بحسب العنوان الأولي يقدمون الثانوي.

ولكن ما هي النكتة وما هو السر؟ نقول لعل السر هو هذا، أن لا ضرر ناظر إلى الأدلة الأولية يعني يدخل في باب الحكومة فيرجع الكلام إلى الحكومة، فيمكن مع متانته أن نقول بإرجاعه إلى الحكومة فيكون المؤدى واحد، هذا تمام الكلام في هذا التنبيه فلا نحتاج إلى الإطالة، وهذا المقدار يكفي.