الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/07/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

التنبيه الثالث:

في أنه السر في تقديم دليل لا ضرر على سائر الأدلة الأولية، وجهة هذا البحث: أننا عندما نلاحظ الأدلة الأولية ونسبتها مع دليل لا ضرر نلاحظ أنه في الواقع يوجد عندنا عموم وخصوص من وجه.

بيان ذلك: أن إطلاقات الأدلة أو عمومات الأدلة، مثلاً إطلاق وجوب الصوم مقتضاه أنه يجب الصوم سواء كان ضررياً أو لم يكن ضررياً فله حالتان، ومقتضى الإطلاق أنه يجب الصوم في كلتا الحالتين، ومن ناحية لا ضرر يقول: لا يوجد عندنا حكم ضرري سواء كان صوماً أو كان غير، فلا ضرر تشمل الصوم الضرري وتشمل الوضوء الضرري والغسل الضرري.

إذاً من ناحية إطلاقات الأدلة هي الحكم الذي لا يلزم منه الضرر، ففي مثالنا مع الصوم هو الصوم غير الضرري فهذا ينفرد دليل وجوب الصوم ولا ضرر لا تشمله، ولا ضرر تنفرد وتفترق عن دليل وجوب الصوم بالنسبة إلى الحكم الضرري في الوضوء، ومورد الاجتماع هو الصوم الضرري، مقتضى الإطلاقات يجب الصوم حتى لو كان ضررياً، ومقتضى لا ضرر أنه لا يجب عندنا صوم ضرري فهنا يتعارضان في هذه النقطة.

إذاً عندما نلاحظ الأدلة مع لا ضرر نلاحظ أن النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه، طبعاً لا نلاحظ الأدلة في جميع الأحكام من جانب واحد ونلاحظ من الجانب الآخر لا ضرر حتى نقول إن النسبة بينهما عموم وخصوص مطلق، لا يقال هكذا، لأنه لا يوجد عندنا عنوان جامع معين تندرج تحته جميع هذه الأحكام الصوم والصلاة والوضوء والغسل وما شاكل، نعم يمكن أن نوجد جامع انتزاعي هذا شيء آخر.

فالنسبة لا تكون بين لا ضرر وبين الأدلة الأولية بنحو مطلق بل نلاحظ كل فرد وكل حكم لوحده ونلاحظ نسبته مع لا ضرر، ففي مثالنا نلاحظ الصوم، دليل الصوم مطلق ونقارن بينهما ونرى نسبته مع لا ضرر، ولو جئنا للوضوء نلاحظ دليل الوضوء فهو مطلق يقول: يجب الوضوء سواء كان ضررياً أو ليس ضررياً، فلا ضرر نسبتها معه تكون نسبة العموم والخصوص من وجه على نحو ما ذكرناه في الصوم، لأنه تشمل الوضوء وغيره لأن مادة الاجتماع هي الوضوء الضرري وهكذا.

إذاً لما عرفنا أن النسبة هي نسبة العموم والخصوص من وجه، فهنا يأتي القاعدة الأساسية في التعارض هي أن نلاحظ أنه هل يمكن الجمع بين الدليلين أو لا يمكن الجمع بينهما؟ أولاً نلاحظ الجمع الدلالي، ونقول القاعدة الأساسية في التعارض عندما يوجد عندنا دليلان متعارضان، هل هناك جمع دلالي أو لا؟ يعني ربما يكون أحدهما عام والآخر خاص فنحمل العام على الخاص فيكون جمع دلالي، أو يكون أحدهما مطلقاً والآخر مقيد فيكون جمعاً دلالياً، وربما يعبر عنه بالتعارض غير المستقر.

إذا لم يمكن الجمع الدلالي نلاحظ الأقوى منهما من حيث الدلالة، يعني ربما يكون أحدهما نص والآخر ظاهر، فنأخذ بالنص ونحمل الظاهر على النص، وأحياناً يكونان كلاهما ظاهران فلا يكون أحدهما أقوى دلالة من الآخر هنا نرجع إلى باب التعارض إما من ناحية السند أو من ناحية الجهة على حسب ما يتصور فيه أو أحدهما موافق للكتاب أو موافق للعامة، هذا كمخطط عام في مسألة التعارض.

الدليلان اللذان بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه، في مورد الاجتماع ينطبق عليه أحكام التعارض فهنا نطبق التعارض، نعم ربما يفترق الذي بينهما عموم وخصوص من وجه عن غيره في نقطة بيناها سابقاً في بعض المباحث، وهي أنه إذا كان أحدهما يحمل عنوناً معيناً إذا قدمنا غيره عليه يكون هذا العنوان لغوياً، أما إذا قدمناه على غيره الآخر لا يكون لغواً له أفراد، هنا مع أن النسبة بينهما العموم والخصوص من وجه إلا أن الذي يحمل العنوان الذي لو لم نقدمه يكون لغواً هذا يكون المقدم.

المهم في حالة استقرار التعارض وليست عندنا جهة من جهات الترجيح فهنا نرجع إلى أحكام التعارض إن وجدت المرجحات السندية أو الجهتية أو ما شاكل فنأخذ بحسب المرجح، وإن لم يوجد المرجح يكون العرض مستقراً، فإما أن نقول بالتساقط أو بالتخيير على حسب الاختلاف بين المبنيين في الأصول، هذا مخطط عام.

الآن عرفنا أن النسبة بين دليل لا ضرر وبين أدلة كل حكم في حد نفسه هي نسبة العموم والخصوص من وجه، في مثالنا الصوم يكون مورد الاجتماع الصوم الضرري فمقتضى إطلاق أدلة وجوب الصوم أن نقول يجب عليج الصوم، ومقتضى إطلاق لا ضرر لا يجب عليك الصوم، أو ربما نضيف أنه لا يجوز لك الصوم، المهم هنا محل التعارض يفتض أن يكون هنا التساقط ولكن قدَّم الأعلام لا ضرر على سائر الأدلة، فالسؤال هنا، ما هو وجه تقديم لا ضرر على أدلة الصوم مثلاً أو الوضوء أو الغسل وهكذا في سائر الموارد التي يمكن أن يتسمك فيها بلا ضرر؟ هنا طبعاً الأصوليون تعرضوا لعدة أوجه بعضها قوي وواضح وبعضها ضعيف، فنقتصر على القوي منها

لعدم الإطالة.

مدرسة المحقق النائيني يمثلها المحقق النائيني والسيد الخوئي (رهما) قالوا بتقديم لا ضرر من جهة الحكومة، يعني أن لا ضرر حاكم على الأدلة، وتقديم دليل على دليل من جهة الحكومة لا ينظر في أقوائية الدليل سنداً أو دلالة بخلاف ما ذكرناه في التعارض، في التعارض في المخطط العام ذكرنا بأنه إذا كان أحد الدليلين نصاً والآخر ظاهر فالنص يقدم على الظاهر أو كان أحدهما أقوى سنداً ربما يقدم على الآخر وهكذا.

أما فيما إذا كانت النسبة بينهما نسبة الحاكم إلى المحكوم فالدليل الحاكم يقدم على الدليل المحكوم مطلقاً، حتى لو فرضنا أن الدليل المحكوم دلالته أقوى من دلالة الدليل الحاكم، يعني لو فرضنا أن الدليل المحكوم نص أو أظهر والدليل الحاكم ظاهر هنا لا ننظر إلى هذه الجهة ونقدم الدليل الحاكم، لو كان الدليل المحكوم صحيح أعلائي والدليل الحاكم موثق رواه غير الإمامي العادل، هنا أيضاً نقدم الدليل الحاكم لا عبرة بالسند، فالدليل الحاكم يقدم على الدليل المحكوم مطلقاً، يعني متى ما كان معتبراً في نفسه نقدمه، وأما الضعيف لا يقدم.

فهنا عندهم دعويان:

الأولى: هي دعوى صغروية وهي أن لا ضرر دليل حاكم على الأدلة الأولية.

الثانية: أن كل دليل حاكم يقدم على الدليل المحكوم بلا ملاحظة النسبة ولا ملاحظة الترجيح، بما أن هذا الدليل حاكم فهو مقدم كما قلنا مطلقاً.

دليل الدعوى الأولى: أن كل دليلين إذا كان بينهما تنافٍ فهنا نلاحظ هل يكون أحدهما ناظراً إلى الآخر بحيث يبينه ويفسره؟ أو غير ناظر؟ إذا لم يكن ناظراً للآخر بل التنافي بينهما من جهة عدم إمكان الجمع العرفي بينهما يعني لا يوجد عموم وخصوص مطلق ولا غيره من المرجحات، هنا لا يمكن الجمع بين مدلوليهما، يقول: أكرم العلماء لا تكرم العلماء، بينهما تضاد لا يمكن الجمع بينهما، في مثل هذا المورد لا بد من الرجوع إلى قواعد باب التعارض فنلاحظ هناك أيهما الأقوى، أو نلاحظ موافقة الكتاب أو مخالفة العامة وهكذا.

أما النقطة المهمة إذا كان أحدهما ناظراً إلى الآخر وبينهما تنافي، هنا عندنا أيضاً صور:

الصورة الأولى: أن ينظر أحد الدليلين إلى الآخر بمدلوله المطابقي.

الصورة الثانية: أن ينظر أحدهما للآخر بمدلوله الإلتزامي.

أما الأولى: مثل: أعني كذا، أي كذا، أردت كذا، يذكر الدليل الأول ثم يأتي الدليل الثاني يكون مؤداه أعني كذا وأردت كذا، فيصير ناظر إلى الأول بهذه الصيغة بنحو المدلول المطابقي، وهذا تارة يكون من جهة الدلالة الدليل الأول يفسره الثاني، كما قلنا، قال المحقق النائيني هذا لا وجود له في الروايات، السيد الخوئي (ره) يقول هو موجود ولكنه نادر جداً، ومثّل لذلك بمثال: وهو أنه بالنسبة إلى الشك ورد رواية بهذا المضمون أنه لو شك بين الاثنتين والثلاث فالحكم هو الإعادة، فالسائل يسأل يقول على أنه لا يعيد الصلاة فقيه، فكيف هنا عليه الإعادة؟ فالإمام عليه السلام بين على أنه هناك عنى به الشك بين الثلاث والأربع هناك، هذه فسرت أنه لا يعيد الصلاة فقيه إذا شك، فهذا الدليل الثاني ناظر للأول ومفسر له ومبين له وبنحو المدلول المطابقي.

وتارة يكون ناظراً إليه بملاحظة جهة الدليل، هل هي لبيان الحكم الواقعي أو للتقية، فيكون الدليل الآخر ناظر إلى الدليل الأول، مثلاً لو كان الدليل الأول بمقتضى ظاهره يكون بياناً للحكم الواقعي وأن يكون هذا هو المراد الجدي، ثم جاء الدليل الثاني وبين أن الدليل الأول صدر تقية، فيكون الدليل الثاني ناظر إلى الدليل الأول من حيث الجهة لا من حيث الدلالة، الجهة هي تقول ليس الدليل الأول لبيان الحكم الواقعي وإنما هو صدر تقية، هذا الدليل الثاني مقدم على الأول لأنه حاكم عليه، وهذا النحو من الحكومة كثير في الروايات، إذاً الآن عندنا الدليل الثاني إذا كان ناظراً إلى الدليل الأول تارة يكون ناظراً إليه بمدلوله المطابقي، وهو على نحوين تارة يكون النظر من حيث الدلالة والنحو الثاني أن يكون النظر من حيث الجهة، وهذان الدليلان حاكمان على الدليل الأول مطلقاً بلا ملاحظة النسبة وبلا ملاحظة جهة الترجيح.

أما الصورة الثانية: وهو أن يكون ناظراً للدليل الثاني بمدلوله الإلتزامي، وهذا أيضاً على نحوين:

تارة الدليل الثاني ينظر إلى عقد الوضع أي الموضوع في الدليل الأول، وتارة يكون ناظراً إلى عقد الحمل أي المحمول في الدليل الأول، مثال الأول: يعني ما يكون ناظراً إلى عقد الوضع، عندنا هنا مثالان لأنه يوجد عندنا أيضاً نحوان، أن ينظر إلى عقد الوضع بنحو التوسعة ومثاله: الطواف بالبيت صلاة، عندنا أحكام تخص الصلاة لا بد أن يكون المصلي على طهارة معنوية من الحدث وأن يكون ثوبه طاهراً من الخبث وهكذا عندنا أحكام، الدليل الثاني لما جاء بهذا اللفظ وسع موضوع الصلاة، بحيث الدليل الأول يشمل الطواف، فنرتب أحكام الصلاة على الطواف فيشترط في المصلي الطهارة من الحدث وكذلك يشترط في الطائف وطهارة الثوب كذلك المهم أن الدليل الثاني كان ناظراً إلى عقد الوضع في الدليل الأول وموسع له، النحو الثاني هو التضييق في عقد الوضع، مثاله: عندنا دليل يدل على حرمة الربا وهذا الدليل مطلق بين الأجنبي والأجنبي وبين الزوج وزوجته والوالد وولده مقتضاه يحرم الربا مطلقاً، جاء الدليل الآخر وقال لا ربا بين الولد وولده، هنا ضيق موضوع الدليل الأول بحيث الربا وحكمه لا يشمل الربا بين الوالد وولده، فهنا الحكومة بنحو التضييق، فكان الدليل الثاني ناظراً لموضع الأول ومضيقاً له.

وتارة الدليل الثاني ينظر إلى عقد الحمل في الدليل الأول، ومثال ذلك لا حرج، عندنا الدليل الأول يقول بوجوب الصوم مطلقاً، ودليل لا حرج يقول: إذا كان الصوم حرجياً فلا يجب عليك، هنا يقول أن الصوم حرجي وبما أنه حرجي ينتفي حكمه، فيكون دليل لا حرج ناظراً إلى عقد الحمل في دليل الصوم، الصوم واجب على إطلاقه ولا حرج يقول الصوم إذا كان حرجياً ليس بواجب.

لا ضرر من قبيل لا حرج، يعني دليل ناظر إلى عقد الحمل في أدلة الإطلاقات المثبتة للحكم وللتكاليف فمثال الصوم دليل الصوم يقول يجب الصوم مطلقاً، لا ضرر لا يقول الصوم ليس بضرري، موضوع الضرر يبقى ولكن ينتفي حكمه بالدليل فهنا ناظر إلى عقد الحمل لا عقد الوضع.

من خلال هذا كله يتضح لنا أن الدليل الناظر يكون حاكماً على الدليل النظور نحن الآن في الدعوى الصغروية وهي أن دليل لا ضرر حاكم على الإطلاقات المثبتة للتكاليف هذه الدعوى، من خلال ما تقدم وعرفنا صور الحكومة وأقسام الحكومة نعرف بأن لا ضرر حاكم على أدلة الإطلاقات الأولية كما مثلنا في الصوم، فهو حاكم باعتبار أنه ناظر إلى أدلة الأحكام الأولية فيكون حاكماً عليها، إذاً إلى هنا تمت الصغرى، وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.