الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/07/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

 

التنبيه الثاني:

أن الضرر في قاعدة لا ضرر هل هو ضرر شخصي أو ضرر نوعي؟ المحتملات ثلاثة:

الاحتمال الأول: أن يكون المراد من الضرر في الرواية الضرر الشخصي.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد الضرر النوعي.

الاحتمال الثالث: أن يكون المراد من الضرر في العبادات شخصي وفي المعاملات نوعي.

وهناك أقوال على طبق هذه المحتملات، أولاً: عندنا نقاط:

النقطة الأولى: ما هو المراد من الضرر الشخصي والضرر النوعي؟ الضرر الشخصي هو الضرر الذي يتوجه لشخص المكلف كأن يكون هذا الوضوء في هذا الوقت من هذا المكلف ضرري عليه، هذا نسميه ضرر شخصي، والضرر النوعي: أن يكون الضرر لعامة أو لنوع الناس أو لغالبية الناس، ربما بعضهم لا يتضرر ولكن أكثر الناس يتضررون، وذلك مثلاً الغسل بالماء البارد في أيام الشتاء، نقول هذا فيه ضرر نوعي ربما بعض الأجسام تتحمل ولكن غالب الناس لا يتحملون فهو ضرر نوعي.

إذا اتضح الفرق بين الضرر الشخصي والنوعي ننتقل للنقطة الثانية المرتبطة به.

النقطة الثانية: ما هي النسبة بين الضرر الشخصي والضرر النوعي؟ نلاحظ أن بينهما عموم وخصوص من وجه، فربما يجتمعان في شيء ويفترق كل منهما عن الآخر في شيء، فمورد الاجتماع الغسل في الماء البارد في ليالي الشتاء الباردة إذا أوجب الضرر لهذا المكلف هنا يجتمع الضرران الشخصي والنوعي وقلنا أن هذا المثال للضرر النوعي وشخص المكلف إذا كان أيضاً يتضرر فهنا مورد للاجتماع بين الضرر النوعي والشخصي، ومورد الافتراق في الضرر الشخصي ربما شخص يتضرر من الغسل بالماء الدافئ في الأيام الحارة عامة الناس لا يتضررون منه ولكن هذا الشخص لخصوصية فيه يتضرر، فهنا يوجد ضرر شخصي ولا يوجد ضرر نوعي، فإذاً هنا يفترق الضرر الشخصي عن النوعي، الجهة الأخرى أنه يفترق الضرر النوعي عن الشخصي كما قلنا بأن الغسل بالماء البارد في ليالي الشتاء فيه ضرر نوعي ربما هذا الشخص لا يتضرر كما لاحظنا وشاهدنا أن هناك من يسبح بالماء المثلج في أيام الشتاء لخصوصية فيه أو تعود، هنا يوجد ضرر نوعي ولا يوجد ضرر شخصي، فإذاً بين الضرر النوعي والشخصي عموم وخصوص من وجه كما أوضحنا.

إذا اتضح ذلك الآن نقول: ما المراد من الضرر في حديث لا ضرر ولا ضرار؟ هل المراد هو الضرر الشخصي أو الضرر النوعي؟

هنا نقول بنحو القاعدة العامة التي نستفيد منها في المقام وغيره من المقامات: إن العناوين المتخذة في لسان الأدلة تُحمل على الفعلية إلا أن تقوم قرينة تدل على أنه لا يراد منها الفعلية، وإلا لو خليت وطبعها تُحمل على الفعلية، هذه قاعدة عامة.

عندما نريد أن نطبق هذه القاعدة العامة على ما نحن فيه تكون النتيجة أن المراد هو الضرر الشخصي.

توضيح ذلك: أن الرواية تقول: لا ضرر ولا ضرار، الضرر النوعي ليس فعلياً، الآن مثّلنا أن هناك من لا يتضرر من الغسل في الماء البارد في ليالي الشتاء، إذاً بالنسبة له هذا الضرر ليس فعلياً، إذا لم يكن الضرر فعلياً كيف نفينا الحكم عنه؟ الرواية تقول: لا ضرر، وظاهره نفي الحكم الذي ينشأ منه الضرر الفعلي، فإذا لم يوجد ضرر فعلي لا ينتفي الحكم، يتضرر زيد من الناس ينتفي الحكم عن عمرو؟ لا معنى له، الضرر إذا قلنا نوعي معناه أن ننفي الحكم عن غير المتضرر الشخصي لأن غيره يتضرر، وهذا غير معقول، إذا بمقتضى القاعدة التي ذكرناها وهي أن تُحمل العناوين على الفعلية، نقول: لا بد أن يتحقق الضرر بعد ذلك ينتفي الحكم الذي تسبب في حصول هذا الضرر، هذا معناه أن يكون الضرر شخصياً، من تضرر ينتفي عنه الحكم، ومن لم يتضرر لا ينتفي عنه الحكم، فبهذه القاعدة نستفيد أن الضرر شخصي المأخوذ في الرواية لا ضرر نوعي.

إذاً يأتي السؤال، من أين توهم أن يكون الضرر نوعياً؟ وأيضاً السؤال، من أين توهم أن هناك فرقاً بين العبادات والمعاملات ففي العبادات يكون الضرر شخصياً وفي المعاملات يكون الضرر نوعياً؟

هذا التوهم نشأ من حكم جماعة من أكابر العلماء والفقهاء ومنهم أيضاً الشيخ الأنصاري (ره) في التمسك بقاعدة لا ضرر ولا ضرار في ثبوت خيار الغبن وثبوت خيار الشفعة، هناك تمسكوا لإثبات خيار الغبن بلا ضرر ولا ضرار وتمسكوا لإثبات خيار الشفعة بلا ضرر ولا ضرار أيضاً وهذا لا يتم إلا على الضرر النوعي وهذه في المعاملات لا أقل فيجتمع التوهمان.

بيان ذلك: أن النسبة بين الضرر وبين الغبن نسبة عموم وخصوص من وجه أيضاً، يعني لا نستطيع أن نقول كل بيع غبني فهو ضرر ليس هناك هذه القاعدة الكلية وليس هناك تساوي بل بينهما عموم وخصوص من وجه، فربما تكون المعاملة غبنية ويكون البيع غبنياً ولكن لا ضرر فيه، وذلك: كما لو بعد البيع مباشرة ارتفع سعر هذه السلعة، فهنا المشتري مغبون اشترى مثلاً هذا المتاع الذي قيمته ألف بعشرة آلاف ولكن بمجرد أن اشتراه ارتفع سعرها السوقي إلى خمسة عشر ألف، هنا المعاملة غبنية وخيار الغبن تحقق ولكن لا يوجد ضرر من هذه المعاملة فعلاً، فهنا نقول: حصل غبن ولم يحصل ضرر.

من جانب آخر قد يحصل ضرر بدون أن يحصل غبن، اشترى المتاع بنفس قيمته السوقية، ثم بعد الشراء سقطت قيمة هذا المتاع اشتراه بعشرة آلاف بعد الشراء صارت قيمته ألف، هنا متضرر ملكن غير مغبون المعاملة ليست غبنية.

وقد يجتمعان الضرر والغبن، اشترى ما قيمته ألف بعشرة آلاف ولم ترتفع قيمته، فهو متضرر.

إذاً بين الغبن وبين الضرر عموم وخصوص من وجه، ومع ذلك استدل لإثبات خيار الغبن بلا ضرر معنى ذلك أن لا ضرر هنا المراد من الضرر هو النوعي وليس الشخصي، لأنه ربما لا يحصل ضرر شخصي كما ذكرنا في المثال.

وأيضاً عندما نلاحظ خيار الشفعة، استدل أيضاً غير واحد من الفقهاء على خيار الشفعة بلا ضرر، بينما النسبة بين الضرر وخيار الشفعة نسبة العموم والخصوص من وجه أيضاً، فربما يحصل الضرر ولا شفعة، كما إذا كانت الأرض مملوكة لأكثر من اثنين لثلاثة أو أربعة، هنا لو باع أحد الشركاء حصته لآخر وكان ذلك الآخر مؤذياً هنا يحصل الضرر ولكن لا يحصل خيار الشفعة، لأن خيار الشفعة كما تقدم مشروط بأن لا تكون الأرض مملوكة لأكثر من اثنين، فهنا في هذا الفرض تحقق الضرر ولكن لا يوجد خيار الشفعة.

وربما يكون بالعكس، لو كانت الأرض مملوكة لاثنين وكان أحد الشريكين سيء المعاملة وهذا السيء باع حصته لآخر طيب المعاملة معروف بالإيمان والتقوى وعدم الأذية، هنا الشريك الآخر الذي لم يبع له حق الشفعة ومع ذلك لا يوجد ضرر، لو بقي الشريك الجديد المؤمن أفضل من الشريك الآخر السيء الخلق، فهنا يوجد خيار شفعة ولا يوجد ضرر.

وربما يجتمعان، له خيار الشفعة باعتبار أن الأرض مملوكة لاثنين فقط ويوجد ضرر لأن المالك الثاني الذ اشترى معروف بأذيته وسوء معاملته، هنا اجتمع الضرر مع خيار الشفعة.

إذاً بين الضرر وبين خيار الشفعة يوجد عموم وخصوص من وجه، فالاستدلال على إثبات خيار الشفعة بلا ضرر لا يتم إلا على أن يكون المراد من الضرر هو النوعي، إذاً ما استدل به الفقهاء في باب المعاملات هو الذي اقتضى أن يقال إن المراد من الضرر النوعي أو لا أقل من أن المراد من الضرر في المعاملات هو الضرر الوعي، هذا سبب التوهم.

لكن هذا المنشأ مندفع، بمعنى أن الدليل في المقامين ليس هو لا ضرر، أما بالنسبة لخيار الشفعة فبمقتضى الروايات التي دلت على ثبوت خيار الشفعة نتمسك بها لإثبات خيار الشفعة، ولهذا يقتصر على ما موارد الروايات، يعني مثلما مثلنا لو كانت الأرض مملوكة لأكثر من اثنين هنا حتى لو كان ضرر لا نقول بالشفعة لأنه على خلاف الروايات فهي دلت على أن لا يزيد الشركاء على اثنين.

إذاً بواسطة تلك الروايات نستدل على ثبوت خيار الشفعة، وليس الاستدلال بلا ضرر نفسها.

تقول: بأن حديث الشفعة كما تقدم عُقِّب بلا ضرر ولا ضرار في نفس الرواية، إذاً المستند في خيار الشفعة لا ضرر ولا ضرار.

هناك تقدم الكلام في جهة التطبيق، بعضهم ذهب إلى أن لا ضرر ولا ضرار من الجمع في الرواية، يعني عندنا رواية في الشفعة وعندنا رواية لا ضرر ولا ضرار قضى النبي صلى الله عليه وآله بالشفعة قضى بلا ضرر ولا ضرار، الرواية لما حدث جمع بين الروايتين، إذاً لا ضرر ولا ضرار ليست علة للشفعة حتى نستدل بها على إثبات خيار الشفعة، هذا تقدم اللام فيه ومناقشته.

الاتجاه الثاني: وهو الذي اخترناه أن ظاهر الرواية أن لا ضرر ولا ضرار من قبيل الجمع بين المرويين لا بين الروايتين، أساساً النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام حدث بذلك معاً يعني بحديث الشفعة وحديث لا ضرر، كما تقدم ذلك مفصلاً، ولكن قلنا بأن لا ضرر ولا ضرار ليس على نحو العلة، وإنما يحمل على نحو الحكمة فلا يشترط أن توجد في جميع الموارد حتى نقول إذا وجد الضرر نعم ومتى لم يوجد لا، كل هذا بيان للحكمة فلا يؤخذ به أنه يثبت عند إثباته أو ينتفي عند انتفاءه.

النتيجة نقول: إن الاستدلال على خيار الشفعة بالروايات وليس بقاعدة لا ضرر ولا ضرار.

أما بالنسبة إلى خيار الغبن، فهو أيضاً استدل غير واحد خصوصا المتقدمين عليه بلا ضرر لأن الغبن نقص في ماله وضرر، ولكن خصوصاً المتأخرين قالوا إن الصحيح الاستدلال بالشرط الارتكازي وليس بلا ضرر، لأن النسبة بين الضرر والغبن العموم والخصوص من وجه، فلا يحصل الضرر مع الغبن دائماً، فالاستدلال يتم عن طريق الشرط الارتكازي، بمعنى أن كل واحد من المتبايعين إنما يبذل ماله بإزاء أخذ المال الآخر المساوي له في القيمة حتى لو لم يصرحا به، تبديل مال بمال عندي هذه المالية أريد الحفاظ عليها وآخذ السلعة في مقابلها، وتظهر القضية بشكل واضح عند التجار فهو يريد أن يحافظ على أصل ماليته فهو يشتري بألف حتى يبيع ويربح، فالشرط الارتكازي هو بقاء أصل المالية عند كل واحد، إذا حصل الغبن تخلف الشرط، أنا أعطيت عشرة آلاف وأخذت ما قيمته ألف وشرطي غير هذا، فلتخلف الشرط قلنا بخيار الغبن، فهو مدركه الصحيح عند المتأخرين هو تخلف الشرط الارتكازي، عند المتقدمين العمدة هو لا ضرر.

إذاً التوهم الذي صار منشأ لحمل الضرر على النوعي هو التمسك في باب المعاملات في حديث لا ضرر وهذا لا يتم إلا مع حمل الضرر على النوعي، هذا التوهم مندفع لأن المدرك في الشفعة خيار الغبن ليس هو لا ضرر.

فنقول: بأن مقتضى قاعدة حمل العناوين على الفعلية أن يكون المراد من الضرر هو الشخصي، ويمكن أن يستعان على ذلك بمناسبات الحكم والموضوع، هذا يرفع عنه الحكم لأنه يتضرر أما أن يرفع عن الغير لأنني أتضرر؟ هذا غير صحيح. فالمراد من الضرر هو الضرر الشخصي وليس النوعي.