الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

 

ما أفاده السيد الصدر (ره) في جواب إشكال التخصيص المستهجن:

كان الكلام في الجواب عن تخصيص الأكثر بالنسبة إلى قاعدة لا ضرر ولا ضرار، باعتبار أننا إذا استفدنا منها القاعدة العامة لا شك أن هناك موارد كثيرة تستثنى من هذه القاعدة، كموارد الخمس الزكاة أو الملاقي للنجس أو الضمانات الجنايات الحدود والديات وإلى آخره.

وذكرنا جواب السيد الخوئي (ره) وجوابه أيضاً تابع في لبه للمحقق النائيني (ره) ملخص الجواب ولبه:

نقول: بأن قاعدة لا ضرر ولا ضرار ناظرة إلى الأحكام المنصبة على عناوينها الأولية، يعني ناظرة إلى الأحكام الثابتة للأفعال بعناوينها الأولية، مثلاً كما قلنا بأن عندنا حكم بوجوب الوضوء هذا الحكم متعلق بعنوان الوضوء الأولي، عنوان الوضوء له حالتان: في حالة يكون مضراً وفي حالة لا يكون مضراً، قاعدة لا ضرر ناظرة إلى هذه الأحكام فتقول في حالة الضرر الحكم مرفوع وهو وجوب الوضوء، فيتقيد بخصوص حالة عدم الضرر، وأما الأحكام الواردة في موارد الضرر فلا نظر لقاعدة لا ضرر إليها، مثل أحكام الجنايات هذه الأحكام واردة في مورد الضرر، الخمس والزكاة بما أنهما نقص في الأموال يعتبران ضرر، والضمان كذلك والجهاد نقص في الأنفس أو الأعضاء هو ضرر فهذه أحكام ضررية، قاعدة لا ضرر غير ناظرة إلى هذه الأحكام، اللب هكذا: أن لا ضرر ناظرة إلى الأحكام الثابتة إلى الأشياء بعناوينها الأولية، وليست ناظرة إلى الأحكام التي وردت في مورد الضرر، فيكون خروجها بالتخصص وليس بالتخصيص، نعم تبقى بعض الأحكام داخلة في الضرر تكون من المستثنيات وهي قليلة كما ذكرنا سابقاً فلا يكون التخصيص مستهجناً.

وهذا الجوب في حد نفسه متين، يعني يسلمون أنه ضرر ولكنه خرج تخصصاً.

هناك جواب آخر أفاده السيد الصدر (ره):

وهو اتجاه آخر لأنه لا يسلِّم بالضرر، وهذا يحتاج أن نمهد له مقدمات لم يذكرها السيد الصدر (ره) ولكن نستفيد أن مناط كلامه يتوقف على هذه المقدمات:

المقدمة الأولى: أن الأحكام عندنا الشيعة الإمامية تابعة للمصالح والمفاسد، وهذا أمر مسلَّم عندنا في مقابل الأشاعرة وتبع الشيعة في ذلك المعتزلة، نعم يختلف الشيعة أنفسهم في أن المصالح والمفاسد في متعلقات الأحكام أو في نفس الجعل أو هناك تفصيل؟ هذه نقطة أخرى، بمعنى أن الحكم بالوجوب ناشئ عن وجود مصلحة ملزمة بعضهم يرى أنها في متعلق الحكم في الصلاة مثلاً، الحكم بالحرمة ناشئ عن مفسدة ملزمة كحرمة شرب الخمر وتكون المفسدة في المتعلق وهذا رأي الأكثر.

وهناك قول بأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد ولكن في الجعل لا في المتعلق، إما على إطلاقه وهذا بعيد أو على تفصيل، يعني بعض الأحكام تكون ناشئة عن مصالح ومفاسد في متعلقاتها وبعض الأحكام ناشئة عن مصالح في نفس الجعل، ولكن الآن فعلاً ما يهمنا من هذه المقدمة أن نعرف أن الأحكام في نظرنا نحن الشيعة الإمامية تابعة للمصالح والمفاسد.

المقدمة الثانية: أن المصالح على نحوين، مصالح شخصية ومصالح نوعية، بمعنى أن المصالح تارة تكون مصلحة للشخص نفسه دنيوية أو أخروية، وجوب الصلاة عليه لوجود مصلحة تعود على الشخص نفسه لكون الصلاة معراج له لإعطائه مقام كبير، وهناك مصالح تعود للنوع ولهذا عندنا احكام ترتبط بالمكلف في حد نفسه بما هو فرد وأحكام ترتبط بالمكلف بالنسبة إلى أسرته وأحكام ترتبط بالمكلف بالنسبة إلى المجتمع، إذاً المصالح على نحوين شخصية ونوعية مثل حفظ النظام.

المقدمة الثالثة: أن المصلحة النوعية مقدمة على المصلحة الشخصية لو تزاحمتا، كما لو هجم العدو على البلد مصلحتي الشخصية أن أتحصن في مكان واختبئ في مكان وأترك العدو حتى لا يصيبني الضرر كشخص، والمصلحة النوعية أن أقوم مع غيري للدفاع عن البلد هذه مصلحة نوعية حفظ الأموال العامة والكيان العام، فلو تزاحمتا نقدم المصلحة النوعية.

الجيش يعبر وطريقه يمر بهذه المزرعة، المصلحة النوعية تقتضي مروره منها لأنه لو ذهب من مكان آخر يتمكن العدو من قتله، مرور الجيش من هذه المزرعة خلاف المصلحة الشخصية لصاحب المزرعة فسوف تتلف مزرعته وزرعه، الآن لما تزاحمتا هاتان المصلحتان تقدم النوعية.

المقدمة الرابعة: أن النظر إلى الأحكام الشرعية ينبغي ألا يكون بنظرة تجزيئية، يعني ألا أنظر لهذا الحكم بحد ذاته مستقلاً عن باقي الأحكام، فأرى المصلحة فيه، وإنما ينبغي أن تكون النظرة شمولية، يعني أن ينظر إلى الأحكام بما هي سلسلة واحدة من مجموعة حلقات، يعني بما هي منظومة.

إذا عرفنا هذه المقدمات وهذا التمهيد الآن نبين ما أفاده السيد الصدر (ره):

السيد الصدر (ره) يقول: بأنا إذا نظرنا إلى الأحكام الشرعية بحسب مناسبات الحكم والموضوع نلاحظ أنما قيل من أنه يوجب الضرر لا ضرر فيه، توضيح ذلك: أننا إذا نظرنا إلى الأحكام نظرة شمولية وليست تجزيئية التي عبر عنها مناسبة الحكم للموضوع، نلاحظ أن الشريعة وجدت للمجتمع ككل بما أنها كذلك نلاحظ أن الشريعة التي لا يوجد فيها تأديب وتعزير للمعتدي ولا قصاص للقاتل ولا ضمان للشخص الذي أتلف مال غيره وهكذا، هذه الشريعة تكون مضرة أساساً، نفس وجود شريعة لا تؤمن الاخرين على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم هذه الشريعة هي التي فيها ضرر.

إذاً لمناسبة الحكم والموضوع نلاحظ أن تشريع الضمان على من أتلف مال غيره لا يعد ضرراً، وكذلك القصاص على من قتل غيره متعمداً لا يعد ضرراً والدية على من قتل غير متعمد لا يعد ضرراً والتعزير على من خالف بعض الآداب العامة لا يعد ضرراً والحد على من اعتدى على عرض غيره وزنا به لا يعد ضرراً وهكذا، لأننا نلاحظ مناسبات الحكم والموضوع.

حاصل كلام السيد الصدر (ره) أنما توهم أنه ضرر ليس بضرر، وإنما هذه شرِّعت على طبق مصالح ومفاسد تارة شخصية وتارة نوعية، إذا شرع الحد يرتدع الجاني ويقف عن القتل وكذلك السارق مع وجود الحد يرتدع ولا يقدم على السرقة لأنه يعلم أنه ستقطع يده وهكذا.

إذاً هذه التشريعات بحسب مناسبات الحكم والموضوع هي تشريعات لا ضرر فيها، هذا ملخص كلامه، ومن أراد المراجعة يمكنه الرجوع في قاعدة لا ضرر الجزء الخامس مباحث الحجج صفحة 473.

قال: (إن حديث كثرة التخصيصات على قاعدة لا ضرر إنما ينجم من الجمود على الظهور الأولي للكلام بقطع النظر عن تحكيم مناسبات الحكم والموضوع والارتكازات العقلائية والاجتماعية عليه، ذلك أن الشريعة من مقوماتها بحسب المرتكز العقلائي اشتمالها على قواعد وأنظمة تحقق العدالة الاجتماعية وتنظم الحياة العامة للناس وهي تستتبع لا محالة تحميلاً على الناس أو تحديداً لهم، إلا أن هذا ليس بضرر اجتماعي بلحاظ المشرع، وإن فرض بالقياس إلى الفرد لو أراد أن يحمَّل شيئاً على آخر كان ضرراً، بل الضرر أن تخلو الشريعة عن تلك الأنظمة، فإن الشريعة التي لا تضمن من أتلف مال الغير ولا تقتص من جانب ولا تعاقب سارقاً ولا تأخذ زكاة للفقراء هي التي تكون ضررية، وهكذا يتضح أنه بالنسبة إلى المشرِّع الصادر منه هذه القاعدة لا تكون الأحكام المذكورة بحسب مناسبات الحكم والموضوع الاجتماعية أحكاماً ضررية لكي يقال بأنها تخصيص الأكثر).

وكلامه متين وخصوصاً بحسب التمهيد الذي ذكرناه في المقدمات يتم ذلك، نعم يمكن أن تبقى بعض الأمور على فرض أنه ثبتت أنها ضررية ولا تدخل في ضمن هذا الإطار العام فخروجها عن قاعدة لا ضرر لا يعد مستهجناً لقلتها، ولكن هذه كقاعدة عامة يمكن إدراج الأحكام فيها فلا يعد ضرراً، نقول: بعد الكسر والانكسار لا يعد ضرراً.

يعني الآن توجد عندنا بعض الأمور فيها ضرر وفيها منفعة ولكن بعد الكسر والانكسار وبعد ملاحظة الأشد منهما ربما نقدم جانب المفسدة وربما نقدم جانب المنفعة، الخمر فيه منافع للناس ولكن فيه ضرر ومفسدته أكثر من نفعه فيحرم.

أحياناً الطبيب يرى بأن هذا الدواء الفلاني فيه ضرر على المريض من جهة أخرى ولكن نفعه أكثر من ضرره فيعطيه إياه، وتارة يرى أن الأمر بالعكس يعني ينفعه في هذا الجاني ولكن يسبب له مرض أخطر منه فلا يعطيه.

إذاً نحن نلاحظ الحالة بعد الكسر والانكسار وبعد المقدمات التي قدمناها يكون ما أفاده تاماً ويرتفع الإشكال من أساس.