الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/07/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

 

ما أفاده السيد الخوئي (قده) في مناقشة الشيخ الأعظم (قده):

تقدم الكلام فيما أفاده السيد الخوئي (ره) من حيث الكبرى والتطبيق، والكلام كان في الجواب عن أصل الإشكال، وقبل الدخول في التفاصيل الباقية في أصل الإشكال، عندنا تعليق على ما أفاده السيد الخوئي (ره) في بيان الكبرى حيث إنه قال: بأن الحكم العام تارة يكون بنحو القضية الخارجية وتارة يكون بنحو القضية الحقيقية.

أما إذا كان بنحو القضية الخارجية فتخصيص الأكثر يكون مستهجناً سواء كان التخصيص تخصيصاً للعنوان أو للأفراد، فإذا قال قُتل من في العسكر، هذه خارجية ثم قال إلا بني تميم، فهنا التخصيص بالعنوان وكان بنو تميم هم أكثر العسكر يكون هذا مستهجناً، فضلاً عما إذا كان بالأفراد، هذا لا كلام فيه فهو صحيح.

أما إذا كان العام بنحو القضية الحقيقية فهي أن يكون الحكم ثابتاً للموضوع المقدر الوجود كلما وجد هذا الموضوع انطبق هذا الحكم، هنا السيد الخوئي (ره) قال: إذا كان التخصيص بالعنوان لا يكون مستهجناً وإن بلغ أفراده ما بلغ حتى لو كانت أفراده الأكثر فلا يكون مستهجناً، والسر في ذلك لعدم لحاظ الأفراد الخارجية في ثبوت الحكم حتى يكون الخارج أكثر من الباقي، هذه النقطة لا نساعده عليها ولنا تأمل فيما أفاده فيها، بل هي ينبغي أن تُقيد إذا كان المستثنى عنواناً واحداً لا يكون مستهجناً عرفاً، أما لو كان المستثنى عدة عناوين وهذه العناوين هي الأكثر من العنوان الباقي فهنا بكون مستهجناً، بمعنى أنه لو قال: يجب إكرام العالم بنحو القضية الحقيقية، ثم استثنى من ذلك وقال: إلا النحويين وإلا الفساق وإلا كذا وكذا وعدد عدة عناوين، بحيث يبقى تحت أكرم العالم عنوان واحد، في مثل هذا الفرد إذا نرجعه إلى العرف يرونه مستهجناً، من أول الأمر قل أكرم العالم الفقيه العادل، وسر الاستهجان ليس بعدم لحاظ الأفراد الخارجية، ولكن هذه القضية الحقيقية إذا كان الموضوع يمكن أن يتصف بعدة عناوين وأخرجت أكثر العناوين العرف يستهجن ذلك.

إذاً ما أفاده السيد الخوئي (ره) في القضية الحقيقية لا نأخذ به على إطلاقه، بل نقول تارة يكون مستهجناً وتارة لا يكون مستهجناً، إذا كان أخرج عنواناً واحداً فقط والموضوع له عدة عناوين هذا لا يكون مستهجناً حتى لو كانت أفراده كثيرة، أما إذا أخرج عناوين متعددة فنقول هذا مستهجن.

تتمة جواب السيد الخوئي (ره):

فهو يقول: بتعبير منا، إن ما أفاده الشيخ الأنصاري (ره) ينقسم إلى عدة أقسام، بعض هذه الأقسام تكون خارجة بالتخصيص وبعضها خارجة بالتخصص، نتيجة الكلام: لا يكون عندنا تخصيص مستهجن لأن القسم الخارج بالتخصيص ليس كثيراً، وذلك لأن الخارج بالتخصيص كما ذكرنا سابقاً ثلاثة أمثلة ومثال أيضاً ليس تاماً على إطلاقه.

المورد الأول للتخصيص: الحكم بنجاسة الملاقي للنجس، هذا ضرر، نقول له: هذا الدهن أو الزيت مع كثرته يتلف بالتنجس، ومع ذلك استثني فلا يقال إنه نتمسك بلا ضرر ولا ضرار فنحكم بجواز أكله، لا بل نقول نستثنيه من قاعدة لا ضرر.

المورد الثاني: شراء ماء الوضوء ولو بأضعاف كثيرة، كما لو كان في مكان وصاحب الماء استغله، يجب عليه الشراء والتوضؤ ولا يدخل في لا ضرر.

المورد الثالث: وجوب الغسل على المريض الذي تعمد الجنابة، هذا مورد ورد فيه نص ولكن المشهور أعرض عنه فلم يأخذوا به، وتمسكوا بلا ضرر، على هذا المبنى لم يخرج هذا المورد عن قاعدة لا ضرر، وعلى مبنى عدم الجبران هنا يخرج من قاعدة لا ضرر.

هذا هو المقدار الذي يخرج فقط، وعندنا موارد عديدة نتمسك بهذه القاعدة، فخروج هذه الموارد القليلة لا يعد مستهجناً.

والقسم الثاني الذي ذكره الشيخ (ره) لم يخرج تخصيصاً حتى يقال إنه مستهجن، بل خرج تخصصاً وذلك مثل باب الضمانات والجنايات الحدود والديات والقصاص وما شاكل.

بيان ذلك: إن هذه الموارد أساساً لم تكن مشمولة لقاعدة لا ضرر ثم أُخرجت ليكون خروجها بالتخصيص، وإنما هي من أول الأمر لم تكن مشمولة في لا ضرر، والسر في ذلك أن لا ضرر حديث امتناني على الأمة، أنه إذا كان هناك حكم ضرري فهو مرفوع عنهم، وبعض الأحكام بعض مواردها يكون ضررياً فترتفع.

إذاً هذه النقطة لا بد من أن نضع اليد عليها وهي أن لا ضرر حديث امتناني، فإذا كان هناك ما هو خلاف الامتنان لا يمكن تطبيق لا ضرر عليه، كما لو أتلف شخص مال غيره هنا الحكم بالضمان ليس امتناناً على المتلف، والحكم بعدم الضمان فيه ضرر على التالف ماله فلا يكون امتناناً بالنسبة له، إذاً الامتنان على المتلف بعدم الضرر هو خلاف الامتنان على التالف ماله، فلا نحتاج إلى التخصيص فنقول إن لا ضرر وردت في مورد الامتنان وهذا ليس امتناناً، إذاً لا تأتي قاعدة لا ضرر اساساً ولا تشمل المورد حتى نقول خرجت بالتخصيص.

يمكن أن يُسأل إذاً الضمان على المتلف بأي وجه، نقول: الضمان بأدلة الضمان، من أتلف مال غيره فهو له ضامن، أو على اليد ما أخذت حتى تؤدي فنتمسك بهذه القاعدة ونحكم عليه بالضمان بحسب الأدلة الخاصة في هذا المقام، وهي خارجة بالتخصص عن الضرر.

ولهذا يقول: إن ما ذكرناه بأن الحديث امتناني لا يشمل كل مورد منافياً للامتنان على أحد الأمة، لهذا السبب في باب البيع يقول: فصلنا بين بيع المكره وبين بيع المضطر، فبالنسبة إلى بيع المكره حكمنا بفساد البيع وبالنسبة إلى بيع المضطر حكمنا بصحة البيع، مع أن حديث الرفع يقول رفع ما اضروا إليه وما استكرهوا عليه، النكتة هنا هي التي ذكرناها، وهي أن حديث الرفع حديث امتناني على الأمة فالمورد الذي يكون خلاف الامتنان لا نتمسك به، فبالنسبة إلى المكره عندما نقول رفع ما استكرهوا عليه فالنتيجة نحكم ببطلان هذا البيع هذا امتنان، لأنه لا يريد أن يبيع الكتاب وأكره على بيعه، الآن لما تمسكنا بحديث الرفع وقلنا بأنه رفع ما استكرهوا عليه ونحكم بفساد البيع يكون هذا امتنان عليه.

بخلاف ما لو لم نتمسك بحديث الرفع، فهو خلاف الامتنان وهو لا يريد البيع، فإذاً الحكم بفساد بيع المكره يكون مطابقاً للامتنان فنتمسك بالحديث.

أما بيع المضطر هو لا يريد أن يبيع كتابه ولكنه مضطر لأنه ليس عنده أكل أو عنده مريض يريد معالجته يحتاج إلى بيع هذا الكتاب فاضطر لبيعه، لو أردنا أن نتمسك بحديث الرفع ونقول رفع ما اضطروا إليه وحكمنا بفساد بيعه هنا يكون على خلاف الامتنان، لأنه محتاج إلى ثمن هذا الكتاب، فإذا حكمنا بفساد بيعه خلاف الامتنان، مع أن حديث الرفع حديث امتناني فلا يمك التمسك بحديث الرفع في مورد الاضطرار لأنه خلاف الامتنان، فالمدار هنا على الامتنان.

وما نحن فيه في الضمان نقول: الحكم بعدم الضمان تمسكاً بلا ضرر يكون خلاف الامتنان بالنسبة إلى المتلف منه فعليه: لا نتمسك بلا ضرر، لأنه لا تأتي إلا في مورد الامتنان.

أما بالنسبة إلى الأحكام المجعولة في الديات والحدود والقصاص والحج والجهاد، نقول: هذه أيضاً خارجة عن قاعدة لا ضرر تخصصاً وليس بالتخصيص، لأنها وردت من أول الأمر في الأمور الضررية، بعبارة أخرى: جعلت هذه ضررية لمصالح، هذه الدية أساساً جعلت في مورد الضرر لمصلحة من المصالح وكذلك الحدود، فهنا جعلت في مورد الضرر فلا ترتفع بلا ضرر، لوجود مصالح فيها، وحديث لا ضرر غير ناظر إلى الأمور الضررية وإنما هو ناظر إلى الأحكام قد تكون ضررية وقد لا تكون ضررية كما في الوضوء في حال المرض أو بدون المرض، في هذا المورد وردت لا ضرر، فتقول هذا القسم الضرري مرفوع.

يبقى عندنا الخمس والزكاة، فهي أحكام ضررية فهذا الشخص أخرجنا منه خمس ماله فهو نقص في ماله وكذلك الزكاة أخرجنا عشر ماله، يقول: في هذه الموارد أيضاً هي خارجة تخصصاً لأن الخمس أساساً لم يؤخذ من ماله، (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه) فإذاً الخمس من أول الأمر أنت اغتنمت هذا المال الله تعالى هو أعطاك أربعة أخماس وترك خمساً فهذا الخمس أنت لم تملكه من الأول، فهذا الخمس يوجد شريك معك فيه فيطلب أن تؤدي الخمس لأهله، هذا غايته يكون عدم نفع، لأنك إذا ملكت المال كله تنتفع وإذا لم تملك إلا الأربعة أخماس لم تنتفع.

يكون شبيهاً بالوارث، لو قدر أن يكون لهذا الميت خصوص هذا الولد لكان له التركة كلها ولكن مع وجود أخ له هنا لم ينتفع لا نقول له دخل عليك ضرر، فالخمس من هذا القبيل فهو أساساً شرع لأن يكون لله وللرسول ولذي القربى وليس لك ثم أخذ منك، فهذا خرج تخصصاً.

نعم بالنسبة إلى الزكاة فالمال يكون له ثم يخرج منه لما تحققت الشروط يؤخذ منه العشر من النصاب الفلاني، هذا يعتبر ضرراً هذا نلحقه بالقسم الأول، يعني ذكرنا هناك ثلاثة موارد هذا نضيفه ونقول عندنا مورد رابع وهو مورد الزكاة وخروجه بالتخصيص لا يعد من التخصيص المستهجن، هذا حاصل كلام السيد الخوئي (ره) بطوله ولنا تعليق فيما بعد إن شاء الله تعالى.