الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

مناقشة ما أفاده الشيخ الأنصاري (قده) في التنبيه الأول:

كان الكلام في التنبيه الأول وهو الإشكال الذي أثاره الشيخ الأنصاري (ره) وحاصله أن قاعدة لا ضرر إذا استفدنا منها قاعدة عامة يلزم منه تخصيص الأكثر، بمعنى أنه إذا قلنا لا ضرر بمعنى نفي الحكم الضرري عند الشارع على حس ما تقدم في معناه نفي الحكم الضرري في الشرع، نلاحظ أن هناك أحكاماً كثيرة استثنيت من هذه القاعدة مثل أحكام الضمانات مثل الحدود والديات والقصاص والحج والخمس والزكاة والماء المضاف إذا لاقى نجساً بحيث يخرج عن قيمته، كل هذه الأمور أحكام ضررية على المكلف وهذه يقتضي أن تستثنى من قاعدة لا ضرر، فيلزم إذاً تخصيص الأكثر لو استفدنا عموم القاعدة.

وإن قلنا بأنه ليس المراد عموم القاعدة، إذاً المراد يكون مجهولاً ومجملاً، فعليه: نقتصر على خصوص ما عمل به المشهور على القول بالجبران أو على ما ورد في الروايات.

ثم الشيخ نفسه أجاب عنه بجواب ضمني أنه لا نسلم تخصيص الأكثر، والجواب الأهم عنده هو ما ذكرناه سابقاً وهو أن التخصيص كان بالعنوان فلا يضر وإن كانت أفراده هي الأكثر، فإذا قال أكرم الناس، ثم خصص وقال لا تكرم الفساق من الناس، هنا أخرج العنوان وهو عنوان الفساق وهذا العنوان عنوان يشمل أكثر الناس فبالنتيجة يكون التخصيص لأكثر الناس، ولكن مع ذلك لا يعتبر مثل هذا التخصيص مستهجناً، وهنا لا ضرر قاعدة عامة وخصص عنوان وهذا العنوان يندرج تحته أكثر الأفراد فلا يضر بالقاعدة ولا يعتبر مستهجناً وإن لم يكن هناك عنواناً واضحاً، الشيخ لم يتعرض لهذا العنوان يعني حتى لو كان مجهولاً المهم أن يكون هناك عنواناً.

هذا الكلام من الشيخ وقع موقع الإشكال من الأعلام، فالمحقق صاحب الكفاية (ره) في حاشيته على الرسائل وليس في الكفاية كما ذُكر لعله سهواً في مصباح الأصول، المهم صاحب الكفاية (ره) يقول: لا فرق في استهجان تخصيص الأكثر أن يكون بنحو العنوان أو أن يكون بنحو الأفراد، مثلاً: عندما تقول: أكرم العلماء ثم تخصص أكرم علماء البلد ثم تقول إلا الهاشميين، وعلماء البلد الموجودون ثمانية منهم هاشميون واثنان غير هاشميين، هنا التخصيص بالعنوان ولكن أخرج أكثر الأفراد فيُعد مستهجناً عرفاً، فيقال لهذا القائل: من البداية قل أكرم فلان وفلان أو أكرم غير الهاشميين، أو أن تقول: أكرم العلماء ثم تخصص الأكثر فهذا مستهجن.

وأما أن تقول: أكرم علماء البلد إلا زيداً إلا عمرواً وبكراً فيخرج ثمانية هنا أيضاً مستهجن، فصاحب الكفاية في جوابه على الشيخ يقول: إن تخصيص الأكثر مستهجن بلا فرق بين أن يكون التخصيص بالعنوان أو بالأفراد، ولا يفعله الحكيم.

هذا الكلام من صاحب الكفاية وقع موقع الإشكال والكلام، ولكن لكيلا نطيل كثيراً نذكر بعض الأقوال المهمة:

من الأقوال المهمة: ما أفاده المحقق النائيني (ره) وتبعه السيد الخوئي (ره) في ذلك، ويمكن أن يُرجع كلام المحقق صاحب الكفاية في بعض كلماته إليه، حاصل الكلام بتقري السيد الخوئي (ره) في المصباح: يقول: نتكلم في مرحلتين:

المرحلة الأولى: في تحقيق أصل الكبرى وهي استهجان تخصيص الأكثر، ما هو المناط فيها ومتى يكون مستهجناً؟ وهذه نستفيد منها في موارد متعددة.

المرحلة الثانية: في تطبيق الكبرى على ما نحن فيه من قاعدة لا ضرر ولا ضرار.

أما بالنسبة إلى المرحلة الأولى: يقول: إن العموم يكون على نحوين، النحو الأول: أن يكون العموم بنحو القضية الخارجية، والنحو الثاني: أن يكون العموم بنحو القضية الحقيقية.

النحو الأول: بنحو القضية الخارجية مثلاً أن يقول: قُتل من في العسكر والعسكر هذا الموجود بنحو القضية الخارجية، يقول: قُتل من في العسكر إلا بني تميم، ثم نلاحظ أن بني تميم هم أكثر العسكر بحيث أن غيرهم فردان مثلاً أو ثلاثة هنا التخصيص بنحو العنوان وهذا العنوان أخرج الأكثر، هذا النحو بما أنه في القضية الخارجية يُعد مستهجناً عرفاً، يعني النتيجة أنه قتل شخصان، التعبير بأنه قتل العسكر ثم تخصيصك المئات أو الآلاف هذا يعد مستهجناً حتى لو كان تحت عنوان واحد، وكذلك إذا استثنيت فلان وفلان إلى أن تستثني الأكثر هذا أيضاً مستهجن.

النحو الثاني في العموم: أن يكون بنحو القضايا الحقيقية، القضية الحقيقية في الأحكام هي أن يكون الحكم فيها ثابتاً على الموضوع المقدر الوجود، كما يقال يجب الحج على المستطيع بنحو القضية الحقيقية سواء وجد المستطيع في الخارج أم لا، متى ما وجد يجب عليه الحج، وهذه القضية ترجع إلى القضية الشرطية، إذا كان بهذا النحو هنا التخصيص لا يكون مستهجناً وإن بلغت أفراده ما بلغت، حتى لو خصصنا أكثر أفراده فهو لا يعد مستهجناً، والسر في ذلك: عدم ملاحظة الأفراد الخارجية في ثبوت الحكم، بل ينظر إلى نفس الموضوع المفروض الوجود فمتى ما تحقق هذا العنوان يترتب عليه الحكم، ولا يعد من التخصيص المستهجن.

إذاً حاصل القاعدة عندهما أن تخصيص الأكثر في القضية الخارجية مستهجن بلا فرق بين أن يكون التخصيص بعنوان أو يكون التخصيص بالأفراد، أما في القضية الحقيقية التخصيص وإن بلغ ما بلغ من الكثرة لا يُعد مستهجناً.

الآن المرحلة الثانية: في تطبيق هذه القاعدة على ما نحن فيه بعد أن عرفنا الضابطة في الاستهجان، هل لا ضرر مدلولها من قبيل النحو الأول القضية الخارجية أو من نحو القبيل الثاني القضية الحقيقية؟ المدعى عندهما كما صرح به السيد الخوئي (ره) يقول: لا ضرر من قبيل القضية الخارجية.

بهذا المعنى: أنه توجد عندنا أحكام شرعية خارجية في ضمن الأحكام الشرعية، تارة تكون ضررية وتارة تكون غير ضررية، كالوضوء والغسل فهما تارة يكونان ضرريين وتارة غير ضرريين، عندنا أحكام بلغها الرسول صلى الله عليه وآله وهذه الأحكام الخارجية بمقتضى لا ضرر لم يجعل فيها الشارع حكماً ضررياً، إذاً القضية خارجية، لا ضرر ناظرة إلى الأحكام الخارجية، بما أن القضية خارجية فالتخصيص إذا كان تخصيصاً للأكثر يكون مستهجناً سواء أكان بعنوان واحد أو لم يكن بعنوان، فيتأيد كلام المحقق صاحب الكفاية.

الشيخ (ره) يقول: بأن التخصيص بما أنه كان بالعنوان فلا استهجان فيه، وصاحب الكفاية (ره) يقول: إن تخصيص الأكثر مستهجن حتى ولو كان بنحو العنوان أو بنحو الأفراد.

السيد الخوئي والمحقق النائيني (قدهما) يقولان إن العموم الموجود في لا ضرر من قبيل الحكم في القضايا الخارجية، وتخصيص الأكثر في القضايا الخارجية مستهجن سواء كان بنحو العنوان أو الأفراد، فيتأيد كلام صاحب الكفاية في مقابل الشيخ، هذه الكبرى التي أفاداها.

السؤال الآن: أنه الجواب عن أصل الإشكال ما هو؟ فالإشكال إلى الآن متحكم، يقول السيد الخوئي (ره) في الجواب: أنه أساساً لا يوجد عندنا تخصيص لقاعدة لا ضرر إلا في موارد قليلة وليس عندنا تخصيص للأكثر.

ما هي موارد التخصيص؟ ومع وجود التخصيص في الموارد الكثيرة التي ذكرناها كيف تقول إنه قليل؟ يقول: لما نلاحظ الروايات والأحكام الشرعية نلاحظ فقط موارد قليلة التي خصصت فيها لا ضرر، وذكر لذلك ثلاثة موارد:

المورد الأول: يقول: بالنسبة إلى الحكم بنجاسة الملاقي للنجس، كما ذكرنا أن الملاقي للنجس بحكم التالف، ماء أو عصير أو دهن أو مرق كثير هذه الأمور المضافة إذا لا قت النجاسة هي بحكم التالف عندنا لا يستفاد منها، هذا الحكم ضرري ومع ذلك استثني من قاعدة لا ضرر، ولا ضرر تشمله ولكنه مستثنى.

المورد الثاني: وجوب الغسل على مريض أجنب نفسه عمداً، هو مريض ويعلم من نفسه أنه لا يقدر على الغسل وهو ضرري عليه، ومع ذلك أجنب نفسه عمداً، هنا إذا كان الغسل ضررياً أيضاً يجب عليه الغسل على حسب ما ورد في بعض الروايات، ولكن طبعاً أن المشهور لم يعتمدوا على هذه الرواية وأعرضوا عنها وقالوا بعدم وجوب الغسل على المريض لأن الغسل ضرري عليه.

الكلام في التخصيص ليس على مبنى المشهور، على غير مبنى المشهور إذا قلنا اسناداً على النص وقلنا يجب عليه الغسل هذا يكون حكماً مستثناً من قاعدة لا ضرر.

المورد الثالث: ما ورد عندنا من وجوب شراء ماء في الوضوء ولو بأضعاف قيمته، ماء الوضوء قيمته مثلاً خمسمائة دينار وبما أنه في هذا المكان لا يوجد ماء هو يريد أن يبيعه بعشرة آلاف دينار، نقول له: يجب عليك شراؤه والوضوء فيه وإن كان ضررياً، ومع ذلك استثني من قاعدة لا ضرر.

يقول السيد الخوئي (ره) هذه هي الموارد التي خصصت فيها لا ضرر، وغير هذه الموارد مما ذكره الشيخ ليس من باب التخصيص، مثل الضمانات والديات والقصاص والحدود والديات وغيرها هذه كيف لا تكون مستثناة من القاعدة ولا يشملها التخصيص؟ هذا ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.