الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

الجواب الخامس عن إشكال الشيخ الأنصاري (قده):

وهو ما أفاده بعض الأعاظم من المعاصرين (حفظه الله)، ويمكن تجميع كلامه من موارد متعددة، في بيان معنى الضرر، وفي بيان معنى الضرار، ثم في التطبيق، في قاعدة لا ضرر ولا ضرار الصفحة 133، لبيان معرفة المبنى في تفسير معنى الحديث فإن مفاد لا ضرر عنده هو ما أفاده الشيخ الأنصاري (ره) فسّره بمعنى نفي التسبيب إلى الضرر بجعل الحكم الضرري، يعني إذا جُعل الحكم الذي ينشأ منه الضرر، فلا ضرر تنفي التسبيب إلى الضرر بجعل الحكم الشرعي.

وأما القسم الثاني وهو لا ضرار: فمعناه التسبيب إلى نفي الإضرار، هنا يقول: يحتوي على تشريعين:

التشريع الأول: تحريم الإضرار بالغير حرمة تكليفية ومولوية.

التشريع الثاني: اتخاد الوسائل الإجرائية حماية لهذا التحريم، فتدل على تشريع وسائل إجرائية للمنع عن الإضرار خارجاً.

هذا البحث في معنى الضرار، وهذا يمكن ملاحظته في الصفحة 150، والآن سنشرح هذه الجهة.

ونشير إلى نقطة لتوضيح ما أفاده في التشريع الثاني، نقول: ربما يكون من هذا القبيل ونظيره هو جعل الحدود في مواردها، يعني الشارع حرّم الزنا فهنا يستفاد أولاً حرمة الزنا ثم الشارع نفسه جعل وسيلة إجرائية حماية لهذا التحريم وحفظه وهو جعل الحد على الزنا، لأن طبيعة الإنسان عندما يعلم بصدور العقوبة الفورية في حقه هنا يرتدع، بخلاف ما لو كان مجرد تحريم على أنه عقوبة أخروية، فالعقوبة الأخروية ربما يقول في نفسه لعلني أتوب فيما بعد ويسوّف وربما لا يوفق، تصعد عنده الشهوة أو الغضب مثلاً هنا يرتكب بعض المحرمات على أنه يتوب فيما بعد، ولكن إذا علم بوجود عقوبة كالحد وقطع اليد هذه تكون رادعة له.

التنظير فقط في جانب جعل وسائل إجرائية حماية للتحريم، أما هناك الدليل دل، عندنا دليلان، دليل على حرمة الزنا وشرب الخمر وغيره وعندنا دليل على العقوبة والحد.

نعود إلى كلامه (حفظه الله) يقول: بأن لا ضرر هي تسبيب إلى نفي الإضرار يحتوي على تشريعين كما تقدم، فلا ضرر تدل على تشريع وسائل إجرائية للمنع من الإضرار خارجاً، ثم بين ذلك: بأن الحديث لا ضرر ولا ضرار يدل على التسيب إلى عدم تحقق الإضرار، وذلك يكون من خلال ثلاثة أمور:

الأمر الأول: جعل الحكم التكليفي الذي يزجر عن العمل وهذا هو الحرمة، فالحرمة حكم تكليفي زاجر عن العمل، فحرمة الإضرار زاجرة عن الإضرار.

الأمر الثاني: تشريع اتخاذ وسائل مانعة عن تحقق الضرر خارجاً، من قبيل تجويز إزالة وسيلة الضرر، يعني السبب الذي يصدر منه الضرر يكون تشريع لتجويز إزالته مثلاً كهدم مسجد ضرار، فمسجد ضرار وسيلة للضرر فصار تشريع لإزالتها، كما نحن فيه أيضاً عذق سمرة هنا صار تشريع لإزالة سبب الضرر، هذا التشريع الثاني يرتكز على قوانين ثلاثة:

القانون الأول: النهي عن المنكر، فهو ذو مراتب، مرتبة في القلب ومرتبة في اللسان ومرتبة تصل إلى الضرب أو أكثر من الضرب، هنا عندنا تشريع اتخاذ وسائل مانعة من تحقق الضرر خارجاً.

القانون الثاني: تحقق العدالة الاجتماعية بين الناس.

القانون الثالث: حماية الحكم القضائي.

بالنسبة لمفاد لا ضرر يكون مبنى لتعليل القلع قلع العذق، هذه الكبرى الآن تشريع اتخاذ وسائل مانعة من تحقق الضرر، هي المبنى لتعليل القلع الموجود في رواية سمرة.

الأمر الثالث: تشريع أحكام رافعة لموضوع الإضرار، من قبيل حق الشفعة لرفع الشركة في موضوع إضرار الشريك، كونه يوجد شريك آخر في الرض غير معروف هذا يوجب الإضرار، فيُشرّع قانون حق الشفعة ليرفع موضوع الإضرار وهو الشركة، أو من قبيل موارد أخرى مذكورة في الفقه لا حاجة للتعرض إليها.

إذا اتضح هذا وعرفنا المبنى في معنى الضرر والإضرار، الآن نريد أن نطبق على المورد.

مفاد لا ضرر التسبيب إلى عدم الإضرار وهو ينحل إلى أمرين، أحدهما سلب مشروعية الإضرار بجعله عملاً محرماً، ثانيهما: إعطاء صلاحيات إجرائية للحاكم بما أنه ولي أمر المسلمين لمنع تحقق الإضرار، هذا الجانب من مفاد قاعدة لا ضرر هو الذي يبرر القلع.

نتيجة الكلام وتطبيقه: أن أساس الإشكال أن ظاهر الحديث كون لا ضرر ولا ضرار تعليل للقلع، لأن نفس لا ضرار أفادت شيئين:

الأمر الأول: أفادت حرمة الإضرار، لا يجوز الإضرار.

الأمر الثاني: إعطاء صلاحية إجرائية ولكن للحاكم بما أنه ولي أمر المسلمين لمنع تحقق الضرر هذه الصلاحية هي التي سوّغت للنبي صلى الله عليه وآله أن يقول: اقلعه وارم به وجهه.

فنركز على هذين، أن التعليل ليس بلا ضرر وإنما التعليل بلا ضرار، هذه نقطة تكون في البال، النقطة الثانية: باعتبار أن لا ضرار أفادت حكمين الأول هو حرمة الإضرار والثاني إعطاء صلاحية للحاكم لحفظ تلك الحرمة.

والصلاحية تكون برفع موضوع الإضرار وهو وجود النخلة في بستان الأنصاري، يعني وجود حق لسمرة في بستان الأنصاري، فلهذا يقول: إن هذا ملكي وأنا أدخل لملكي، فاتخذ هذا الملك وسيلة للإضرار، الشارع شرَّع رفع هذه الوسيلة وأعطى وسيلة إجرائية لرفع هذه الوسيلة للضرر، فيكون التعليل منسجم مع القلع.

نقول: بأن هذا المعنى معنى جميل ونظري، وتطبيقاته كما قلنا يمكن أن توجد في الفقه، كما ذكرنا بأن موارد جعل الحدود يمكن أن تكون من هذا القبيل.

ولكن هل هذان الأمران يمكن استفادتهما من لا ضرار أو لا؟ الكلام هنا، أصل النظرية والقوانين الثلاثة السابقة هذا كله تام في نفسه، يعني في التشريع الإسلامي يوجد مثل هذا الشيء، ولكن الكلام أنه هل يستفاد ذلك من لا ضرار أو لا؟ نقول: لا دليل عليه من لا ضرار، ضرار قلنا إنه مصدر ضره ضرارا مضارة، ويمكن أن كون معنى بالنسبة إلى الشخص المصر على الإضرار ويستمر في الإضرار نقول له ضرار، والضرر ليس من هذا القبيل كما فصّلنا سابقاً، في الضرار يقدم على العمل مع القصد والإصرار هذا نفي، هنا النفي يكون بمعنى حرمة الإضرار، وبما أنها مصدر ولها جهة إضافة من الفاعل بخلاف المصدر الذي هو ضرر، فنقول: نستفيد من هذا النفي حرمة الإضرار، أما أن نستفيد شيئين حرمة الإضرار وجعل وسيلة إجرائية فهذا لا نستفيده من لا ضرار.

نعم نستفيده من نفس فعل النبي صلى الله عليه وآله فيعود الكلام، فعل النبي صلى الله عليه وآله هو بنفسه دليل، ولكن هل نستفيد حكم عام، يعني بعبارة أخرى كما ذكرنا مع السيد الصدر (ره) أنه هل يمكن تطبيقه في كل موردٍ؟

طبعاً هو (حفظه الله) خصص الصلاحية للحاكم، فيُشعر أنه نوع من الحكم الولائي أو السلطاني، يعني ليس من حق حاق اللفظ، يعني ما نريد أن نقوله: إن الحكم الثاني مما ذكره (حفظه الله) لا يستفاد من ظاهر لا ضرار أبداً، هذا استفدناه من أمور خارجية، كما في هدم مسجد ضرار وهنا هدم بقلع العذق، ولكن لا نستفيد قاعدة عامة، ونحن نريد أن نستفيد لماذا عُلل هذا القلع بلا ضرر ولا ضرار؟

نقول إنه حكم ولائي كما ذكر السيد الخوئي والمحقق النائيني، إن النبي صلى الله عليه وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم وله الولاية وسمرة عاند بحيث يعلم النبي صلى الله عليه وآله أنه لا فائدة من نهيه ولا ردعه إلا أن نقلع النخلة فقلعها بحكم ولائي وهذا لا كلام فيه.

كلامنا كيف التطبيق بلا ضرار إذا قلنا إن ظاهرها الحرمة، لا ضرر ولا ضرار، المشهور اعتمادهم على لا ضرر، والآن السيد الصدر (ره) أو السيد السيستاني (حفظه الله) على لا ضرار، كيف نستفيد هذا الحكم الإجرائي بمعنى أنه جعل حكم إجرائي لحفظ ذلك الحكم.

نعم، أصل النظرية التي أفادها وهي في بعض الموارد وجود أحكام لحفظ أحكام أخرى أو إجرائية رادعة، هذا موجود في الشريعة، ولكن كيف نستفيده من لا ضرر؟ هنا انحل الكلام، وهذا المقدار الذي ذُكر لا يفيد فيكون مجرد دعوى.