الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

 

الإشكال على مبنى صاحب الكفاية (قده):

ذكرنا فيما سبق مبنى صاحب الكفاية (قده) في المراد من لا ضرر، وقلنا بأنه يرى بأن المنفي هو الموضوع الضرري، فيكون في النتيجة نفي للحكم بلسان نفي موضوعه، فعندما قال: لا ضرر، المنفي هو نفس الضرر، ولكن يريد نفي الحكم عن الموضوع الضرري، فإذا كان الوضوء ضررياً فهذا الوضوء الضرري ينتفي حكمه بلسان نفيه.

وقلنا أيضاً الفرق بينه وبين الشيخ، الشيخ الأنصاري (ره) يرى أن المنفي الحكم الضرري مباشرة، بنحو من أنحاء التجوّز التي تقدم الكلام فيها، فعليه: من الناحية التطبيقية تختلف الآثار، لا بد أن يكون في نظر صاحب الكفاية أن يكون الموضوع ضررياً حتى ينتفي حكمه، أما الشيخ فيقول: إذا كان هناك ضرر وكان منشؤه الحكم فهذا منفي، حتى ولو لم يكن نفس الموضوع ضررياً، بل كان بعض مقدماته ضررية لا بد من الإتيان بها لأجل الحكم، لأن هذا الأمر صار واجباً ويجب الإتيان به والإتيان به يتوقف على مقدمات ضررية نقول: ينتفي الحكم.

صاحب الكفاية يقول: لا ينتفي الحكم لأن الضرر ليس ناشئاً من نفس الموضوع وإنما من مقدماته، هذا تقدم الكلام فيه.

أيضاً تقدم الكلام فيما أورد على صاحب الكفاية كما حرره السيد الخوئي (ره) في المصباح، وأورد عليه بإشكالين وملخصهما:

الإشكال الأول يقول: الضرر في الرواية ليس عنواناً للفعل الموجب للضرر، عندنا ضرر وعندنا وضوء ضرري، الوضوء الضرري فعل موجب للضرر، هل نفس الضرر عنوان للفعل الموجب للضرر؟ نقول: لا، الضرر ليس عنواناً للفعل الموجب للضرر، بل الضرر مسبَّب عن ذلك الفعل، تقول: الفعل الموجب للضرر، إذاً الضرر مسبَّب عن الفعل عن الوضوء عن الغسل، كونه مسبَّباً لا يجعله عنواناً، فالعنوان بحيث يكون عنواناً ينطبق عليه شيء وبين أن يكون مسبب عنه شيء آخر، فعليه: إذا قلت بأن المنتفي هو نفس الموضوع فبالتالي ينتفي الحكم، هذا الموضوع المأخوذ في الرواية هو نفس الضرر وليس العمل الموجب للضرر، لم يقل لا وضوء ضرري أو لا فعل ضرري، بل قال: لا ضرر، إذاً الموضوع المنفي نفس الضرر، الضرر كموضوع له حكم كما أن الوضوء له حكم أيضاً الضرر له حكم وحكمه الحرمة، الضرر حكمه الحرمة فإذا قلت أن المنفي هو الحكم بلسان نفي موضوعه فتنتفي حرمة الضرر بلسان نفي الضرر، وهذا عكس المطلوب، أنت لا تريد أن تنفي حرمة الضرر، أنت تريد أن تنفي حكم وجوب الوضوء، عن الوضوء الضرري، وجوب الغسل عن الغسل الضرري، هنا بمقتضى كلامك تنفي حكم الضرر، يعني تنفي الحرمة التي هي من آثار الضرر الذي يكون الضرر موضوعاً لها، فهذا يعطي نفس المطلوب ولا تصير وجهاً، هذا أولاً.

ثانياً: النسبة بين الضرر والحكم المترتب عليه نسبة الموضوع، الضرر نسبته إلى الحكم نسبة الموضوع، الموضوع بمثابة المقتضي للحكم، قد يعبرون أحياناً الأصوليون أو الفقهاء يقولون النسبة بين الموضوع والحكم نسبة العلة للمعلول، ليس هو علة له ولكن نسبة العلة إلى المعلول، الموضوع نسبته إلى الحكم نسبة العلة إلى المعلول، نسبة المقتضي إلى المقتضى، كما يمكن أن يقَّرَّب ذلك في المستطيع بالنسبة إلى وجوب الحج.

فالضرر هنا نسبته إلى الحكم نسبة المقتضي، فإذاً شأن المقتضي أن يوجد المقتضى عند وجوده، طبعاً مع تمام بقية الشرائط، شأن المقتضي أن يوجد المقتضى عند وجوده، وليس شأنه أن ينتفي المقتضى عند وجوده، بينما على تفسيركم الضرر الذي هو موضوع للحكم المترتب عليه الذي هو مقتضٍ للحكم المترتب عليه أصبح منتفياً بوجود مقتضيه، المقتضى منتفي بوجود مقتضيه وهو الضرر، بينما الضرر الذي هو مقتضي يكون مثبتاً أو محصلاً للحكم أو يترتب عليه الحكم، أو يوجد من بعده الحكم لا العكس، بينما هنا بالعكس.

فلهذا ما يمكن الالتزام به لا تدل عليه الرواية، وما تدل عليه الرواية لا يلتزم به، هذا حاصل إشكالي السيد الخوئي (ره).

ثم أورد السيد الخوئي (ره) على نفسه كدفاع عن المحقق صاحب الكفاية، يقول: أنه ربما يقال: بأن ما نحن فيه (لا ضرر) مثل ما ذُكر في حديث الرفع، رفع الخطأ والنسيان، (رُفع عن أمتي تسعة) من جملتها (رفع الخطأ والنسيان) هنا رفع الخطأ ليس المقصود رفع الخطأ الواقعي التكويني لأنه حاصل تكويناً، وليس رفع النسيان لأنه حاصل تكويناً، إنما يكون الرفع في حديث الرفع للحكم المتعلق بالفعل الذي صدر حال الخطأ والنسيان.

صدر منه القتل خطأً أو نسياناً أو شرب الخمر كذلك، يعتقد بأنه خلٌ فشرب منه، الحكم المتعلق بالفعل الصادر حال الخطأ والنسيان هذا مرفوع بلسان رفع الموضوع، شرب الخمر أو القتل فيه حكم بالحرمة فيترتب عليه حدٌ، شرب الخمر صدر حالة الخطأ أو النسيان الحكم المتعلق بهذا الشرب مرتفع، هذا الحكم ارتفع بلسان رفع الموضوع، لم يقل رفع الحكم المترتب على الفعل الصادر خطأً وإنما قال: رُفع الخطأ، لم يقل: رُفع الحكم الترتب على هذا الفعل الصادر نسياناً بل قال: رُفع النسيان، فنلاحظ هنا رفع الحكم المتعلق بالفعل الصادر خطأ أو نسياناً بلسان رفع موضوعه كالخطأ والنسيان، مع أن المرفوع في ظاهر الحديث رفع النسيان والخطأ، يعني المرفوع في ظاهر الحديث نفس الموضوع.

ما نحن فيه مثل ما في حديث الرفع، ربما يقال انتصاراً للمحقق صاحب الكفاية (ره) أن ما نحن فيه وهو (لا ضرر) هو نفي الحكم بلسان نفي موضوعه، كما في حديث الرفع نفي للحكم المتعلق بالفعل الصادر حال الخطأ ولكن عُبر عنه بلسان نفي الخطأ نفسه، أو النسيان نفسه، فليكن ما نحن فيه من ذلك الباب فلا يرد الإشكال.

أجاب السيد الخوئي (ره) عن هذا الإشكال أيضاً، يقول: بأن الالتزام بنفي الحكم عن المتعلق الصادر خطأً أو نسياناً في حديث الرفع إنما كان من أجل قرينة قطعية، قامت القرينة القطعية على ذلك بهذا البيان:

الرواية تقول: رفع الخطأ والنسيان، هل نحمله على الخطأ التكويني والنسيان التكويني؟ قطعاً لا يمكن الحمل على ذلك لأنه يستلزم الكذب، النسيان يصدر من الإنسان قطعاً وهذا الفعل صدر نسياناً أو خطأً، كان معتقداً وجازماً بأن هذا خلٌ فشربه بهذا الاعتقاد فتبين أنه خمر، صدر هذا الخطأ تكويناً، إذا لا يمكن الحمل على نفي الخطأ والنسيان التكوينيين لأنه يستلزم الكذب جزماً لوجودهما قطعاً بالوجدان، فإذاً هذا الاحتمال منفي في حديث الرفع.

احتمال آخر: أنه رُفع الحكم المتعلق بنفس الخطأ والنسيان بمعنى أن هناك حكماً يتعلق أو يترتب على النسيان أو الخطأ، مثلاً: قتل الخطأ له حكم خاص غير قتل العمد، فإذاً هذا الفعل الصادر خطأ له حكم خاص في الشريعة هل يراد نفي هذا الحكم المتعلق بالخطأ إذا صدر؟ لا، لا يريد ذلك، عندما يقول: رُفع الخطأ لا يريد هذا المعنى، يعني الحكم المتعلق بالقتل الخطأ منتفٍ ففيه الدية على العاقلة نقول: يريد أن ينفي هذا الحكم، رفع الخطأ لا يريد أن ينفي كون الدية في العاقلة.

أو مثلاً: إذا نسي سجدة يجب عليه سجود السهو بعد الصلاة، هذا الحكم يتعلق بالنسيان لأنه نسي سجدة نقول له: تجب عليك سجدتا السهو، هنا الآن الاحتمال الثاني رفع الحكم المتعلق بالفعل الصادر خطأً، هل هو المراد؟ نقول قطعاً ليس مراداً، كما أنه لا يراد رفع نفس الموضوع الذي هو الخطأ والنسيان التكويني لأنه يستلزم الكذب، أيضاً لا يراد رفع الحكم المتعلق بنفس الخطأ والمتعلق بنفس النسيان لأنه مستلزم للخلف، الشارع يقول: إذا نسيت سجدة وجبت عليك سجدتا السهو، فإذا قلت رفع النسيان يعني رفع وجوب سجدتي السهو الناشئ وجوبهما من النسيان، هذا يستلزم خلف الفرض، النسيان هو الذي أوجب هذا الحكم كيف صار النسيان يرفعه، هذا خلفٌ، أو بالتعبير الذي ذكرناه سابقاً المقتضي للموضوع هو المقتضي للحكم فكيف يرفع الحكم؟ لا يعقل ذلك، نسيان السجدة مقتضٍ لوجوب سجدتي السهو فكيف يكون رافعاً لوجوب سجدتي السهو؟ إذاً هذا الاحتمال الثاني لا يُعقل.

النتيجة: الشراع يقول: رفع ما لا يعلمون أو النسيان أو الخطأ، رفع الموضوع غير مراد قطعاً لأنه يستلزم الكذب ورفع الحكم المتعلق بالفعل حال الخطأ والنسيان أيضاً غير مراد قطعاً لأنه خلفٌ محال، النتيجة: أنه لا مناص عندنا إلا من الحمل على رفع الحكم المتعلق بالفعل الصادر حال الخطأ والنسيان.

يعني هناك حكم لهذا الفعل في حد نفسه، هذا الحكم الذي يتعلق بهذا الفعل إذا صدر الفعل خطأ أو نسياناً لا يتعلق به، وليس الحكم المتعلق بالفعل بقيد الخطأ والنسيان، القتل الخطأ بقيد أنه صدر خطأً حكمه الدية على العاقلة، إذاً الحكم بالدية يترتب على القتل بقيد الخطأ أو وجوب سجدتي السهو يترتب على عنوان النسيان، عنوان نسيان السجدة يترتب عليه الحكم، لكن عندنا حكم يترتب على الفعل في حد نفسه، نفترض حرمة شرب الخمر يترتب على شرب الخمر، شرب الخمر إذا صدر خطأً هذه الحرمة تنتفي، إذاً إنما قلنا وصرنا إلى الحمل في رفع النسيان والخطأ على رفع الحكم المتعلق بالفعل الصادر حال الخطأ والنسيان لأجل عدم إمكان الحمل على المحملين الآخرين الذي يكون أحدهما هو الظاهر مثلاً أو كل منهما متساوي، بما أنه لم يمكن الحمل على رفع الخطأ والنسيان التكويني ولم يمكن الحمل على رفع الحكم المتعلق بنفس الخطأ والنسيان بعنوانيهما لأنه يستلزم الخلف، نقول: لا بد من الحمل على رفع الحكم المتعلق بالفعل لكن إذا صدر حال الخطأ ننفيه.

هذه القرينة القطعية التي أوجبت الحمل هناك نفي الحكم المتعلق بالفعل حال الخطأ هذه القرينة القطعية لا توجبه في المقام، في المقام يمكن أن يتعلق النفي بنفس الضرر في مقام التشريع، فيكون المفاد نفي الحكم الضرري على ما قررناه في مقام بيان الشيخ الأنصاري (ره)، لا ضرر هنا نفي الحكم، الحكم الذي ينشأ منه الضرر، يعني تعلق النفي بنفس الضرر فقال لا ضرر، ولكن في مقام التشريع وقلنا هناك الشارع بما هو شارع يتكلم، الشارع بما هو شارع عندما ينفي الضرر لا يريد نفي الضرر التكويني، ولا يريد نفي الموضوع الخارجي وإنما يريد نفي الضرر تشريعاً، ونفي الضرر تشريعاً معناه نفي الحكم، من أحد الأنحاء المتقدمة بنحو سبب ومسبب أو بنحو التقدير أو المجاز في الكلمة على حسب التقادير والأنحاء المتقدمة.

حاصل الجواب: يقول: فيما نحن فيه يمكن نفي الضرر بنفسه تشريعاً ويكون المراد منه نفي جعل الحكم، الشارع لم يجعل الحكم الذي ينشأ منه الضرر، هذا أمر ممكن فيما نحن فيه، فلا حاجة إلى أن نقول بأن النفي هنا نفي للحكم بلسان نفي موضوعه، يعني نصب النفي على الموضوع لأجل أن ننفي الحكم، وهذا بخلاف حديث الرفع، فحديث الرفع صرنا إلى رفع الحكم المتعلق بالفعل الذي صدر حال الخطأ والنسيان إنما هناك لجأنا إلى هذا لأن الاحتمالين الآخرين غير ممكنين وغير متعقلين.

فإذاً ما نحن فيه يفترق عما هناك، فلا ينفع في الدفاع عن صاحب الكفاية، فتقول: ما نحن فيخ مثل ما ذكر في حديث رفع الخطأ والنسيان، وللكلام بقية.