الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

مبنى صاحب الكفاية (قده) في معنى لا ضرر:

الكلام في المبنى الرابع وهو مبنى صاحب الكفاية (ره) في بيان لا ضرر، ورأي صاحب الكفاية هو أن لا ضرر نفي للحكم بلسان نفي الموضوع، وهذا الأمر مستعمل في اللغة العربية ومستعمل أيضاً في الروايات، مثلاً (لا ربا بين الوالد وولده) يوجد هناك ربا حقيقة وهو الزيادة، عندما يُقرض الأب ولده أو العكس فيشترط عليه أن يرده بأزيد مما أخذه هذه زيادة وقد تحققت في الواقع ولكن الدليل على فرض ثبوته بهذا اللفظ هنا نفى نفس الموضوع، والموضوع قلنا متحقق جزماً في الخارج، فالمراد إذاً نفي الحكم الربوي باعتبار أن الربا له حكم عند الشارع وهو الحرمة فهذا الحكم بالحرمة منفي عندما يكون الوالد وولده، هذا نفي للحكم بلسان نفي الموضوع.

أيضاً مثلاً: (لا شك لكثير الشك) هو في الواقع حصل منه الشك ولكن بما أنه كثير الشك فنقول الحكم المترتب على الشك لا يترتب عليه، فهنا أيضاً نفي للحكم بلسان نفي موضوعه، وهكذا أمثلة كثيرة (لا غيبة للفاسق) (لا رهبانية في الإسلام).

صاحب الكفاية مثَّل (يا أشباه الرجال ولا رجال) هنا نفي للموضوع ولكن أريد نفي الآثار المهمة، يعني هناك آثار تترتب على الرجولة مثل الشجاعة، فهؤلاء غير شجعان أو غير أوفياء في الوعد والعهد، فهنا يستحقون نفي حقيقة الرجولة عنهم (لا رجال) فأُريد من نفي الموضوع الآثار المترتبة عليه.

ومثَّل أيضاً (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) ولكن هنا لنفي الكمال، يعني الأثر المهم في الصلاة في المسجد هو الكمال، فنفى الكمال بلسان نفي الموضوع، فلهذا بعض المحشين قال: لو مثَّل بلا صلاة إلا بفاتحة الكتاب كان أولى من مثاله.

أصل هذه الدعوى مستعملة في لغة العرب أو في الروايات، أن ينفى الموضوع ويراد منه نفي الحكم.

الفرق بين كلام الشيخ الأنصاري (قده) أو المحقق النائيني (قده) وبين كلام المحقق صاحب الكفاية (قده):

كلام المحقق النائيني نفي السبب بلسان نفي المسبب، الضرر مسبب عن الحكم فالحكم سبب له فينفى المسبب الأثر ويراد نفي السبب وهو نفس الحكم، نقول: لا حكم ضرري، هنا يريد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، وهناك آثار تُذكر في الأصول أو في الفقه في موارد تذكر الفوارق، أنه بناء على مبنى صاحب الكفاية يرد كذا أو بناء على رأي الشيخ كذا، أو يقولون هذا على بناء الشيخ أو صاحب الكفاية، وهكذا يذكر من جملة موارد الفرق التي يترتب هو في دليل الانسداد، والفرق هو الذي سنذكره في نهاية دليل الانسداد يبتني على ما سنشير إليه الآن، وهو أن صاحب الكفاية استفاد من هذا المعنى أيضاً في (لا حرج) يعني (لا ضرر) من حيث المفاد هي نفس مفاد (لا حرج)، يعني نفي للحكم بلسان نفي الموضوع.

عليه: يبتني الكلام الذي ذُكر في دليل الانسداد، دليل الانسداد يتركب من أربع مقدمات، ومن جملة المقدمات أن يكون الاحتياط عسر وحرج على المكلف من جهة أنه يعلم بوجود أحكام إلزامية في الشريعة المقدسة، ومن جهة يجب عليه العمل بهذه الأحكام، ومن جهة هو لا يعلم بالحكم بنحو القطع، فنقول: الاحتياط يجمع بين المحتملات وهذا الجمع فيه عسر وحرج على المكلف بل قد يكون أيضاً اختلال النظام، فهنا ينفى العسر والحرج على مبنى الشيخ الأنصاري يكون تاماً، وعلى مبنى الشيخ صاحب الكفاية لا يتم.

لأنه على مبنى الشيخ الأنصاري يقول: الحكم الذي ينشأ منه الضرر أو الحرج منفي، في المقام في دليل الانسداد العمل بالاحتياط الذي هو الجمع بين المحتملات هذا يلزم منه العسر والحرج، ومنشأ الاحتياط هو وجود الحكم الشرعي الإلزامي في ضمن هذه المحتملات فيلزم الاحتياط، والاحتياط نشأ منه الحرج، فالحرج في الواقع مسبَّب عن الحكم الشرعي، وكلُ حرجٍ ينشأ من الحكم الشرعي فالحكم الشرعي منفي بلسان نفي الحرج، أيضاً عندما نرفع كلمة الحرج ونجعل (لا ضرر) كلُ حكم يتسبب منه الضرر فهو منفي.

وصاحب الكفاية يقول: بما أن النفي متوجه للموضوع وليس متوجهاً إلى الحكم، وإن كان الحكم ينتفي بانتفاء الموضوع، فهو نفي للحكم بلسان نفي الموضوع، إذاً لا بد أن يكون الموضوع ضررياً أو حرجياً حتى يُنفى.

في دليل الانسداد لما نأتي إلى مثال الاحتياط، الحكم الشرعي نفسه لا حرج فيه، يعني لو علمت بأن الحكم الشرعي الإلزامي هو في هذا المحتمل الأول آتي به بلا حرج، الحرج يكون لأن هذا الحكم الشرعي صار في أحد محتملات كثيرة اضطررت لامتثاله أن آتي بجميع هذه المحتملات أو أترك جميع المحتملات، هذا الجمع هو الذي أوجب الحرج، إذاً لم يكن موضوع الحكم الشرعي هو الحرج وإنما الجمع بين المحتملات التي تضم الحكم الشرعي وغيره، يعني تضم ما يحقق امتثال الحكم الشرعي وغيره، إذاً الحرج ليس في نفس موضوع الحكم الشرعي حتى ننفيه بلسان نفي موضوعه، وإنما الحرج جاء من شيء آخر وهو الجمع بين المحتملات كما قلنا، وهذا فارق بين ما أفاده الشيخ وبين ما أفاده صاحب الكفاية.

أيضاً هناك فوارق أخرى: تارة يكون الضرر في نفس المتعلق وتارة الضرر ينشأ من مقدماته وليس في نفسه، صاحب الكفاية يقول: إذا الضرر ناشئ من المقدمات لا يرتفع بلا ضرر، لأن لا ضرر تنفي الحكم بلسان موضوعه، لا مقدمات الحكم، أما الشيخ الأنصاري فيقول بما أن الإتيان بالمقدمات التي استتبعت الضرر ناشئ من الحكم الشرعي في الأساس فهذا أيضاً إذا كان الضرر ينشأ من المقدمات ينتفي الحكم الشرعي، لأن الذي ألزم الإتيان بالمقدمات هو الحكم الشرعي، الحكم الشرعي تعلق بشيء ولا يمكن الإتيان بهذا الشيء إلا من خلال مجموعة من المقدمات وهذه المقدمات تستتبع الضرر إذاً هذا الحكم يستتبع الضرر فهو منفي.

ويمر في الفقه في بحث المعاملات بعض الموارد التي على مبنى الشيخ الأنصاري كذا وعلى مبنى صاحب الكفاية كذا، هذا هو ما يرتبط بكلام الشيخ الآخوند (ره).

حاصله: أنه يقول إن لا ضرر تنفي الحكم بلسان نفي الموضوع، فإذاً الموضوع يكون ضررياً فينتفي الحكم.

هذا الكلام وقع موقع الإشكال عند المتأخرين عن صاحب الكفاية (قده):

من جملة الإشكالات: أن هذا الاستعمال في حد نفسه استعمال صحيح، والأمثلة التي ذكرناها شواهد على ذلك، ولكن لا يمكن قبوله ولا تطبيقه في المقام، لأن المقام هو نفي الضرر (لا ضرر) المنفي هو عنوان الضرر، نسأل هل عنوان الضرر عنوان للحكم الضرري أو عنوان للفعل الموجب للضرر أو لا؟ مثلاً: الوضوء نفترض أو الغسل ضرري، هل عنوان الضرر عنوان لهذا الغسل الضرري أو الوضوء الضرري؟ قطعاً لا، عنوان الضرر ليس عنواناً للغسل أو الوضوء الضرري أي الفعل الموجب للضرر، بل هو مسبَّب عنه، الضرر مسبَّب عن الوضوء والغسل، وكونه مسبَّباً غير كونه عنواناً له، هذه مقدمة مهمة للإشكال لا بد من الالتفات إليها.

أن عنوان الضرر ليس عنواناً للفعل الموجب للضرر، يعني ليس عنواناً للوضوء أو الغسل الضرري، وإنما الضرر مسبَّب عن الغسل أو الوضوء، فرق كونه مسبَّباً وبين كونه عنواناً، إذا لم يكن عنواناً إذا تقول نفي للحكم بلسان نفي موضوعه بمعنى أن الموضوع ضرري فينتفي حكمه، الموضوع المنفي في المقام هو نفس لا ضرر، إذا كنت تريد أن تنفي الحكم بلسان نفي موضوعه معنى ذلك أن تنفي حكم الضرر، وحكم الضرر هو الحرمة، يعني تنفي حرمة الضرر بلسان نفي الضرر، وهذا يعطيك عكس المطلوب، خلاف ما يريده صاحب الكفاية، فهو يريد نفي الحكم عن الموضوع الضرري، نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، هذا المعنى في حد نفسه لو كان الوضوء ضررياً وكان الضرر عنواناً للوضوء الضرري نقول: الكلام تام، ونقول: لا وضوء ضرري يعني لا حكم له، الحكم الذي يترتب على الوضوء لا يترتب على الوضوء الضرري، هذا الوجوب لا يترتب، هذا إذا كان الضرر عنواناً لنفس الموضوع، وهو الفعل الموجب للضرر.

أما هنا فبحسب المقدمة التي ذكرناها بأن الضرر ليس عنوانً للوضوء أو الغسل الضرري أو الفعل الموجب للضرر، وإنما هو مسبَّب عنه، الضرر مسبَّب عن الوضوء أو الغسل، إذا عرفنا هذا نقول: المنفي (لا ضرر) وأنت تقول: لا ضرر نفي للحكم بلسان نفي موضوعه هو، الموضوع الموجود المنفي ضرر وحكمه الحرمة، معنى ذلك نفي للحرمة التي تتربت على الضرر أو التي موضوعها الضرر، وهذا عكس المطلوب، يعني لا نريد أن نقول: لا يحرم الضرر المتوجه للنفس أو للغير أو مطلقاً، لا نريد أن ننفي الحكم، وهذا عكس المطلوب.

فإذاً المقصود لا يستفاد مما أفاده صاحب الكفاية، هذا أولاً، ثانياً: الضرر بالنسبة إلى الحكم المترتب عليه يكون هو موضوع وحكم، عندنا ضرر يترتب على الحكم فالضرر هنا بالنسبة للحكم هو موضوع، إذا كان هو موضوع يكون هو مقتضٍ للحكم.

للتوضيح نقول: يجب الحج على المستطيع، المستطيع هو موضوع للحكم، إذا تحقق الموضوع وهو المستطيع يترتب عليه الحكم، فهنا المستطيع موضوع، لما كان موضوع للحكم بوجوب الحج إذا وجد المستطيع صار مقتضياً للحكم، الآن لما وجد المستطيع نقول الآن يجب عليك الحج، فهو مقتضي للحكم، هل يعقل أن يكون هذا المقتضي للحكم رافعاً للحكم أو مانعاً عن الحكم؟ هذا لا يعقل، يعني كأنه من باب ما يلزم من وجوده عدمه، هذا غير معقول، أنت تقول: الموضوع مقتضٍ للحكم ثم إذا وجد الموضوع صار سبباً لانتفاء الحكم، هذا غير معقول.

وما نحن فيه من هذا القبيل على مبنى صاحب الكفاية، الضرر بالنسبة إلى الحكم هو موضوع يترتب عليه الحكم فهو مقتضٍ للحكم، هنا إذا وُجد الضرر انتفى الحكم وصار الحكم منتفياً بلسان نفي موضوعه، فكأنه نفيت الحكم بعد وجود مقتضي الحكم، بينما مقتضي الحكم يكون مثبتاً للحكم، ويترتب عليه الحكم وليس مقتضياً لرفعه، فعليه: عندما تقول: لا ضرر نفي للحكم بلسان نفي موضوعه معنى ذلك أن الموضوع إذا تحقق انتفى الحكم، بينما الموضوع إذا تحقق ثبت الحكم، هذا أيضاً يرد على صاحب الكفاية.

إذاً: ما يمكن الالتزام بنفي الحكم بلسان نفي موضوعه لا يكون منفياً في المقام، عكس ما يريد، يعني الغرض الذي يراد لم يتحقق والذي لم يتحقق هو المراد، ما أُريد من الرواية لم يتحقق على مبنى صاحب الكفاية وما يتحقق من مبنى صاحب الكفاية لا يراد من الرواية، هذا إشكال ثاني أيضاً مطروح على كلام الآخوند وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى.