الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

الإشكال الثالث على الاحتمال الثاني:

كان الكلام في الاحتمال الثاني الذي اختاره الفاضل التوني وأيضاً وينسب ويمكن معرفته من الفاضل النراقي، وهو أن لا ضرر المنفي هنا الضرر غير المتدارك، لا ضرر غير متدارك وأوردنا عليه إشكال المحقق الآخوند وذكرنا أيضاً دفعه، والإشكال أيضاً الذي وجهه الشيخ الأنصاري (ره) وتبعه في ذلك المحقق النائيني والسيد الخوئي (ره) وذكرنا أنه يمكن الجواب عنه بما أجاب به المحقق الأصفهاني (قده).

الكلام الآن في الإشكال الثالث على هذا المبنى.

الإشكال الثالث: أفاده المحقق النائيني (قده) كما في قاعدة لا ضرر كما قلنا الملحق بمنية الطالب في المجلد الثالث صفحة 382، هناك قال: إنه يلزم على هذا القول أن تكون لا ضرر مدركاً لقاعدة فقهية لا عين لها ولا أثر في كلمات الأصحاب، والسر في ذلك أنه لم يُعهد من أحد من الأصحاب أنه عد الضرر أحد أسباب الغرامة، كما هو الحال في عدهم الإتلاف والتلف في بعض المقامات، الإتلاف هو أحد أسباب الغرامة والتلف أيضاً أحد أسبابها، بينما لم نجدهم أنهم عدوا الضرر أحد أسباب الغرامة، مع أنه توجد بعض الروايات التي يمكن أن تنبه على ذلك، مثلاً من أضر بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن، هنا هذه الرواية تنبههم لو فهموا من لا ضرر هذا المعنى أو أرادوا هذا المعنى، هذه تنبههم على أن يعدوا الإضرار من أسباب الضمان كما أن الإتلاف من أسباب الضمان أيضاً الإضرار يكون من أسبابه، ولكننا نجدهم لم يعدوا، وإنما حكموا بالضمان على من حفر بئراً في طريق المسلمين من باب الإتلاف بالتسبيب، لاستناد التلف إلى السبب لا إلى المباشر، يعني من حفر بئراً في طريق المسلمين ووقع فيه أحد وحصل تلف فالإتلاف هنا بالتسبيب يعني الشخص الذي حفر البئر هو سبَّب الإتلاف، هو أتلف بنحو التسبيب وهذا يستند إليه لا إلى المباشر.

فإذاً حاصل الكلام: أنه لو كانت لا ضرر مفادها هو الضرر غير المتدارك لكان الضرر أحد أسباب الغرامات بينما الفقهاء لم يذهب أحد منهم إلى أن الضرر أحد أسباب الغرامات وهم أهل لغة وأهل عرف، فعدم فهمهم لذلك يبعد هذا المعنى.

هذا حاصل إشكال المحقق النائيني (قده).

نحن نقول: هذا الإشكال واضح حيث إن ظاهر الدعوى أن الحديث متكفل لإنشاء التدارك والضمان في مورد الضرر، يعني على القول بأن لا ضرر المقصود منه هو لا ضرر غير متدارك، لو كان هذا هو المقصود لكان هذا الحديث لا ضرر يتكفل إنشاء التدارك والضمان في مورد الضرر، لأنه قلنا لازمه أن يكون هناك ضمان غير متدارك مع وجود الضرر في الواقع الخارجي، معنى ذلك أن الشارع جعل لزوم الضمان في مورد الضرر.

فإذاً هذا الحديث بحسب هذه الدعوى وبحسب ظاهرها أنه يتكفل لإنشاء التدارك والضمان في مورد الضرر، ولازم ذلك أن يكون الضرر من أسباب الضمان مع خلوه في كلمات الأعلام، لا يوجد في كلمات الأعلام أن الضرر أحد أيباب الضمان، وليست الدعوى منهم هي أن الحديث متكفل للإخبار عن عدم ترتب الضرر لتشريع التدارك والضمان في موارده لكن لا بعنوان الضرر بل بعنوان آخر ملازم له كالإتلاف.

وهذا القول منّا لندفع إشكال المحقق الروحاني (ره) الذي أورده على المحقق النائيني (ره) السيد الروحاني أورد على المحقق النائيني بما حاصله: أن الحديث ربما يكون متكفلاً للإخبار عن عدم ترتب الضرر لتشريع التدارك والضمان في موارده، ولكن تشريع التدارك والضمان لا بعنوان الضرر بل بعناوين أخرى ملازمة له كالإتلاف والتغرير ونحوه، على هذا التقدير لا يرد الإشكال، المحقق النائيني يقول: مقتضى كلامكم الفاضل التوني والفاضل النراقي أن تكون هناك قاعدة فقهية جديدة ويكون الضرر أحد أسباب الضمان كما أن الإتلاف أحد أسباب الضمان الضرر أيضاً أحد أسباب الضمان، بينما لا نرى في كلمات الأعلام لذلك عيناً ولا أثراً، هذا كلام المحقق النائيني.

السيد الروحاني (ره) في المنتقى يقول: يمكن أن يكون حديث لا ضرر متكفلاً للإخبار وليس للإنشاء حتى يكون من أسباب الضمان، بل متكفل للإخبار عن عدم ترتب الضرر، فقط إخبار عن عدم ترتب الضرر، لتشريع التدارك والضمان في موارد الضرر ولكن تشريع التدارك والضمان في موارد الضرر لا من جهة الضرر بل بعنوان آخر لا بعنوان الضرر بل بعنوان إتلاف، هنا حصل ضرر ولكن الذي سبب الضمان هو الإتلاف لأن هناك ملازمة بين الضرر والإتلاف في مثل هذا المورد، تحقق ضرر وهذا الضرر أيضاً سبب الإتلاف بواسطة هذا الإتلاف الشارع يقول يجب عليك التدارك أو عليك الضمان، إذاً شأن لا ضرر هو الإخبار عن عدم ترتب الضرر، والسبب في عدم ترتب الضرر هو تشريع التدارك والضمان في مورد الضرر ولكن لا بعنوان الضرر التشريعي وإنما بعنوان الإتلاف بعنوان التغرير، فعليه لا يرد الإشكال.

نكرر هذه الجهة: إشكال المحقق النائيني (ره) هو أنه إذا قلتم بأن المقصود من لا ضرر هو الضرر غير المتدارك لأجل تشريع الضمان لأن الشارع جعل الضمان في مورده، يقول: مقتضى ذلك أن نجعل الضرر أحد أسباب الضمان كما أن الإتلاف سبب من أسباب الضمان الضرر أيضاً سبب من أسباب الضمان، بينما لا نجد في كلمات الفقهاء لذلك عيناً ولا أثراً.

المحقق الروحاني (ره) يقول: لا ضرر ليست للإنشاء، لا تتكفل إنشاء التدارك حتى يرد الإشكال، لا ضرر فقط تُخبر عن عدم ترتب الضرر، لتشريع التدارك والضمان في موارد الضرر، ولكن تشريع التدارك والضمان في موارد الضرر ليس بعنوان الضرر وإنما بعنوان الإتلاف لوجود الملازمة، إذاً شأن لا ضرر هو الإخبار فلا يرد الإشكال من أنه يلزم من ذلك أن تؤسس قاعدة لا عين ولا أثر لها عند الفقهاء.

نحن نقول: إن ظاهر الدعوى، عندما قالوا يعني لا ضرر غير متدارك لإنشاء التدارك هنا نفي الضرر كان لإنشاء التدارك والضمان، يعني ظاهر الدعوى أن الحديث متكفل لإنشاء التدارك والضمان لا للإخبار، وفرق بينهما، تارة نقول: الحديث متكفل لإنشاء الضمان في مورد الضرر، يعني إذا حصل ضرر يترتب عليه تدارك وضمان، وتارة نقول: لا ضرر فقط تُخبر عن عدم الضرر وسبب عدم الضرر ليس هو إنشاء التدارك بالضرر وإنما السبب هو تشريع التدارك والضمان في موارد الضرر بالإتلاف، نقول: نعم لو كان المستفاد إخبار يأتي كلام المحقق الروحاني ويندفع كلام المحقق النائيني، أما إذا قلنا إن ظاهر الدعوى هو أن يكون لا ضرر متكفلاً لإنشاء التدارك لإنشاء الضمان فهنا يبقى إشكال المحقق النائيني على قوته، هذا الإشكال الثالث الذي أورد على ما أفاده الفاضل التوني.

هناك وجه رابع: أورده السيد الخوئي (ره) في المصباح، وحاصله أن نقول: هذا أخص من المدعى، لأنه ليس كل ضرر حكم الشارع بلزوم تداركه تكليفاً ووضعاً، أنت تقول: لا ضرر المنفي هو الضرر غير المتدارك ولازم ذلك أن الشارع أنشأ أو جعل الضمان في مورد الضرر فينتفي الضرر، إذا كسر شخصٌ إناء شخصٍ آخر وقلنا له: عليك أن تعوّضه ومع هذا التعويض يرتفع الضرر، أنت هكذا تقول: لا ضرر غير متدارك، يعني كل ضرر يحصل يجب تداركه، فإذا يجب تداركه يرتفع الضرر ويمكن أن نقول عرفاً لا ضرر.

هذا الكلام يقول السيد الخوئي ليس تاماً على إطلاقه، يعني ليس كل ضرر حكم الشارع فيه بلزوم تداركه تكليفاً ووضعاً، مثلاً: لو استورد تاجرٌ بضاعة معينة، فأوجب ذلك تضرر تاجر آخر، التاجر الأول لم يقم بإضرار للتاجر الثاني بنفسه بشخصه بماله بمتاعه، ولكن هو لما استورد هذه البضاعة أوجب ذلك تضرر التاجر الآخر، مثلاً كفرض نقول: التاجر الأول استورد هذه البضاعة نفسها في وقت حرج ووقت غلاء مثلاً بحيث يكون قيمة السلعة الواحدة من هذه البضاعة ألف دينار مثلاً، ارتفعت الجائحة والخطر واستطاع التاجر الآخر أن يستورد نفس البضاعة ولكن بسعر أقل لأنه كان في تلك الفترة وقت الجائحة وصعوبة التنقل بخصوص الطيران والآن ارتفعت الجائحة والتاجر الآخر يستطيع أن يستورد عن طريق الباخرة فاستورد نفس البضاعة بسعر أقل فاستطاع أن يبيع السلعة بخمسمائة دينار، في الواقع عندما هو استورد هذه البضاعة وباعها بهذا السعر هذا أوجب تضرر التاجر الأول، هنا لما أوجب تضرره هل نقول هنا أيضاً يجب عليه أن يعوّض لأن هذا ضرر، وقلنا لا ضرر تنفي الضرر غير المتدارك؟ لا.

إذاً قولك: لا ضرر تحمله على الضرر غير المتدارك، نقول هذه الدعوى لا تتم في جميع الموارد، عندنا موارد يوجد ضرر ولا نستطيع أن نقول بأن الشارع يحكم بلزوم تدارك هذا الضرر تكليفا ولا وضعاً، أيضاً من هذا القبيل نفترض لو فُرض غلاء كتاب بسبب ندرته وعزته وقلته، طبيعة الكتب إذا كانت قليلة وغير متوافرة تكون غالية، قام شخص آخر بطباعة هذا الكتاب نفسه ونشره، فهنا أوجب نقصان قيمة الكتاب فتضرر الأول، لو فرضنا الأول أخذ عدة نسخ بالسعر الغالي حتى يبيعها، لما هذا طبع الكتاب الآن لا يستطيع أن يبيع الكتاب بعسره الذي اشتراه، لا بد أن يقلل، فأوجب نقصان قيمة الكتاب فتضرر الأول، هنا لا يمكن أن نقول: يجب على الشخص الذي قام بطباعة الكتاب أن يعوّض صاحب المكتبة الأول، هذا ضرر ومع ذلك غير متدارك.

هذا فضلاً عما لو تضرر شخص من دون أي سبب، من دون أن يتسبب أحد بضرره، مثلاً احترقت داره من دون أن يأتي أحد ويحرقها، وقع شيء في الكهرباء واحترقت داره، هنا ضرر غير متدارك.

فإذاً في مثل هذه الأمثلة لا يُحكم بالتدارك فقولك إن المقصود من الرواية هو لا ضرر غير متدارك غير تام، لأنه عندنا أضرار غير متداركة، يعني هي أضرار ومع ذلك لا يحكم الشارع بوجوب التدارك فيها.

هذا الوجه الرابع يمكن بجانب من الجوانب يدخل فيما أشرنا إليه سابقاً، ونقلناه عن المحقق النائيني والسيد الروحاني أيضاً (ره) وهو: هل لا ضرر تشمل عدم النفع أو لا تشمل؟ طبعاً قلنا لا تشمل عدم الفع، ولكن بعبارة أخرى: هل تشمل ما إذا كان هناك مقتضٍ للنفع ومنعته، ومثّلنا سابقاً بهذا المثال: لو شخص كان الماء يجري هو بالسيل أو من الوادي، يجري بحيث يصل إلى دار فلان أو بستانه لو خُلي وطبعه بهذا المسرى يصل إلى دار فلان أو يصل إلى بستانه، فجاء شخص آخر وحرف مسيره إلى داره هو أو بستانه هو، هنا في الواقع لم يوقع ضرراً على صاحب البستان وإنما منع النفع عنه، ولكن مقتضي النفع موجود، وبما أن مقتضي النفع موجود هل نسميه ضرراً أو لا؟ هل يصدق عليه لا ضرر أو لا يصدق عليه لا ضرر؟ هناك ذكرنا هذه المسألة وفي بعض الأمثلة يمكن أن يصدق عليه ضرر، الضرر هو النقص، النقص في المال أو العرض أو النفس هذه كلها أضرار، هذا البستان عندما يُترك مجرى الماء حيث يصل إليه لا شك أن قيمته أكثر مما إذا لم يأت إليه الماء، قيمته تنقص لا شك، وسبب النقصان هو الشخص الذي حرف المجرى، من هذه الجهة يمكن أن يصدق عليه ضرر، إذا كان كذلك يأتي الكلام فيه هل هو متدارك أو غير متدارك؟

أما في موارد أخرى كالمثال الذي فرضناه أنه هذا استورد بضاعة هذا زيد تاجر وهذا عمرو تاجر، عمرو استورد البضاعة في وقت الغلاء وزيد استورد نفس البضاعة في وقت الرخص، هذا عرفاً لا يقال له أضر بذاك، يعني العرف الحقيقي الدّقّي، العرف المسامحي يمكن، إذاً هذه الجهة ما أفاده السيد الخوئي (ره) يرتبط بتحقق عنوان الضرر وعدم تحققه، وإن كان في بعض أمثلته الأمر يكون واضحاً أنه يُعد عرفاً ضرراً ومع ذلك لا يجب فيه التدارك والضمان، وهذا المقدار كافٍ في هذا الوجه.

يعني من خلال الأوجه المتعددة نستطيع أن نقول: بأن الأنس الذهني والفكري عند الأعلام على أن هذا الوجه غير مراد، مضافاً إلى ما ذكرناه نقول: إنه ربما يحتاج أيضاً إلى قرينة لأنه فيه حذف، لا ضرر مطلق وأنت تقول: لا ضرر غير متدارك، يحتاج إلى قرينة وهذه القرينة مفقودة هذا أيضاً يضاف إلى الأوجه الأربعة ويكون وجهاً خامساً.

ومن خلال هذه الأوجه نستطيع أن نقول: إن الأنس الذهني في أن لا ضرر لا يُقصد منه لا ضرر غير متدارك، نفي لطبيعة الضرر وليس لخصوص الضرر غير المتدارك، يعني لخصوص الحصة الخاصة.

هذا الذي يظهر، فذها الوجه لا يمكن الالتزام به.