الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

الاحتمالات في رواية لا ضرر ولا ضرار:

كان الكلام في محتملات الرواية، وقلنا أيضاً بأن هذه الجهة من البحث هي أهم جهات البحث في قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وعليها المدار في استفادة الأحكام المنوطة بها، وما يذكره الفقهاء في كلامهم الفقهي يبتني على ما يستفاد من هذه الرواية، والمحتملات كما ذكرنا أيضاً الموجودة أربعة احتمالات، ويمكن أن نبوبها بهذا التبويب.

أن نقسم الاحتمالات إلى احتمالين رئيسيين:

الاحتمال الأول: أن تكون (لا) نافية ولكن أريد منها النهي، فتكون بمعنى النهي، وهذا هو الذي ذهب إليه السيد المراغي صاحب العناوين ويظهر من ذلك أنه لأحد أستاذيه من آل كاشف الغطاء الشيخ موسى أو الشيخ علي، وأيضاً ذهب إليه شيخ الشريعة الأصفهاني (قده) ونقحه بشكل بحيث أنه يُنسب إليه في الكتب المتأخرة عادةً، ولعله باعتبار أنه نقحه أكثر، وإلا فهو مسبوق بهذا القول.

الاحتمال الثاني: أنها نافية وأريد منها النفي، وهذا الاحتمال اختلفت فيه الأقوال على ثلاثة أقوال:

القول الأول: ما أفاده الفاضل التوني (ره) من أنها نافية للضرر غير المتدارك.

القول الثاني: بأنها نافية للحكم.

القول الثالث: أنها نافية للحكم بلسان نفي الموضوع كما سيأتي إن شاء الله.

إذاً الاحتمال الرئيسي الثاني أنها نافية وأريد منها النفي، والكلام في الأخير كان في القول الأول من هذا الاحتمال، يعني أنها نافية وأريد منها النفي، ولكن المقصود هنا أنها نافية للضرر غير المتدارك، ولازمه ثبوت التدارك في موارد الضرر بأمر من الشارع، وهذا ما يستفاد من الفاضل التوني في بحثه في شرائط جريان الأصول، في الوافية هناك من جملة كلامه عندما ذكر شرائط الأصول وتعرض إلى لا ضرر قال هذه الجملة: (إذ نفي الضرر غير محمول على نفي حقيقته) لا ضرر هنا نفي تعلق بالضرر ولكنه ليس محمولاً على حقيقته، فالفاضل التوني قال: (إذ نفي الضرر غير محمول على نفي حقيقته، لأنه غير منفي) يعني لا ضرر تعلق النفي بالضرر فيظهر أنه أصلاً لا ضرر، فنفي للحقيقة، بينما الضرر متحقق في الخارج إذاً نفي الضرر غير محمول على نفي حقيقته لأنه غير منفي.

قال: (بل الظاهر أن المراد به نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع) من هذه العبارة استفيد أن الفاضل التوني يقول بأن لا ضرر هنا تنفي الضرر غير المتدارك، لا ضرر غير متدارك.

وهذا أيضاً الرأي يُنسب إلى الفاضل النراقي في عوائد الأيام هناك بعض العبارات يمكن أن يستفاد منها ذلك، في العوائد في الصفحة 56، قال: (بقي ها هنا أمر آخر وهو أن الضرر كما مر هو ما لم يكن بإزائه عوض والعوض كما أشرنا إليه يعم الأخروي أيضاً) إلى أخره، فهنا هذا التعبير (الضرر ما لم يكن بإزائه عوض) قد يُفهم منه أن الضرر عنده هو الضرر غير المتدارك، لا ضرر يعني لا ضرر غير متدارك، وهنا كان مجرد إشارة لأن تعبير الشيخ الأنصاري عن هذا الرأي هكذا: وإن ذهب إليه بعض الفحول، فالظاهر أنه يقصد الفاضل النراقي وبعض المحشين على كتابه قالوا: لم نجد ذلك عند الفاضل النراقي، ولكن يمكن أن يوجد في هذه الصفحة التي ذكرناها.

على كل حال، هذا فقط أحببنا أن نضيفه إلى ما سبق.

طبعاً على حسب ما ذكرنا قلنا بأنه هناك يمكن أن يبين بنحوين، النحو هذا المتعارف يعني عندما نقول لا ضرر هذا نفي لحصة خاصة من الضرر وهي الضرر غير المتدارك فقول لا ضرر غير المتدارك، ويمكن أن يكون نفياً لطبيعة الضرر، وهذا يؤثر في مقام الإشكال على هذا الرأي، إذا ورد إشكال يرد على أي النحوين على أي البيانين؟ يختلف، على بعض البيانين قد يرد إشكال وقد لا يرد على البيان الآخر، هذا البيان الآخر ذكرنا بأنه أفاده السيد الروحاني (ره) في المنتقى، وهذا طبعاً أشار إليه المحقق الأصفهاني، فيظهر أن السيد الروحاني (ره) أخذه من المحقق الأصفهاني (قده)، لأن المحقق الأصفهاني في مورد من الموارد قال: (مع أنه يمكن أن يقال: إن المنفي هو طبيعي الضرر، لمكان تداركه بالتضمين، لا أن المنفي هو الضرر غير المتدارك) فهنا أشار إلى البيانين، البيان الأول الذي ذكرناه سابقاً أشار إليه بقوله: (لا أن المنفي هو الضرر غير المتدارك) يعني الحصة، والبيان الثاني قال: (يمكن أن يقال: إن المنفي هو طبيعي الضرر) المنفي طبيعي الضرر بلحاظ التدارك لمكان تداركه بالتضمين، وهذا أفاده في نهاية الدراية الجزء الرابع الصفحة 447.

على كل حالٍ، هذا هو الاحتمال الأول من النفي والوجه الثاني من محتملات لا ضرر وهو أن يكون المنفي هو الضرر المتدارك.

أورد عليه بعدة إيرادات:

فالمحقق الآخوند صاحب الكفاية (قده) رد عليه بنحو استهجنه، قال: استهجان إطلاق الضرر وإرادة حصة منه، وهي خصوص الضرر المتدارك، الرواية مطلقة تقول: لا ضرر، وحمل لا ضرر على خصوص حصة منه وهو الضرر غير المتدارك هذا أمر مستهجن، ولم يبين جهة الاستهجان، فلعل مراده من باب تخصيص الأكثر، لأن هناك عندهم بحث في أن إذا ورد لفظ عام أو ورد لفظ مطلق ثم خصص هذا العام أو قُيد ذلك المطلق بحيث أخرج هذا التخصيص أو التقييد أكثر أفراد العام أو المطلق هنا قالوا: بأن تخصيص الأكثر مستهجن، فيحتمل أن يكون تعبير المحقق الآخوند ناظر إلى هذه الجهة، كاحتمال فعلاً، المهم هو استهجن إطلاق الضرر وإرادة حصة منه.

لكن هذا الإشكال يرد على تقريب دون تقريب، يعني يرد على التقريب الأول الذي جُعل فيه النفي منصباً على الحصة الخاصة، لا ضرر غير متدارك، على هذا الوجه نقول: نعم، هذا الإشكال يرد وله وجه، إطلاق الضرر ويراد منه حصة واحدة هذا مستهجن.

ولكن على التقريب الثاني الذي ذكرنا بأنه أشار إليه المحقق الأصفهاني وذكره أيضاً في البيان السيد الروحاني (ره) وهو أن النفي منصب على طبيعي الضرر بلحاظ تحقق التدارك، فيبقى لا ضرر النفي نفي للطبيعة، ولكن لماذا نفيت الطبيعة؟ بلحاظ أنه متدارك، لا ضرر لأن كل ضرر متدارك من قبل الشارع يقول لي صاحب الضرر يجب عليك التدارك، فهنا الإشكال لا يأتي، إشكال المحقق صاحب الكفاية لا يأتي، لإن الإشكال قلنا استهجان إطلاق الضرر من جهة وإرادة فرد واحد وحصة واحدة، هذا مستهجن، إذا تريد حصة واحدة من أول الأمر بين.

وعلى هذا التقريب الثاني أطلق لا ضرر وأريد نفي الطبيعة لا نفي حصة، وبما أنه أريد نفي الطبيعة، فمن هذه الجهة يرتفع الاستهجان، لكن لماذا نفي طبيعي لا ضرر؟ نقول: لمكان التدارك، فهذا يختلف فيه الحال.

فإذاً إشكال المحقق صاحب الكفاية (ره) غير وارد على هذا القول.

أورد على ذلك أيضاً الشيخ الأعظم الأنصاري (ره) في رسالته، الشيخ عنده رسالة في لا ضرر موجود فيها في الرسائل الفقهية التابع لدورة الشيخ في الصفحة 114، وتبعه أيضاً على هذا الإشكال الآتي غير واحد من الأعلام مثل المحقق النائيني في قاعدة لا ضرر الملحقة بكتاب منية الطالب في الصفحة 381 المجلد الثالث، وأيضاً السيد الخوئي (ره) في المصباح في المجلد الثالث في الصفحة 615، هناك هذا الإشكال الشيخ استهجنه جداً، يعني اعتبره أسوء الاحتمالات هو هذا الرأي، يعني عبر عنه هكذا: ثم إن أردئ الاحتمالات هو الثاني، وهو الذي ذكرناه وهو نفي الضرر غير المتدارك، يقول: وإن قال به بعض الفحول، قلنا لعل كلمة الشيخ ببعض الفحول إشارة إلى الفاضل النراقي، لأنه التعبيرات عن الفاضل التوني ما كان يعبر مثل هذا التعبير بعض الفحول، الظاهر يقصد الفاضل النراقي وهو ذكرنا أنه في العوائد يمكن استفادة هذا القول منه، المهم قال عنه الشيخ أنه أردئ الاحتمالات هو الثاني وإن قال به بعض الفحول، لأن الضرر الخارجي لا يُنزل منزلة العدم بمجرد حكم الشارع بلزوم تداركه، وإنما المنزل منزلته الضرر المتدارك فعلاً.

فنلاحظ هنا أن حاصل إشكال الشيخ: أن التدارك الذي يمنع من صدق الضرر عرفاً بحيث نقول لا ضرر، أو الموجب لانتفاء الضرر عرفاً هو التدارك الخارجي، والتدارك الخارجي يعني مثلاً نفترض بأن هذا التاجر خسر في معاملته الأولى وربح في معاملته الثانية بحيث عوض عن ذاك، نقول: لا ضرر، لاذا لا ضرر مع أن الضرر قد حصل؟ نقول: باعتبار التدارك الخارجي، يعني الآن لو كسر شخصٌ زجاجة آخر ثم أتى له بنفسها بحجمها وقيمتها وصنفها، بالنسبة إلى الشخص نقول: بما أنه صار التدارك الخارجي لم يقع عليه ضرر، فالتدارك المانع من صدق الضرر عرفاً أو الموجب لانتفاء الضرر عرفاً هو التدارك الخارجي لا التدارك التشريعي، أي مجرد الحكم بالضمان أو الحكم بوجوب التعويض، هذا لا يعد تداركاً، قلنا بأنه من خسر في المعاملة الأولى وربح في الثانية هذا يعد تداركاً لأنه تدارك خارجي، أما لو وقع الضرر من شخصٍ لآخر، وقال الشارع يجب عليه التعويض، هنا مجرد التدارك التشريعي هنا لا ينتفي الضرر، يبقى أنه الضرر موجود، فلا يوجب ارتفاع الضرر خارجاً.

فإذاً حاصل إشكال الشيخ، يقول: بأن هذا المنفي على هذا القول هو الضرر غير المتدارك، بلزوم الشارع بالتدارك، إذاً يتدارك تشريعاً، يعني نفي الضرر لأنه متدارك تشريعاً، الشيخ يقول: هذا لا ينفي الضرر، الآن الرواية نفت الضرر، مجرد تشريع التعويض أو تشريع الضمان أو لازمه الضمان، مجرد هذا التشريع لا ينفي الضرر بحيث يقول: لا ضرر، إذاً هذا الوجه غير تام.

هذا تقريباً ما أفاده الشيخ الأنصاري (ره) وقلنا تبعه المحقق النائيني والسيد الخوئي ولعله أكثر من أولئك أيضاً من الأعلام ذهبوا إلى ذلك.

ولكن أورد عليه المحقق الأصفهاني (ره): يقول: إن التدارك هنا أيضاً ينجبر، تعبيره هكذا يقول بعدما بين كلام الشيخ قال في نهاية الدراية المجلد الرابع الصفحة 445: (فمندفع بأن الضرر الناشئ من تلف العين إذا صح تنزيله منزلة العدم بمالية أخرى مماثلة لمالية التالف بإداء المال خارجاً كذلك باشتغال ذمة المتلف بمالية مماثلة لماليتها، فإن المالية على أي حال محفوظة غير تالفة) حاصل كلام المحقق الأصفهاني (ره) يقول: أنت أيها الشيخ تقول بأن التدارك الخارجي ينفي الضرر ويصح أن تقول عرفاً لم يقع الضرر عليه لأنه تدورك خارجاً التدارك الخارجي ينفع، ولكن التدارك التشريعي تقول بأنه لا يفيد يعني لا ينفي الضرر، يبقى أن الضرر موجود، المحقق الأصفهاني يقول: بالنسبة إلى التدارك التشريعي إذا بمعنى جعل ضمان في ذمته أو جعل العوض في ذم الضار، هنا أيضاً يقال بأنه تداركه، كان عنده هذا المتاع وكسر، هذه الزجاجة كُسرت، عُوض بزجاجة أخرى هنا ينتفي الضرر وهذا تسلم به أيها الشيخ، في الفرض الثاني أنه كسر زجاجة الآخر وحكم الشارع بأن في ذمة الكاسر الضار زجاجة بنفس قيمتها وبنفسها نفس النوع، لما حكم له في ذمته، قال: لك أيها المتضرر في ذمة فلان الضار هذه الزجاجة، لما جعل هذا العوض هذا أيضاً يعتبر تداركاً، حتى لو لم يحصل فعلاً التدارك في الخارج أيضاً يعتبر تداكاً، مجرد أن يجعل الشارع في ذمة الآخر التعويض ولزوم التعويض وأن في ذمته العوض يحصل التدارك، يقال لهذا المتضرر لم تخسر شيئاً ولم تتضرر لأن لك مكانها واحدة موجودة عند فلان في ذمته.

نعم لو كان مجرد حكم تكليفي ليس حكماً وضعياً، يجب على الضار أن يدفع، مجرد هذا هنا لا يوجب انحفاظ المالية، الذي يوجب انحفاظ المالية ويرفع الضرر هو الحكم الوضعي بحيث نقول له في ذمتك هذا العوض موجود، أما إذا قلنا يجب عليك تكليفاً مجرد الحكم التكليفي بأداء المال يقول لا يوجب انحفاظ المالية فالضرر على الأول متدارك باعتبار وجود مالية التالف في الذمة، وعلى الثاني التكليف محكوم بالتدارك يجب عليه التدارك، نفي الضرر عندما يتحقق التدارك، في الحكم التكليفي قلنا يجب عليك التدارك وفرق بينهما.

فإذاً الآن نصوّر المطلب هكذا: أنه عندنا أمور ثلاثة: عندنا تدارك خارجي مع وجود التدارك الخارجي ينتفي الضرر، وعندنا تدارك تشريعي وضعي بحيث نقول في ذمة الضار: متاع سلعة كذا بنفس قيمة ذاك، هذا التدارك تشريعي بنحو الحكم الوضعي، نقول: أيضاً به يتحقق نفي الضرر، عندنا لا يصدق عليه تدارك وهو الحكم التكليفي بأداء المال، الحكم التكليف بأداء المال لا يوجب انحفاظ المالية في ذمته وإنما غايته يجب عليك التدارك وهذا الوجوب لا ينفي الضرر.

فإشكال الشيخ (ره) ومن تبع إنما يتم فيما إذا أراد الفاضل التوني أو الفاضل النراقي (قدهما) إذا أرادا الحكم التكليفي، يعني نفي الضرر لأنه محكوم تكليفاً بوجوب التدارك، يرد الإشكال، أما إذا قلنا لا، إما هو محكوم بحكم وضعي يعني صار في ذمته العوض، هنا نقول: انحفظت ماليته، المالية التي كانت في هذه الزجاجة التي كسرت الآن موجودة في الزجاجة الموجودة في ذمة زيد، هنا ينحفظ التدارك وتنحفظ المالية وينتفي الضرر، فليس الإشكال على إطلاقه، هو يمكن الالتزام بما أفاده أولاً يعني يمكن الالتزام بأن مقصود الفاضل النراقي والفاضل التوني هو وجود العوض في ذمة الآخر وهذا بدوره ينفي الضرر.

إذاً هذا الوجه بهذا المقدار يمكن دفعه.