الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

الاحتمال الثاني في معنى لا ضرر ولا ضرار:

ذكرنا بأن المحتملات في حديث لا ضرر أربعة احتمالات، والاحتمال الأول هو الذي أفاده صاحب العناوين المراغي (ره) وشيخ الشريعة الأصفهاني (ره)، وهو أن يكون المراد من النفي هنا النهي، يعني أطلق النفي وأريد منه النهي، لا أن (لا) ناهية وإنما أطلق النفي، (لا) نافية ولكن في مقام النهي، لا ضرر يعني لا تضر غيرك.

وهذا المعنى قلنا إنه أورد عليه بأنه خلاف الظاهر، يعني ظاهر (لا) هي أن تكون نافية فاستعمالها في النهي أو إرادة النهي منها يحتاج إلى قرينة فما لم توجد القرينة لا يمكن المصير إليه.

وقلنا بأن هذا الإيراد يتم على بعض التقريبات، يعني ذكرنا تقريبين للدعوى على أحد التقريبات يرد الإشكال أما على التقريب الثاني وهو المحافظة على كون (لا) نافية فيمكن أن نقول: إنه لا يرد هذا الإشكال على هذا التقريب، وإن كان لا يخلو من شيء، يعني ليس الأمر بتعبير أنه صافي جداً، يعني أن (لا) على التقريب الثاني استعملت في الخبر لا ضرر هنا استعملت في الإخبار وفي مقام الإخبار وليست في مقام الإنشاء، ولكن أطلق وأريد منه الملزوم، الضرر لازم لهذا الفعل إذا كان هناك محرم فهناك منع من هذا الضرر، يعني منع حدوث اللازم وهو الضرر بمنعه تشريعاً، يعني الآن لما كان محرماً شرعاً انتفى يعني أنه لا يقدم عليه المؤمن أو المسلم بما أنه محرم، فبالتالي ينتفي الضرر، فهنا لا ضرر أطلق وفي مقام الإخبار ولكن المقصود منه هو الملزوم وهو أن الفعل الذي يسبب الضرر هذا الفعل محرم، فالنتيجة نتيجة أن المراد من (لا) هنا هي الناهية، نؤكد على هذا المعنى: لا نقول أن (لا) ناهية، ولكن أطلقت هنا لا ضرر نافية وتبقى أنها نافية ولكن الغرض من هذا النفي هو نفي الملزوم لا نفي اللازم نفس الضرر، وإنما نفي الملزوم الذي هو الفعل المحرم.

فالنتيجة إذاً: كأنه قال لا تضر، بنحو النهي، ويقول أيضاً لا ضرر على أن الفعل الذي يسبب الضرر محرم، على هذا لا يرد الإشكال، قلنا إنه لا يرد الإشكال من جهة أنه لم يرَد من (لا) النهي، ولكن قلنا أنه لا يخلو من شيء، ربما نقول: مع ذلك أن هذا الاستعمال فيه نوع من التجوز، يعني إطلاق أو نفي اللازم وإرادة نفي الملزوم هذا كناية كما يُذكر في البلاغة، إطلاق اللازم وإرادة الملزوم أو إطلاق الملزوم وإرادة اللازم كناية، كما تقول: زيد كثير الرماد، وهو كناية عن كرمه، يعني لازم كثرة الرماد هو الكرم، لأن كثرة الرماد ناشئة من كثرة الطبخ وهي ناشئة من كثرة الأضياف، فلهذا نقول: زيد كثير الرماد، أطلق هذا الملزوم وأريد اللازم، أيضاً بالعكس إطلاق اللازم وإرادة الملزوم أيضاً من الكنايات، فإذاً هنا أيضاً تجوّز، فهنا لما نفى الضرر ولكن المقصود نفي ملزومه وهو الفعل المحرم الذي أوجب الضرر هذا أيضاً يعتبر نوع من التجوز، إذاً نحن سنرتكب التجوز على كل تقدير فإذا قلنا على خلاف الظاهر أو لم تقم عليه قرينة نفس الكلام، يعني نفس الإشكال يرد، ولكن هذا المعنى ربما يرد حتى على الأوجه الأخرى، وهذا ما نتعرض له إن شاء الله فيما بعد، يعني هل المحتملات الأخرى حافظنا فيها على المعنى الوضعي بالتمام أو هناك نوع من التجوز، يعني بعبارة أخرى: هل حافظنا على المعنى الحقيقي من جميع جوانبه؟ أو حافظنا على المعنى من جهة دون أخرى، هذا بحث نتعرض له فيما بعد.

على كل حال يبقى الآن في ذهننا أن الإشكال الوارد على هذا الاحتمال إنما يرد بشكل واضح على التقريب الأول، أما على التقريب الثاني فربما يندفع هذا الإشكال وربما يبقى مع ملاحظة أن ما ذكرناه مؤخراً هل يشمل بقية الأمور أم أن باقي الاحتمالات تنفرد عنها؟ هذا إن شاء الله ما نتعرض له فيما بعد.

الاحتمال الثاني: أن يكون المقصود نفي الضرر غير المتدارك، لا ضرر هنا نفي الضرر غير المتدارك، عندنا ضرر متدارك وعندنا ضرر غير متدارك، مثلاً: لو شخص كسر آنية آخر هذا ضرر ولكن عوضه بآنية أخرى، حكمنا عليه بالضمان وعوضه بآنية أخرى، هنا نقول: هذا ضرر متدارك، هو ضرر لا شك، فهو كسر آنيته، ولما عوض بآنية أخرى صار هذا الضرر متداركاً، أما ضرر بدون تدارك أصلاً، كسر آنيته ولم نحكم عليه بضمان ولم يأتِ بآنية، نقول: ضرر غير متدارك، هنا الرواية عندما تقول: لا ضرر، نفي للضرر غير المتدارك، يعني عندنا في الإسلام على فرض وجود كلمة في الإسلام، لا يوجد ضرر غير متدارك، لأن الرسول صلى الله عليه وآله كأنه يقول هكذا: لا يوجد ضرر غير متدارك، فالضرر لا بد أن يكون متداركاً، فهنا يكون المقصود نفي الضرر غير المتدارك، هذا في الجملة وهذا المقدار تقريباً هو الذي ذكره مثل السيد الخوئي (ره) وغيره.

السيد الروحاني (ره) هنا قال: يمكن أن يُقرب هذا النحو أو هذا المعنى أو هذا الاحتمال بنحوين:

النحو الأول: أن يكون المنفي رأساً هو الحصة الخاصة، ما هي الحصة الخاصة؟ يعني الضرر غير المتدارك، الضرر غير المتدارك حصة من الضرر والمنفي مباشرة هي هذه الحصة الخاصة غير المتداركة، يعني كأنه صرّح لا ضرر غير متدارك، الضرر الخاص، ونفي هذا الضرر الخاص لا يكون المراد هو المعنى الحقيقي للنفي وإنما يكون المقصود لازمه، يعني المقصود بيان لازمه ونفى الضرر غير المتدارك الذي هو الضرر الخاص، ولكن المقصود اللازم، اللازم هنا أنّ كل ضرر موجود متدارك، يعني كل ضرر يحدث فهو متدارك، هو يريد أن يبين هذه الجهة وليس النفي، نفى الحصة الخاصة من الضرر وهي الضرر غير المتدارك، والمقصود من هذا النفي هو اللازم واللازم هو هذا المعنى: أن كل ضرر موجود فهو متدارك، على هذا المعنى تدل الرواية على ثبوت الضمان، لما ينفي الضرر المتدارك ويكون القصد هو أن كل ضرر موجود متدارك فهنا تدل على ثبوت الضمان، يعني كل ما حدث ضرر فهو متدارك، هذا تقريب.

النحو الثاني: أن يكون المنفي هو الطبيعة ليست الحصة، طبيعة الضرر منفية بلحاظ تحقق التدارك في الأضرار الواقعة خارجاً، كل ضرر يقع خارجاً فهو متدارك إذاً ننفي طبيعة الضرر لا يحصل عندنا ضرر، وإن كان بحسب الدقة تحقق الضرر، حتى في مورد التدارك، لكن عرفاً لا يصدق، يعني الآن مثلاً عندما كسر آنية الآخر تحقق الضرر، وحتى في حال التدارك، يعني حتى عندما عوض نقول: يصدق الضرر، صحيح ضرر لكن غير متدارك، لكن عرفاً يقال: إنه لم يقع عليك ضرر، صحيح كسر آنيتك ولكن أعطاك آنية أخرى، ففي العرف يقال هذا لا يصدق عليه ضرر، فيصح نفي الضرر إذا تحقق التدارك، فيكون المعنى هو هذا: نفي طبيعة الضرر بلحاظ تحقق التدارك.

فالفرق بين التقريبين واضح، التقريب الأول النفي نفي للحصة، وهو الضرر الخاص وهو الضرر المتدارك، وفي الثاني النفي لطبيعة الضرر ولكن لماذا نفيت طبيعة الضرر؟ بلحاظ أنه متدارك، لما وجدنا أن هذا الضرر متدارك قلنا لا ضرر فننفي نفس الحقيقة، فيكون المنفي هو الضرر بلحاظ تشريع التدارك، لأنه شُرّع التداك صح أن يقال: لا ضرر، لعدم صدق الضرر عرفاً.

هناك فرق بين التقريبين من حيث الأثر ومن حيث النتيجة، أو بين هذا الاحتمال وبين الاحتمال الأول الإنشاء، على هذا الاحتمال وأيضاً يفترق تقريباً حتى عن الاحتمالات الآتية، وهو الضرر هنا يختص بالضرر على الغير، الضرر على الغير نقول متدارك، شرّع التدارك فننفي الضرر، كالمثال الذي مثلناه، الضرر على النفس لا نتمسك بلا ضرر، يعني لو شخص قطع يده نقول: لا ضرر لا نتمسك بها، لأنه قلنا على هذا الاحتمال أن المنفي هو الضرر غير المتدارك إما الحصة أو طبيعة الضرر بلحاظ التدارك، فأخذنا عنصر التدارك في الاثنين يعني في التقريبين، نفي الحصة الخاصة وهي الضرر غير المتدارك أو نفي الطبيعة بلحاظ التدارك، فإذاً التدارك أخذناه من الاثنين، هذا المعنى يتصور في وقوع أو إيقاع الضرر بالغير، عندما يوقع الشخص الضرر بالغير هنا يأتي أن هذا الضرر الواقع على الغير ككسر آنيته أو كسر رجله أو شيء آخر يجب عليك التدارك، فلما صار تدارك نفينا الضرر، أما الإضرار بالنفس، أن يضر الشخص نفسه لا يتصور التدارك، إذا أضر نفسه، هناك أضر غيره كسر يده نقول عليك تعويض، أما كسر يد نفسه ما هو التدارك؟ لا يوجد.

إذاً على هذا الاحتمال يفترق هذا الاحتمال عن الاحتمال السابق ويفترق عن الاحتمالات الآتية من هذه الجهة، أنه يكون مختصاً بالإضرار بالغير، يعني يختص بنفي الضرر على الغير، لا على النفس، ويترتب على ذلك مسألة مهمة هذه المسألة هي: في بحث الغبن في الخيارات هناك ذكرت أدلة لثبوت الغبن، إذا باع شخص على آخر بيعاً غبنياً، مثلاً: كتاب قيمته ألف باعه بألفين، هنا نقول: هذا غبنٌ، يثبت خيار الغبن، ما هو الدليل على ثبوت خيار الغبن؟ الدليل هو عندهم شرط عقلائي ارتكازي وهذا لعله عمدة دليل المتأخرين، ودليل آخر لا ضرر، ولعله والله العالم عمدة أدلة المتقدمين، يعني أنه لو قلنا بأن هذا البيع لازم والمشتري لا يصح له الرجوع يقع الضرر عليه إذا هو الكتاب بألف وأخذه بألفين يعني ضعف السعر هذا الفارق فاحش فيلزم الضرر فنقول: لا ضرر بمقتضى لا ضرر نقول: بأن البيع ليس بلازم فنقول هو بيع جائز ويجوز لك الخيار، هذا ما يُذكر هناك.

هناك يُذكر أنه لو كان المشتري عالماً بالغبن، أنا أعرف السوق وأعرف أسعار الكتب وأعرف أن هذا الكتاب ثمنه ألف ولكن لما هذا الشخص باعه بألفين اشتريته بألفين، أنا أعلم بالغبن فهنا لا يثبت خيار الغبن في حالة العلم بالغبن، إذا قلنا بالشرط الارتكازي الأمر يكون واضح كلامنا ليس في الدليل الأول دليل المتأخرين، كلامنا الآن في دليل لا ضرر، إذا كان لا ضرر فالضرر موجود علمت به أو لم أعلم به، فلماذا تقولون لا يثبت الغبن في حالة إقدام أحد المتبايعين على المعاملة في حال علمه بالغبن؟ نقول له لا خيار لك، أنت تعلم بالغبن وأقدمت، لا خيار لك، عدم الخيار لماذا؟ لماذا نفينا الخيار في هذه الصورة؟ يُذكر أوجه، على هذا التقريب الآن ولا نريد الخوض في تلك الأوجه، وما هو منشأ عدم الخيار أو منشأ عدم شمول القاعدة، يقولون إنه القاعدة وهي قاعدة لا ضرر لا تشمل صورة الإقدام في حالة العلم لعدم الامتناع، يعني الآن إذا كان شخص لا يعلم بالغبن نقول: امتناناً من الشارع يقول بأن هذا ليس بلازم بمقتضى لا ضرر، أما إذا كان يعلم بالغبن لا امتنان لأنه يعلم بالغبن، هذا وجه من الأوجه، المهم لا نريد أن نطيل في هذه الأوجه.

محل الكلام نقول: على هذا الاحتمال يوجَه عدم شمول لا ضرر للبيع الغبني في حالة علم المتبايعين بالغبن، الذي يعتبر هو يعلم بالغبن، هنا لا ضرر لا تشمله، لماذا لا تشمله؟ على هذا الاحتمال ينحل الإشكال، لأنه على هذا الاحتمال قلنا المنفي هو الضرر غير المتدارك أو المنفي طبيعة الضرر بلحاظ تحقق التدارك، على هذا قلنا يترتب عليه أنه الضرر المنفي منفي على الغير، يعني تختص لا ضرر بنفي الضرر على الغير أما الضرر على النفس فلا تشمله من الأول وهنا بما أن البائع مثلاً أو المشتري مثلاً يعلم بالغبن ومع ذلك أقدم على المعاملة يعني هو أدخل الضرر على نفسه، لما أدخل الضرر على نفسه خرج من تحت هذه القاعدة على هذا الاحتمال.

نعيد هذه الجهة: نقول: هذا الاحتمال المنفي فيه هو أحد أمرين: إما الحصة الخاصة وهو الضرر غير المتدارك أو طبيعة الضرر بلحاظ التدارك، على كلا التقديرين تكون لا ضرر مختصة بخصوص الضرر بالغير، نفي الضرر على الغير، يعني الضرر الواقع على الغير منفي لوجود التدارك، أما الضرر الواقع على النفس فلا ينفلا بلا ضرر لأنه لا يسمى غير متدارك، لا يتصور التدارك فيه، أوقعت على نفسي ضرراً لا يتصور التدارك، فإذاً هذا خارج موضوعاً من تحت لا ضرر، إذا خارج كذلك نقول: الإقدام على الغبن في حال العلم بالغبن إضرار بالنفس وليس إضراراً للغير، بإمكاني ما دام أعلم بالغبن أم لا أقدم فأقدمت على الضرر هذا إضرار بالنفس خارج موضوعاً عن لا ضرر، فعليه: يكون على هذا الاحتمال الإشكال المطروح هناك واضح الرد، الإشكال الموجود هناك أنه لماذا تقولون بعدم شمول لا ضرر للمعاملة الغبنية في حالة العلم بالغبن مع أنكم تستدلون على ثبوت خيار الغبن بلا ضرر، على هذا المبنى، على مبنى ثبوت خيار الغبن بلا ضرر، لماذا لا تستدلون بلا ضرر في صورة الإقدام على الغبن مع أن الضرر متحقق حتى لو علمت بالغبن، نقول: عدم شمول لا ضرر بناءً على هذا الاحتمال لأن لا ضرر من الأساس لا تشمل الإضرار الداخل على النفس وإنما هي مختصة بنفي الضرر على الغير.

فعلى هذا ينتفي الإشكال هناك على هذا الاحتمال، وللحديث بقية إن شاء الله.