الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

 

مناقشة الأقوال في معنى الضرر والضرار:

ما تقدم في الضرار يمكن أن نلخصه هكذا:

نقول: إنه هناك عدة أقوال لمعنى الضرار كما يلاحظ عند اللغويين وعند غيرهم:

القول الأول: أن الضرار بمعنى الضرر فيكون هذا العطف لا ضرر ولا ضرار نوع من التأكيد كما ذكره في لسان العرب بنحو قيل، هما بمعنى واحد وتكرارهما للتأكيد.

وهذا القول طبعاً لا معنى له، أن يذكر النبي صلى الله عليه وآله رب الفصاحة والبلاغة بأنه لا ضرر لا ضرر، فقط بنحو من تغيير العبارة.

القول الثاني: أنه لا ضرار معنى مباين إلى لا ضرر، ولكن الضرر بمعنى ما تضر به صاحبك وتنتفع أنت به، والضرار أن تضره من غير أن تنتفع به، فلا ضرر كأنه فيه جنبتان جنبة أنه يضر غيره والجنبة الأخرى أنه ينتفع، فما تضر به صاحبك وتنتفع به أنت، لا ضرار مجرد أنه تضر من غير أن تنتفع.

طبعاً القول الثاني ربما يؤخذ عليه نفس مورد الرواية، فمورد الرواية يتنافى معه، لأن موردها أن سمرة يضر صاحبه وينتفع، هو سيدخل إلى نخلته أو ما يرتبط بها، يعني ليس فقط مجرد إضرار حتى نفرق أنه الضرر ما يضر صاحبه وينتفع والضرار ما يضر صاحبه ولا ينتفع، بل أحياناً يكون ضرر مع أنه لم ينتفع هو، يعني عندما يقتل زيد عمرواً بلا منفعة أو يضربه ويكسر رجله، هنا أوقع فيه الضرر من غير نفع يمكن أن نتصور أن هذا يسمى ضرراً، إلا أن نقول هذا من الخطأ تسميته ضرر، على كل حال هذا المعنى بعيد عن الأنس الذهني.

القول الثالث: أن الضرار مباين للضرر، ولكن الضرر ابتداء الفعل والضرار الجزاء عليه، يعني عندما الآن يبدأ شخص بضرب صاحبه هذا نسميه ضرراً، وعندما الآخر هو يرد عليه نسميه ضراراً، فيكون الضرر هو ما يبدأ به والضرار هو الجزاء عليه، هذا المعنى أيضاً لا يتناسب مع مورد الحديث، مورد الحديث إن لم يصدر ضرر من الأنصاري لا ابتداءً ولا جزاءً، غاية ما هنالك أن سمرة عندما كان يدخل بلا استئذان طلب منه الاستئذان، لم يقبل فشكى عليه عند الرسول صلى الله عليه وآله، إذاً ليس هناك ابتداء ضرر وجزاء على الضرر حتى نقول بأنه لا ضرار يعني الضرار هو الجزاء على الضرر، أما الضرر فهو الابتداء بالضرر، هذا المعنى أيضاً يتنافى مع مورد الرواية.

القول الرابع: أن الضرار مأخوذ من المضارّة، التي هي من صيغ المشاركة، وقلنا صيغ المفاعلة مثل خادع وقاتل وما شاكل، فعليه: يكون معنى الضرر هو فعل الواحد من طرف واحد، زيد ضرب عمرواً، والضرار هو فعل الاثنين مثل قاتل زيد عمرواً يكون فعل الاثنين، وهذا ما ذكرناه سابقاً من أنه هو المعروف في صيغ المفاعلة عند الصرفيين والنحويين هو هذا المعنى، الذي يكون الفعل مشترك بين الاثنين، ولما نقول ضرار مأخوذة من ضاره ضراراً مضارة يكون من صيغ المفاعلة، فيدخل في هذ الباب، وهذا تقدم مناقشة المحقق الأصفهاني (ره) لهذا المعنى وأن المفاعلة لا تأتي دائماً بنحو الاشتراك في الفعل، بل أن صيغة المفاعلة في الاستعمالات القرآنية والفصيحة أما أنها لا تصح أصلاً أن يراد بها فعل الاثنين أو لا يراد منها ذلك، وتقدم الكلام فيه تفصيلاً.

القول الخامس: الذي هو رأي المحقق الأصفهاني نفسه والسيد الخوئي (ره) تبعه في ذلك أيضاً عليه، هو أن يكون الضرار من صيغة المفاعلة بمعنى أنه هي ضارّ ضراراً فتكون مصدر ضارّ الذي هو على وزن مفاعلة يصير ضار ضراراً مضارة، هذا مسلَّم، ولكن المراد من صيغة المفاعلة ليس هو فعل الاثنين، وإنما أن يكون في صدد إحداث الفعل في غيره، هذا الوجه قلنا إنه كأنه ناقص ويحتاج إلى تكميل، لأنه مجرد أن يكون في صدد يعني قبل الفعل يصدق عليه أنه هذه الصيغة فقط مجرد أن يكون في صدد يصدق أو في صدد مع الفعل؟ أو في صدد مع الفعل وحدوث الفعل أو صدد مع الإقدام على الفعل وعدم حدوث الفعل؟ لا بد أن نحدد.

الضرر أحياناً يكون فعلاً قصدياً، أحياناً لا يكون قصدياً ويحدث الضرر، يعني أن يفعل الشخص فعلاً يحدث منه الضرر لآخر من غير قصد، وأحياناً يكون بقصد أن يفعل الضرر ويفعل الضرر، هذا يسمى الضرر في الحالتين، وفي الحالتين يوجد هناك قصد وأن يكون هو عازم على ذلك وقاصد لذلك ومريد لذلك.

فإذاً ينطبق عنوان الضرار على هذا الذي ينطبق عليه عنوان الضرر، فإذاً لا بد أن نضيف ونقول: إن ضرار فيها نوع من الإصرار ومن التعنت ومن الاستمرار حتى نفرق بينها وبين الضرر، فنقول: الضرر ليس فيها نوع من التعنت والإصرار والاستمرارية، حدث الضرر بأي نحو كان، والضرار فيه هذا الإقدام مع إصرار وتعنت أن يلقي غيره في الضرر، وهذا الذي يتناسب مع أجواء الرواية، فأجواء الرواية يظهر من خلالها أن سمرة عنده تعنت وعنده إصرار على هذا الفعل، يعني صدور هذا الفعل منه بنحو تكرار مثلاً واستمرار ففيه إصرار وكاشف عن التعنت، هذا هو المعنى الأوجه لكلمة ضرار في الرواية والله العالم.

هذا حاصل ما تقدم من الكلام في كلمتي ضرر وضرار.

الآن الكلام في كلمة (لا) هذه اللفظة الثالثة كما قلنا إن البحث في المفردات فعلاً في الضرر والضرار وفي كلمة (لا).

الكلام في (لا) هنا السيد الخوئي (ره) قال: ينبغي أن نمهد تمهيداً لاستعمالات (لا) النافية للجنس في الأحكام الشرعية وفي مقام التشريع، قبل أن ندخل إلى (لا) الموجودة عندنا نبحث عن نفس (لا) النافية للجنس التي ترد في الأحكام الشرعية والتي تكون في مقام التشريع.

ويقول: (لا) النافية للجنس التي في هذا المقام على أقسام ثلاثة:

القسم الأول: ما تكون الجملة مستعملة في مقام الإخبار عن عدم تحقق هذا الشيء، بمعنى أن يكون كناية عن مبغوضية هذا الشيء فلا يراد تحققه، ولكن يصاغ عدم إرادة تحققه بصيغة الإخبار، والمقصود منها الإنشاء، إنشاء النهي، فيكون نفي أريد به النهي، مثلاً: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) هنا إخبار عن عدم تحقق هذا أو عن مبغوضية هذه الأمور وعدم إرادتها، هذا نفي ولكن في هذا النفي في مقام النهي، أنه من يريد الحج يجب عليه ألا يقع منه الرفث أو الفسوق أو المجادلة، فيكون نفي بمعنى النهي.

هذا المعنى أولاً وارد كما قرأنا في الآية، وأيضاً الروايات المروية عن النبي صلى الله عليه وآله موجود (لا غش بين المسلمين)، المصحح لهما هو هذا المعنى هناك مصحح له ويذكر عادة في بحث الأوامر هذا المعنى، أنه الأوامر هناك تارة تكون بمادة الأمر وتارة تكون بصيغة افعل، وتارة تكون بالصيغة الإخبارية، هو ينشئ أمراً نفترض أنه سئل الفقيه بأن فلاناً مال بوجهه عن القبلة أثناء الصلاة أو مثلاً لم يستقر أثناء الذكر ولم تحصل منه الطمأنينة، فيجيب الفقيه: يعيد الصلاة أو أعاد الصلاة، هذه جملة إخبارية ولكن أريد بها إنشاء الأمر، يعني فليعد الصلاة، المقصود أعد الصلاة أو فليعد الصلاة، فإذاً هذا إخبار عن تحقق الشيء عن وجود الشيء، فكأنه يبرز رغبته التامة في تحققه فيبرزه كأنه تحقق، عندما قال: أعاد الصلاة، هنا فعل ماضي بمعنى أنه هذا الأمر تم ووقع وانتهى، إذاً هو يريد وعنده رغبة ومحبوبية لحصول هذا الفعل فصاغه بنحوٍ كأنه حصل، فيكون أكثر تأكيداً وتشديداً على المراد، هذا النحو المذكور في باب الأوامر أيضاً يأتي نفس الكلام في باب النواهي، فيستعمل (لا) نافية للجنس وهي في مقام الإخبار عن عدم تحقق هذا الشيء فيكون كناية عن مبغوضيته التامة فيكون إخبار يراد به النهي، وكأنه حصل وانتهى ولا وجود له أصلاً لأنه لا يريد أن يقع يقول لا وجود له، (لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) هذا هو المعنى الأول لكلمة (لا) النافية للجنس.

عليه: ما ذُكر من بعض الأصوليين من أنه لم يُتعاهد هذا النحو من الاستعمال هذا الكلام لا موضع له ومتعاهد وذُكر في القرآن الكريم فضلاً عن غيره.

المعنى الثاني: أن تكون الجملة التي فيها (لا) النافية للجنس مستعملة في مقام الإخبار عن عدم تحقق شيء في الخارج، كالنحو السابق ولكن الفرق لا بمعنى عدم تحققه مطلقاً كما في الفرض الأول، هنا بمعنى عدم وجود الطبيعة في ضمن فرد من الأفراد، هذا الفرد الخاص لا توجد فيه الطبيعة وهذه الحصة الخاصة لا توجد فيها الطبيعة، بتعبير آخر، أن الطبيعة غير منطبقة على هذا الفرد أو هذه الحصة، والمقصود من هذا النفي وأن الطبيعة غير منطبقة على هذا الفرد أو على هذه الحصة هو نفي الحكم الثابت للطبيعة.

إذاً نحن نفترض أولاً أن يكون هناك حكم ثابت للطبيعة وهذا الحكم يراد نفيه عن حصة خاصة أو عن فرد خاص فيصاغ بهذه الصيغة، لا وجود لهذه الطبيعة في هذا الفرد، مثلاً للتوضيح: (لا ربا بين الوالد وولده) الربا بحسب الأمر التكويني متحقق، يعني أن يقرضه ألفاً بشرط أن يرده ألفين، هذا ربا وزيادة في القرض تكويناً، وهذا الربا التكويني له حكم شرعي وهو الحرمة، هذا مسلَّم، الآن لما جاءت الرواية وقالت: (لا ربا بين الوالد والولد) نفت الطبيعة عن هذه الحصة ولا تنفي الطبيعة مطلقاً كما في الفرض الأول، تنفي الربا في خصوص هذه الحصة بين الوالد والولد، ما هو المقصود من هذا النفي مع أنه تكويناً حاصل وواقع؟ المقصود منه نفي حكمه، يعني نفي حكم الطبيعة، الحكم المتعلق بالطبيعة وهو حرمة الربا منفي عن الربا بين الوالد والولد، فيصاغ بهذا التعبير (لا ربا بين الوالد والولد) أو مثلاً (لا شك لكثير الشك) هناك حكم للشاك في الصلاة، نقول: إذا شككت بين الثلاث والأربع ابنِ على الأربع وبين الاثنتين والثلاث بعد إكمال الذكر من السجدة الثانية ابنِ على الثلاث وهكذا، فعندنا حكم لطبيعة الشك وإن كانت الأحكام تختلف بين شك وآخر، المهم عندنا حكم للشك، بالنسبة لهذا الفرد وهذه الحصة وهو شك كثير الشك، الشارع يقول: لا شط لكثير الشك، ينفي الطبيعة عن هذا الفرد، ما هو المقصود؟ المقصود نفي الحكم، وهنا نفي الحكم بلسان نفي موضوعه، ليس المقصود نفي الشك، الشك أمر وجداني متحقق، أنا شاكٌ فعلاً، إذاً ليس المقصود أن ينفي حقيقة الشك، إذاً المقصود نفي حكمه، الحكم الذي هو للشاك بين الثلاث والأربع البناء على الأربع ثم مثلاً الإتيان بركعة من قيام احتياطاً أو ركعتين من جلوس احتياطاً، هذا الحكم مرتفع عن كثير الشك، فيصير نفي الحكم بلسان نفي الموضوع.

هذا طبعاً إذا ورد في مثل هذه الموارد، إذا كان هناك حكم شرعي في الشريعة بنحو الالزام نقول: ينفي هذا الحكم.

أحياناً لا يكون عندي حكم إلزامي في الشريعة فنلجأ أن نقول: نفي للكمال مثلاً، (لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده) لا يوجد عندي حكم إلزامي بوجوب الصلاة في المسجد حتى نقول نفى الحكم بلسان نفي موضوعه، وإنما الأفضل أن يصلي في المسجد، الصلاة الكاملة أن يصلي في المسجد، هنا لما قال: (لا صلاة لجار المسجد) نفى الطبيعة ولكن المقصود نفي الكمال وليس نفي حقيقة الطبيعة حتى نقول مثلاً بالتحريم أو ما شاكل، هذا هو الاستعمال الثاني.

الاستعمال الثالث: ما تكون الجملة فيه مستعملة في نفي شيء في الشريعة المقدسة وتارة تكون مستعملة في نفي موضوع من الموضوعات في الشريعة، بمعنى أن هذا الموضوع موجود مثلاً في الشرائع السابقة، بالنسبة إلى الشريعة الإسلامية المقدسة هذا الموضوع غير موجود، (لا رهبانية في الإسلام) هذا كموضوع موجود في الشرائع السابقة، هذا الموضوع في الشرائع السابقة غير موجود، يعني لم تُشرع الرهبانية في الدين الإسلامي، فإذاً هنا يفترق عن المعنى السابق، السابق نفي للموضوع ولكن المراد نفي الحكم فيكون نفي الحكم بلسان نفي موضوعه، هنا نفي للموضوع ولكن المقصود أن هذا الموضوع لم يشرع في الشريعة الإسلامية، هذه الرهبانية المشرعة في الأمم السابقة غير مشرعة في الشريعة الإسلامية، فتكون كناية عن نفي التشريع.

أيضاً ورد (لا مناجشة في الإسلام) وكأنه هذا ورد في طرق العامة، ولكن بهذا المعنى، وغن كان ليس من جهة وجوده عند الأمم السابقة، وإنما وجوده في العرف، ربما شخص يأتي عندما تُعرض السلعة بكم هذه، هذا يقول بألف الآخر يزيد ألفين إلى أن تستقر، فشخص لا يريد الشراء فقط يريد رفع السعر، ولو مثلاً اتفاقاً مع البائع أو ما شاكل حتى ينخدع المشتري مثلاً فيشعر أن هناك عليه طلب وسعره مناسب فهو يصعّد السعر، الأول لا يريد أن يشتري أساساً، هنا (لا مناجشة في الإسلام) هذا الازدياد غير مشرَّع في الإسلام، المهم يكون هذا النفي نفي للموضوع نفسه.

تارة تستعمل نفس الجملة في نفي نفس الحكم الشرعي لا في نفي موضوعه ابتداءً ينفي الحكم الشرعي، طبعاً هنا القسم الأول إذا كان غير مشرَّع يكون واضح حكمه، مثل أيضاً (لا قياس في الدين) أو السيد الخوئي ذكر مثال (لا قياس في الدين) يعني لا رأي في الدين موجود، فلعله لا رأي في الدين، يعني بحيث يكون رأيه هو مستقلاً المكلف فهنا أيضاً ينفي، فهنا حقيقة القياس أو الرأي موجود عن العامة وبالنسبة إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام ينفونه فيقولون لا رأي في الدين أو لا قياس في الدين، فهنا هذا الأمر المرتكز في أذهان العامة منفي في الشريعة المقدسة، فيكون هنا الحكم المنفي هو ما كان ثابتاً للموضوع في الأمم السابقة أو ما كان ثابتاً للموضوع في سيرة العرف أو ما كان ثابتاً للموضوع عند العامة فيبين في مذهب أهل البيت عليهم السلام أنه لا رأي في الدين أو لا رهبانية في الإسلام إذا كان ثابت في الشرائع السابقة، هنا لا فرق بين أن يكون الحكم إلزامياً أو أن يكون الحكم غير إلزامي أن يكون تكليفياً أو أن يكون وضعياً.

أحياناً يكون مستعملة في نفي نفس الحكم لا في الموضوع، ابتداءً في نفي نفس الحكم الشرعي مثل (وما جعل عليكم في الدين من حرج) فهنا نفس الحكم منفي، بمعنى أن الحكم الحرجي لم يثبت في الشريعة، يعني الحكم الذي يحصل منه الحرج يعني الحرج يتحقق بجعل حكم حرجي فينفى في الشريعة، فهنا يُنفى يعني عدم جعل الحكم الذي يلزم من امتثاله الحرج على المكلف، فهنا النفي توجه إلى نفس الحكم لا إلى الموضوع.

هذه ثلاثة استعمالات لكلمة (لا) النافية للجنس موجودة عندنا في الشريعة المقدسة، هذا تمهيد ضروري حتى نعرف فيما بعد ماا هي المحتملات في (لا) الموجودة في فهذه الرواية.