الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

 

ما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) في صيغة المفاعلة:

كان الكلام فيما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) في مادة المفاعلة باعتبار أنه قلنا بأن ضرار هنا من ضارّه ضراراً فهو من صيغ المفاعلة، وخالف المحقق الأصفهاني ما عليه النحويون والصرفيون من القول بأن باب المفاعلة يدل على الاشتراك في العفل، فعندما تقول قاتل زيد عمروا يعني اشتركا في القتال، وقال بحسب ما ذكرناه سابقاً: بأنه وجد في الآيات والاستعمالات الفصيحة إما عدم صحة حمل الكلام على الاشتراك أو غير مراد، وذكر عدة آيات في ذلك، وتعرض طبعاً لهذا المبحث في موردين، في حاشيته على الكفاية في بحث لا ضرر وأيضاً في حاشيته على المكاسب في بحث البيع في تعريف البيع هناك في المجلد الأول الصفحة 10 هناك ذكر هذا المبحث.

وقال هكذا: كما هو الفرق بين المفاعلة والتفاعل فتبين وجه التعبير عن البيع بالمبادلة دون التبديل، هذا بناء على ما هو المعروف من تقوم المفاعلة بطرفين والتحقيق خلافه كما تشهد به الاستعمالات الفصيحة القرآنية وغيرها، ثم ذكر نفس الشواهد التي ذكرناها سابقاً من كلامه في حاشيته على الكفاية.

هنا الآن يأتي إشكال هو ذكره في الضمن كأنه ذكره بنحو يكون من باب دفع توهم وإن لم يذكره في هذا الباب، وهو أنه سلمنا بأن صيغة المفاعلة لم توضع للدلالة على الاشتراك بين الاثنين فالسؤال ما هو الفرق بين صيغة المفاعلة وبين الثلاثي المجرد؟

هذا يمكن أن نستفيده من قوله: فالحق أن مفاد هيئة المفاعلة غير مفاد هيئة التفاعل وأنه لا يتقوم بطرفين كما في التفاعل، ثم قال: والتحقيق في الفرق بين مفاد هيئة المجرد ومفاد هيئة الزيد فيه من باب المفاعلة أن مفاد الهيئة في الأول سواء كان بنفسه لازماً، إلى آخر كلامه.

حاصل ما يمكن أن يوضع كإشكال وتوهم ويدفعه: هو أنه ما هو الفرق إذاً بين أن تقول خدع وبين أن تقول خادع، بين الثلاثي المجرد وبين المزيد فيه من باب المفاعلة، إذا لم يكن الفرق هو أن الثلاثي المجرد لا يدل على الاشتراك في الفعل بل هو صدور الفعل من واحد على آخر، خدع زيد عمرواً وخادع زيد عمرواً إذا لم يكن معناه الاشتراك في الفعل فما هو الفرق إذاً بينه وبين الثلاثي المجرد؟ لا بد أن يكون هناك فرق، لأن كما عندهم في المصطلح أو القاعدة النحوية أو الأدبية الصرفية أو أعم تقول: زيادة المباني تدل على زيادة المعاني، فخدع غير خادع، فيه زيادة مبنى ففيه زيادة في المعنى، فما هو الفرق بينهما؟

عند النحويين والصرفيين النحو واضح، وهو أن خادع تدل على الاشتراك في الفعل وخدع لا تدل على الاشتراك في الفعل وإنما فقط صدور الفعل من أحدهما على الآخر، أما بناءً على ما اختاره المحقق الأصفهاني ما هو الفرق؟

يقول الفرق يمكن أن نلخصه هكذا: الفرق أن في مادة فاعل أو المفاعلة يكون هناك تعدية من نفس الهيئة أما في المجرد فلا يكون تعدية من نفس الهيئة، المجرد نلاحظ أنه قد يقال جلس زيد، هذا لازم تقول: كتب الحديث أو تقول كتب الحديث إليه، أو تقول: جلس إليه، فهنا يتعدى بإلى، وتارة تقول: ضرب زيد عمرواً فهو يتعدى بدون إلى، هذه الاستعمالات الموجودة في المجرد، أو ما يأتي فيه المجرد، تارة لازم وتارة متعدي إلى شخص آخر لا يتعدى إلى شخص آخر إلا بتوسط (إلى) كتب الحديث إليه أو جلس إليه، وتارة يتعدى بنفسه مثل خدعه وضربه.

في جميع هذه الأمور لا تكون هيئة الفعل تدل على التعدية، فالهيئة هنا تتكفل بالنسبة، سواء نسبة لازمة مثل جلس زيد أو متعدية بإلى مثل جلس إلى زيد، أو نسبة متعدية بنفسها، الهيئة تتكفل فقط بالنسبة، أما هيئة فاَعلَ باب المفاعلة فهي نفس الهيئة تتضمن التعدي إلى الآخر بنفسه بدون الحاجة إلى (إلى) أو ما شاكل، فمثلاً: جلس إليه يتعدى بإلى، جالسه يتعدى بنفسه، تقول مثلاً: كتب الحديث إليه، وتقول: كاتبه الحديث فتعدى بنفسه، فالفرق إذاً في الهيئة نفسها وهو أن هيئة الثلاثي المجرد وضعت للنسبة وتتكفل فقط للنسبة نسبة الفعل إلى الفاعل مثلاً فقط، أما التعدية وعدم التعدية فالهيئة لا دور لها فيها، أما فَاعَلَ فموضوعة بحيث تكون هي دالة وتتضمن التعدية إلى الآخر بنفس الفعل كما مثّلنا.

ربما يقال: بالنسبة إلى ضرب زيد عمرواً خدع زيد عمرواً هنا تتعدى إلى الغير بنفسها أيضاً، فالتعدية موجودة بدون (إلى) وبدون إضافة الألف في فاعل ضارب، نفس ضرب متعدية إلى الغير ونفس خدع تتعدى إلى الغير فلا تحتاج إلى غيرها.

ربما نضيف للإشكال ونقول: إضافة الألف للتعدية تكون من باب تحصيل الحاصل لأن التعدية موجودة فإذا كانت موجودة فإضافة الألف في ضرب فنقول ضارب أو في خدع فنقول خادع لأجل التعدية يكون من باب تحصيل الحاصل، فلا حاجة إليه أو هو مستحيل.

هو في الضمن أجاب عن هذا الإشكال، يقول: بأن حيثية التعدية في ضارب ملحوظة بنفسها وبعينها، في باب ضرب التعدية ليست ملحوظة في الهيئة وإنما ذات الفعل هو يتعدى، يعني ذات نسبة الضرب لزيد عندما تقول ضرب زيد يعني هناك من وقع عليه الضرب، خدع زيد هناك من وقعت عليه الخديعة، فهذا أمر ذاتي إما أن نقول لنفس هذه المادة كما يظهر من جهة بعض الكلمات أنه لازم لنفس المادة، أو أنه لازم لهذه الهيئة بالخصوص والأظهر أن نقول: لازم لهذه المادة، فنقول هكذا: إن الفرق بينهما بين ضارب وضرب التي تتعدى بنفسها وببين خادع وبين خدع التي تتعدى بنفسها هو أن خدع نفس هذه النسبة أو هذه المادة ذاتها هي متعدية، أما في فاعل التعدية نشأت من نفس الهيئة وليست من المادة.

قال: بخلاف هيئة المفاعلة فإن قولنا جالسه يتضمن التعدي إلى الآخر بنفسه فيكون مفاده بنفسه مفاد جلس إليه ومفاد كاتبه مفاد كتب إليه ومفاد خادعه هو التصدي لإنهاء الخديعة إليه، فحيثية التعدي بالأداة أو بنفسه ملحوظة في هيئة المفاعلة بنفسها، في باب ضرب يعني في باب الثلاثي المجرد حيثية التعدية موجودة بالأداة أو بنفسها بحسب ذاتها كما سيصرح هذه الحيثية حيثية التعدية في فاعل موجودة ملحوظة في هيئة المفاعلة بنفسها، فقولنا ضرب زيد عمرواً أو خدع زيد عمرواً وإن كان متعدياً إلى غيره إلا أن هذه التعدية ذاتي مفادهما، نفس مفاد ضرب كمادة صدر من شخص ووقع على آخر، خدع صدر من شخص ووقع على آخر، إلا أن هذه التعدية ذاتي مفادهما بخلاف خادع وضارب فإن حيثية التعدية ملحوظة في مقام إفادة النسبة فإذا فعل فعلاً كان أثره خداع الغير صدق عليه أنه خدعه لا أنه خادعه إلا إذا تصدى لخديعته وكذلك إذا صدر منه ضرب واقع على عمرو صدق عليه أنه ضربه ولا يصدق أنه ضاربه إلا إذا تصدى لضربه، فإذاً هذا الإشكال مرتفع.

يبقى أنه إلى الآن لم نعرف ما هو مراده بالضبط، الآن ما هو مفاد المفاعلة؟ عرفنا الفرق بينه وبين المجرد، المراد الذي يظهر هو هذا: أن الهيئة موضوعة للتعدية فيما لو كانت التعدية ممكنة فنقول هي موضوعة للتعدية، ونقول: إنها أن يكون في صدد التصدي.

في الحاشية على المكاسب عبّر بهذا التعبير: يقول: ولذا ربما يفهم التعمد والتقصّد إلى إيجاد المادة، إذاً المستفاد من مادة فاعل باب المفاعلة هو التعمد والتقصّد إلى إيجاد المادة، هي موضوعة للتعدية كما قلنا والإنهاء إلى المفعول وأنه ملحوظ بنفس مفاد الهيئة فيفهم منها التعمد والتقصد إلى إيجاد المادة.

فإذاً يكون معنى فاعل الذي هو من باب المفاعلة هو التقصّد والتعمد لإيجاد المادة، وهذا ما فسر به السيد الخوئي (ره) وهو طبعاً أوضح أنه هذا هو مختار المحقق الأصفهاني، لأنه قال لكن التتبع في موارد الاستعمالات يشهد بخلاف ما ذكره الصرفيون والنحويون وأول من تنبه لهذا الاشتباه المسلم هو بعض الأعاظم من مشايخنا المحققين يقصد المحقق الأصفهاني والذي يشهد به التتبع أن هيئة المفاعلة وضعت لقيام الفاعل مقام إيجاد المادة وكون الفاعل بصدد إيجاد المادة، لأن هذا هو يكون معنى فَاعَلَ.

عليه: يكون المراد أولاً من ضرار الذي نحن فيه هو كون فاعل الضرب والضرر بصدد إيجاد فعل الضرر، إنه في مقام وضعت لقيام الفاعل مقام إيجاد المادة وكون الفاعل بصدد إيجاد الفعل، إذاً في الضرر بالنسبة إلى لا ضرر، ضرر الأولى تدل فقط على النقصان نقصان الشيء نقصان في العرض في المال في النفس هذا كله ضرر، والضرار يعني أن يكون هو في مقام إيجاد الضرر وإيقاع الضرر للغير فيقال له: باب فَاعَلَ، فهذا يكون الفرق بينهما.

طبعاً هنا يمكن أن يأتي في الذهن بأن مجرد أن يكون في مقام إيجاد الفعل أو كون الفاعل بصدد إيجاد الفعل يمكن أن يقال: بأن هذا موجود في الضرر أيضاً، الضرر طبعاً يمكن أن يكون على قسمين، قسم من الضرر بدون أن يكون المضار قاصداً للفعل، يتلف مال آخر بلا قصد، يتلف نفس بلا قصد، فضلاً عن أن يتلف أعضاء بلا قصد، فهنا الفاعل لم يكن بصدد إيجاد الفعل ولكن أحياناً هو يقصد الضرر فيضر، يعني ضرب زيداً لأجل أن يضره، قطع يد زيد هو قاصد ومتعمد للضرر وأحدث فيه الضرر، هذا القسم من الضرر لا شك فيه، يعني الضرر المسبوق بكون الفاعل بصدد إيجاد الفعل هذا لا شك فيه، عندنا ضرر لم يكن الفاعل بصدد إيجاد الفعل ولكن عندنا ضرر بأن يكون الفاعل بصدد إيجاد الفعل، هذا الضرر تسميه ضرار أو لا؟ ضرب زيد عمرواً هذا من باب الضرار الذي قصد أو هو من باب الضرر؟ حتى نفرق بين الضرر والضرار، أو أي فعل لما صار الكلام عن صيغة المفاعلة بشكل عام، إذا كان فعل ثلاثي مجرد وكان في مقام إيجاد الفعل وأوجد الفعل، هل نسميه ضراراَ أو نسميه ضرر، يعني هل هو داخل في باب المفاعلة؟ قطعاً لا، وإنما هو داخل في باب المجرد الثلاثي، ضرب زيد عمرواً وبصدد الضرب وبصدد إيجاد الفعل، فماذا نفعل في مثل هذا المورد.

أو تقول: بأن الفرق أن ضرار كون الفاعل بصدد إيجاد الفعل ولو لم يوجد حتى نفرق بين الضرر الذي هو من باب الثلاثي المجرد في مقام إيجاد الفعل ووجد الفعل، في مقام إيجاد الضرر وتحقق الضرر، أما في الضرار نقول: في مقام إيجاد الفعل ولم يوجد هكذا تقول؟ نقول: هذا غير صحيح قطعاً، يعني الآن مثلاً في الرواية رواية سمرة التي فيها تعبير إنك رجل مضار، يعني فقط أنه في صدد إيجاد الضرر؟ أو هو تحقق منه ولهذا اشتكى الأنصاري، اشتكى الأنصاري لما حصل من الحرج أو الضرر الذي يقع على أهله وعليه فاشتكى، هو لما التزم بذلك واستمر على ذلك أو أصر على ذلك عبر عنه النبي صلى الله عليه وآله بأنك رجال مضار.

المهم ما نريد أن نقوله: إنه إذا قلنا بأن معنى باب المفاعلة أن يكون الفاعل بصدد إيجاد الفعل، فنحن نسأل هل بصدده وتحقق أو بصدده ولم يتحقق، مرادكم ما هو؟ إذا كان بصدده وتحقق فهذا يأتي أيضاً في باب الثلاثي المجرد، وإذا كان بصدده ولم يتحقق هذا خلاف الوجدان بل نلاحظ حتى قاتل المقاتلة التي هي مفاعلة، قاتل زيد عمرواً كل واحد منهما يقاتل الآخر، يتحقق منه القتال، جادل يتحقق منهما الجدال، فيتحقق من الطرفين.

إذاً لا يمكن أن نقتصر على أنه كان في صدده ولم يتحقق، إذاً يمكن أن نضيف شيء، يعني تعبير المحقق الأصفهاني بأن فاعل هي تقتضي التعدية إلى الغير بخلاف باب الثلاثي المجرد، يعني الهيئة في نفسها تقتضي التعدية للغير نقبل به ونضيف إلى المعنى أنه ليس فقط كون الفاعل بصدد إيجاد الفعل، بل مصر، وفيها إضافة إصرار، في إيجاد الفعل ويصر على الاستمرار عليه.

يمكن بإضافة هذا القيد نخرج بنتيجة إلى معنى ضرار، فسمرة بحسب المناسبة وبحسب سياق الروية والحديث الذي جرى بين النبي صلى الله عليه وآله وبين سمرة نلاحظ إصراره على القيام بالفعل، لما أمره ببيع النخلة لم يقبل أمره بتعويض لم يقبل، عدة أمور، يعني هناك إصرار وليس فقط كون الفاعل بصدد إيجاد الفعل وإنما بصدد إيجاد الفعل مع الإصرار عليه والاستمرار عليه، فبهذا نعرف ما هو معنى مادة ضرار.