الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

 

تتمة البحث في رواية (لا يُمنع فضلُ ماءٍ):

بقيت بعض الكلمات بما يرتبط حديث لا يمنع فضل ماء، ولكن ما ذكرناه فيه الكفاية، وبه نختم الكلام حول النقطة الأولى.

لأننا ذكرنا سابقاً بأن البحث في قاعدة لا ضرر ولا ضرار يقع في جهات:

الجهة الأولى كانت في مدرك القاعدة متناً وسنداً، وجمعنا بين المتن والسند، وخرجنا بهذه النتائج إلى هنا:

النتيجة الأولى: أن قضية سمرة تامة سنداً برواية عبد الله بن بكير عن زرارة.

النتيجة الثانية: أن حديث الشفعة تام سنداً أيضاً، لثبوت وثاقة عقبة بن خالد عندنا والراوي عنه أيضاً وهو محمد بن عبد الله بن هلال على حسب ما تقدم مفصلاً بأنه يمكن القول بوثاقتهما خلافاً لكثيرين.

النتيجة الثالثة: أن حديث لا يمنع فضل ماء أيضاً تام سنداً لاتحاد السند مع ما سبق، يعني حديث الشفعة وحديث لا يمنع فضل ماء كلاهما عن عقبة بن خالد والراوي عنه محمد بن عبد الله بن هلال وهذان هما اللذان وقعا موقع الإشكال وقد وثقناهما فيكون حديث لا يمنع فضل ماء أيضاً حديث تام سنداً.

النتيجة الرابعة: أن الثابت من المتن هو خصوص لا ضرر ولا ضرار لما ذكرنا سابقاً بأن الزيادة في الإسلام أو زيادة على مؤمن لم تردا في حديث صحيح ولا يمكن أيضاً القول باعتبارهما من ناحية التواتر كما ربما يظهر من بعض الكلمات، لأن هذه الزيادة في الإسلام أو على مؤمن كما أنها لم ترد بسند صحيح أيضاً لم ترد كثيرة حتى يمكن أن نقول بالتواتر بل حتى لا نقول بالاستفاضة فضلاً عن التواتر، فهي خبر واحد وضعيف السند، فلهذا لم يثبت.

إذاً الثابت عندنا من المتن هو خصوص لا ضرر ولا ضرار، فيكون البحث فيه.

النتيجة الخامسة: أنه ثبت عندنا بأن لا ضرر ولا ضرار في حديثي عقبة في الشفعة وفي لا يمنع فضل ماء هذا من باب الجمع بين المروي لا بين الروايتين خلافاً لما ذكره شيخ الشريعة الأصفهاني (ره) ومن تبعه كالمحقق النائيني (ره) والسيد الخوئي (ره) على حسب ما تقدم نستفيد بأن لا ضرر ولا ضرار بحسب ظاهر الحال وحسب وروده في الرواية أنه تابع للروايتين.

فإذاً لا ضرر ولا ضرار في حديث سمرة ولا ضرر ولا ضرار في حديث الشفعة ولا ضرر ولا ضرار في حديث لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء، هذه النتائج استفدناها مما تقدم في الجهة الأولى.

الآن يقع الكلام في الجهة الثانية وهي جهة فقه الحديث، وفقه الحديث الكلام فيه يقع في عدة نقاط:

النقطة الأولى: في مفردات الحديث، عندنا في لا ضرر ولا ضرار ثلاث كلمات ينبغي أن يقع الكلام حولها، الضرر ما معناه؟ الضرار وما هو معناه؟ وكلمة (لا) وما هو معناها؟ هل هي نافية أو ناهية أو نافية في موقع النهي؟ هذا ما سيقع الكلام فيه.

إذاً النقطة الأولى في هذه الجهة الثانية في مفردات الحديث.

أما بالنسبة إلى المفردة الأولى وهي مفردة الضرر أو ضرر، فأيضاً البحث في هذه المفردة وقع في نواحٍ:

الناحية الأولى: في المعنى اللغوي للضرر، عندما نستقرأ كلمات اللغويين في مادة ضرر، نلاحظ أن هناك عدة معاني تُذكر، ولكن كما لا يخفى أن ما يذكره علماء اللغة وأهل كتب اللغة ليس بالضرورة أن يكون هو المعنى الموضوع له، وهذه نقطة مهمة، نحن نرجع إلى كلمات اللغويين ولكن هل ما يذكره علماء اللغة يذكرونه على أساس أن هذه معاني حقيقية للفظ أو هي موارد استعمالات؟

في كتب اللغة كأن هذا الخلط موجود، الخلط بين المعاني الموضوعة لها الكلمات وبين موارد الاستعمالات، نحن في اللغة العربية وباقي اللغات نستعمل اللفظ الموضوع لمعنى في معنى آخر استعمالاً مجازياً كما هو ملاحظ أن لفظة الأسد مثلاً موضوعة للحيوان المفترس، ولكن تستعمل في الرجل الشجاع استعمالاً مجازياً، هذه الجهة الثانية مورد استعمال، عندما يستعمل فيه لا يكشف عن الحقيقة، الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز.

في كتب اللغة الموجود فيها هو الخلط بين المعنى الحقيقي ومورد الاستعمال، فلهذا قد يذكرون المعنى الحقيقي ويذكرون لفظة الماء لفظة الأسد لهذا المعنى ولهذا المعنى، وفي الضمن يذكرون موارد الاستعمال، يعني استعملت في هذا وبهذا المعنى قال فلان، ربما يأتي هو بالمعنى وسياق كلامه على أنه هذا أحد معاني هذه الكلمة ويستشهد ببيت شعر مثلاً، عندما ندقق نلاحظ أن هذا مورد استعمال، استعمل هذا اللفظ في هذا المعنى، هل استعمل على أنه معنى حقيقي؟ هل استعمل على أنه مصداق من مصاديق الحقيقي؟ هل استعمل على نحو المجاز؟ هذا لا بد على القارئ المتتبع أن يبحث هذه النقطة ليميز، هذا كلام عام لا يخفى عليكم.

بعد ذلك لما نلاحظ المعاني نلاحظ أنهم ذكروا عدة معاني لكلمة الضرر، مثلاً الضرر بمعنى الضيق، الضرر بمعنى الحرج، الضرر بمعنى سوء الحال، الضرر بمعنى أن يفعل به مكروهاً فيقال ضرَّه، الضرر بمعنى النقصان يدخل في الشيء، فهذه عدة معاني مذكورة.

مثلاً المحقق النائيني ذكر بعض الكلمات لللغويين لا بأس بقراءتها، ذكر في الجهة الثالثة في فقه الحديث الشريف، في صفحة 377 الجزء الثالث من منية الطالب، قال: إنه اختلفت تعبيرات اللغويين وشرَّاح الحديث في تفسير كلٍ من الضرر والضرار.

ففي الصحاح الضر خلاف النفع، وقد ضره وضاره بمعنى، والاسم الضرر ثم قال: والضرار المضارة، فنلاحظ هنا أن الصحاح اعتبر الضر خلاف النفع، لكن لم يبين بالضبط ما هو معناه، مجرد أنه خلاف النفع.

وعن المصباح ضرّه يضرّه من باب قتل إذا فعل به مكروهاً، هنا فسر الضر بفعل المكروه، وأضر به يتعدى بنفسه ثلاثياً وبالباء رباعياً والاسم الضرر وقد يطلق على نقصان في الأعيان، يعني هل الضرر بمعنى نقص الأعيان؟ هل هو مجرد استعمال؟ هذه نقطة.

في القاموس: الضرر ضد النفع وضاره يضاره ضرراً، ثم قال: والضرر سوء الحال، فنلاحظ هنا فسره بتفسير آخر وهو سوء الحال، وفي الأول قال هو ضد النفع، ثم قال سوء الحال، ثم قال: والضرار الضيق، فالضيق تفسير للضرار هنا.

في نهاية ابن الأثير: في الحديث لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، الضرر ضد النفع، ضره يضره ضراً وضراراً، وأضر به يضره إضراراً، فمعنى قوله لا ضرر أي لا يضر الرجل أخاه بأن ينقصه شيئاً من حقه، هو يفسر الحديث وتفسيره للحديث المفروض لا شأن لنا به، نحن نريده بما هو لغوي لا بما هو مفسر للحديث، ولكن قال: بأن ينقصه شيئاً من حقه فيستفاد أن الضرر هو النقصان في الشيء، والضرار فعال وإلى آخر كلماته، ثم قال: وقيل: الضرر ما يضر صاحبك وتنتفع أنت به، هنا نلاحظ أنه ذكر معنى آخر وهو أن يضر صاحبك وتنتفع أنت به، يعني أُخذ في معناه هذا المعنى التركيبي وهو أن يضر صاحبه وينتفع به، والضرار أن تضره من غير أن تنتفع، حتى يفرق بين ضرر وبين ضرار، أن الضرر يضر صاحبه وينتفع هو والضرار فقط يضر صاحبه من غير أن ينتفع، وقيل: هما بمعنى واحد والتكرار للتأكيد.

وفي مجمع البحرين: الذي هو في مصنفاتنا كنهاية ابن الأثير في مصنفات العامة، من كتب التفسير قال: وفي حديث الشفعة قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في الشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، ثم فسر الكلمتين بما فسره به ابن الأثير دون تفاوت في العبارة فراجع.

هذه مجموعة من كلمات اللغويين وقلنا إنهم ذكروا عدة معاني ويمكن أن نلخصلها بأنه بمعنى الضيق وسوء الحال والحرج في بعض الكلمات وإذا فعل فيه مكروهاً يقال له ضرّه والنقصان يدخل في الشيء.

لكن يمكن أن تُرجع إلى معنى واحد، وهنا أيضاً نقطة فقط نشير إليها وهي: أنه كما ذكرنا بأن اللغويين في العادة يذكرون موارد الاستعمال وبنحو أنها موضوعة، يعني أن هذا اللفظ وضع لهذا المعنى ولهذا المعنى مثل لفظ العين وضع للعين الباصرة ولعين الذهب وهكذا، وأحيانا يكون موارد استعمال.

وبعض اللغويين حاول أن يرجع المعاني المتعددة إلى معنى واحد، كما في مقاييس اللغة عادة، يحاول أن يرجع المعاني المستعملة في معاني متعددة إلى وجود جامع مشترك بينها فيكون معناها واحد أو ترجع إلى معنيين أو ثلاثة، بحسب الموارد، يعني هذه يحتاج إليها الباحث أن يدقق في هذه النقطة وهي أنه هل يمكن أن يلاحظ جهات الاستعمال، يعني عندما استعملت هذه اللفظة في هذا المعنى وفي ذاك المعنى ما هو الرابط المشترك بين هذه المعاني؟ أحياناً يمكن أن يوجد رابط وتلك المعاني تكون مصاديق لهذا المعنى، فيمكن أن نوجد معنى وهذا المعنى تندرج تحته تلك الألفاظ، هذه نقطة يمكن أن نستفيد منها فلهذا نلاحظ لعله الكثير عند الأصوليين والفقهاء فسروا الضرر بالنقصان يدخل في الشيء.

النقصان أحد المعاني المذكورة في كلمات اللغويين ولكن يمكن أن يُجمع، يعني سوء الحال يعتبر نوع من النقصان وفعل به مكروهاً يعني أوجد فيه نقصاً وهكذا، ضيق وحرج بسبب أنه أوجد فيه مكروها أو أدخل عليه نقصاً وقع في ضيق وحرج وهكذا، فيمكن أن نرجع المعاني المختلفة إلى معنى واحد، هذا المعنى الواحد الأصوليون أيضاً اختلفوا فيه ما هو هذا المعنى الواحد؟

مثلاً: المحقق النائيني (ره) هنا قال هكذا: والمتحصَّل من مجموع هذه الكلمات ومن موارد الاستعمال أن الضرر عبارة عن فوت ما يجده الإنسان من نفسه وعرضه وماله وجوارحه، فإذا نقص ماله وطرف من أطرافه بالإتلاف أو التلف أو زهق روحه أو هتك عرضه بالاختيار أو بدونه يقال بأنه تضرر به، بل يُعد عرفاً عدم النفع بعد تمامية المقتضي له من الضرر أيضاً، فنلاحظ هنا أن المحقق النائيني أرجع المعاني المختلفة وموارد الاستعمال المختلفة إلى معنى واحد، عبر عنه في بداية الأمر الضرر عبارة عن فوت ما يجده الإنسان من نفسه وعرضه وماله وجوارحه، ثم هذا نفس الفوت عبر عنه بالنقص، فإذا نقص ماله وطرف من أطرافه بالإتلاف أو التلف أو زهق روحه أو هتك عرضه بالاختيار أو بدونه يقال إنه تضرر به، فأرجع المعنى إلى النقصان في الواقع، فيكون الضرر هو كل نقص يحصل للإنسان في نفسه في ماله في عرضه وفي ما يرتبط به، يمكن أن نتوسع نقص في جاهه مثلاً أو في وجاهته المهم هذه تعتبر ضرراً.

السيد الخوئي (ره) أيضاً فسَّر الضرر بمعنى النقص، فقال في الصفحة 606 من مصباح الأصول الجزء الثاني: وأما معنى الضرر فهو النقص في المال كما إذا خسر التاجر في تجارته أو في العرض كما إذا حدث شيء أوجب هتكه مثلاً، أو في البدن بالكيفية كما إذا أكل شيئاً فصار مريضاً فهنا نقص في الكيفية، أو بالكمية كما إذا قطع يده، إذاً الضرر هو بمعنى النقص كما ذكر، ويقابله المنفعة، وهي الزيادة من حيث المال، كما إذا ربح التاجر في تجارته أو من حيث العرض كما إذا حدث شيء أوجب تعظيمه أو من حيث البدن كما إذا أكل المريض دواء فعوفي منه، وبين الضرر والنفع واسطة، يعني يرتفعان فيها، مثلاً التاجر دخل إلى السوق لم يربح ولم يخسر، دخل بمائة دينار وباع واشترى وخرج بمائة دينار، هنا نقول لم يتضرر ولا يصدق عليه أيضاً النفع، فهنا لم يتضرر ولم ينتفع، إذاً الضرر مقابله المنفعة، وربما يرتفعان وليس بالضرورة أن يوجد أحدهما، وهذه نقطة لتكون على ذكر منا لأنه سنستفيد منها فيما بعد.

وهناك طبعاً من فسَّر بتفسير آخر، يعني قال: بأنه لا يصدق الضرر على النقص العرضي، الضرر يصدق على النقص في المال وفي البدن، أما في العرض يقول: لا، لا يصدق عليه، يعني لو نظر إلى شخص إلى امرأة نظرة محرمة لا يقال إنه حصل فيها نقص، فلهذا هو يقول بأنه النقص وجدناه في خصوص المال والبدن، يعني بعبارة أخرى هو يفسر الضرر بمعنى النقص ولكن في متعلق النقص يختلف فيقول: متعلق النقص فقط في المال والجسد، لا يشمل ما في العرض، العرض يقول: بحسب الاستعمالات لا يوجد استعمال النقص في العرض، والمناسب للرواية هو ضرر مرتبط بالعرض فلهذا يفسر بتفسير آخر غير تفسير النقص، هذا أيضاً قول آخر للأصوليين.

لكن الذي يظهر أن المعنى هو بمعنى النقصان ولكن النقصان ليس مطلق النقصان، وإنما نقول النقصان الشديد مثلاً، أو بدرجة معتد بها، نقول: النقصان بدرجة معتد بها هذا هو الضرر، يعني الضرر ليس مجرد النقص، كما يظهر من إطلاق كلمات السيد الخوئي (ره) أو المحقق النائيني (ره) وإنما النقصان هو المعتد به، يعني التاجر الكبير إذا فقد عدة دنانير لا يقال تضرر، مع أنه نقص، مهما كان هو نقص، كان عنده نفترض مليون دينار الآن عنده مليون إلا خمسة دنانير، النقص حصل وهو تكويني موجود، ولكن لا يقال أنه تضرر، فالضرر هو النقصان بنحو معتد به، بالنسبة إلى العرض يعني مجرد أن ينظر الرجل إلى امرأة أجنبة حتى لو كانت نظرة محرمة لا يوجب نقصان قيمتها، أما لو مثلاً لو هذا النظر أوجب الهتك وسقوط قيمتها في المجتمع مثلاً، يعمي مثل في قضية سمرة يعني هذا يريد الدخول إلى نخلته فيمر على بيت سمرة وبدون استئذان، هذا النحو من الفعل لو تركه الأنصاري يوجب نقصاً في حالته العرضية، مهما تكون قيمته تنقص عرضاً، فيستهان بها ويقال إنه لا شرف عنده لا حمية عنده لا غيرة عنده، أما مجرد أنه واحد اتفاقاً نظر إلى امرأة وهي في بيتها من حيث لا تشعر هذا لا يوجب نقصاً، أما بهذا النحو الموجود في الرواية يريد أن يدخل ويخرج بدون أي استئذان والمرأة موجودة وربما تكون كاشفة ووضعية المرأة في بيتها وهو سلب لحريتها، هذا النحو نوع من النقص، والقول أنه لا يعد نقصاً في العرض هذا غير تام.

فالنتيجة التي نتوصل إليها: بأن المعاني اللغوية مختلفة، يعني ذكرت مختلفة ولكن يمكن أن يجمعها النقصان الذي يدخل في الشيء وهذا هو المعنى العرفي، إذا حصل نقص معتد به في شيء يقولون تضرر، وللحديث بقية إن شاء الله