الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

مناقشة ما أفاده السيد الروحاني (قده):

لازال الكلام فيما أفاده المحقق النائيني والسيد الخوئي (رحمهما الله) وهذا الوجه الباقي وهو الوجه الثالث لم يذكره السيد الخوئي وإنما ذكره المحقق النائيني في أثناء البحث فيما بعد، وبينه أيضاً السيد الروحاني في المنتقى وإن لم يختره.

هذا الوجه الثالث يقول: بأن لا ضرر تنفي الضرر الفعلي وهو لا يتحقق ببيع الشريك حصته لغير شريكه، نعم ربما يتحقق الضرر في المستقبل فيما لو كان الشريك الجديد سيء الخلق والمعاملة وظالم فهنا يتحقق الضرر، فالبيع يكون مقدمة إعدادية للضرر التي قد يترتب عليها الضرر وقد لا يترتب عليها الضرر، فلا يصدق الضرر فعلاً يعني بمجرد أن باع الشريك حصته لا يصدق تحقق الضرر الفعلي وإنما أوجد المعد، فهو من قبيل بائع السكين، من باع السكين هذه السكين ربما يترتب عليها الضرر كأن يجرح أو يقتل مؤمناً، وربما لا يترتب عليها الضرر كما لو استعملها في حاجياته المتعارفة فهنا لا يقال في بيع السكين أنه بيع ضرري فينفى بلا ضرر.

وما نحن فيه من هذا القبيل، عندما باع الشريك حصته إلى غير الشريك فهنا ربما يحصل من هذا البيع ضرر على الشريك الأول كما لو كان الشريك الجديد سيء المعاملة وربما لا يحصل الضرر، فإذاً لا يصدق الضرر فلا ينتفي بلا ضرر فإن لا ضرر إنما تنفي الضرر الفعلي بمعنى لا حكم ضرري أو بمعنى نفي الحكم بلسان نفي موضوعه، هذا حاصل هذا الوجه.

أجاب عن هذا الوجه السيد الروحاني (ره) بأن الضرر يمكن أن يحصل للشريك بأصل الشركة ولا سيما إذا كان الشريك مجهول الحال، والضرر الحاصل للشريك بأصل الشركة بمعنى أن القيمة والمالية لهذه الحصة حصة الشريك تنقص بمجرد الشركة، مجرد أن تحصل الشركة تنقص القيمة والمالية لحصته، فالضرر بهذا اللحاظ يكون ضرراً فعلياً وليس بملاحظة ترتب الضرر الخارجي، فحتى يقال بأن نسبة البيع إليه نسبة المعد لا نسبة السبب، فالإشكال أساساً نشأ من ملاحظة الضرر الصادر من الشريك نفسه، يقول: إن الضرر الصادر من الشريك ليس فعلياً لأنه لاحظ الضرر من نفس الشريك، والغفلة عن أن الضرر إنما يحصل بمجرد الشركة بغض النظر عن كون الشريك شيء المعاملة أو غير سيء المعاملة، نفس هذه الشركة يحصل منها الضرر، هذا الضرر الحاصل من الشركة فعلي، إذاً يصح أن يصدق عليه لا ضرر، هذا حاصل كلامه كما أفاده في المنتقى في الجزء الخامس الصفحة 390، قال: (فالوجه الأول من الإشكال يندفع بأن بيع الحصة من شخص آخر يكون معرضاً لترتب الضرر على مشاركته للشريك الأول للجهل بحاله وخصوصياته وما يترتب على اشتراكه في الملك والتصرف، مثل هذا البيع يوجب نقصاً في مالية حصة الشريك الأول بلا إشكال وهو ضرر واضح فالضرر مترتب مباشرة على البيع بملاحظة أن المعرضية للابتلاء بشخص آخر مجهول الحال يستلزم نقص المالية وهو ضرر فعلي وليس بملاحظة ترتب الضرر الخارجي كي يقال إن نسبة البيع إليه نسبة المعد لا السبب، فالإشكال نشأ من ملاحظة الضرر الصادر من الشريك نفسه والغفلة عن الضرر الحاصل من الشركة نفسها)([1] )

فإذاً هذه النقطة التي ينبغي الالتفات إليها وهي أن الضرر من ناحية أصل الشركة وهذا الضرر يكون فعلياً لأنه يوجب النقص في مالية حصة الشريك، والإشكال الذي وجهه المحقق النائيني كان يلاحظ الضرر الناشئ من نفس الشريك لا من الشركة، والناشئ من الشريك نقول هذا معد ربما يحصل الضرر وربما لا يحصل، أما هنا الضرر فعلي.

ثم أورد على نفسه بأن هذا البيان بعينه يأتي في حال القسمة، لأنه كما هو معلوم وكما بينته الرواية: أن الشفعة قبل تقسم فأما إذا قسمت فلا شفعة، فإذا قسمت الأرض عرفنا أن القسم الشمالي لفلان والقسم الجنوبي لفلان الآن يستطيع الشريك أن يبيع حصته لآخر وليس للشريك الأول حق الشفعة، بينما نفس الكلام يأتي، يعني عندما يبيع الشريك حصته لثالث تنقص قيمة حصة الشريك الباقي، فنفس الكلام هناك هنا أيضاً المفروض أن تأتي لا ضرر.

أجاب عن هذا، يقول: بأن هذا إنما التزمنا به لوجود النص، النص قال: إذا رفت الأرف فلا شفعة، وإلا نحن نسلم حدوث النقص على حصة الشريك بما أنه شريك وإن قُسمت، ولكن لوجود النص لا نقول بالشفعة، هذه إضافة أيضاً من السيد الروحاني (ره).

هذا الجواب عن الإشكال يمكن أن يجاب عنه:

أولاً: بأن الضرر المدعى في المقام وهو نقص المالية في حصة الشريك ليس على إطلاقه، بمعنى أنه ليست الشركة موجبة للضرر والنقص في القيمة دائماً وأبداً، فربما تكون الشركة مع بعض الأفراد داعية لارتفاع ثمنها، لكون الشريك مثلاً شخصية مهمة ومعروفاً بالإحسان، فيمكن أنه لو كانت الأرض قيمتها ألف دينار مثلاً للحصتين وباع أحدهما حصته لثالث وذلك الثالث شخصية مهمة معتبرة ومعروفة بالإحسان هنا ترتفع قيمة الأرض، لو فرضنا أن هذه الأرض اشترى القسم مرجع معروف من المراجع العظام، قيمة المحلة ترتفع وقيمة الأرض ترتفع، إذاً القول بأن الضرر فعلي بمجرد حصول الشركة ليس على إطلاقه، لا يمكن أن نسلم به على إطلاقه بل نقول: ربما يكون كما أفاد بأن الشركة توجب نقصان المالية وربما تكون الشركة موجبة لزيادة المالية وليس لنقصان المالية، فعليه: لا يكون الضرر فعلياً بل كما قال المحقق النائيني (قده) بأنه يكون معد، نفس البيع معد يمكن أن يترتب عليه ضرر فيما لو كان الشريك الجديد سيء المعاملة وربما لا يوجب الضرر كما ذكرنا أيضاً في الوجه الأول أن بيع الضرر والشفعة عموم وخصوص من وجه هنا أيضاً نفس الكلام، هناك المقارنة بين ثبوت الشفعة والضرر وهنا نقول نفس الشركة بينها وبين حدوث الضرر عموم وخصوص من وجه، ربما يكون هناك ضرر بنفس الشركة وربما يكون هناك نفع بهذه الشركة الجديدة، إذاً هذا القول بنحو قاطع نقول بأنه بمجرد الشركة يحصل الضرر فالنفي بهذا اللحاظ لا بلحاظ الشريك هذا غير تام، الشركة لا توجب ذلك دائماً وأبداً، هذا أولاً.

ثانياً: يمكن أن نقول: بأن النقص الحاصل من أصل الشركة موجود من الأول لشراكته مع الشريك القديم، فلم يحدث نقص جديد وإنما حصل تبديل بين الشركاء، بهذا المعنى أن الشركة كانت بين زيد وعمرو وكانت قيمة الأرض باعتبار هذه الشركة ألف دينار، الآن لما باع زيد نصيبه وحصته من الأرض إلى ثالث، هنا الشركة على ما هي عليه ولم تتغير ولم تتبدل، التبدل في أطراف الشركة، بمعنى أن الأرض بقيت بين شريكين، نقصد أن الشركة كانت موجودة بين طرفين في هذه الأرض، فإذا كانت الشركة موجبة لنقصان المالية فهذه الأرض كانت ناقصة المالية لأجل شركتها الأولى، الآن عندما نقل الشريك الأول حصته لثالث هنا التبدل في أطراف الشركة، يعني صار عندي شريك جديد ولكن الشركة كعنوان كما هي عليه، فإذا كانت الشركة هي الموجبة للنقصان فلم تتبدل حتى يحدث النقصان.

إذاً لم يحدث بالشركة الجديدة ضرر جديد، حتى تقول حدث ضرر فعلي فنطبق عليه لا ضرر، لم يحدث ضرر فعلي أصلاً، نعم المقارنة بين قيمة الأرض بلحاظ الشركة وقيمتها مع الشريك وبين قيمة الأرض بلا شريك، هذه المقارنة صحيحة يصير بينها تفاوت، يعني إذا كانت الأرض مملوكة لشخص واحد ربما تكون قيمتها أكثر من قيمتها ما لو كانت مشتركة بين أشخاص، إذا كانت المقارنة هي هذه فنعم يوجد تفاوت، لكن مع ذلك نقول: بأن الحاصل في المقام ليس ضرراً وإنما هو عدم نفع.

نعيد ما تقدم ليتضح الربط: نقول: لم يحصل ضرر جديد بمجرد أن صار هناك شريك جديد لم يحصل ضرر جديد وإنما الذي حصل هو تبدل في الشركاء، القيمة على ما هي عليه، إذا كانت قيمة ألف دينار بلحاظ حال الشركة فهذه موجودة لم تتبدل، يعني كلي الشرك لم يتبدل أفراد الشركة تبدلت، وإن كانت الشركة الأولى غير الثانية، المهم لم يحصل ضرر جديد أصلاً حتى تقول فعلياً.

إذا قلت إن نقصان المالية بلحاظ المقارنة بين قيمة الأرض مع ملاحظ الشريك كونها مشتركة، وقيمة الأرض مع ملاحظة كونها مختصة به، هنا يوجد تفاوت، أن تكون هذه الأرض لعمرو كاملة غير أن تكو بينه وبين بكر الثالث، نقول: إذا لاحظت هذه الملاحظة فالواقع هو عدم حصول نفع لا حصول ضرر، بمعنى: أن الشريك الأول لو باع حصته على شريكه لزادت قيمة الأرض وانتفع، كانت الأرض تساوي ألف الآن لما تكون كاملة له تساوي ألف وخمسمائة، ولكن لما باع الشريك الأول حصته على ثالث بقيت الأرض على ما هي عليه قيمتها ألف.

إذاً الموجود بهذه المقارنة هو عدم حصول نفع لا حصول لا ضرر، وعدم حصول نفع لا دور له، يعني لا ضرر تمنع حصول الضرر ولا تنفي الحكم إذا لم يحصل نفع، فلا نطبق لا ضرر، مثلاً الآن إذا كان شخص عنده دكان في محلة وكان لوحدة يربح في اليوم ألف دينار، جاء آخر وأنشئ دكاناً ثانياً في نفس المحلة، بطبيعة الحال تضعف واردات صاحب الدكان الأول لأن الزبائن ستتوزع بين قسمين، هنا هل نقول للثاني لا ضرر ولا ضرار، وأنت أدخلت الضرر على صاحب الدكان الأول فعليك أن تغلق الدكان، لا نقول له ذلك، لأنه غايته لم ينتفع صاحب الدكان الأول لا أنه حصل ضرر، بإنشاء الدكان الثاني لم ينتفع فلا نطبق لا ضرر.

هنا من هذا القبيل، عندما باع الشريك الأول حصته إلى ثالث لم ينتفع الشريك الثاني، يعني حصته لو هو اشترى الحصة الأخرى لكانت صحته ستساوي سبعمائة وخمسين لأن المجموع قلنا خمسمائة، فهو لم ينتفع فقط، لا أنه ضرر، فعلى كل حال نقول: بأن ما أفاده السيد (قده) من الجواب غير تام لا يمكن أن نقبله لرفع ذلك الإشكال.

نعم الذي يمكن أن يُذكر في رد الإشكال: بأنه يشترط الضرر الفعلي لتطبيق لا ضرر، الذي يفيدنا في رده: أنه مبني على القول بأن لا ضرر في حديث الشفعة علة، يعني علة ثبوت الشفعة هو لا ضرر ولا ضرار، إذا قلنا بهذا يرد الإشكال: بأنه لا يوجد عندنا ضرر فعلي فكيف ننفيه بلا ضرر، وجواب السيد الروحاني (ره) لا يرد كما ذكرنا.

الآن نحن مع أصل الإشكال: نقول: هو أصل الوجه يرد فيما لو قلنا بأن لا ضرر الواردة في حديث الشفعة هي علية لثبوت الشفعة فيأتي هذا الإشكال، أما لو قلنا في خصوص المقام لا ضرر ليست علة وإنما هي حكمة كما ذكرنا سابقاً، لو قلنا بأنها حكمة وليست علة يعني الحكمة من تشريع حق الشفعة هو ألا يحصل ضرر على الشريك الثاني لأنه إعطاء قسم من الأرض لآخر في معرض الضرر ربما يكون سيء المعاملة فيكون معرضاً، فنقول: من باب الحكمة فقط، إذا قلنا من باب الحكمة لا يرد أصل الإشكال.

فأصل الوجه الثالث الذي أفاده المحقق النائيني (قده) ناشئ من القول بأن لا ضرر علة لتشريع حق الشفعة، أما إذا قلنا بأنه من باب الحكمة فقط لهذا السياق لخصوصية في المقام حملناه على الحكمة فلا يرد هذا الإشكال.

هذا القول الذي سنقوله ناظر إلى جميع الإشكالات، لا أقل نقول هكذا: بأن مقتضى ظهور النقل وظهور الرواية أن الجمع في المروي كما ذكرناه، وهو الاتصال بين الجملتين بين جملة لا ضرر وبين ثبوت حق الشفعة، هو ظاهره الاتصال ولكن غاية ما يقال من هذه الإشكالات أننا لم نعرف وجهاً ظاهراً لهذا التعليل، ظاهره تعليل وأن هناك اتصال بين لا ضرر وبين ثبوت حق الشفعة ونحن لم يظهر لنا الوجه في ذلك، هذا غاية ما يقال، وهذا المعنى ربما يكون في بعض التعليلات الواردة في الروايات وعدم معرفتنا لا توجب أن نقول هي قضاء مستقل في رواية مستقلة، فإذاً ما نريد أن نقوله هو هكذا: أننا عندنا أصل أشبه ما يكون مسلماً من خلال ما تقدم وهي أن ظاهر الرواية الواردة عندنا هي اتصال جملة لا ضرر ولا ضرار مع ثبوت حق الشفعة، هذا هو ظاهر الرواية، وظاهرها أن النبي صلى الله عليه وآله ذكر لا ضرر تعليلاً لثبوت حق الشفعة هذا هو الظهور، والقرائن أيضاً المتقدمة أيضاً تثبت ذلك، قلنا عدة قرائن كون لا ضرر واقعة بين جملتين ترتبطان بحديث الشفعة هذه قرينة واضحة، وكون أيضاً عقبة لم يذكرها في قضاء مستقل وهكذا كما تقدم.

فالظاهر هو هذا نتمسك نحن بهذا الظاهر، وهذه الإشكالات التي أوردت على التعليل وأن لا ضرر لا ينبغي أن تكون علة لحديث الشفعة هذه لا تستوجب رفع اليد عن ذلك الظاهر وإنما غايته أن نقول: بأن ظاهر هذا هو تعليل ولكن لم نعرف وجه في التعليل، إذا لم نعرف الوجه في التعليل لا يعني أن نقول إنها جملة مستقلة وقضاء مستقل ولا ربط لها في الشفعة، وهناك موارد في الأحاديث قد تكون علة أو ظاهرها أنه علة ولا تلاحظ جهة النسبة.

من باب المثال: في بعض الروايات هكذا: أنه يكره مجامعة الزوجة في الليلة الأولى من كل شهر ما عدا شهر رمضان، عُلل لقوله تعالى ﴿أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم﴾ بحسب ظاهرها تكون تعليلاً للاستحباب، ربما لا ندرك الوجه في هذا التعليل، كيف تكون هذه الآية هي بيان لاستحباب مجامعة الزوجة في أول ليلة من شهر رمضان، وهكذا يمكن أن نلاحظ روايات متعددة في هذا الباب، هذا غاية ما يمكن أن يقال.

ونتيجة هذا القول أن نقول: بأن ظاهر حديث عقبة هو الاتصال وأن لا ضرر في ضمن حديث الشفعة.


[1] (( منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج5، ص391.