الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

ما أفاده المحقق النائيني والسيد الخوئي (قدس سرهما):

كان الكلام في رأي المحقق النائيني (ره) ورأي المحقق السيد الخوئي (ره) في أنهما اختارا ما اختاره شيخ الشريعة الأصفهاني (ره) في أن لا ضرر في الأصل ليست تابعة ومتصلة بحديث الشفعة أو حديث لا يمنع فضل ماء، ولكن الجهة التي دخلا منها غير الجهة التي دخل منها شيخ الشريعة.

فالمحقق النائيني أورد عدة إشكالات ترتبط بالمتن والدلالة على جعل أن تكون لا ضرر متصلة، وتبعه أيضاً السيد الخوئي في ذلك ولكن كما هو واضح أن السيد الخوئي طور الإشكالات الموجودة عند المحقق النائيني، يعني إما أنه صاغها بصياغة فنية أو بينها بنحو تكون واضحة غير مجملة وأهم تلك الإشكالات ثلاثة، اثنان بينهما المحقق النائيني والسيد الخوئي والسيد بينهما بشكل واضح، وواحد ذكره المحقق النائيني في ذيل كلامه فيما بعد في الضمن وأوضحه السيد الروحاني (ره) في المنتقى، فلهذا نحن نقتصر على هذه الأوجه الثلاثة باعتبار هي المهمة وهناك أوجه أخرى أيضاً ذكرها المحقق النائيني لكن لا تستحق الوقفة عليها كثيراً، فلهذا نغض النظر عنها.

الوجه الأول كان: أن بين لا ضرر وبين ثبوت حق الشفعة عموم وخصوص من وجه، باعتبار أنه قد يتضرر الشريك من دون ثبوت حق الشفعة وذلك فيما لو كان الشركاء أكثر من اثنين، إذا كان الشركاء في الأرض أكثر من اثنين فهنا كما قُرر في محله في الفقه أنه لا يوجد حق الشفعة للشركاء، يعني لو كان الشركاء ثلاثة وباع أحد الثلاثة حصته على رابع فبالنسبة إلى الشريكين الأولين ليس لهم حق الشفعة، مع أنه ربما يكون الشريك الجديد مؤذياً ظالماً يحصل منه الضرر، فهنا نلاحظ أنه يتضرر الشريك ومع ذلك لم يثبت حق الشفعة.

وقد يثبت حق الشفعة وإن لم يحصل ضرر كما لو كان الشركاء اثنين فقط في الأرض وباع أحدهما حصته إلى رجل ورع تقي محسن، هنا لا يحصل من هذا الشريك ضرر إن لم يحصل منفعة، مع ذلك هنا للشريك الأساسي الأول حق الشفعة مع أنه لا يوجد ضرر.

وربما يجتمعان، يعني يكون هناك ضرر وله حق الشفعة، كما إذا كان الشركاء اثنين وباع أحدهما إلى ثالث وهذا الثالث مؤذٍ وظالم فهنا يتحقق الضرر وتتحقق الشفعة.

إذاً بين ثبوت حق الشفعة وبين لا ضرر يوجد عموم وخصوص من وجه فلا يصلح أن تكون لا ضرر تعليلاً إلى ثبوت حق الشفعة كما هو ظاهر الرواية بأن لا ضرر تعليل إلى ثبوت حق الشفعة بينما لا يصح أن يكون تعليلاً؛ لأن المعلول لا يتخلف عن العلة كما أن المعلول لا يوجد بدون العلة، يعني إذا وُجدت العلة لا يتخلف المعلول عنها، ولا يمكن أن يوجد المعلول بدون وجود علية، مع أنه لا حظنا أنه أحياناً تحصل الشفعة بلا ضرر، يعني يوجد المعلول بلا علة ويوجد أحياناً أخرى أن هناك ضرر ولا يوجد حق الشفعة مع أن العلة موجودة فالمفروض أن يوجد المعلول، هذا حاصل الإشكال الأول.

هذا الإشكال الأول: يمكن أن نقول فيه كما يظهر من بعض عبارات المحقق النائيني يمكن أن نستفيد منها هذا المعنى، نقول: بأن غاية هذا الإشكال هو عدم كون لا ضرر علة للحكم بثبوت الشفعة، يعني بالمقتضى الذي ذكرناه أن بينهما عموماً وخصوصاً من وجه يظهر ويتضح أن لا ضرر ليست علة للحكم، نعم لكن تكون من باب الحكمة تبقى أنها واردة على لسان الرسول صلى الله عليه وآله كما هو ظاهر النقل ولكن ليست علة، نقول نعم ليست علة، وهذا لا ينفي أنها متصلة فلتكن من باب الحكمة، والحكمة ورودها كثير في الروايات، كما في تعليل العدة بالنسبة إلى المطلقة بعدم اختلاط المياه، يعني لماذا جُعلت العدة للمرأة؟ لأجل عدم اختلاط المياه، مع أنه أحياناً نقطع بأن هذه عاقر وأنها غير حامل قطعاً، أو الآن بحسب الأمور الحديثة مع وجود التحليلات الدقيقة يُكتشف بأنها ليست حاملاً قطعاً، إذاً هذه العلة وهي اختلاط المياه لا تأتي، فهل نقول بأنه هذا التعليل غير وارد لأنه بين اختلاط المياه وبين ثبوت العدة عموم وخصوص من وجه؟ لا، نقول: هذا من باب الحكمة وليس من باب العلة.

يعني كثيراً ما يحصل الضرر من نفس الشركة أو يحصل الضرر من الشركاء فهذه تكون حكمة في تشريع الشفعة، لماذا شرعت الشفعة؟ لأنه كثيراً من الأحيان يحصل ضرر سواء كان الضرر حاصل من نفس الشركة فيحد نفسها بغض النظر عن الشريك أو كان الضرر من نفس الشركاء أنفسهم، يعني من نفس الشريك لا من نفس الشركة، المهم كثيراً ما يحصل الضرر من الشركة أو الشركاء، فشُرّعت الشفعة لدفع هذا الضرر من باب الحكمة فلا إشكال.

يعني حاصل القول: نقول: إن ما أفاده السيد الخوئي (ره) بهذا البيان المتقدم إنما يمنع كون لا ضرر علة ولا يمنع وجودها متصلة الذي هو محل البحث أنها مستقلة كما يدّعون وليست هي متعقبة إلى الشفعة مع القول بأنها لبيان وجه الحكمة لا يأتي هذا الإشكال.

يمكن أن يقال: بأن جعلها حكمة يهدم أساس ما يراد بناؤه من الاستفادة منها من نفي الأحكام الضررية في الموارد المتعددة، عندنا موارد متعددة نتمسك فيها بلا ضرر غير مورد الرواية، كما سيأتي إن شاء الله عندما نقول بأن لا ضرر تنفي الحكم الضرري أو تنفي الحكم الضرري بلسان نفي موضوعه الضرري، نريد أن نطبق هذه الرواية لا ضرر في تلك الموارد المتعددة، فإذا قلتم هي ليست علة إذاً لا يمكن التمسك بها، على هذا المعنى تنتفي الاستفادة منها.

هنا يمكن أن يجاب: بأن لا ضرر كما ذكرنا سابقاً موجودة في حديث سمرة وفي حديث الشفعة، في حديث الشفعة بحسب هذا الإشكال المتوجه عرفنا أنه لا يمكن أن تُحمل على العلية فلا نستفيد منها الضابطة فنستفيد منها مجرد كونها حكمة ولكن لا يعني أن لا ضرر في رواية سمرة لا يستفاد منها أيضاً القاعدة أو التعليل، يعني عدم استفادة التعليل من لا ضرر في حديث الشفعة لا يعني نفي كونها ضابطة مطلقاً، بل عندنا حديث سمرة وحديث سمرة يستفاد منه التعليل، أنه بعد أن قال له الرسول صلى الله عليه وآله استأذن عند الخول ولم يقبل وقال له بالبيع ولم يقبل وقال له بالتعويض ولم يقبل الرسول صلى الله عليه وآله قال: إذاً اقتلعها لا ضرر ولا ضرار، هنا نستفيد التعليل أن لا ضرر ولا ضرار من نفس هذا الفعل الذي أمره الرسول صلى الله عليه وآله أن يقوم به الأنصاري حتى لا ضرر ولا ضرار، فهناك نستفيد التعليل.

إذاً نقول: وإن كانت لا ضرر في حديث الشفعة من باب الحكمة لا العلة ولكن يمكن التمسك بلا ضرر في حديث سمرة ونستفيد منها في الموارد الأخرى، إذاً هذا لا يتنافى مع ذاك.

فإذاً النتيجة أن هذا الوجه الذي أفاده المحقق النائيني وأوضحه السيد الخوئي غير تام.

الوجه الثاني: الذي أفاده المحقق النائيني والسيد الخوئي، قالا: بأن مفاد لا ضرر نفي الحكم الضرري، لا ضرر ولا ضرار، سواء كان على مبنى الشيخ الأنصاري، يعني يتوجه النفي إلى الحكم الضرري أو على مبنى المحقق صاحب الكفاية (قده) من أن هنا نفي الحكم بلسان نفي موضوعه، يعني أساساً لا ضرر يعني لا موضوع ضرري، فينتفي الحكم إذا وجد الموضوع الضرري، المهم نفي للحكم بلسان نفي موضوعه، فالمستفاد من لا ضرر هو هذا المعنى كما هو يتبناه السيد الخوئي وكثير من الأعلام أن المستفاد هو نفي الحكم.

نفي الحكم الضرري هنا عندما نريد أن نطبق على المقام، يعني حصل بيع وحصل منه ضرر إذا أردنا أن نطبق القاعدة نقول إما أن يكون الضرر ناشئاً من نفس البيع من أصل المعاملة، فالضرر الحاصل من المعاملة منفي الحكم منفي، فالنتيجة أن البيع باطل، يعني عندما نريد أن نطبق لا ضرر أن نقول ببطلان البيع، البيع الناشئ منه الضرر هذا منفي وإذا نفيناه سواء نفينا حكمه أو نفيناه بنفسه، لما نفينا هذا الحكم يعني ما يترتب على هذا البيع من النقل والانتقال وما شاكل نقول هذا منتفي، إذاً نستفيد عند التطبيق بطلان البيع لا ثبوت حق الشفعة.

وإذا كان الضرر ناشئاً من لزوم البيع، البيع صحيح ولا يلزم منه الضرر، يلزم منه الضرر إذا حكم الشارع بلزومه بحيث لا يمكن رفعه، هنا يحصل الضرر، إذا قلنا بهذا فمقتضى تطبيق القاعدة هو نفي هذا اللزوم ورفعه، فيثبت عندنا الجواز والخيار له، هذا المفهوم عند تطبيق القاعدة، بينما لتطبيق القاعدة في المورد هنا أُثبت حق الشفعة، لا ضرر التي لسانها لسان نفي لا تثبت الحكم وتجعل الحكم ليتدارك به الضرر، فرق بينهما، مدلول لا ضرر هو إما نفي الحكم أو نفي الموضوع الضرري، هنا عند التطبيق نريد أن نستفيد من لا ضرر، جعل أمر يتدارك به الضرر، جعل الشفعة لأجل أن يتدارك به الضرر، لسان لا ضرر ليس لسان إثبات وإنما هو لسان نفي فعليه: أيضاً لا يتلائم تطبيق لا ضرر على المقام، لأن تطبيقها على المقام لو أريد وحصل منه الضرر وسلمنا حصوله فهو إما أن ينفي صحة البيع وإما أن ينفي لزوم البيع ويثبت الخيار، وأما أن يُجعل حكم ويثبت بذلك حكم لأجل جبران الضرر فلا يستفاد من حديث لا ضرر، هذا حاصل ما أفاده.

هنا أورد المحقق السيد الروحاني (ره): بأن الشفعة لم تثبت بلا ضرر، وإنما ثبتت بدليل منفصل ودور لا ضرر هو إثبات الجواز ليس إلا، عليه: لا إشكال، لأن الإشكال هو في إثبات الشفعة وجعل حكم إثباتي وهو ثبوت الشفعة لأجل تدارك الضرر الحاصل، هنا يقول: لا ضرر ليس دورها دور الإثبات وإنما ثبوت حق الشفعة ثبت من دليل منفصل آخر، ودور لا ضرر هو فقط هو إثبات الجواز يعني نفي اللزوم، تعبير إثبات الجواز ولكن مقصوده نفي لزوم هذا البيع فله الخيار، وبعد أن أثبتنا بلا ضرر اللزوم يعني نفينا اللزوم، بعد ذلك بالنسبة إلى حق الشفعة يثبت بدليل منفصل وليكن هو صدر هذا الحديث، أو بالأدلة الأخرى التي يثبت بها الشفعة، المهم أن نقطة الإشكال ترتفع، هكذا أفاد السيد الروحاني (ره) في المنتقى.

هذا الجواب من المحقق الروحاني (ره) يمكن أن نقول: بأنه يبتني على كون البيع لطرف ثالث موجباً للضرر دائماً كما هو أيضاً يدعيه وسيأتي، إذا قلنا بأن البيع لطرف ثالث يحصل منه الضرر دائماً هنا نقول: لا ضرر نفت اللزوم أو نقول نفت البيع، تنتفي صحة البيع أو لزوم البيع بلا ضرر وتثبت الشفعة بدليل آخر.

ولكن هذا القول لا يمكن الأخذ به على إطلاقه، فربما لا يكون في البيع ضرر، دعوى السيد الروحاني (ره) يقول: بأن لا ضرر لم يُثبَت بها الشفعة، الشفعة ثبتت بدليل منفصل، ودور لا ضرر هو إثبات الجواز فقط، يعني نفي اللزوم فقط، هذا المعنى نفسه يتضمن ويستبطن أن هذا البيع بيع الشريك لحصته ينشئ منه الضرر دائماً فلهذا تمسكنا بلا ضرر لنفي اللزوم أو لإثبات الجواز، ونتمسك في الشفعة بدليل آخر، إذا قلنا بأنه في الموارد التي نقطع بعدم حصول الضرر فيها كما سيأتي في الوجه الثالث الذي هو أيضاً ذكره وناقشه، لو قلنا بهذا إذاً يرجع نفس الكلام لا ضرر ما هو دورها، هي إما تنفي الحكم أو تنفي اللزوم لكن متى؟ تنفي الحكم الضرري، نفس البيع نفس اللزوم، وإذا لم يوجد الضرر ما هو دور لا ضرر؟

إذاً كلام السيد (ره) أخص من المدعى، يعني في بعض الحالات نعم، أما في الحالات الأخرى لا يأتي هذا الكلام.

لكن يمكن أن يشكل على هذا الوجه الذي أفاده السيد الخوئي (ره) والمحقق النائيني (ره) بأن القاعدة في الظهورات ألا يصار إلى الظهورات وأن يتسمك بالظهورات إلا بعد ملاحظة الكلام كله، انتهى المتكلم من جميع كلامه صدراً وذيلاً، هناك الآن نتمسك بالظهور، فظاهر جملة لا ضرر لو كانت مستقلة هو نفي الحكم الضرري سواء مباشرة أو كان بلسان نفي موضوعه، من هذه الجهة لا يضر، المهم لسانها لسان نفي لا لسان إثبات، هذا لو لاحظنا لا ضرر مستقلة، أما إذا لاحظنا لا ضرر في ضمن سياق حديث الشفعة بحسب ظاهر النقل، فإن ظاهر النقل هو مجيء لا ضرر عقيب حديث الشفعة بحسب ما بيناه أيضاً من القرائن المؤيدة لهذا الظهور، إذاً لا بد أن نلاحظ السياق بكامله أو الجملة بكاملها، إذا لاحظنا الجملة بكاملها ولاحظنا أن لا ضرر وردت في ذيل حديث الشفعة وفي إثبات حق الشفعة فهنا ينبغي أن نستفيد من لا ضرر غير ما كنا نستفيده منها مستقلة، يعني كنا نستفيد من لا ضرر لو وردت بنحو الاستقلال ونفي الحكم الضرري أو نفي الموضوع، المهم نفي الحكم كما قلنا، المهم هي لسانها لسان نفي، لكن عندما ذُكرت في سياق حديث الشفعة فإذاً لا بد أن نلاحظ هذه القرينة وهي الصدر الموجود فيها المعلل بها، هذا الصدر لا يستفاد منه النفي، يعني يستفاد منه في المقام هو إثبات حق الشفعة ليتدارك به الضرر، إذا كان هذا المعنى لماذا رفعنا اليد عن هذا الهور بعد ملاحظة السياق.

خلاصة ما نريد قوله: نقول: القاعدة في التمسك بالظهورات أن نتمسك بظهور الكلام بعد ملاحظة الجميع، يعني عندما تقول: رأيت أسداً يرمي الظهور ظهور كلمة الأسد ليس في الحيوان المفترس لأنك قلتَ يرمي، أما لما تقول: رأيت أسداً وتسكت، الظهور هنا في الأسد الحيوان المفترس، الفرق هو أنه هذه الجملة جاءت في ضمن سياق ذلك السياق اقتضى أن نقول بأن المراد من الأسد الرجل الشجاع، هنا في المقام ظهور كلمة جملة لا ضرر ولا ضرار هو لسان النفي، فنقول نفي الحكم أو نفي الموضوع، ولكن ظهور لا ضرر ولا ضرار عندما جاءت في سياق تعليل إلى حديث الشفعة يختلف، يكون ظهورها هو في إثبات ما يتدارك به الضرر، وهذا استفدناه من السياق نفسه، من الجمع بين الجمل، فالعروض عن هذه القاعدة إلى التمسك بأن ظاهر لا ضرر هو النفي إذاً لا تصلح هذا كلام غير سديد.

فإذاً المحقق النائيني والسيد الخوئي رحمهما الله، جعلا المستفاد من لا ضرر أصلاً مسلماً فيكون هو المحور في الكلام، وهذا خلاف منهج الأخذ بالظهورات، فمنهج الأخذ بالظهورات أن يلاحظ الكلام بأكمله، لا أن يؤخذ هذا أصل مسلم ونجعله هو المحور ونغير أو نرفع اليد عن الظهورات الأخرى، إذاً هذا الوجه أيضاً غير تام.