الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

 

القرائن الداخلية على عدم كون لا ضرر ذيلاً لحديث الشفعة:

انتهينا من الكلام حول ما أفاده شيخ الشريعة (ره)، وقلنا بأن ما أفاده من نفي أن تكون لا ضرر ذيلاً في حديث الشفعة وفي حديث لا يمنع فضل ماء، وتقدم بأن هذا النفي غير صحيح بحسب القرائن التي ذكرها.

وهنا كلام للمحقق النائيني (ره) وتبعه السيد الخوئي (ره) وتعرض إليه غير واحد من الأعلام، وهو تأييد في الواقع لما ذهب إليه شيخ الشريعة، ولكن بصيغة أخرى، يعني ليس من خلال القرائن الخارجية التي أفادها شيخ الشريعة، وإنما هو إشكال داخلي يستفاد منه عدم كون لا ضرر ذيلاً في حديث الشفعة ولا في حديث لا يمنع فضل ماء.

والوجوه التي أوردها المحقق النائيني (قده) لعلها ثلاثة، ولكن بعض الأوجه ليست بتلك القوة فلهذا نذكر ثلاثة أوجه أوردت على هذا الحديث بعضها أورده السيد الخوئي (ره) وتكميل تقريباً لما أفاده المحقق النائيني وبعضها لعله من نفس السيد الخوئي وهناك ثالث من غيرهم سيتضح فيما بعد إن شاء الله، فنقتصر إذاً على ثلاثة أوجه، وهي تقريباً الأوجه القوية في الموضوع.

الوجه الأول: ما أفاده السيد الخوئي ببيانه، أولاً مهَّد تمهيداً واضحاً نشير إليه، وهو: أن الاحتمالين الموجودين في المقام أن تكون لا ضرر مع حديث الشفعة أو حديث لا يمنع فضل ماء، أنه من باب الجمع في المروي، وقلنا المراد من الجمع في المروي أن نفس الراوية وردت هكذا على لسان الإمام عليه السلام أو على لسان النبي صلى الله عليه وآله، يعني حينما صدرت الرواية في حديث الشفعة صدرت من الرسول صلى الله عليه وآله هكذا، حديث الشفعة مذيل بلا ضرر، أو لا أقل أنه وردت في لسان النبي صلى الله عليه وآله بدون لا ضرر ولكن الإمام عليه السلام حينما حدث بهذه عن النبي صلى الله عليه وآله أضاف لا ضرر والمعنى واحد، يعني بالنسبة لنا لا يفرق أن حديث الشفعة جاء على لسان الرسول صلى الله عليه وآله مذيلاً أو أنه جاء على لسان الإمام عليه السلام مذيلاً، بالنسبة لنا لا فرق في ذلك، المهم الجمع في المروي أن يكون على لسان المعصوم وردت الرواية هكذا، والاحتمال الثاني أن يكون من باب الجمع في الرواية، يعني هناك روايتان مستقلتان وردتا على لسان الرسول صلى الله عليه وآله أو على لسان الإمام عليه السلام، رواية ترتبط بالشفعة ورواية ترتبط بلا ضرر ولا ضرار، ولكن الراوي جمع بينها كما يقول مثلاً: سمعت الإمام عليه السلام قال كذا وقال كذا، يعني قال كذا عندما سأله فلان بشيء وقال كذا عندما سأله آخر بشيء، فهو يعدد الروايات في تحديث واحد، هذا نسميه من باب الجمع في الرواية، إذا كان من باب الجمع في المروي فهذا الذي يذهب إليه غير شيخ الشريعة، وأنه وردت الرواية مذيلة بلا ضرر، وإذا كان الجمع في الرواية فمعناه أن لا ضرر لا علاقة لها بحديث الشفعة أو حديث لا يمنع فضل ماء، ثم بعد هذين الاحتمالين قال: الذي يقرب الثاني ولا يساعد على الأول في مقام الإثبات شاهدان في حديث الشفعة وشاهدان في حديث لا يمنع فضل ماء، ثم ذكر الشاهد الأول، الذي نقول هو إشكال على أنها مذيلة بلا ضرر.

الإشكال الأول: حاصله: يقول: بين موارد الشفعة أو مورد ثبوت حق الشفعة وبين لا ضرر يوجد عموم وخصوص من وجه، فعلى ذلك: لا يصلح أن يكون لا ضرر تعليلاً لحديث الشفعة، لأن التعليل ينبغي أن يكون المعلول يدور مدار هذه العلة متى ما وجدت العلة وجد المعلول، ومتى ما وجد المعلول يعني العلة موجودة، بينما نحن نقول بين حديث الشفعة وبين لا ضرر يوجد عموم وخصوص من وجه، فربما يكون هناك ضرر ولا توجد شفعة، وذلك فيما إذا تعدد الشركاء، يعني صار أكثر من شريكين كما مرَّ علينا في بعض البحوث السابقة أشرنا إلى ذلك، ويذكر في الفقه بأنه إذا كان شريكان في شيء واحد وقبل أن يقسم بينهما ويحد الحدود هنا إذا باع فللشريك الآخر أن يشتري ويقول: أنا آخذ بنفس الثمن الذي بعت به فله حق الشفعة.

أما إذا كان الشركاء ثلاثة فما فوق ثلاثة مشتركون في أرض وباع أحدهم نصيبه وحصته فهنا ليس للشريكين الآخرين حق شفعة، مع أنه ربما يحصل ضرر وربما يكون هذا الشريك الثالث سيء المعاملة وبالتالي يحصل ضرر على الشريكين هنا لا يوجد حق شفعة ومع ذلك يوجد ضرر، ففي مثل هذا المورد إذا كان لا ضرر هو التعليل إلى حق الشفعة فينبغي أن يثبت حق الشفعة في هذا المورد بينما هذا المورد لا توجد فيه حق الشفعة، إذاً من جانب نلاحظ أن الضرر موجود ومع ذلك لا شفعة في البين.

ومن جانب آخر نلاحظ العكس، نلاحظ أن الشفعة موجودة مع عدم وجود الضرر، مثلاً إذا كان المشتري الجديد أو الشريك الجديد صالحاً ومحسناً يعني نعلم بإيمانه وصلاحه وبإحسانه بحيث لا يحصل ضرر من شراكته، هنا بما أن في هذا الأرض شريكان فقط وأحدهما باع لآخر نعلم بورع الآخر وأنه بار وأنه محسن بحيث ربما يستفيد الشريك منه لا أنه يتضرر، فهنا لا يوجد ضرر مع ذلك يوجد حق الشفعة، إذاً معنى ذلك أن حق الشفعة ليس معللاً بلا ضرر إذ كيف تتخلف العلة عن المعلول، حق الشفعة موجود معلول وعلته الضرر والضرر غير موجود، هاتان الصورتان هما مورد الافتراق.

وهناك صورة ثالثة التي هي مورد الاجتماع وهي ما إذا كان شريكان فقط وباع أحدهما على من نعلم بسوء معاملته بحيث أنه يتضرر منه هذا الشريك الأول السابق الذي لم يبع، فهنا مورد اجتماع.

حاصل الكلام: بأن النسبة بين لا ضرر وبين حديث الشفعة هي نسبة العموم والخصوص من وجه فيلتقيان في مورد وهو ما إذا كان هناك شريكان فقط وباع أحدهما على من يعلم بسوء معاملته، ويفترقان في موردين كل منهما يفترق، فالشفعة تفترق فيما إذا كان هناك شريكان وباع أحدهما على شخص محسن بارٍ متقي ورع هنا توجد الشفعة ولا يوجد الضرر والضرر يفترق من جهة أخرى ولا شفعة فيما إذا كان هناك أكثر من شريكين وباع أحد الشركاء على من يعلم بسوء معاملته فهنا يوجد ضرر ولا يوجد حق الشفعة.

إذاً الناتج: لا يصح إدراج الحكم بثبوت حق الشفعة تحت كبرى قاعدة لا ضرر ولا ضرار، ظاهر الجمع الموجود عندنا هو أن الشفعة صغرى من صغريات لا ضرر ولا ضرار، هي عُللت بها، هذا ظاهر الجمع، وهو يتنافى في مقام الإثبات مع ما ذكرناه، يعني لا يصلح أن تكون الشفعة صغرى من صغريات لا ضرر ولا ضرار، لأنها تفترق عنه كما بينا.

الإشكال الثاني: الذي أفاده السيد الخوئي ولعل أصله أيضاً المحقق النائيني ولكن ببيان من السيد الخوئي ولعله بيان أمتن وأوضح لأن بيان المحقق النائيني في مقام لعله لا يخلو من إجمال.

هذا البيان هكذا: أنه لا ضرر مفادها هو نفي الحكم، تقول: لا ضرر مفادها هو نفي الحكم، ونفي الحكم هناك اختلاف بين الشيخ والمحقق الآخوند، الشيخ يقول: هو نفي الحكم الضرري، فالنفي متوجه إلى نفس الحكم مباشرة، المحقق الآخوند يقول: النفي متوجه إلى الموضوع الضرري، يعني نفي الموضوع الضرري، فيكون المراد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع هذا الفرق، أن الشيخ الأنصاري (ره) يرى أن مفاد قاعدة لا ضرر هو نفي الحكم الضرري والمحقق الآخوند يقول: التوجه نفي الموضوع الضرري ولكن المراد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الضرري، على اختلاف بينهما، وهذا سيأتي بحثه إن شاء الله.

شيخ الشريعة قال: إن (لا) هنا ليست نافية بل ناهية كما أشرنا سابقاً.

بناءً على أن المستفاد من لا ضرر هو نفي الحكم سواء كان نفي حكم الضرر مباشرة أو بلسان نفي موضوعه، المهم أن المستفاد منها النفي، وهو يكون إذا تحقق الضرر، يعني نفي الحكم الضرري أو نفي الحكم بلسان نفي موضوعه إذا تحقق الضرر ننفي ما يسبب الضرر، وما يسبب الضرر أحد أمرين: إما أصل البيع يسبب الضرر، أصل بيع الشريك لثالث ينشئ منه الضرر، وإما لزوم البيع، أصل البيع إذا كان يتسبب منه الضرر نفس البيع يكون ضررياً فمقتضى القاعدة أن نقول ببطلان البيع لأنه نفي الحكم الضرري أو نفي الموضوع الضرري ونفي الحكم بلسان نفي موضوعه، فمقتضى القاعدة إذا كان الضرر ينشئ من أصل البيع أن نقول ببطلان البيع ونتمسك بلا ضرر، وإن كان الضرر ينشئ من لزوم البيع، يعني الحكم بلزوم هذا البيع من قبل الشارع هو الذي يلزم منه الضرر ليس من أصل البيع، من نفس اللزوم، مقتضى القاعدة أن نقول برفع اللزوم نفي اللزوم، بما أن اللزوم ينشئ منه الضرر فنقول بأن هذه المعاملة جائزة وليست لا زمة وللشريك الأصلي الأول له حق الفسخ، المهم ينتفي اللزوم، تكون هذه المعاملة جائزة وليست لازمة، هذا مقتضى لا ضرر باعتبار أن مفادها النفي.

وأما ما أُريد في المقام هو إثبات حق الشفعة، وحق الشفعة هنا يثبت للشريك ليتدارك ما سيقع عليه من الضرر فهو جبران بالنسبة له، هذا الإثبات إثبات حق الشفعة لا يستفاد من لسان لا ضرر، بل يفترض أنه يستفاد من دليل آخر وليس من لا ضرر لأنه لما ذكرنا بأن لا ضرر لسانها لسان نفي فهي إما أن تنفي الحكم الضرري وإما أن تنفي الحكم الضرري بلسان نفي موضوعه، وبما أن الموضوع ضرري فينتفي الحكم، لسان نفي الحكم بلسان نفي موضوعه الضرري، أما إثبات حق الشفعة فالشفعة هذا إثبات لسان لا ضرر ليس لسان إثبات بل لسان نفي، فهذا الإثبات لا يستفاد من لا ضرر.

وبعبارة أخرى: أنه لا يُعلل جعل حق الشفعة لجبران الضرر وتدارك الضرر بلا ضرر، حق الشفعة أريد منه جبران الضرر وتدارك الضرر بأن ينقل الشريك الأول المبيع إلى ملكه، طبعاً بنفس الثمن الذي اشتراه الثالث، هذا ليس مستفادا من نفس أدلة نفي الضرر فإنها لا تدل على جعل حكم يتدارك به الضرر غايتها نفي الحكم الضرري.

الإشكال الثالث: أورده المحقق السيد الروحاني (ره) في المنتقى ذكره من جملة الإشكالات، حاصل هذا الإشكال: يقول: بأن لا ضرر يفترض أنها تنفي الحكم أو الموضوع الآن بغض النظر عن هذه الجهة، المهم تنفي الضرر الفعلي، وهذا الضرر الفعلي غير متحقق في المقام بمعنى فعلاً عندما باع أحد الشريكين إلى ثالث لم يتحقق الضرر فعلاً ف يبيع حصة الشريك لغير شريكه، وإنما قد يتحقق الضرر في المستقبل أما الآن لم يتحقق ضرر، في المستقبل قد يتحقق، إذا كان الشريك الجديد سيء الخلق سيء المعاملة وغير ذلك يتحقق منه الضرر، فالبيع يكون مقدمة إعدادية للضرر التي قد يترتب عليها الضرر، ولم يتحقق الضرر الفعلي، في مثل هذا لا يمكن أن نقول بأنه يرتفع بلا ضرر، لأن المفروض أن لا ضرر ترفع الضرر الفعلي والحكم الضرري الفعلي أو الموضوع الضرري الفعلي، فهنا يكون أشبه ما يكون مثل من باع سكيناً هذا البيع في نفسه ليس ضررياً ولكن ربما يترتب عليه الضرر كما لو ساء المشتري استعمالها فقتل بها أو جرح بها مثلاً، في مثل هذا المثال هل نقول ببطلان البيع أو بلزوم البيع مثلاً لأنه يحصل منه الضرر أو لأنه مقدمة إعدادية للضرر الذي قد يترتب عليه؟ لا نقول كذلك، ومنا نحن فيه من هذا القبيل.

ملخص الإشكال الثالث: هو أن لا ضرر تنفي الضرر الفعلي وأما الضرر الاستقبالي الذي قد يترتب فلا تنفيه لا ضرر، الشفعة موجودة إذا كان هناك شريكان فقط فالشفعة موجودة ومع ذلك لم يترتب الضرر الفعلي، الضرر الفعلي غير متحقق فكيف تكون لا ضرر تعليل إلى حق الشفعة، بل لا تكون تعليلاً لها.

هذه إشكالات ثلاثة ولعلها الأهم في المقام التي في نتيجتها تؤيد ما ذهب إليه شيخ الشريعة من كون لا ضرر قضاء مستقل وليس قضاءً مرتبط بحديث الشفعة، هذا ما يرتبط بحديث الشفعة، وللحديث بقية إن شاء الله.