الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/04/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

 

تلخيص ومناقشة ما أفاده شيخ الشريعة الأصفهاني (ره):

يمكننا أن نلخص كلام شيخ الشريعة الأصفهاني (قده) في أمور لتكون أكثر وضوحاً، وأوضح في المناقشة أيضاً، والترتيب يكون منا ليس كما رتبه:

الأمر الأول: وثاقة عبادة ابن الصامت الذي روى أقضية الرسول صلى الله عليه وآله في حديث جامع كما في مسند أحمد، وأنه متقن ضابط بحسب الاستقراء في رواياته ولرواياته، وأنه كما قيل من أجلاء الشيعة ومن أوائل الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

الأمر الثاني: أن الحديث الجامع لأقضية الرسول صلى الله عليه وآله كان معروفاً عند الفريقين الشيعة والسنة، ومن طرف الشيعة ما رواه عقبة بن خالد ومن طرف السنة ما رواه عبادة بن الصامت.

الأمر الثالث: أن أقضية الرسول صلى الله عليه وآله كانت مجتمعة في رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام كما هو الحال في رواية عبادة بن الصامت، إلا أن أئمة الحديث فرّقوها على الأبواب وبهذا السبب وقعت لا ضرر في ذيل الحديثين المذكورين حديث الشفعة وحديث لا يمنع فضل ماء.

الأمر الرابع: مطابقة ما روي في طرقنا لما روي في طرق العامة إلا في حديثي الشفعة ولا يمنع فضل ماء، حيث أضيف لهما عندنا في طرقنا جملة لا ضرر ولا ضرار، وفي رواية عبادة لم تضف هذه العبارة بعد هذين الحديثين وإنما ذُكرت مستقلة، هذه المطابقة تؤكد الوثوق أن الحديثين في الأصل كانا متطابقين مع ما رواه عبادة أي من دون تذييل بلا ضرر، نفس مطابقة ما روي عندنا مع ما روي عندهم يؤكد الوثوق بأن حديث الشفعة وحديث لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء، هذا الحديثان وردا بدون التذييل بلا ضرر، وإنما وردت لا ضرر مستقلة، هذه المطابقة تؤكد هذا المعنى.

الأمر الخامس: أن ظهور كون هذا الذي متصلاً بالحديثين، يعني لا ضرر متصل بحديثي الشفعة ولا يمنع فضل حال صدوره عن الرسول صلى الله عليه وآله، هذا الظهور ليس ظهوراً لفظياً، يعني الآن عندما نقرأ حديث الشفعة بحسب روايتنا فذيّل حديث الشفعة مباشرة قال: إنه وقال لا ضرر ولا ضرار، هذا ظاهر في اتصال لا ضرر ولا ضرار بالحديثين، ولكن هذا الظهور ليس ظهوراً لفظياً وضعياً حتى لا يُرفع اليد عنه إلا بظهور أقوى منه، بل هو ظهور ضعيف يرتفع بالتأمل فيما ذكرناه من القرينة الخارجية ومطابقة ما روي عندنا مع ما روي عندهم.

فإذاً بأدنى تأمل يرتفع هذا الظهور، ظهور أن لا ضرر جاء متصلاً في لسان الرسول صلى الله عليه وآله وفي حال صدور حديث الشفعة وحديث لا يمنع فضل ماء، ظهور الاتصال ليس ظهوراً لفظياً وضعياً حتى لا يمكن أن نرفع اليد عنه إلا إذا وجد ظهور أقوى منه، بل هذا ظهور ضعيف يرتفع بالـتأمل فيما ذكرناه من القرائن، مع هذا التأمل يرتفع ظهور لا ضرر في الاتصال، نقول: إنها ليست متصلة بل هي مستقلة.

هذه دعاوى خمس أثارها شيخ الشريعة، هذا ملخصها، وبعد هذا التلخيص نأتي إلى المناقشة وبعضها قدمناه ولكن الآن باعتبار إعادة الفهرسة بهذا الشكل لا بأس أن نمر سريعاً على ما ذكرناه.

أما بالنسبة إلى الدعوى الأولى: وهي وثاقة عبادة ابن الصامت، فهي وإن سلمنا وثاقته وكونه من أجلاء شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، لكن يرد أولاً: أن هذا لا يكفي لاعتبار الرواية لجهالة رواة العامة الموجودين في سلسلة السند، يعني عدم توثيق من أحمد بن حنبل أو من ابنه إلى عبادة بن الصامت، هؤلاء غير موثقين عندنا وقسم منهم مجهول عندنا، فهب أن عبادة كان ثقة ومن أجلاء الشيعة وهو ضابط ومتقن كل ذلك مقبول ولكن هذا لا يكفي لاعتبار الرواية، تبقى أن الراوية مخدوشة بجهالة رواة العامة الذين لم نعرفهم عندنا أو لم يحصل توثيق فيهم.

ثانياً: أن رواية عبادة المطولة الواردة في مسند أحمد كما ذكرنا في الدرس السابق غير معتبرة بحسب موازين العامة أنفسهم، يعني بغض النظر عن الإشكال الأول أنه غير معتبرة بحسب الموازين عندنا نقول: ثانياً أنها غير معتبرة بحسب الموازين الموجودة عندهم، فإن الراوي عن عبادة وهو إسحاق بن يحيى بن الوليد إما الوليد ابن عبادة أو ابن أخيه على كلا التقديرين فإسحاق لم يدرك عبادة، كما نص على ذلك غير واحد من علمائهم ونقلنا كلماتهم في ذلك، فالرواية تعتبر منقطعة أو مرسلة ولهذا ابن ماجة عندما نقل جملة لا ضرر هو نقل فقط لا ضرر من حديث عبادة ولم ينقل غيرها من بقية الحديث، وعلق على ذلك أنه في حديث عبادة هذا إسناد رجاله ثقاة إلا أنه منقطع، لأن إسحاق بن الوليد قال الترمذي وابن عدي لم يدرك عبادة ابن الصامت، وقال البخاري: لم يلق عبادة، وغير أولئك أيضاً فلا نعيد.

فرواية عبادة بن الصامت غير معتبرة لا عندنا ولا بحسب موازينهم حتى نجعلها فيما بعد قياساً وميزاناً لروايتنا، هذه بالنسبة للدعوى الأولى.

أما الدعوى الثانية: قال الحديث الجامع لأقضية الرسول صلى الله عليه وآله حديث معروف عند الفريقين، هذه الدعوى يرد عليها ما ذكرناه سابقاً مما أفاده بعض الأعاظم (حفظه الله) بما حاصله أن دعوى معروفية أقضية النبي صلى الله عليه وآله مجتمعة عند العامة برواية عبادة فهذه الدعوى لم تقترن بشاهد أصلاً، بل ربما كانت الشواهد على خلافها، ويظهر ذلك بملاحظة سند الحديث ومصدر الحديث.

أما السند: فعبادة تفرد بالنقل عنه إسحاق بن يحيى، وتفرد بروايتها عن إسحاق موسى بن عقبة، فليس لها حظ من الشهرة الروائية، فحتى تكون معروفة لا أقل إن ينقلها ثلاثة أشخاص أو أربعة، أما أمن ينقلها واحد وينقلها عنه واحد فهذه واضح أنها ليست مشهورة.

أما من حيث المصدر: فهذا الحديث لم يوجد في طوله في مجاميعهم الحديثية المهمة كالصحاح الستة، بل لم يُنقل في صحاحهم جملة لا ضرر فضلاً عن غيرها إلا في سنن ابن ماجة كما ذكرنا، كما أن كثير من فقراتها الأخرى غير مذكورة فيها فكيف يُدعى مع ذلك شهرته ومعروفيته عندهم، هو ورد في مسند أحمد وصحيح ابن عوانة ومعجم الطبراني ولكن هذه الكتب الثلاثة ليست بتلك الأهمية والاعتبار عندهم، ليست بدرجة الصحاح الستة.

فإذاً دعوى أنها مشهورة ومعروفة عندنا وعندهم غير معلومة، هذا بالنسبة إلى الدعوى الثانية.

أما الدعوى الثالثة: قلنا بأن أقضية الرسول صلى الله عليه وآله كانت مجتمعة في رواية عقبة، ولكن أئمة الحديث فرقوها على الأبواب ولما فرقوها على الأبواب وقعت لا ضرر في ضمن حديثي الشفعة وحديث لا يمنع فضل ماء، هذه الدعوى وإن كانت في حد نفسها يمكن قبولها ولا تكون بعيدة، يعني يمكن أن نقول: بأن رواية عقبة بالقضايا الموجودة في رواياتنا طبعاً ليست في جميع ما رواه عبادة، عقبة روى مجموعة من الأقضية، يعني عندما تجتمع ربما تكون سبعة أقضية فيكون تقريباً قرابة ثلث ما رواه عبادة، هذه نقطة الآن لا ندخل فيها، نريد أن ندخل في أن أصل دعوى أن رواية عقبة بالأقضية التي وصلت إلينا كانت رواية مجتمعة يعني رواية واحدة تشتمل على هذه القضايا كلها، ولكن أئمة الحديث فرقوا الرواية على الأبواب، أصل هذه الدعوى يمكن قبولها فلا تكون بعيدة جداً، وذلك بعد أن نلاحظ جهة الأسانيد وجهة الطريق، ولكن النتيجة المترتبة عليها لا نقبلها، يعني بما أن أئمة الحديث فرّقوا رواية عقبة على حسب الأبواب وضعوا لا ضرر بعد حديث الشفعة وبعد حديث لا يمنع فضل ماء، فيكون هذا بسبب أئمة الحديث، هذا لا نقبله، يعني أصل الدعوى تتضمن بأنه كانت الأقضية متفرقة كما هو الحال في رواية عبادة، حديث الشفعة فقرة (أ) وحديث فضل ماء فقرة (ب) وحديث لا ضرر فقرة (ج) وهكذا كانت مجتمعة، ولما فرقت جعلت لا ضرر عقيب حديث الشفعة أو عقيب لا يمنع فضل ماء، هذه النتيجة التي رتبت على دعوى التفريق هذه لا نقبلها، يعني نقول: وإن كنا يمكن أن نقبل دعوى أن رواية عقبة كانت تجمع جميع هذه القضاياً التي رواها عقبة وليست التي رواها عبادة، جميع القضايا التي رواها عقبة نسلم ونقبل أنه كانت رواية واحدة تضم هذه الأقضية السبعة، وفي أثناء التدوين فرق علماء الحديث الراوية على حسب الأبواب، هذه الدعوى في حد نفسها يمكن قبولها ولكن النتيجة التي رتبت على هذه الدعوى غير مقبولة، وهي أنه بسبب هذا التفريق جعلت لا ضرر عقيب حديث الشفعة كأنها متصلة بها، وعقيب لا يمنع فضل ماء كذلك، هذه الدعوى غير مقبولة.

وذلك: أنه نسأل، لو كان كذلك ما هو الداعي للتكرار في الموردين؟ إذا كان أئمة الحديث فرقوا وحين فرقوا أضافوا لا ضرر فهم يفرقون الجمل بحسب الأبواب فلماذا جعلوا لا ضرر عقيب حديث الشفعة وعقيب حديث لا يمنع فضل ماء، يكتفى في التفريق أن تذكر مرة واحدة، أما أن تذكر هنا وهناك فهذا غير صحيح.

فنقول: لو كان لا ضرر وردت مرة واحدة في ضمن القضايا والأقضية التي أوردها عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام لكان المناسب للتفريق أن تذكر مرة واحدة مستقلة في باب الضرر والضرار، أو تذكر في حديث واحد، أما انها تذكر مرتين فهذا يبعد أن إضافة لا ضرر عقيب الحديثين كان ناشئاً من أصل التفريق، لو لم تكن في أصل الرواية كذلك، نقول: ظاهر تكرارها مرتين يفيد بأن في الموردين وعدم ذكرها مستقلة يفيد بأن لا ضرر كانت متصلة بالحديثين، ولم تكن منفصلة ومستقلة عنهما، وبالخصوص إذا لاحظنا حديث الشفعة، فحديث الشفعة أولاً أثبت حق الشفعة للشركاء ثم عقب بلا ضرر ثم عقب بجملة ثالثة، وإذا حدت الحدود وأرفت الأرف فلا شفعة، فجعلت لا لضرر معترضة بين جملتين تتصلان بحديث الشفعة، وهذا يؤكد بأن الناقل ملتفت، وأن لا ضرر هذا موضعها، لو كانت مستقلة لذكرت أولاً حديث الشفعة ثم يذكر الجملة إذا حدت الحدود ثم تذكر لا ضرر، هذا لو كانت لا ضرر مستقلة ووقعت هنا غفلة، أما أن توضع بين الجملتين هذا يكشف عن أن لا ضرر كانت متصلة بحديث الشفعة.

ثانياً: يمكن أن يقال: بأن اتحاد روايات عقبة المتفرقة في الأبواب في السند لا يدل على أن الرواية في الأصل واحدة، دعوى التفريق إحدى قرائنها لا أقل أن الراوي عن عقبة والراوي عن الراوي عن عقبة واحد في الجميع، هذه الدعوى تؤكد أن الطريق نلاحظ أنه في أحاديث عقبة التي نقلها شيخ الشريعة في موارد متعددة نلاحظ أن الراوي واحد محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة، هذا السند الواحد في الجميع يكشف بحسب الدعوى طبعاً عن كون الرواية واحدة وفُرّقت، نقول: بأن اتحاد روايات عقبة المتفرقة في الأبواب في السند لا يدل ولا يكشف عن أن الرواية كانت في الأصل واحدة، وذلك: عندنا احتمال آخر وهو أن عقبة عنده كتاب وهذا الكتاب رواه للشيخ الكليني هذا السند محمد بن يحيى عن فلان عن محمد بن الحسين عن عقبة، هذا السند إلى الكتاب وليس منحصر لخصوص الرواية فالكليني عندما ينقل أي رواية من روايات هذا الكتب فسوف ينقلها بنفس هذا السند، فاتحاد هذا السند في روايات عقبة لا يكشف عن أن الرواية كانت واحدة وفرقت، بل ربما يكون روايات متعددة وموجودة بطريق واحد كل هذه الروايات التي بهذا السند موجودة في الكتاب بطريق واحد، فعندما ينقل الكليني أو الشيخ عن الكتاب من الطبيعي سينقل بنفس السند.

هذا المعنى ليخرج من الدعوى إلى الإثبات، نقول: بأن الشيخ الطوسي ذكر في كتابه الفهرست كتاباً إلى عقبة وطريقه إليه ينتهي إلى محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال الذي يروي عن عقبة يعني نفس طريق الشيخ إلى كتاب عقبة هو نفس طريق رواية حديث الشفعة، ونفس طريق رواية لا يمنع فضل ماء، ونفس طريق روايات أخرى لا تتصل بباب الأقضية، فالشيخ الطوسي في الفهرست قال هكذا: (عقبة بن خالد له كتاب أخبرنا به جماعة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة)، إذاً محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال اللذان رويا حديث الشفعة وحديث لا يمنع فضل ماء هما أيضاً رويا كتاب عقبة، فمن المحتمل جداً أن الشيخ أو الكليني عندما ينقلان روايات عقبة في أبواب متفرقة فهم لا لأن الرواية كانت واحدة وفرقوها على الأبواب بل لأنهما يرويان كتاب عقبة بهذا الطريق، فمن الطبيعي عندما ينقلان حديث الشفعة بهذا الطريق وكذلك لا يمنع فضل ماء أو ما يتعلق بالأقضية أو في غير أبواب، أيضاً عن نفس الطريق، فإذاً ربما هكذا دعوانا في قبال شيخ الشريعة، أنك قلت ما مضمونه بأن اتحاد الطريق والسند في روايات عقبة في الأقضية يكشف عن أن هذه الرواية كانت رواية واحدة جامعة للأقضية وفرقها الأصحاب علماء الحديث، هذا المعنى لا نقبله في الأساس.

نقول: من المحتمل جداً بأن الشيخ الكليني كان ينقل من كتاب عقبة الواصل إليه بهذا الطريق، فمن الطبيعي أن ينقل كل رواية فيه بهذا الطريق، فلا يكشف اتحاد الطريق عن اتحاد الرواية، بل يكشف عن اتحاد الكتاب، فهذه الدعوى الثالثة ممنوعة أيضاً، وفي الحديث بقية.