الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

مناقشة طوائف الروايات:

تقدم الكلام عندنا في أصل مدرك القاعدة، وقلنا: بأن العمدة فيه الروايات، واستعرضنا طوائف الروايات، واتضح من خلال ما تقدم، أننا قلنا باعتبار رواية سمرة بن جندب بطريق عبد الله بن بكير عن زرارة، وأيضاً باعتبار رواية عقبة بن خالد، سواءً في حديث الشفعة أو في حديث لا يُمنع فضل ماء ليُمنع فضل كلاء، وهذه الروايات المعتبرة لا يوجد فيها إلا لا ضرر ولا ضرار، يعني لا توجد فيها الزيادة في الإسلام ولا توجد فيها الزيادة على مؤمن.

وأيضاً لا يمكن أن نستفيد حجية الزيادة التي فيها (في الإسلام) أو (على مؤمن) من خلال دعوى التواتر، لأنه كما تقدم عندنا لا يوجد تواتر في المقام، ولو فرض التواتر فيفرض في خصوص الجملتين (لا ضرر ولا ضرار) ولا يوجد تواتر بإضافة على الإسلام ولا إضافة على مؤمن.

إذاً لا من جهة السند تتم الزيادة ولا من جهة دعوى التواتر تتم الزيادة، حتى لو ضممنا روايات العامة لرواياتنا، فعليه: تنتفي جملة من الأبحاث المرتبطة بذلك.

فمثلاً: من جملة الأبحاث التي بُحث فيها بحثاً مطولاً، والبحث في نفسه مفيد ولكن لا نحتاج إليه في المقام بالخصوص، وهو أنه الأصل عدم الزيادة أولا؟ يعني عندما تتعارض الروايتان رواية فيها الزيادة ورواية ناقصة، فما هو الأصل في ذلك، هل هو أصالة عدم الزيادة أو لا؟ هذا البحث كله ينتفي لأنه أساساً لا يوجد عندنا ما يدل على اعتبار في الإسلام حتى الآن نأتي ونناقش أنه هل الزيادة في الإسلام موجودة أو هي المقدمة على النقيصة أو لا؟ هذه الأبحاث المرتبطة بهذا الجانب تنتفي.

أيضاً ينتفي بحث أنه هل مدلول لا ضرر ولا ضرار النفي كما هو معروف؟ يعني نفي الحكم الضرري أو نفي الموضوع بالحكم الضرري في الإسلام؟ أو المقصود النهي، يحرم الضرر والإضرار، يعني لا تضر غيرك مثلاً، هذا البحث سيأتي من حيث المدلول وهو بحث مهم، ولكن نقول الذي ينتفي هو أن أحد الموانع من حمل الرواية على النهي التكليفي هو وجود كلمة في الإسلام، لأن كلمة في الإسلام لا تتفق مع النهي التكليفي، يعني يقول: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، يعني لا تضر في الإسلام، هذا لا معنى له، فلهذا قالوا: بأن لا ضرر هنا نافية وبهذه القرينة لا نحملها أصلاً على النهي التكليفي.

هذه القرينة بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها أساساً منتفية، يعني لو وجدت هذه القرينة في دليل معتبر، يمكن أن نناقش بأنها هل تكون قرينة على إرادة النفي وقرينة على عدم إرادة النهي التكليفي أو لا؟

أما إذا هي في الأساس غير موجودة ولا توجد عندنا في الروايات المعتبرة كلمة (في الإسلام) فهذه القرينة تنتفي، فالبحث من هذه الجهة ينتفي.

الكلام الآن الذي يكون في ذيل مدرك القاعدة، ويرتبط بمدرك القاعدة، هذا البحث وهو بحث مهم، وهو أنه في رواية الشفعة على حسب ما قرأنا الرواية (قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في الشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا ضرار، وقال: إذا رفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة) هنا يأتي سؤال، وهو هل هذه الرواية رواية واحدة جاءت بهذا المضمون ونقلها عقبة بن خالد بهذا اللفظ؟ يكون كلام الإمام الصادق عليه السلام في نقله عن الرسول صلى الله عليه وآله وكله مجتمع في رواية واحدة وعقبة بن خالد روى ذلك؟ وهكذا الحال بالنسبة لرواية فضل الماء، يقول عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يُمنع نقع الشيء وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء، وقال: لا اضرر ولا ضرار) هل هذا كله في رواية واحدة ونقلها عقبة بن خالد عن الإمام عليه السلام؟ أو هاتان في الواقع روايتان وجمع بينهما عقبة بن خالد؟ يعني الإمام الصادق عليه السلام نقل عن الرسول صلى الله عليه وآله بعض أقضيته، ففي مورد قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وفي مجلس آخر أيضاً نقل عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قضى الرسول صلى الله عليه وآله لا ضرر ولا ضرار، فتكون هذه رواية وتلك رواية أخرى، ثم جاء عقبة بن خالد وحدث بما سمعه عن الإمام الصادق عليه السلام مجتمعاً، فيكون من باب الجمع بين الروايتين، رواية فيها عن الشفعة ورواية فيها لا ضرر ولا ضرار، فجمع بين الروايتين، فهل اجتماع هاتين الجملتين من باب الجمع بين الروايتين أو من باب الجمع بين المرويين؟ الجمع بين المرويين معناه أن الإمام عليه السلام هو الذي جمع بينهما وهو حدث بهما مجتمعين، وعقبة بن خالد نقل ما سمعه بالتمام والكمال عن الإمام، هذا نسميه الجمع بين المرويين والجمع بين الروايتين أن الإمام عليه السلام حدّث بحديث في مجلس وحدث بحديث في مجلس آخر ولكن عقبة بن خالد حينما روى روى هذه الأحاديث جمعاً؟ هذا بحث مهم.

سبب هذا البحث: هو أن شيخ الشريعة الأصفهاني (ره) اختار على عكس ما اختاره الشيخ الآخوند (ره) هو اختار أن (لا) هنا لا ناهية وليست نافية، وهذا يترتب عليه مباحث مهمة سيأتي فيما بعد التعرض للمدلول وما يترتب عليه، في الفقه يختلف كثيراً عندما نقول هذه (لا) ناهية أو نقول إنها نافية، وشيخ الشريعة (ره) قال: بأن (لا) هنا ناهية وليست نافية، هذه (لا) الناهية يقول شيخ الشريعة: هي دعوى عظيمة كما سنقرأ عبارته، ولها آثار في الفقه مختلفة، ولكن تصطدم هذه الدعوى بحديث الشفعة وبحديث لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء.

طبعاً لا تصطدم مع حديث سمرة فحديث سمرة في سياقه الذي قرأناه يمكن أن تكون (لا) ناهية ويمكن أن تكون نافية، ففي حديث سمرة لما امتنع سمرة عن الاستئذان وعن البيع وعن رفعها من مكانها، قال الرسول صلى الله عليه وآله لما خاطب الأنصاري: خذها واقلعها وارمها إليه لا ضرر ولا ضرار، هنا يمكن أن تكون نافية ويمكن أن تكون ناهية، لما نعلل لماذا أمر بالقلع؟ لأنه يحرم الضرر، لأن الضرر منهي عنه، والمعنى تام، فيقول: بالنسبة إلى حديث سمرة لا إشكال يواجهنا عندما نحمل (لا) على الناهية.

ولكن الإشكال الذي نواجهه في حديث عقبة، سواء في الشفعة أو في فضل ماء، هذا الإشكال ما هو؟

الشفعة حكم وضعي وليست حكماً تكليفياً، إذا كان هناك شريكان وغير مقتسمين فيما بينهما هذه الأرض مثلاً وباع أحد الشريكين قسمه على ثالث فهنا الشريك الآخر له حق الشفعة، هذا حق الشفعة حكم وضعي يثبت له حق الشفعة، كما نقول هذا صحيح أو هذا فاسد، حق الشفعة أيضاً حكم وضعي وليس حكماً تكليفياً كالحرام والواجب، بما أن الشفعة حكم وضعي لا يُعلل بحكم تكليفي، تقول: لك حق الشفعة لأنه يحرم أن تضر غيرك، لك حق الشفعة لأنه لا تضر غيرك، لا يُعلل بالنهي التكليفي.

إذاً هذا إشكال يواجهه شيخ الشريعة: أنت لما اخترت لا ناهية، نسألك لماذا عُلل بالحكم التكليفي وهذا حكم وضعي؟ والحكم الوضعي لا يعلل بهذا الحكم التكليفي.

أيضاً بالنسبة إلى الحديث الثاني، فهو يقول: قضى صلى الله عليه وآله بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء، وقال: لا ضرر ولا ضرار، هنا إذا حملنا لا على النهي التكليفي أيضاً يواجهنا إشكال، وهو أن المعروف المشهور عندهم بأن منع فضل الماء مكروه وليس بمحرم، يعني لو كان عند شخص بئر له يملكه وبالطبع أنه يستفيد من هذا البئر بمقدار ما يسقي به زرعه وغنمه، عنده ماء فائض زائد، فلو جاء آخر وأراد أن يسقي غنمه منه هنا لا يحرم عليه أن يمنعه فهذا البئر ملكه ولا يحرم عليه منعه، ولكن يكره له، لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء، هذا المعروف عندهم هو الحكم بالكراهة، وهذا الحكم بالكراهة كيف يُعلل بحكم تحريمي، تقول: يكره منع الماء لأنه يحرم الإضرار بالغير، لا يصح التعليل، فإذاً حمل (لا) على الناهية في حديث لا يمنع فضل ماء يبتلي بإشكال، وفي حديث الشفعة أيضاً يبتلي بإشكال.

لهذا تحيّر شيخ الشريعة لمدة في مختاره كما سنقرأ عبارته فيما بعد اتكون واضحة، تحير بأنه هو من جهة يختار ويميل إلى (لا) الناهية، ومن جهة يبتلي بهذين الإشكالين، فما هو الحل؟ بعد التفكير والتأمل والتحقيق والتمحيص وصل إلى هذا الرأي: قال: بأن هاتين الروايتين من باب الجمع بين الروايتين، وليست من باب الجمع بين المرويين، بمعنى أن الإمام عليه السلام كما ذكرنا، ذكر في مجلس وقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بين الشركة بالشفعة، وفي مجلس آخر أيضاً نَقَلَ بأن النبي صلى الله عليه وآله قضى بأنه لا ضرر ولا ضرار، وعقبة بن خالد جمع بينهما في مقام التحديث أو في مقام كتابة كتابه جمع بينهما.

إذاً لا ضرر ولا ضرار ليست تعليلاً لحكم الشفعة حتى يتجه الإشكال أن الشفعة حكم وضعي فكيف يعلل بالنهي التكليفي، لا يتجه هذا الإشكال لأنه أساساً ليست تعليلاً له فهذه في مورد وتلك في مورد آخر، فلا إشكال، لا ضرر ولا ضرار لوحدها في الواقع فتحمل على النهي التكليفي.

أيضاً بالنسبة لقوله لا يمنع فضل ماء، في موردٍ قضى فيه بين أهل البادية لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء، في موردٍ آخر قضى لا ضرر ولا ضرار والإمام عليه السلام نقل ذلك وعقبة جمع بينهما، إذاً: ليس (لا ضرر ولا ضرار) تعليل لحكم (لا يمنع فضل ماء) حتى يقال: إنّ لا يمنع فضل ماء مكروه كيف يُعلل بحرمة الإضرار؟

فإذاً توصَّل شيخ الشريعة إلى أن هذا من باب الجمع بين الروايتين فلا إشكال في حمل (لا ضرر) على النهي، يعني لا يتجه لنا هذا الإشكال، هذا حاصل ما أفاده شيخ الشريعة الأصفهاني، وصار هذا البحث من المباحث المهمة في مسألة لا ضرر لأنه يترتب عليه أمور كثيرة في الفقه، عندما نحمل على النهي التكليفي، يعني لما نقول إن لا ضرر يستفاد منها حكم ثانوي ينتفي منها أحكام كثيرة في حال حصول ضرر فهذه الأبحاث كلها تنتفي إذا قلنا بأن لا ضرر ناهية، فلهذا صار هذا المبحث من المباحث المهمة.

طبعاً شيخ الشريعة لم يقل هكذا فقط بمجرد أنه تخيل هذا أو بمجرد أنه جمع تبرعي ليصل إلى هذه النقطة، بل أقام شواهد على ذلك، والشواهد الآن سنذكرها، ولكن مجملة بأن هذه الأقضية عن الرسول صلى الله عليه وآله وردت عند العامة ووردت عند الخاصة، ولما نلاحظها عند العامة نرى أنه رواها عبادة بن الصامت ورواها كأقضية، واضح أنه ينقل أقضية وليست كلها وقعت في يوم واحد وفي وقت واحد، هي أقضية في عدة موارد وينقلها، هذه بعينها تقريباً أو تحقيقاً كلها أو بعضها أو جلّها وردت عندنا عن عقبة بن خالد عن الإمام الصادق عليه السلام.

فإذاً هي هذه الأقضية التي رواها العامة والخاصة كلٌ بطريقه، رووها كأقضية مختلفة في أزمنة مختلفة للنبي صلى الله عليه وآله، ونقلها هذا الراوي عنه، بهذه القرينة وسيأتي التتبع في ذلك، بهذه القرينة أثبت بأن هذه الرواية من باب الجمع بين الروايتين.

قبل أن نذكر عبارة شيخ الشريعة الأصفهاني، لا بأس أن نعيد ذكر الروايتين بالسند، حتى ندقق فيما بعد على السند الكافي رواها (محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين أي ابن أبي الخطاب عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في الشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا ضرار، وقال: إذا رُفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة)

فالسند لاحظنا محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد.

الرواية الأخرى: حديث لا يمنع فضل ماء أيضاً رواها الكليني الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد، فإذاً كلتا الروايتين السند واحد، هنا عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد، وهناك كذلك، ففيها محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد.

لي غرض في ذكر هذا السند ليكون الآن في بالكم.

عبارة شيخ الشريعة: يقول: الفصل السابع من رسالته لا ضرر في الصفحة 18، يقول: (إن الراجح في نظري القاصر إرادة التكليفي من حديث الضرر، وكنت أستظهر منه عند البحث عنه في أوقات مختلفة إرادة التحريم التكليفي فقط، إلا أنه يثبطني من الجزم به حديث الشفعة وحديث النهي عن منع فضل الماء، حيث إن اللفظ واحد ولا مجال لإرادة ما عدا الحكم الوضعي في حديث الشفعة، ولا التحريم في النهي عن فضل الماء، بناءً على ما اشتهر بين الفريقين من حمل النهي على التنزيه، فكنت أتشبث ببعض الأمور في دفع الإشكال إلى أن استرحت في هذه الأواخر وتبين عندي أن حديث الشفعة والناهي عن منع الفضل لم يكونا حال صدورهما من النبي صلى الله عليه وآله مذيلين بحديث الضرر، وأن الجمع بينهما وبينه جمع من الراوي بين الروايتين صادرتين عنه صلى الله عليه وآله في وقتين مختلفين، وهذا المعنى وإن كان دعوى عظيمة وأمراً يثقل تحمله على كثيرين ويأبى عن تصديقه كثير من الناظرين، إلا أنه مجزوم به عندي، وإنما أثبته في هذه الأوراق رجاء تصويب بعض الباحثين وترك الاحتجاج به في المواضع المعروفة عند المتأخرين واندفاع جملة من الإشكالات التي نبهنا عليها ولم نذكرها، فنقول: يظهر بعد التروي والتأمل التام في الروايات أن الحديث الجامع لأقضية رسول الله صلى الله عليه وآله وما قضى به في مواضع مختلفة وموارد متشتتة كان معروفاً عند الفريقين عندنا وعند العامة) وسيأتي فيما بعد إن شاء الله تكملة لحديثه. والحمد لله رب العالمين.