الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

نتيجة الطائفة الأولى من الروايات:

تلخص مما تقدم أنه قلنا أولاً: أن البحث في الجهة الأولى وهي مدرك القاعدة وهو الروايات، وقلنا إن المروي عندنا على طوائف:

الطائفة الأولى: هو ما ورد فيها جملة لا ضرر ولا ضرار لوحدها بدون إضافة شيء آخر، وهذه وردت كما قلنا في أربعة موارد، المورد الأول في قضية سمرة والمورد الثاني في حديث الشفعة والمورد الثالث في حديث لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء، والمورد الرابع مراسيل.

وتحصل من البحث في ذلك:

الأمر الأول: أن الروايات التي اقتصر لفظها على لا ضرر ولا ضرار ثلاث روايات، الرواية الأولى كما قلنا هي رواية سمرة والرواية الثانية هي حديث الشفعة وحديث لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء، يعني نرجعهما إلى رواية واحدة كما سيظهر، أنها جملة من قضايا الرسول صلى الله عليه وآله، فتكون عندنا روايتان، رواية سمرة ورواية الشفعة ولا يمنع فضل ماء.

الأمر الثاني: أن الروايات المعتبرة منها اثنتان، رواية زرارة بطريق عبد الله بن بكير بطرق المشايخ الثلاثة كلها تامة، على حسب ما ذكرناه سابقاً، هذه الرواية الأولى معتبرة السند بلا إشكال، والرواية الثانية رواية عقبة بن خالد على ما هو الصحيح عندنا بطريقي الكليني والشيخ أثبتنا صحة هذه الرواية، أما طريق الشيخ الصدوق فهو مرسل ورفع إرساله بالإسناد فضلاً عن التصحيح لا يخلو من الإشكال.

طبعاً من الواضح أنه لماذا رواية زرارة عن عبد الله بن بكير مع أنه رواها الكليني والشيخ والصدوق لم نعتبرها ثلاث روايات أو لا أقل لم نعتبرها روايتين، لأن سند الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي متوافق مع سند الشيخ الكليني، هذه رواية، وسند الشيخ الصدوق آخر فنعتبره رواية ثانية؟ نقول: لا، لأنها ترجع إلى عبد الله بن بكير إلى زرارة فحتى لو اختلف الطريق لكنها تبقى رواية واحدة، الراوي متحد وهو زرارة ومن قبله وهو عبد الله بن بكير، فنتعامل معها معاملة رواية واحدة.

والثانية رواية عقبة بن خالد، وطريق الشيخ والكليني صححناه وتعتبر هذه رواية ثانية.

الرواية الثالثة: هي المرسلات، وهي مرسلة الشيخ الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه المقنع، وهذه الرواية وإن لم تكن صحيحة كما ذكرنا، إلا أنها يمكن أن تعطينا نسبة إضافية من الاحتمال تفيدنا في حساب التواتر، لاختلاف قصتها المنقولة التي نقلها الشيخ الصدوق، فلا ترجع إلى رواية سمرة، فهنا نشير إلى شيء وهو يفيدنا في البحث، هل هناك تواتر أو ليس هناك تواتر، نقول: هذه مرسلة فلو كانت مرسلة وفقط بلفظ لا ضرر ولا ضرار هذه لا تفيدنا أي قيمة، لأنه من المحتمل أن تكون المقصود منها نفس ما هو مذكور في رواية سمرة أو عقبة مثلاً، فلا تفيدنا أي قيمة إضافية، وهذا كما في رواية الشيخ الطوسي التي في الخلاف، ولكن رواية الصدوق في المقنع ذكرت قصة التي هي قضية من جاء واشتكى عند عمر في قضية البقرة والجمل، هذه قصة أخرى غير قصة سمرة، وأمير المؤمنين عليه السلام استشهد بلا ضرر، فتكون رواية أخرى عن المعصوم في لا ضرر، ولكن بما أنها مرسلة وغير تامة من حيث السند لكنها تعطي قيمة احتمالية فيحتمل صدورها ولو بنسبة ضعيفة، هذا الاحتمال لما نضيفه إلى الاحتمالات الأخرى يفيدنا في تقوية الاحتمال.

الأمر الرابع: أن بقية المرسلات غير معتبرة ولا تفيدنا قيمة احتمالية جديدة.

إذاً هذه نتائج أربع لما تقدم، نعيدها ملخصاً: أن الروايات المعتبرة من هذه الطائفة اثنتان، رواية زرارة ورواية عقبة، ومرسلة الشيخ الصدوق في المقنع وإن لم تكت معتبرة ولكنها تفيدنا قيمة احتمالية فيما لو احتجنا لها، وبقية المرسلات غير معتبرة.

الآن الكلام في الطائفة الثانية: وهي التي وردت بلفظ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، يعني أضاف قيد في الإسلام على الطائفة الأولى، هذه الطائفة ورد فيها مرسلتان:

المرسلة الأولى: مرسلة الشيخ الصدوق (ره) في الفقيه، ولا بأس بنقل الرواية من أولها لتتضح بعض الأمور المرتبطة بها كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قال (ره) في الفقيه، باب ميراث أهل الملل: أولاً يذكر رأيه، يقول: لا يتوارث أهل ملتين والمسلم يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم وذلك أن أصل الحكم في أموال المشركين، وأن المسلمين أحق بها من المشركين، وأن الله عز وجل إنما حرم على الكفار الميراث عقوبة لهم بكفرهم كما حرم على القاتل عقوبة لقتله، فأما المسلم فلأي جرم وعقوبة يحرم الميراث؟! وكيف صار الاسلام يزيده شراً؟، مع قول النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله: (الاسلام يزيد ولا ينقص) ومع قوله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله: (لا ضرر ولا إضرار في الاسلام) فالإسلام يزيد المسلم خيراً، ولا يزيده شراً، ومع قوله عليه ‌السلام: (الاسلام يعلو ولا يعلى عليه) والكفار بمنزلة الموتى، لا يحجبون ولا يرثون.

فنلاحظ أن الشيخ الصدوق (ره) استشهد في بيان ما ذهب إليه من الحكم بأدلة من جملتها قوله: ومع قوله صلى الله عليه وآله (لا ضرر ولا إضرار في الإسلام) النسخة الموجودة في الفقيه عندنا (ولا إضرار) وبعضهم نقل (ولا ضرار)، محل شاهدنا نحن في كلمة (في الإسلام) أن الشيخ الصدوق هنا أضاف كلمة (في الإسلام).

المرسلة الثانية: مرسلة الشيخ الطوسي (قده) في كتابه الخلاف، فإنه قال في مسألة: (إذا اشترى شيئاً وقاسم وغرس فيه وبنى ثم طالب الشفيعُ بالشفعة) اشترى شيئاً كان شركةً بين اثنين وهو اشترى من أحد الشريكين وقاسم وغرس فيه وبنى، ثم بعد ذلك طالب الشفيع بالشفعة (ولم يكن قبل ذلك عالماً بالشراء كان له إجباره على قلع الغراس والبناء إذا رد عليه ما نقص من الغراس والبناء بالقلع) يعني له أن يُعمل حق الشفعة بما أنه لم يكن عالماً بالشراء، فإذا أعمل حقه له أن يجبر المشتري بقلع الغراس وبناءه ولكن إذا رد عليه ما نقص من الغراس والبناء، لأنه هذا الغراس ستنقص قيمته والبناء كذلك، إذا رد عليه ما نقص له إعمال حق الشفعة، هذه هي المسألة، (وبه قال الشافعي ومالك والنخعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: له مطالبته بالقلع ولا يعطيه ما نقص من القلع، دليلنا: أن المشتري غرس ملكه في ملكه، فلم يكن متعدياً وإذا لم يكن متعدياً وجب أن يُرد عليه ما نقص من غرسه في القلع، ولأنه إذا رد عليه ما نقص به من الغرس فلا خلاف أنه له مطالبته بالقلع وإن لم يرد فليس على وجوب القلع دليل، وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وآله: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) يدل على ذلك لأنه متى لم يرد عليه قيمة ما نقص دخل عليه في ذلك الضرر) محل شاهدنا من نقل عبارة الشيخ الطوسي بكاملها هو أنه استدل على ما ذهب إليه بقول النبي صلى الله عليه وآله: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، وهذه مرسلة من جهة الشيخ الصدوق لعدم ذكره أي طريق لهذا اللفظ.

هاتان الروايتان المرسلتان الموجودتان عندنا في كتبنا الروائية أو الفقهية، (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) إحداهما عن الشيخ الصدوق والأخرى عن الطوسي.

أما بالنسبة إلى الرواية الثانية: فهي مرسلة الشيخ الطوسي ولا دليل على صحتها ولا اعتبارها ولا طريق لنا على اعتبارها.

أما مرسلة الشيخ الصدوق فهي بتعبير (قال)، وبحسب ما قلنا، فإنه عبر (مع قوله صلى الله عليه وآله) وبهذا التعبير نفس الكلام المتقدم الذي نحن ذكرناه في الرواية السابقة يأتي هو بعينه هنا، بمعنى أنه أولاً أن هذه الرواية أردها الشيخ الصدوق في الفقيه، فيمكن لقائل أن يقول باعتبارها لاعتبار كل ما في الفقيه بحسب عبارة الشيخ الصدوق في المقدمة، وربما يقال: إن لم نقل باعتبار جميع روايات الفقيه ربما نقول بأن هذه المرسلة بعنوان (قال) لا بعنوان (روي) أو (سُئل) أو تعبير يدل على ذلك، والمرسلات التي بعنوان قال يمكن القول باعتبارها باعتبار أن الشيخ الصدوق ذكرها بنحو الجزم والبت ونسبها إلى النبي صلى الله عليه وآله بنحو الجزم والبت فلهذا تكون معتبرة، ولكن على ما تقدم منا من التفصيل ولا نعيده: أن غاية ما يستفاد من ذلك أن الشيخ الصدوق عنده وجه للصحة إليها وهي صحيحة في نظره، أما أنها صحيحة بنظرنا أيضاً أو لا؟ خصوصاً من يشترط الوثاقة في الرواة في صحة الرواية واعتبارها، فهل الصحة عند الشيخ الصدوق لازمة الصحة عندنا نقول: لا، على حسب ما تقدم.

إذاً الروايتان بكلا طريقيهما، مرسلة الشيخ الصدوق ومرسلة الشيخ الطوسي كلتاهما غير معتبرتين، على حسب ما وضحنا.

ولكن هنا يمكن أن يقال: عندنا أمران:

الأمر الأول: أن هذه الرواية وإن لم تكن معتبرة من حيث السند إلا أنها منجبرة بعمل الأصحاب، بعمل الشيخ الصدوق (ره) والشيخ الطوسي (ره) بها، وغيرهما، المتأخرين لا يهمنا خلافهم، المهم هو المتقدمون، فبما أن الشيخ الصدوق استند إليها في مقام الاستدلال إذاً عمل بها وكذلك الشيخ الطوسي في الخلاف كما نقلنا عبارته بطولها، فيمكن أن يقال بانجبار ضعفها بعمل الأصحاب.

ولكن الجواب واضح مما تقدم، أولاً: الكبرى غير تامة، كبرى انجبار الرواية الضعيفة بعمل المشهور على إطلاقها غير تامة، ثانياً: على فرض تسليم الكبرى وقلنا بصحتها، لكن نقول: هنا الصغرى غير تامة ولا نعني بالصغرى عدم الاستناد لأنه كما ذكرنا أن الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي استندا إليها، إذاً المقصود هنا أن هذا المقدار غير كافٍ لصحة دعوى الكبرى، بمعنى أن الكبرى هي عمل المشهور بالرواية الضعيفة وغاية ما يمكن إثباته أن الشيخ الطوسي والشيخ الصدوق عملا بها، وهذا اثنان وعمل ما بعدهما بها من الفقهاء كالعلامة وغيره، وأما سائر المتقدمين لم يتضح منهم الاستناد إليها بهذا اللفظ (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) يعني كالشيخ المفيد أو السيد المرتضى أو سلّار أو غيرهم من المتقدمين، لم يدل دليل على استنادهم إليها، إذاً لو قلنا بصحة الكبرى، فإن الكبرى هي عمل المشهور وما يمكن إثباته وقيام الدليل عليه هو عمل البعض وهو لا يمكن أن يحقق لنا عمل المشهور، فهذه الرواية من هذه الجهة لا يمكن الاستناد إليها.

الشيء الثالث: وهو ما أشار إليه غير واحد من الأعلام، بأن سياق هذه الرواية عند الشيخ الصدوق وعند الشيخ في الخلاف كان في مقام الاحتجاج على العامة في مسألة اختلافية، بالنسبة إلى الشيخ الصدوق الأمر واضح، تحدث فيها عن مسألة خلافية بين الشيعة وبين العامة، الشيعة يذهبون إلى أن المسلم يرث الكافر، لو كان المسلم هو الولد وأبوه كافر ومات الأب فالولد المسلم يرث الكافر، العامة ذهب الكثير منهم إلى أن المسلم لا يرث الكافر، أهل ملتين لا يتوارثان مطلقاً، يعني قالوا حتى لو مسلم مع كافر، وهذه مسألة خلافية، الشيخ الصدوق ذهب إلى ما ذهبت إليه الإمامية من أن المسلم يرث الكافر والكافر لا يرث الكافر، ثم أقام أدليته على هذا، من جلة تلك الأدلة قال: وكيف صار الإسلام يزيده شراً مع قول النبي صلى الله عليه وآله: الإسلام يزيد ولا يتقص، الآن يحتج على العامة، كيف تقولون بعدم إرث المسلم من الكافر مع أن الإسلام يزيده خير ولا ينقصه، وأنتم عندما تحرمونه من الميراث وتنسبون ذلك إلى الإسلام لأنه مسلم معنى ذلك صار الإسلام يزيده شراً، مع قول النبي صلى الله عليه وآله: الإسلام يزيد ولا ينقص، ثم قال: ومع قوله صلى الله عليه وآله لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، ثم قال: ومع قوله عليه السلام: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، إذاً هذه الروايات الثلاث التي استشهد بها الشيخ الصدوق روايات يرويها القوم فهو يحتج عليهم بما رووه هم، أنتم تروون هذه الروايات ومؤدى هذه الروايات أن المسلم يرث الكافر ولا عكس، فإذاً سياق الرواية من طرف الشيخ الصدوق كان في مقام الاحتجاج على العامة، في مسألة خلافية، إذا كان كذلك فلا يظهر منه الاستناد إليها، مقام الاحتجاج ومقام الجدال شيء آخر غير الاستدلال، المهم أنه لا يستفاد أنه استند إليها عملاً، يعني نحن عندنا رواياتنا الدالة على مطلوبنا وهذه روايات يستدل بها عليهم فلا يستفاد منها الالتزام بها أو الاستناد إليها أو العمل بها.

إذاً لا يمكن أن نصحح الاستناد ونقول عمل المشهور يجبر حتى لو فرضنا أنه يكفي هذا المقدار من العمل ولكن في مقام الاحتجاج والخلاف لا يفيد أنه استند إليها في مقام العمل، ونفس الكلام يأتي في كلام الشيخ الطوسي، لأن الشيخ الطوسي كما نقلنا عبارته في مسألة خلافية، بيننا وبين قسم من العامة أيضاً فهو يستدل عليهم ويحتج عليهم فلا يستفاد منه أو من كلامه أنه استند إليها في مقام العمل وإنما هي في مقام الاحتجاج عليهم، فعلى كل حال من هذا يتضح أن الروايات التي فيها قيد (في الإسلام) لم تثبت بطريق صحيح. والحمد لله رب العالمين.