الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

القول الثاني في مراسيل الشيخ الصدوق (قده):

كان الكلام في مراسيل الشيخ الصدوق (قده)، وقلنا في المسألة أقوال: القول الأول يقول باعتبار روايات الصدوق مطلقاً سواء كانت بعنوان قال أو بعنوان روي، وكان ذلك استناداً إلى ما في عبارة الشيخ الصدوق في المقدمة، وتقدم الكلام فيها ومناقشتها.

القول الثاني: التفصيل بين مراسيل الشيخ الصدوق التي بعنوان روي والمراسيل التي بعنوان قال، يعني تارة يقول: روي عن أبي عبد الله عليه السلام أو عن النبي صلى الله عليه وآله، وتارة يقول: قال النبي صلى الله عليه وآله أو قال أبو عبد الله عليه السلام، فإذا قال روي يقول بأنه هذه ليست حجة، وعدم حجيتها من جهة أولاً: أن كلام الشيخ الصدوق في المقدمة لا يمكن الأخذ به على إطلاقه، فإذا قال روي فإن نفس الرواية ونفس السند لم يكن واضحاً عند الشيخ الصدوق نفسه فلهذا عبّر روي، لو كان السند واضحاً وموجوداً عنده لذكره ولو كان معتبراً لم يعبر بروي، فلما عبر بروي يعني أن نفس السند لم يكن واضحاً عند الشيخ الصدوق، فلهذا لا يمكن الاعتماد على نمثل هذه الروايات.

أما إذا كان بعنوان قال، فهو ينسب الرواية إلى الإمام أو النبي صلى الله عليه وآله ويسندها إليه بضرس قاطع، لأنه يقول قال، وهذا لا يكون إلا إذا كان جازماً بصدورها بحيث تصح منه هذه النسبة، ويعني أن عنده طريق صحيح لهذه الرواية فلهذا عبر عنها بقال، هذا ملخص هذا الرأي من التفصيل.

وذهب إليه غير واحد من الأعلام ومن جملتهم السيد الخوئي (ره) في دوراته السابقة على المصباح كما يظهر من المصباح، لأنه في المصباح قال في الرواية الآتية التي سيأتي الكلام فيها (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) قال في جملة قوله بأن الإرسال إنما يكون فيما إذا كان التعبير بلفظ روي ونحوه، وأما إذا كان بلفظ قال النبي صلى الله عليه وآله كما فيما نحن فيه فالظاهر كون الرواية ثابتة عند الراوي، وإلا فلا يجوز له الإخبار البتّي بقوله قال مع الرواية غير ثابتة، فتعبير الصدوق (ره) في الفقيه بقوله قال النبي صلى الله عليه وآله يدل على أنه ثبت عنده صدور هذا القول منه صلى الله عليه وآله بطريق صحيح وإلا لم يعبّر بمثل هذا التعبير فيعامل مع هذا النحو من المراسيل معاملة المسانيد، هذا ما ذكرناه في الدورة السابقة) والسيد الخوئي (ره) نقل في المصباح ما ذكره في الدورة السابقة وما ذكره هو التفريق بين قوله روي ونحوه فهذه تعتبر مراسيل ولا يعتنى بها وما نقله الصدوق بعنوان قال فهذه تعامل معاملة المسانيد، بل في الواقع لم تعامل مجرد معاملة الأسانيد لأن المسانيد يمكن أن نتابع السند والطريق لنرى هل هو معتبر أو غير معتبر، هنا نأخذ بكلامه عندما يقول قال.

السيد الخوئي (ره) نفسه أورد على هذا التفصيل في المصباح، يعني نقل كلامه في دورته السابقة وناقشه في المصباح، فقال بعدم حجية مراسيل الشيخ الصدوق مطلقاً، لا التي بعنوان روي ولا التي بعنوان قال، قال في المصباح في رده على القول السابق الذي نقلناه: (لكن الإنصاف عدم حجية مثل هذه المرسلة أيضاً حتى التي بعنوان قال والتي هي محل بحثنا، لأن غاية ما يدل عليه هذا النحو من التعبير صحة الخبر عند الصدوق) عندما عبر بقال وأسند الشيخ الصدوق إلى النبي صلى الله عليه وآله بضرس قاطع، ولكن هذا يثبت أن الشيخ الصدوق عنده هو طريق معتبر أو بعبارة أخرى أن الخبر صحيح عنده، لهذا هو يصح منه أن يسند القول إلى القائل، (وأما صحته عندنا فلا تثبت، لاختلاف المباني في حجية الخبر فإن بعضهم قائل بحجية خصوص خبر العادل مع ما في معنى العدالة من الاختلاف حتى قال بعضهم العدالة هي الشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله، مع عدم ظهور الفسق، وبعضهم قال بحجية خبر الثقة فما هو التحقيق؟ وبعضهم لا يرى جواز العمل إلا بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة العلمية، فمع وجود هذا الاختلاف في حجية الخبر كيف يكون اعتماد أحد على خبر مستلزم لحجيته عند غيره) [1]

حاصل دليل السيد الخوئي (ره) في عدم قبوله للمرسلات حتى التي بعنوان قال، يقول هكذا: إن هذه النسبة وهي قال من الشيخ الصدوق تدل على أن الشيخ الصدوق ثابتة عنده هذه الرواية وصحيحة عنده باعتبار أنه لا يصح منه الإسناد إلا إذا ثبتت الرواية عنده فيصح منه أن يسند الرواية إلى الإمام أو النبي صلى الله عليه وآله، هذا المقدار مسلَّم ولكن مجرد ثبوت الرواية عند الشيخ الصدوق لا تثبت عندنا لأن المباني في خبر الواحد مختلفة فمنهم من يرى حجية خبر الثقة الذي هو التحقيق عند السيد الخوئي ومنهم من يرى حجية الخبر المفيد للوثوق ولو باعتبار القرائن الحافة به المفيدة للعلم، وبعضهم يقول: نشترط في الراوي العدالة، ولكن معنى العدالة معنى مختلف فيه، فبعضهم يتوسع في معناه فيقول هو الشهادتان، بمجرد أن يتشهد الشهادتين ولم يظهر عليه فسق هذا نقول عنه عادلٌ، هذا المعنى خصوصاً الآن المبنى الأخير، إذا كان يشترط العدالة ولكن معنى العدالة عنده هو الشهادتان مع عدم ظهور الفسق هذا لا يفيدنا، هو يفيده، يعني من يشترط العدالة بهذا المعنى الذي ذكرناه لا بمعنى مثلاً الاستقامة على جادة الشريعة، أو المعاني الأخرة للعدالة، فإذا كان يشترط العدالة ويكون معنى العدالة عنده هي الشهادتان مع عدم ظهور الفسق إذاً مجرد شخص يظهر الشهادتين ولم يظهر فسق هذا يُعتبر عادلاً، هذا الخبر عند هذا القائل بهذا المبنى يكون صحيحاً، ويصح منه النسبة والإسناد إلى المعصوم عليه السلام، ولك ن بالنسبة لنا الذين نشترط ثبوت الوثاقة في الراوي فهذا المقدار لا يكفي، فبمجرد أن يتشهد الشهادتين مع عدم ظهور الفسق لا يكفي في قبول خبره.

إذاً مع وجود هذه المباني المختلفة مجرد أن تثبت صحة الرواية عند أحد هؤلاء لا تثبت عندنا، ولكن يتضح من ذلك أنا لو كنا نعلم أن مبناه في صحة الرواية هو نفس مبنانا بلا زيادة ولا نقصان، يعني لا يعتبر بالرواية إلا إذا ثبت أن راويها ثقة، إذا كان بهذا المعنى، نعم إذا هو صحح الرواية بالدلالة الإلتزامية نستفيد أنه يوثق الرواة، ولكن الكلام أن المباني مختلفة ومن جملة المباني ما لا يتفق مع مبنانا، النتيجة أنه إذا ثبتت الرواية عنده لا تثبت عندنا.

وفي الأخير قال: (وبالجملة: كون الخبر حجة عند الصدوق رحمه الله لا يثبت حجيته عندنا، ولذا لا يمكن الاعتماد على جميع الروايات الموجودة في الفقيه، بل لا بد من النظر في حال الرواة لتحصيل الاطمئنان بوثاقتهم) هذا هو مختار السيد الخوئي (ره) الأخير.

على هذا المبنى لا تثبت صحة هذه الراوية.

هنا أورد على السيد الخوئي بعض أعاظم المعاصرين (حفظه الله) بالنقض بتوثيقات الرجاليين وتضعيفاتهم، فإن السيد الخوئي (ره) يعتمد على توثيقات الرجاليين وعلى تضعيفاتهم رغم تأتي هذا الاحتمال فيه، نفس الرجاليين المباني عندهم مختلفة في حكمهم بالوثاقة أو التضعيف، فربما يوثقون شخاصاً ويقولون عنه ثقة لأنه على ظاهر العدالة، يعني مسلم ويظهر الشهادتين ولم يظهر منه فسق، أو لا أقل مؤمن موالي لأهل البيت عليهم السلام ولم يظهر منه فسق فيقولون عدل أو ثقة، نفس الاعتماد يأتي مع أن السيد الخوئي هناك يعتمد وهنا لم يعتمد، فيقول: (لا موجب للتفريق بين التوثيقات وبين ما نحن فيه، إذ لا شاهد على أنهم في مقام جرح الرواة أو تعديلهم يعتمدون على طريقة خاصة غير ما يعتمدونه في مقام نسبة القول إلى المعصوم بل الظاهر إن إثبات المخبر به عندهم في المقامين على منهج واحد، فيقال: من أن كثرة كتب الرجال في ذلك الزمان هو المفرِّق) يعني يكون الرواة عندهم واضحي الحال لكثرة كتب الرجال عندهم خصوصاً إذا لا حظنا ما كُتب عنهم مثلما ما كتبه آغا بزرك الطهراني (ره) عمن ألف في كتب الرجال، فذكر كتباً كثيرة لعلها حدود مائة وخمسن أو مائة وثمانين، أكثر من المائة تقريباً في كثب الرجال، إذاً يكون حال الرواة عندهم واضح جداً، فالسيد يقول: (وما يقال في كثرة كتب الرجال في ذلك الوقت يأتي في كتب الحديث) يعني كتب الحديث في ذلك الوقت كثيرة أيضاً وذهب منها الكثير بالنسبة لنا، (بل كتب الحديث في ذلك الزمان أكثر من كتب التوثيقات والتضعيفات وكثير منها مفقود عندنا)[2]

فحاصل هذا الإشكال على السيد الخوئي (ره): بأنه كيف تقبل التوثيقات والتضعيفات من الرجاليين ولم تقبل ما يقوله علماء الحديث بعنوان قال والحال أن الطريق واحد، طريق التضعيفات هو نفس طريق النسبة إلى المعصوم، ملخص ما ذُكر.

ولكن يمكن أن نجيب عن هذا الإشكال: بأن هناك فرقاً بين كتب الحديث وكتب الرجال، نسلم بأن كتب الحديث ف يذلك الوقت كثيرة جداً، يعني في زمن الشيخ الصدوق أو في زمن الشيخ الكليني أو حتى في زمن الشيخ الطوسي (قدست أسرارهم) الأصول الأربعمائة وكتب الرواة موجودة عندهم كلها غالباً بكثرة، بعد ذلك عندما جُمعت روايات الكتب في المجاميع الكبيرة كالكافي والاستبصار والفقيه والتهذيب ضاعت منا، والسبب أيضاً واضح لأن الناس اكتفت بالكافي وما شاكل، فالكتاب يستمر وجوده إذا كان هناك طلب عليه عادة، فتتعدد نسخه والأعلام والمهتمون بالعلم يدونون الكتاب وكل واحد ينقله فيبقى مستمراً، أما إذا استغنوا عنه، فيقول بدل أنا ما أكتب هذه الأصول كلها أو أشتري الموجود آخذ الكافي وأدونه، المهم هذه نقطة أخرى، لكن نقول: نحن نسلم بأن كتب الحديث كانت كثيرة، ولكن هناك فرق بين كتب الحديث وكتب الرجال، كتب الرجال تتعرض في العادة والغالب إلى الرواة الموجودين في الأسانيد، فيكثر التقاء الكتب المتعددة في مترجَم واحد، بمعنى أن مؤلفي كتب الرجال يترجمون إلى الرواة الموجودين في الأسانيد، ربما بعضهم مطلق رواة الأسانيد وبعضهم يختار الثقاة أو كتاب في خصوص الثقاة مثل ابن الغضائري، وكتاب آخر عنده في الضعفاء، فكتاب الضعفاء ربما بعضهم من رجال ابن أبي عمير مثلاً، المهم أن كتب الرجال هي في بيان حال الرواة سواء سعة أو ضيقاً من حيث العنوان، لهذا يتفق أكثر من كتاب في بيان حال راوٍ، يعني نفترض لو عندنا عشرة كتب في الرجال فضلاً عن مائة كتاب فلما نرجع لها لبيان حال زرارة نلاحظ أن الجميع يتفق بأنه ثقة، نرجع إلى حال محمد بن مسلم الجميع يكتبه ويقول عنه ثقة، فاتفقوا على بيان حال مترجَم واحد، ونرجع لهم في بيان ضعيف من الضعفاء فنرى أنه فلان قال عنه ضعيف وفلان قال عنه ضعيف وهكذا، أما كتب الحديث وكتب الرواية فالموجود أن صاحب الكتاب إما هو بنفسه ينقل عن الإمام عليه السلام مباشرة فيدون ما كتبه هو سواء في باب الطهارة أو الصلاة أو في أبواب مختلفة ربما يفرد روايات في باب الصلاة لوحده فيكتب كتاب في الصلاة، أو أحد الرواة الآخرين غير من ينقل عن الإمام مباشرة ينقل الروايات التي وصلت له عن طريق مشايخه، لهذا تكون كتب الرواة متعددة ومختلفة لا تتفق على رواية واحدة إلا أحياناً، يعني نلاحظ مثلاً محمد بن مسلم عنده كتاب يكتب رواياته وزرارة عنده كتاب يكتب رواياته، ليس بالضرورة أنهما سمعا هذه الرواية من الإمام عليه السلام في مجلس واحد، حتى الجميع ينقل نفس الرواية، أو ليس بالضرورة أن كل واحد منهما سأل الإمام عليه السلام بنفس ذلك السؤال، أحياناً يتفق نفس السؤال لكل منهما لا يوجد مانع، ولكن في الغالب كل منهما عنده أسئلته الخاصة، الرواة المتأخرون ينقل عن شيخه عن شيخه ما وصل له عن هذا الطريق والآخر كذلك، لهذا كتب الحديث لا تكون مجتمعة في بيان رواية واحدة بمعنى أن هذه الرواية موجودة في جميع كتب الحديث، أو عشر روايات موجودة في كتب الحديث، نعم يوجد ولكن عدد قليل بالنسبة لآلاف الروايات الموجودة المختلفة.

من هذه الجهة نلاحظ أن الوضوح الموجود في كتب الرجال بحيث يسند الموثق أو المضعف التوثيق والتضعيف بضرس قاطع غير الوضوح الموجود في كتب الرواية، لما كثرت كتب الرجال صار حال الرواة عندهم واضحاً لأنهم كما قلنا أصحاب الكتب يتفقون في بيان حال الراوي الواحد فيصير المعنى عند النجاشي أو الشيخ واضح فيقول: ثقة، أما كتب الحديث مع كثرتها ووفرتها في ذلك الوقت بل هي أكثر من كتب الرجال بكثير ولكنها في الأعم الأغلب لا تتفق في نقل الرواية الواحدة حتى تكون كل رواية واضحة، عندنا بعض الروايات تكون واضحة وتكون متواترة ومستفيضة وما شاكل ولكن في الأعم الأغلب لا، لهذا التفريق نقول: بأن ما أفاده السيد الخوئي (ره) في هذا المقام تام، يعني أنه لا يرد عليه هذا النقض، فلا يثبت عندنا التوثيق للرواة أو تصحيح الرواية بمجرد التصحيح عندهم لاختلاف المباني، ولا يقاس ذلك بما في كتب الحديث لظهور الفرق الواضح بينها حسبما شرحنا.

فالنتيجة، نقول: بأن غاية ما يستفاد من تصحيح الشيخ الصدوق أو من نسبة الشيخ الصدوق الرواية إلى المعصوم بضرس قاطع أن الرواية ثابتة عنده وهذا لازم أعم من الصحة المبنية على الوثاقة، كما هو مذهب السيد الخوئي (ره) إذ ربما يكون معتمداً على قرائن مفيدة للاطمئنان له لو وصلتنا لا تفيدنا الاطمئنان أو ربما يكون معتمداً على اطمئنان مشايخه من أجل اطمئنانهم كما لاحظنا الشيخ الصدوق مع ابن الوليد كما قلنا إنه نقل إنه سيء الرأي فيه مع ذلك أخذ بالرواية لعدم اعتراضه عليها، فاعتمد على اطمئنان ابن الوليد.

فعليه: لا تثبت بمجرد أنه عبر بأنه قال، وهذا البحث الذي ذكرناه يكون بالنسبة إلى روايات الشيخ الصدوق في الفقيه التي هي محل الكلام في بعض الروايات كالرواية الآتية، وأما التعدي عن غير الفقيه فلا، إلا أن نقول في كتاب المقنع الذي أوردنا فيه هذه الرواية بالخصوص التي نحن بصددها الآن فعبارته في المقدمة كما نقلناها توحي بنفس ما أوحت به عبارة الفقيه، فلهذا يأتي الكلام فيها كما يأتي في الفقيه ولهذا ذكرنا هذا البحث في هذا المقام.


[1] قاعدة لا ضرر ولا ضرار، السيستاني، السيد علي، ج1، ص85.
[2] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج47، ص603.