الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

 

البحث في روايات الشيخ الصدوق (ره) في الفقيه:

كان الكلام فيما ذكره السيد الخوئي (ره) حول روايات الفقيه المرسلات، وقلنا أساس الكلام كان في المرسلات ولكن صار الكلام في روايات الفقيه بشكل عام، باعتبار أن الذي يقول بحجية مراسيله مطلقاً لعنوان قال أو بعنوان روي في الواقع يستند إلى كلمته في مقدمة الفقيه التي ذُكر أنه يستفاد منها صحة جميع الروايات في كتاب الفقيه.

وذكرنا إشكال السيد الخوئي (ره) ويتلخص إشكاله عندما نضم ما ذكره في مقامين، فيتلخص في ثلاثة إشكالات:

الإشكال الأول: أن تصحيح أحد أعلام المتقدمين لرواية لا يقتضي صحة الرواية عند من يشترط الوثاقة في الراوي، إذ لا يُعلم كيفية التصحيح عندهم، هل هو مبني على أصالة العدالة مثلاً؟ أو هو مبني على قرائن؟ أو هو مبني على توثيق الرواة؟ فلا نعلم جهة التصحيح فمن يشترط الوثاقة في الراوي لا يمكنه الركون إلى مجرد التصحيح لإثبات وثاقة الرواة.

الإشكال الثاني: أن الشيخ الصدوق (قده) يعتمد في التوثيق والتضعيف على شيخه محمد بن الحسن بن الوليد ولا ينظر إلى الرواة بنفسه حتى يوثقهم بنفسه أو يضعفهم بنفسه، وإنما كما هو صرح بذلك: أنه يعتمد في التوثيق والتضعيف على من وثقه أو ضعفه شيخه محمد بن الحسن بن الوليد، فإذاً الشيخ الصدوق في هذه مقلّد ولا يمكن الأخذ بكلامه في التصحيح والتوثيق.

الإشكال الثالث: أن الكتب المشهورة التي أخرج الشيخ الصدوق (ره) روايات كتابه الفقيه منها هي كتب مشايخه، مثل كتب مسائل والده أو مثل كتاب محمد بن الحسن بن الوليد، ولم يخرجها من الكتب الذين ابتدأ بهم في السند، بمعنى أنه في السند ربما يبتدأ بزرارة أو محمد بن مسلم أو حريز مثلاً فهو ليس كالشيخ، فالشيخ صرّح بأنه عندما يبدأ الإسناد براوٍ فهو يبدأ بصاحب الكتاب أو يأخذه من نفس صاحب الكتاب، الشيخ الصدوق لم يلتزم بذلك، فلهذا يقول السيد الخوئي (ره): إن الكتب المشهورة التي اعتمد عليها هي كتب مشايخه وليس من ابتدأ بهم في الرواة، فعلى هذا لا يأتي ما نُقل من التوهم أنه لا حاجة إلى البحث في طرق الشيخ الصدوق إلى أصحاب الكتب لأن هذه الكتب وصلت إلى الشيخ الصدوق عن طريق الشهرة فهي مشهورة في ذلك الوقت فلا حاجة للسند، يقول: لا، فهذه الكتب التي ذكرها الشيخ الصدوق ليست هي كتب من ابتدأ بهم في السند وإنما كتب مشايخه.

نقول: العمدة من هذه الإشكالات هو الإشكال الأول، وأما الإشكالان الآخران فعدم ورودهما واضح فالإشكال الثاني عندما يقول الشيخ الصدوق اعتمد في التوثيق والتضعيف على شيخه ابن الوليد نقول هذا تام وهو يصرح بذلك، ولكن هذا لا يضر باعتبار أن الشيخ الصدوق اعتمد في التصحيح والتوثيق على شيخه الذي هو عارف بالأخبار وبالرواة ومن نقّاد الأخبار والرجال، فهو عندما يعتمد عليه يعني ينقل التوثيق والتضعيف عنه يعني من ضعفه شيخه ابن الوليد هو يراه ضعيفا لأن ابن الوليد من نقاد الأخبار وعندما يضعف مثله مثل النجاشي الآن بالنسبة لنا، عندما يضعف نعتمد عليه وعندما يوثق نعتمد عليه، الشيخ الصدوق كان يعتمد على ابن الوليد من هذا الباب، فهو يخبر عن حس بأنه ثقة أو ضعيف، فعليه: إذا كان ديدن محمد بن الحسن بن الوليد في تصحيحه الروايات على تضعيف الرواة أو على توثيق الرواة، يعني يعتمد على التوثيق والتضعيف فنعرف إذاً سبب توثيق أو سبب حكمه بالصحة أو بالضعف، فالكلام هو الكلام، إذاً لا فرق بين أن يقول الشيخ الصدوق بأنه ينقل عن شيخه بأن فلان ضعيف أو قال شيخنا ابن الوليد بأن فلان ضعيف أو ثقة هنا تعتمد عليه قطعاً، يعني لو نقل الشيخ الصدوق لنا تضعيفاً خاصاً أو توثيقاً خاصاً عن شيخه ابن الوليد هل تعتمد عليه في ذلك؟ قطعاً تعتمد عليه، وتقول هذا ضعيف لتضعيف ابن الوليد له بنقل الشيخ الصدوق، فلا فرق إذاً بين أن ينقل الشيخ الصدوق التضعيف الخاص وبين أن ينقل التضعيف العام، أو بين أن ينقل التوثيق الخاص أو بين أن ينقل التوثيق العام، فمثلاً: عندما قال بنحو الكبرى أن نعتمد على الشيخ ابن الوليد في جميع تضعيفاته وتوثيقاته، ثم قال الشيخ الصدوق: هذا الخبر عندي صحيح، هنا بعد ضم هذه الكبرى للصغرى يتضح نقله التضعيف أو التوثيق عن ابن الوليد، فهو من جهة يقول أنا أصحح وأضعف كل من صححه وضعفه ابن الوليد، ومن جهة يقول هذا الخبر صحيح، إذاً اعتمد في ذلك على توثيقات ابن الوليد وتضعيفاته.

فالحاصل: إن مجرد اعتماد الشيخ الصدوق على شيخه في التضعيف والتوثيق لا يضر؛ لأنه بمثابة أن ينقل التضعيف والتوثيق عنه، يعني يقول: إذا قال فلان ثقة اعتمد عليه وآخذ لا من جهة أنه خبير فقط بل لأنه يخبر عن الوثاقة وكذلك في التضعيف، فإذا علمنا بأن ديدن وطريقة ابن الوليد في الأخذ بالروايات هو على توثيق الرواة وفي عدم الأخذ في الروايات على تضعيف الرواة فالكلام هو الكلام، إذاً نعتمد على الشيخ الصدوق في ذلك، فهذا الإشكال يرتفع.

والإشكال الثالث: يقول: إن الكتب المشهورة التي أخرج الشيخ الصدوق (ره) روايات كتابه منها هي كتب مشايخه وأبيه أو محمد بن الحسن بن الوليد، هذه الدعوى مجانبة لما صرح به الشيخ الصدوق نفسه، فالشيخ الصدوق في ذيل كلامه المتقدم وأنه ينقل الكتب المشهورة ذكر مصاديق للكتب المشهورة، قال: (مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي وكتب علي بن مهزيار الأهوازي وكتب الحسين بن سعيد ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله وجامع شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه، ونوادر محمد بن أبي عمير وكتب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي ورسالة أبي رضي الله عنه إلي وغيرها من الأصول والمصنفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضي الله عنهم وبالغت في ذلك جهدي)[1]

هذا نص ما ذكره الشيخ الصدوق في ذيل كلامه المتقدم عندما قال بأنه لا ينقل إلا عن الثقاة، يعني عبارته الأولى عندما قال (وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع) بعد ذلك ساق الأمثلة وقال مثل كتاب فلان وفلان وفلان، فإذاً تصريح الشيخ الصدوق بأنه ليس اعتماده فقط على رسالة والده وكتاب شيخه ابن الوليد، يعني هذه النسبة غريبة، والسيد الخوئي (ره) قال: (وإن الكتب المعروفة المعتبرة التي أخرج الصدوق روايات كتابه منها ليست هي كتب من بدأ بهم السند في الفقيه، وقد ذكر جملة منهم في المشيخة وإنما هي كتب غيرهم من الأعلام المشهورين التي منها رسالة والده إليه طاب ثراهما وكتاب شيخه محمد بن الحسن بن الوليد (قده) فالروايات الموجودة في الفقيه مستخرجة من هذه الكتب وأما أنها صحيحة أو غير صحيحة فهو أمر آخر أجنبي من هذه الكتب) الآن الذي نقلناه تصريح الشيخ الصدوق أنه ليس فقط من هذه الكتب كتاب حريز كتاب الحلبي كتاب الأهوازي وكتب الحسين بن سعيد، ومن جملتها أيضاً جامع شيخه ابن الوليد، فإذاً هذه الدعوى في الإشكال الثالث من السيد الخوئي مجانية لما صرح به الشيخ الصدوق نفسه.

إذاً العمدة في الإشكال هو الإشكال الأول، وهو أن تصحيح أحد الأعلام المتقدمين لرواية لا يقتضي صحة الرواية عند من يشترط وثاقة الراوي، نحن نشترط وثاقة الراوي إذاً مجرد أن أحد الأعلام المتقدمين هي صحيحة هذا المقدار لا يفيد لأننا لا نعلم بأن تصحيحه كان ناشئاً من توثيق الرواة، بل ربما تصحيحه ناشئ من جهة أخرى، هذا الإشكال هو المهم في البحث.

وهذا الإشكال الذي هو العمدة في المقام، يتم إن كان طريقة القدماء في التصحيح كما نُقل عنهم ونقله أيضاً حتى السيد الخوئي أو قال به السيد الخوئي، ليست بالمعنى المتأخر المبني على توثيق الرواة، الصحيح عند المتأخرين هو أن يكون الراوي ثقة إمامياً عن ثقة إمامي إلى آخره، هذا نسميه صحيح، أما الصحيح عند المتقدمين فقالوا ليس بهذا المعنى، فمثلاً المحقق البهبهاني (ره) يقول: إن الصحيح عند القدماء هو ما وثقوا بكونه من المعصوم، حصل عندهم وثوق بأنه من المعصوم، أعم من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقاة أو أمارات أخرى، ويكونوا بصدوره عنهم أو يظنون.

إذاً هذا هو معنى الصحيح عند المتقدمين، وعلى ضوء هذا الكلام يأتي إشكال السيد الخوئي، أنه مجرد تصحيح أحد القدماء لرواية لا يعني أنه يقول بوثاقة جميع الرواة ووثاقة الطريق كله، فلهذا لا نستنتج الصحة عندنا أو نستنتج الوثاقة للرواة، على هذا الكلام الإشكال نعم يكون تاماً، إذ لا نعلم أنه حكم بالصحة عن أي طريق هل هو من طريق الوثاقة أو من طريق الوثوق؟ لا نعلم، وما لم نعلم طريقة المصحح فالتصحيح لا يمكن الحكم بصحة الرواية عندنا بمجرد الحكم بصحة الرواية بتصحيح أحد المتقدمين.

ولكن نقول: إطلاق هذا الحكم والنسبة إلى المتقدمين بنحو مطلق، هذا المعنى لا يخلو من نظر وتأمل، فإن عباراتهم في ذلك مختلفة، فيمكن أن يستفاد من بعض كلمات الشيخ الصدوق (ره) أنه يبني التصحيح على توثيق الرواة لا على أمور أخرى، وعلى هذا إذا تم هذا المعنى يندفع الإشكال، فهو كما يظهر منه فيما نقلناه عنه في نوادر محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري الذي أشرنا ونلناه سابقاً من الاستثناء، يعني أن ابن الوليد مجموعة من الرواة فلهذا لا يؤخذ برواياتهم، هذا الاستثناء الذي اعتمده الشيخ الصدوق يظهر منه أنه يعتمد على توثيق الرواة ولا سيما إذا ضممنا إليه ما نقله الشيخ النجاشي (ره) عن أبي العباس بن نوح يتأكد هذا المعنى، قال الشيخ النجاشي: (عن أبي العباس بن نوح وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن الوليد في ذلك كله) يعني في الاستثناء أن ابن الوليد استثنى مجموعة من الرواة في كتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، هؤلاء الذين استثناهم ضُعفوا عند غير واحد من الرجاليين اعتبروهم ضعفاء من جملتهم الشيخ الصدوق، هذا التضعيف الآن يتكلم عنه أبو العباس بن نوح يقول حسب نقل النجاشي (وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله وتبعه أبو جعفر ابن بابويه رحمه الله على ذلك إلا في محمد بن عيسى بن عبيد فما أدري ما رأيه فيه لأنه على ظاهر العدالة والثقة) فنلاحظ هنا أن أبي العباس ابن نوح فهم من استثناء ابن الوليد ومن تبعية الشيخ الصدوق أن الاستثناء كان من أجل تضعيفهم وعدم وثاقتهم بدليل أنه قال: (أصاب في ذلك كله إلا في محمد بن عيسى بن عبيد) فمحمد بن عيسى بن عبيد الراوي عن يونس يقول: هو على ظاهر العدالة والثقة فلماذا استثناه، إذاً من هذا التعبير أنه على ظاهر العدلة والوثاقة معناه أن ابن الوليد كان ناظراً في الاستثناء إلى كونهم ضعاف وعدم ثقاة وعدم عدول، وإلا لا معنى لكلام أبي العباس بن نوح، إذاً هذه العبارة الاستثناء من جهة وضميمة عبارة أبي العباس من جهة ثانية نستكشف أن الشيخ الصدوق وتبعاً لأستاذه كانا يعتمدان في التضعيف على تضعيف الراوي كذلك في التوثيق لا على مجرد جمع قرائن أو ما شاكل، هذه عبارة.

ومن جهة أخرى نراه في موضع آخر يقول الشيخ الصدوق: (كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه سيء الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث وإني أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب لأنه كان في كتاب الرحمة وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي) هذا في كتاب العيون للشيخ الصدوق، وهذه العبارة يستفاد منها أنه لم يكن يعتمد على كونه ثقة أو ضعيفاً الراوي وإنما اعتمد لعدم إنكار شيخه له مع أن شيخه كان سيء الرأي في الراوي، فنلاحظ أن ابن الوليد كان سيء الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي يعن يضعفه ولا يوثقه ولا يعتمد عليه كراوٍ، ولكن أنا الشيخ الصدوق أخرجت هذه الرواية التي رواها المسمعي في الكتاب لأن هذه الرواية موجودة في كتاب الرحمة وقرأت هذا الكتاب على ابن الوليد ولم ينكره ورواه لي، فإذاً اعتمد عليه، فابن الوليد رواية المسمعي مع أنه سيء الرأي في نفس المسمعي هذا قرينة على أن عنده قرائن حافة بالكلام بحيث حصل عنده وثوق بهذه الرواية بالخصوص، فلذلك نقلها الشيخ الصدوق ولذلك لم ينكرها ابن الوليد، فمن هذا يظهر أن عبارات المتقدمين مختلفة أحياناً قد يظهر منها أنهم يعتمدون في التصحيح على وثاقة الرواة وأحياناً قد يعتمدون لا على مجرد وثاقة الرواة، فالقطع بجهة معينة هذا لا يخلو من نظر، ولهذا بعض الرجاليين المتأخرين (حفظهم الله) قال رأي المتقدمين في التصحيح هو الاعتماد على وثاقة الرواة كما هو الحال عندنا، ولكن يصطدم كلامه مع ما نقلناه الآن من كلام للشيخ الصدوق في حق المسمعي.

فيمكن أن نقول في الجملة والبحث في ذلك طويل ومهم ولكنه بحثه في محله، يمكن أن يقال كما أفاد السيد الأبطحي (ره) قال في هذا المقام بشكل عام في روايات المتقدمين: إن التتبع في كلمات الأصحاب لمن أنكر حجية خبر الواحد إلا إذا كانت محفوفة بالقرائن المفيدة للعلم، من خلال ما ذكره الشيخ (ره) في كتاب العدة في باب القرائن الدالة على صحة الأخبار واختلاف أصحاب الحديث الكوفيين والقميين في الجرح والتعديل والتضعيف والتصحيح يمنه هذا التتبع من الأخذ بتصحيحهم أو تضعيفهم، بمعنى عدم دلالة التصحيح على توثيق الرواة، يعني عندما نتابع هذه الأمور في أماكن متعددة وفي جهات مختلفة نلاحظ أن تصحيحهم غير مبني دائماً على توثيق الرواة بل ربما يكون تصحيحهم من أجل القرائن فلذا الشيخ عقد باب القرائن الدالة على صحة الأخبار، إذاُ ليس مجرد التوثيق.

على هذا القول نقول ملخصاً: بأن تصحيح الشيخ الصدوق (ره) لروايةٍ لا يعني أنه يحكم بوثاقة جميع رواتها حتى يمكن أن نعتمد عليه نحن الذين نشترط وثاقة الراوي، بل ربما يكون تصحيحه ناشئ من جهات أخرى غير وثاقة الراوي، على هذا يتم الإشكال الأول الذي أفاده السيد الخوئي (ره).


[1] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص4.