الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

 

المورد الرابع من الروايات:

ذكرنا فيما مضى موارد ثلاثة لحديث لا ضرر ولا ضرار، طبعاً المورد الأول كان قضية سمرة والمورد الثاني كان حديث الشفعة والمورد الثالث كان لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء، هذا المورد طبعاً ربما يظهر منه أنه نفس المورد الثاني، يعني الشفعة الذي هو أخرجه المشايخ الثلاثة كما قلنا (أنه قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في الشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال: لا ضرر ولا ضرار) وهذا الحديث (لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء) أيضاً نفس السند وعن نفس عقبة بن خالد وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بين أهل المدينة في مشارق النخل وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل يمنع به فضل كلاء وقال: لا ضرر ولا ضرار)

هنا يُحتمل احتمالاً وهذا سيأتي البحث فيه لأنه نقطة مهمة في معرفة مفاد حديث لا ضرر، يحتمل أن حديث عقبة حديث واحد ولكن التصنيف للروايات اقتضى توزيع المتون بحسب الأبواب كما هو معلوم أنه ربما تكون رواية واحدة ولكن تشتمل على عدة أحكام في أبواب مختلفة فلما جاء المحمدون الثلاثة وزعوا هذه الرواية، يعني مثلاً الشيخ الصدوق أو الشيخ الطوسي قسم ما يناسب حديث الشفعة وضعه في باب الشفعة وقسم ما يناسب لا يمنع فضل ماء في بابه المناسب، هذا الاحتمال قريب جداً، ومع هذا الاحتمال لا يكون عندنا ثلاث روايات، لما نريد أن نحسب الروايات حتى نستفيد فيما بعد وجود تواتر أو عدم وجو تواتر لا نقول قضية سمرة رواية وحديث الشفعة رواية وحديث لا يمنع من فضل ماء رواية ثالثة بل الروايتين الأخيرتين نجعلهما رواية واحدة، ونجعل العنوان واحد وهو ما ورد في جملة من أقضية الرسول صلى الله عليه وآله، على كل حال أحببنا التنبيه على هذه النقطة لتفيدنا فيما بعد.

المورد الرابع: الذي ورد فيه لا ضرر ولا ضرار هو مراسيل:

المرسلة الأولى: مرسلة الشيخ الصدوق (ره) في كتابه المقنع، قال: (ورويت أنه جاء رجل إلى عمر بن الخطاب ومعه رجل فقال: إن بقرة هذا شقت بطن جملي، فقال عمر: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله فيما قتل البهائم أنه جبار)، والجبار هو الذي لا دية له ولا قود بهيمة قتلت بهيمة، (فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قضى النبي صلى الله عليه وآله لا ضرر ولا ضرار، إن كان صاحب البقرة ربطها على طريق الجمل فهو له ضامن، فنظروا فإذا تلك البقرة جاء بها صاحبها من السواد وربطها على طريق الجمل، فأخذ عمر برأيه عليه السلام، وأغرم صاحب البقرة ثمن الجمل) محل الشاهد هو ما رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام (لا ضرر ولا ضرار) ولكن هذه الرواية مرسلة في كتاب المقنع للصدوق في الفقه، وتعمد حذف الأسانيد لسهولة الحمل وسرعة الانتشار، وسيأتي الحديث عنها لاحقاً.

المرسلة الثانية: مرسلة الشيخ في كتابه الخلاف، الشيخ هناك في أكثر من بحث ذكر هذه الرواية مرسلة، من جملة ذلك ما ذكره في الغبن، قال: (دليلنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا ضرر ولا ضرار وهذا ضرر لأنه إذا اشترى ما يساوي عشرة بمائة فإن ذلك غاية الضرر، وقول النبي صلى الله عليه وآله يبطله) هنا طبعاً للفائدة نذكر كامل المسألة بحسب ما هو في الخلاف، يقول في الخلاف في المجلد الثالث صفحة 41 المسألة الستون (إذا اشترى فبان له الغبن فيه كان له الخيار إذا كان مما لم تجرِ العادة بمثله) يعني إذا كان الفراق فاحش أما إذا كان بسيط عادة يختلف من محل لآخر، يعني فرق بقدار بسيط مثلاً على سوق العراق فرق ألف دينار بين محل ومحل هذا لا يُعد غبناً، الغبن بحيث يكون الفرق فاحشاً (إلا أن يكون عالماً بذلك فيكون العقد ماضياً لا رجوع له فيه، وقال أبو حنيفة والشافعي معاً: ليس له الخيار سواء كان الغبن قليلاً أو كثيراً، وقال مالك: إن كان الغبن دون الثلث فلا خيار له، وإن كان الثلث مما فوقه كان له الخيار، وبه قال أبو يوسف وزُفَر، دليلنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا ضرر ولا ضرار)

هذه مرسلة باعتبار أنه مباشرة قال: روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا ضرر ولا ضرار، فتكون مرسلة كما هو واضح.

في مورد آخر أيضاً في بيع النخل المؤبر قال: (دليلنا على وجوب تبقيته أن المرجع في ذلك إلى العادة والعادة جارية أن الثمار لا تشترى إلا على أن تؤخذ في أوانها، فأما قبل أوانها فإن ذلك لم تجر به العادة، ولأن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا ضرر ولا ضرار، وقطعها في غير وقتها فيه ضرر) هذه المسألة أيضاً تكملتها في المجلد الثالث صفحة 80 المسألة 131 (إذا باع نخلاً مؤبراً فقد قلنا إن الثمرة للبائع والأصل للمشتري، فإذا ثبت هذا فلا يجب على البائع نقل هذه الثمرة حتى يبلغ أبان الجذاذ في العرف والعادة)، بما أن الثمرة للبائع فلا يجوز للمشتري أن يطلب من البائع أنه خذ الثمرة الآن ولا يجب على البائع نقل الثمرة الآن بل ينتظر إلى أن تتم إلى وقت حصادها هناك تؤخذ (وكذلك إذا باع ثمره منفردة بعد بدو الصلاح فيها وجب على البائع تركها حتى يبلغ أوان الجذاذ) أيضاً نفس الكلام إذا المشتري اشترى الثمرة لوحدها الموجودة على النخل مثلاً بعد بدو الصلاح، هنا يجب على البائع أن يترك لا يقول هذا نخلي وأنا بعتك الثمرة وخذ الثمرة، لا بل يجب على البائع تركها، (وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يلزمه قطعها وتفريغ النخل منها، دليلنا) الآن اختار أن تبقى إلى أوان الحصاد قال: (دليلنا على وجوب تبقيته أن المرجع في ذلك إلى العادة والعادة جارية أن الثمار لا تشترى إلا على أن تؤخذ في أوانها) أنا أشتري الثمار لا لكي أقطفها الآن ولا أستفيد منها وإنما أتركها إلى أوانها، وبعبارة أخرى كأن الشيخ يقول هذا شرط ارتكازي (فأما قبل أوانها فإن ذلك لم تجر به العادة) ثم قال: (ولأن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا ضرر ولا ضرار، وقطعها في غير وقتها فيه ضرر) محل الشاهد هنا وهذه مرسلة.

طبعاً في بعض الموارد التي ذكرها الشيخ عبّر أيضاً لا ضرر ولا إضرار، مثلاً في باب القسمة قال: (دليلنا قوله عليه السلام: لا ضرر ولا إضرار، وذلك عام وهذا إضرار لأنه لا يمكن الانتفاع بهذا الخبر استدل من راعى نقصان القيمة ولي فيه نظر) طبعاً هذا في مسألة يذكرها في المجلد السادس صفحة 229 المسألة 27 يقول: (كل قسمة كانت فيها ضرر على الكل مثل الدور والعقارات والدكاكين الضيقة لم يُجبر الممتنع على القسمة والضرر، لأن هذا لا يمكنه الانتفاع بما يُفرد له، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال أبو حامد: الضرر يكون في ذلك بنقصان القيمة، فإذا قُسّم ينقص من قيمته لم يُجبر على القسمة، وقال مالك: يُجبر على ذلك، دليلنا: قوله عليه السلام لا ضرر ولا إضرار وذلك عام وهذا إضرار، لأنه لا يمكنه الانتفاع وبهذا الخبر استدل من راعى نقصان القيمة ولي فيه نظر)

فالمهم نلاحظ هنا: أن الروايات التي استدل بها الشيخ (ره) سواء كان بتعبير لا ضرر ولا ضرار أو لا ضرر ولا إضرار، هذه الروايات مرسلة، الكلام في هذه النقطة فعلاً، الآن اقتصرنا فقط على ذكر هذه الموارد وهناك عدة موارد.

بالنسبة إلى مرسلة الشيخ: هذه لا تضيف لنا قيمة جديدة لدخولها في التواتر بحيث نعتبرها رواية مستقلة، لما نريد أن نحسب التواتر نجعلها من ضمنها، باعتبار أن الشيخ كان في مقام الاستدلال ويظهر استناده في هذا إلى الرواية المسندة عنده، فالشيخ روى لا ضرر ولا إضرار في التهذيب وبطريق وبعض الطرق معتبرة كما قلنا، مثل رواية عبد الله بن بكير عن زرارة هذه معتبرة ويرويها الشيخ فمن المحتمل جداً والقريب جداً المطمئن به أن الشيخ هنا لما قال: قال النبي لا ضرر ولا ضرار يشير إلى ما رواه هو نفسه وهو ثابت عنده وبطريق صحيح.

إذاً هذه ليست رواية جديدة أو رواية أخرى حتى لما نريد أن نحسب الروايات نعد من جملتها هذ الرواية، فإذاً هذه المرسلة التي من طرف الشيخ لا تضيف لنا قيمة جديدة لا في حساب الاحتمالات ولا في باب التواتر، فإذاً هذه لا تعد رواية أخرى.

أما بالنسبة إلى رواية الصدوق (ره) فمن الواضح كما قرأنا متنها أن موردها يختلف عن مورد الروايتين السابقتين، يعني تلك مثلاً في قضية سمرة وفي حديث الشفعة قال لا ضرر وحديث لا يمنع فضل ماء أيضاً لا ضرر، هنا في رواية أخرى عن أمير المؤمنين عليه السلام وهو الذي تمسك بقول النبي صلى الله عليه وآله لا ضرر ولا ضرار، نلاحظ هكذا (أنه جاء رجل إلى عمر بن الخطاب ومعه رجل فقال: إن بقرة هذا شقت بطن جملي، فقال عمر: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله فيما قتل البهائم أنه جبار، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قضى النبي صلى الله عليه وآله لا ضرر ولا ضرار) فإذاً مرسلة الشيخ الصدوق تعتبر رواية أخرى غير الروايتين السابقتين.

الكلام هنا: أن الشيخ الصدوق أرسلها مرسلة في كتاب المقنع، فبما أنها كذلك ربما نقول بأنها ضعيفة لا نعتمد عليها، فلهذا من هذه الجهة لا يثبت عندنا إلا قضية سمرة وحديث الشفعة على المختار.

ولكن هنا لا بأس بالإشارة إلى مراسيل الشيخ الصدوق، وهي على نحوين: أحياناً بعنوان روي وأحياناً بعنوان قال، هذه المرسلات خصوصاً المرسلات الموجودة في كتاب الفقيه، وهل هذا البحث الذي سنطرحه الآن يشمل غير روايات الفقيه أو لا؟ طبعاً محل إشكال وتأمل، إلا على حسب بعض الكتب بحسب المقدمة الموجودة عند الشيخ الصدوق، ينبغي ملاحظة هذه الجهة.

أما بالنسبة إلى الفقيه، وهذا بحث أيضاً سنستفيد منه في رواية أخرى سيأتي الكلام عنها إن شاء الله، لا بأس بتقديم هذا البحث فعلاً.

نقول ملخصاً: مرسلات الشيخ الصدوق بعنوانين، تارة بعنوان روي عن أبي عبد الله عليه السلام، وتارة بعنوان قال أبو عبد الله عليه السلام، اختلف الأعلام في حجية مراسيله، وخصوصاً في كتاب الفقيه، هل أن مراسيله حجة أو لا؟

الأقوال في ذلك ثلاثة:

القول الأول: حجية مرسلات الشيخ الصدوق في الفقيه.

القول الثاني: عدم الحجية.

القول الثالث: التفصيل بين عنوان روي وبين عنوان قال.

أما القول الأول: وهو حجية رواياته مطلقاً بعنوان روي أو بعنوان قال، فاستند في ذلك إلى ما ذكره الشيخ الصدوق في مقدمة الفقيه، لأنه قال: (وصنفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلا تكثر طرقه وإن كثرت فوائده) وفي المشيخة ذكر طرقه وأسانيده هناك، ولكن للأسف فإن كثيراً من الرجال والرواة الذين روى عنهم في المتن لم يذكر طريقه إليهم في المشيخة، فلهذا تسبب في مراسيل كثيرة عند الشيخ الصدوق في الفقيه، فبعضهم قال: بأن جميع رواياته معتبرة ومن جملتها المرسلات سواء كانت بعنوان روي أو بعنوان قال، لأنه قال: (ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه) يعني لم أقصد أن أكتب كتاب جامع الأخبار، (بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع) هذه العبارة استفيد منها من جملتين أن روايات الشيخ الصدوق في الفقيه كلها معتبرة وصحيحة، فبالنسبة إلى المرسلة بعنوان قال وبعنوان روي أيضاً يدخل في ذلك.

الجملة الأولى الدالة على ذلك أنه قال: (بل قصدت في هذا الكتاب إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته) فهنا الشيخ الصدوق يحكم بصحة هذه الروايات، معنى ذلك أنه روى هذه الروايات بطرق صحيحة عنده فهو يحكم بوثاقة رواتها فلهذا نقول باعتبار جميع كتاب الفقيه وباعتبار المرسلات الموجودة فيه، وإضافة إلى هذا (وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي)

الجملة الثانية التي استدل بها: هي الجملة الأخيرة وهي: (وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع) هذه العبارة تقول: بأن الروايات التي أخرجتها في كتاب الفقيه اعتمدت فيها واستخرجتها من كتب مشهورة وأيضاً عليها المعول وإليها المرجع، هذه كتب مشهورة نفترض كتاب زرارة كتاب مشهور وصل إلى الشيخ الصدوق وهو مشهور، إذاً نسبة الكتاب إلى زرارة أمر مفروغ عنه يبقى أن نلاحظ وزرارة ثقة وهو يروي عن الإمام، إذاً هذه الكتب التي استخرج منها كتاب الفقيه هي كتب مشهورة وصلت إليه بنحو إليه بنحو الشهرة وهي معول عليها وهي مرجع، غايته أنه نبحث عن صاحب الكتاب نفسه، لأن هذا الكتاب وصل له مثلما الآن وصل الكافي لنا، لا نبحث في طريقنا إلى الكافي فهو وصل بنحو الشهرة والشياع والتواتر وما شاكل، الكتب في ذلك الوقت التي استخرج الشيخ الصدوق منها هذه الروايات وصلت إليه وهي مشهورة، إذاً طريق الشيخ الصدوق إلى صاحب الكتاب فقط يُذكر لرفع الرواية عن حد الإرسال إلى حد الإسناد وإلا لا حاجة لها في الواقع، هذا الرأي ينسب إلى السيد البروجردي (ره) هذه النقطة الأخيرة، فهو من خلال هذه العبارة (وجميع ما ففيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع) يقول: بأنه لا حاجة للبحث في طريق الشيخ الصدوق إلى صاحب الكتاب، لأن هذا الكتاب مشهور فهو كما قلنا الآن بمثابة كتاب الكافي بالنسبة لنا، أو كتاب العروة الوثقى بالنسبة لنا، كتاب مشهور لا نحتاج أن نقول: حدثنا به فلان عن فلان عن فلان عن صاحب العروة بكتابه، لو أراد شخص أن يذكر هذا فقط هكذا نوع من التعبد والتبرك أو بتعبير المتقدمين رفع الرواية من حد الإرسال إلى حد الإسناد.

إذاً من خلال هاتين الجملتين استفيد بأن جميع روايات الفقيه معتبرة سواء كانت مرسلة أو غير مرسلة والمرسلة سواء كانت بعنوان قال أو بعنوان روي، هذا القول الأول ووجهه.

القول الثاني يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.