الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

 

تنبيهان في رواية عقبة بن خالد:

بقي تنبيهان نشير إليهما في رواية عقبة، فعلى فرض أنه لم يتم سندها، ونحن على حسب ما قدمنا قلنا بأن سند الشيخ الكليني والشيخ الطوسي لا إشكال فيهما، وسند الشيخ الصدوق يبقى فيه تأمل واضح، ولكن الآن على فرض أنه لم يتم سند رواية عقبة، فهنا تنبيهان ينبغي ملاحظتهما:

التنبيه الأول: أنه يمكن أن يقال بانجبارها بعمل الأصحاب، وذلك لرواية المشايخ الثلاثة لها، ولا يظهر منهم ردها بل ربما يظهر منهم قبولها باعتبار ما ذكروه في مقدمات كتبهم خصوصاً ما ذكره الشيخ الكليني في مقدمته وما ذكره الشيخ الصدوق في مقدمته مثلاً قول الشيخ الصدوق ما مضمونه أنه لم يخرج إلا ما يفتي به بينه وبين الله، أو عبارة الشيخ الكليني أنه رويت الصحاح عن الصادقين ومثل هذا التعبير، فالمهم أنه لم يُعلم رد من قبلهم إن لم يكن هناك ظهور في قبولهم، وكذلك بالنسبة لمن جاء بعدهم.

فيستظهر من ذلك: عملهم بهذه الرواية واعتمادهم عليها، وعمل الأصحاب والمشهور يكون جابراً لضعف السند، فالنتيجة أن رواية عقبة وإن كانت ضعيفة السند إلا أنها منجبرة بعمل الأصحاب، هكذا ربما يقال.

ولكن في هذا القول إشكال كبروي وصغروي، الكبروي: أن كبرى انجبار الرواية الضعيفة بعمل الأصحاب أو المشهور غير ثابتة، يعني للتوضيح أكثر: تارة نقول عمل الأصحاب من قبيل الإجماع مثلاً هذا له شأن خاص، وتارة كما هو محرر في الأصول يقولون عمل المشهور، أن يعمل المشهور على طبقها، عمل المشهور هل يجبر الخبر الضعيف أو لا؟ هذا محل كلام طويل بينهم في الأصول على أقوال، بعضهم قال: إن الشهرة جابرة وكاسرة، وبعضهم قال: إن الشهرة لا جابرة ولا كاسرة، وبعضهم قال: إن الشهرة جابرة غير كاسرة، وبعضهم قال: إن الشهرة كاسرة غير جابرة، فهذا محل بحث.

والصحيح: أنه لم يثبت على الإطلاق أن عمل المشهور يوجب الانجبار، نعم ربما يقال في بعض الموارد مثلاً: لو افترض أنه انحصر مدرك عمل المشهور في هذا النص، كما ربما يقال في بعض روايات عمر بن حنظلة: إنه في بعض الأحكام لم يكن هناك مستند لها إلا رواية لعمر بن حنظلة، فمن هذا استُفيد قبول روايته عند الأصحاب حتى غير المقبولة المشهورة أيضاً في غير موارد أنه انحصرت الفتوى في خصوص ما رواه ابن حنظلة فاستفيد من ذلك قبول روايته.

في بعض الموارد لو انحصر مدرك الأصحاب في رواية ولاحظنا أن المشهور كلهم يعملون بها في مثل هذا المورد يمكن وهذا بحثه في محله، ولكن في الجملة نقول: بأن كبرى انجبار الرواية الضعيفة بعمل المشهور غير ثابتة في الجملة، هذا من حيث الكبرى.

أما من حيث الصغرى: فلم يثبت أن المشهور عملوا بهذه الرواية، لأننا نحتاج أن يستند المشهور على فرض تسليم الكبرى إلى الرواية، يعني عمل المشهور بها لا مجرد مطابقة فتوى المشهور للرواية، فرق بين الأمرين، تارة عمل المشهور بها، مثلاً يذكر الفتوى ويعللها لرواية فلان أو لخبر فلان فنعرف أنه استند إلى الرواية، وتارة يفتي المشهور بدون أن يُسند هذه الفتوى إلى هذه الرواية ولكن الفتوى متطابقة مع الرواية، مجرد المطابقة لا يكفي ولا بد من إحراز استنادهم وعملهم إلى الرواية، هنا لم نحرز استناد المشهور إلى الرواية وذلك: لتعدد الروايات في الشفعة بحيث ادعى صاحب الرياض الاستفاضة، مثلاً: قال صاحب الرياض: أولاً قال صاحب الشرائع: (واعلم أنه تثبت في الأرضين والمساكن إجماعاً)، ويعلق صاحب الرياض: (كما هنا والشرائع شرحه وشرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي والنصوص بذلك مستفيضة جداً) فإذاً النصوص في باب الشفعة مستفيضة جداً بتعبيره ومنها هذه الرواية التي نقلناها، ومع وجود الاستفاضة لا نحرز أن المشهور استندوا في هذه الفتوى لهذه الرواية حتى نقول بأن عملهم جابر.

إذاً دعوى انجبار هذه الرواية -على فرض ضعفها في نفسها- بعمل المشهور غير ثابت صغروياً حتى لو تمت الكبرى، هذا التنبيه الأول.

التنبيه الثاني: على عكس ما قيل في التنبيه الأول، يعني على فرض صحة الرواية كما اخترناه ورجحناه، قد يُدعى وهن هذه الرواية بإعراض المشهور عنها أو الأصحاب عنها، فيلزم طرحها، وذلك: لأن مفاد هذه الرواية ثبوت الشفعة بين الشركاء وإن كانوا أكثر من اثنين، لأن تعبير الرواية تعبير الشركاء (قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في الشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن) هذا التعبير (بين الشركاء) يفيد الجمع يعني ثلاثة وما فوق يعني أن مفاد هذه الرواية ثبوت الشفعة بين الشركاء وإن كانوا أكثر من اثنين، بينما رأي الأصحاب أن الشفعة إنما تكون لأحد الشريكين، يعني إذا كان اثنان مشتركين في أرض مثلاً وبالشروط الموجودة هناك، إذا شخص باع نصيبه لآخر الشريك الثاني له حق الشفعة، أما إذا كان الشركاء ثلاثة وباع أحدهم على شخص أجنبي عن الثلاثة فليس للشريكين شفعة، رأي الأصحاب هو هذا أن الشفعة تكون لأحد الشريكين.

لإثبات ذلك، قال العلامة في الإرشاد: (إذا باع أحد الشريكين حصته كان للآخر أخذه بما يقع عليه العقد بشروط ثمانية، الأول: ألا يزيد الشركاء على اثنين).[1]

المقدس الأردبيلي (قده) علق على هذه العبارة بقوله: (وهو مذهب أكثر المتأخرين)، والشهيد (ره) قال: (ولا يثبت لأزيد من شريكين على الأشهر ويكاد يكون إجماعاً كما نقله ابن إدريس وقول ابن الجنيد بثبوتها مع الكثرة نادر وكذا قول الصدوق بثبوتها في غير الحيوان مع الكثرة وفي الحيوان مع الشريك الواحد لرواية عبد الله بن سنان) محل الشاهد أنه قال (ولا يثبت لأزيد من شريكين على الأشهر ويكاد يكون إجماعاً) [2]

إذاً لما نلاحظ الرواية ومضمونها نلاحظ أن مضمونها هو ثبوت الشفعة لأكثر من اثنين والفتوى عند الأصحاب أو مشهور الأصحاب أنه لا تثبت لأزيد من اثنين، إذا كانت الشركة أزيد من اثنين لا يثبت حق الشفعة، فإذاً الأصحاب اعرضوا عن هذه الرواية، فعلى فرض أن تكون الرواية صحيحة من حيث السند إلا أنها موهنة وتنكسر بإعراض المشهور عنها، هكذا ربما يقال.

ولكن أيضاً يأتي البحث الكبروي نفس الكلام السابق، هل إعراض المشهور كاسر أو غير كاسر؟ هذا بحث أيضاً، وعلى فرض الكسر، يعني قلنا بأن إعراض المشهور كاسر كما هو رأي الشيخ الوحيد (حفظه الله) وأخرين، نقول: لم يثبت أن المشهور أعرضوا عنها وذلك: لعدم دلالتها على ما يخالف فتوى المشهور، دعوى الإعراض نشأت من التمسك بكلمة الشركاء، (الشركاء) جمع فيفيد ثلاثة فما فوق، فمعنى ذلك أن الرواية تفيد ثبوت حق الشفعة حتى إذا كانوا أكثر من اثنين، ولكن معناها ليس كذلك، هنا كما يقال: مقتضى المقابلة بين الجمع والجمع هو الانحلال على حسب الأفراد، وللتوضيح في هذه الجهة نقول: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الإنسان له وجه واحد، فاغسلوا وجوهكم كيف يكون؟ قالوا: فاغسلوا وجوهكم خطاب إلى الجمع فاغسلوا إلى الجميع وجوهكم يعني كل واحد يغسل وجهه، فينحل بحسب الأفراد، الخطاب للجميع المتعلق ذكره بنحو الجمع معناه أن كل واحد واحد يغسل وجهه، هذا بحسب مقابلة الجمع بالجمع.

هنا أيضاً بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، لم يقل الشفعة بين الشركاء في الأرض أو المسكن، لو ذكر هكذا يستفاد منها تعدد الشركاء أكثر من اثنين في شيء واحد، ولكن الرواية قالت بين الشركاء في الأرضين والمساكن، فالشركاء جمع والأرضين جمع ومقابلة الجمع للجمع بين الشركاء والأرضين والمساكن ينحل إلى كل شريك في كل أرض، ومعناه كل شريك في كل أرض أو مسكن له حق الشفعة، فلا دلالة فيها على ثبوت شفعة الشركاء الذين هم أكثر من اثنين في الأرض الواحدة لتثبت الدعوى الأخرى.

ولا أقل هذا المعنى محتمل إن لم يكن ظاهراً من النص، فإذا كان محتمل لا نقول بأن الأصحاب أعرضوا عنها، لأن الرواية يحتمل أحد الأوجه فيها أنها بنحو مقابلة الجمع بالجمع فيكون بنحو الانحلال فلا تدل على ثبوت حق الشفعة في أكثر من اثنين، فلم يثبت إعراض المشهور عنها.

إذاً حتى لو فرضنا بأن الكبرى تامة وأن إعراض المشهور موهن للخبر القوي أو للخبر الصحيح إلا أن هذه الرواية لا يستفاد منها ما يستفاد إعراض المشهور عنه، هذا تمام الكلام في رواية عقبة بن خالد.

تحصل إلى هنا: بأن حديث الشفعة المروي عن عقبة بن خالد معتبر سنداً لا أقل في طريق الشيخ الكليني والشيخ الطوسي.

هنا طائفة ثانية مما ورد في الشفعة أيضاً:

وهي ما ورد في كتاب فقه الرضا عليه السلام، وورد فيه (ولا ضرر في شفعة ولا ضرار، والشفعة على البائع والمشتري وليس للبائع أن يبيع أو يعرض على شريكه أو مجاوره ولا للمشتري أن يمتنع إذا طولب بالشفعة) [3]

هذه الرواية محل شاهدنا هو الأول (لا ضرر في شفعة ولا ضرار)، وفي الطائفة الأولى وهي رواية عقبة كانت هكذا (قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في الشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال: لا ضرر ولا ضرار) وهذه الرواية قالت (لا ضرر في شفعة ولا ضرار) اللفظ تقريباً واحد، يعني يدخل فيما نحن فيه الآن لفظ (لا ضرر ولا ضرار) مستقلاً لوحده، غاية ما هنالك هنا جعل في شفعة بينهما ولا ضرر في شفعة ولا ضرار، لا يؤثر من هذه الجهة، فيمكن أن يُتسمك بهذه الرواية.

لكن في كتاب فقه الرضا عليه السلام، بحث طويل الذيل، أنه هل هو رواية أو هو لأحد أصحاب الأئمة عليهم السلام، هل هو إلى علي بن بابويه؟ هل هو للشلمغاني؟ مختلف فيه ومحل بحث طويل، وكيف وجد؟ وما هو سنده؟ ومتى حصل؟ لأنه هذا الكتاب لم يظهر إلا في عصر والد الشيخ المجلسي وذكر الشيخ المجلسي قصته في ذلك، والبحث فيه طويل يخرجنا عن الموضوع.

حاصل الكلام: أنه لم تثبت نسبة هذا الكتاب إلى الإمام الرضا عليه السلام، إما أن يكون هو كتاب علي بن بابويه هو الذي هو كتاب الشرائع وإما أن يكون كتاب الشلمغاني، ولعله للشلمغاني أقرب، على كل حال الشلمغاني كتاب التكليف وهو كتاب فتوائي واستفاده من الروايات، المهم هذا بحثه في محله.

فلو فرضنا أنه كتاب رواية فهي رواية غير معتبرة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إذا كانت رواية لا تفيدنا يعني إذا كان كتاب فتوى لأحد الأصحاب وإن استند إلى الروايات لا تفيدنا قيمة معينة لأنه ربما هو استفاد من حديث عقبة أو من حديث زرارة، لا يستفاد منه رواية مستقلة أو في مورد مستقل حتى يمكن أن نجعله في ضمن الروايات إذا أفادت التواتر مثلاً، سنده غير واضح وربما يكون مأخوذ من نفس رواية زرارة أو من نفس رواية عقبة فلا يفيدنا شيء، هذا هو المورد الثاني.

إذاً إلى الآن المورد الأول قضية سمرة، والمورد الثاني هو حديث الشفعة والآن المورد الثالث.

المورد الثالث: حديث (لا يُمنع فضل ماء ليُمنع فضل كلاء) وهو أيضاً مروي عن عقبة، ففي الكافي (محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بين أهل المدينة في مشارق النخل أنه لا يُمنع نفع الشيء) وفي نسخة أخرى (لا يُمنع نقع الشيء) (وقضى صلى الله عليه وآله بين أهل البادية أنه لا يُمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء، وقال: لا ضرر ولا ضرار)

إذاً هذه الرواية أيضاً مروية عن عقبة بن خالد وفيها فقط جملة وقال: لا ضرر ولا ضرار، قال ابن الأثير في توضيح (لا يُمنع فضل ماء ليمنع بع فضل كلاء) قال: (الكلاء النبات والعشب سواء رطبه ويابسه يسمى كلاء، ومعناه أن البئر تكون في البادية ويكون قريباً منها كلاء فإذا ورد عليها وارد فغلب على مائها ومنع من يأتي بعده من الاستقاء منها فهو بمنعه الماء مانع من الكلاء لأنه متى ورد رجل بإبله فأرعاها ذلك الكلاء ثم لم يسقها قتلها العطش، فالذي يمنع ماء البئر يمنع النبات القريب منه)

إذاً هذا المعنى يكون واضح، (لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء) إذا أشخاص متعددون ورعاة للإبل وسبق أحدهما إلى البئر هنا لا يحق له أن يمنع الآخرين من سقي دوابهم من ذلك البئر لأنه سبق لها لأنه إذا منع فضل الماء بالتالي الآخر لن يسمح لإبله أن تأكل من الكلاء، لأنه تأكل بدون أن تشرب يقتلها العطش، فالرسول صلى الله عليه وآله، قضى بين أهل البادية أنه لا يُمنع فضل ماء ليًمنع به فضل كلاء، وقال: لا ضرر ولا ضرار، طبعاً ليس شرط أن يكون البئر أحياناً يكون في البادية مكان مجمع لماء الأمطار فيكون الماء يسبق أحدهما إليه ولكنه كثير وله فضل، المهم محل شاهدنا في قول (لا ضرر ولا ضرار).

أما من حيث السند: فسند هذه الرواية نفس سند الرواية السابقة بتمامه، (محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد) والكلام في محمد بن عبد الله بن هلال وعقبة بن خالد نفس الكلام المتقدم والخلاف المتقدم، فمن قال بضعفهما تكون الرواية عنده ضعيفة ومن قال بوثاقتهما تكون الرواية موثقة ومعتبرة وهو الأقوى كما قلنا، فإذاً نفس الكلام المتقدم يأتي بتمامه، هذا المورد الثالث، والمورد الرابع إن شاء الله يأتي الكلام فيه.


[1] إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، العلامة الحلي، ج1، ص384.
[2] الينابيع الفقهية، مرواريد، علي أصغر، ج36، ص432.
[3] فقه الرضا، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ج1، ص264.