الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

البحث في وثاقة عقبة ابن خالد:

كان الكلام في رواية عقبة بن خالد، وهل هي معتبرة أو ليست معتبرة؟ وتقدم الكلام في محمد بن عبد الله بن هلال، وقلنا إنه السند فيه محمد بن عبد الله بن هلال والأظهر وثاقته كما تقدم الكلام فيه.

ويبقى الكلام في عقبة بن خالد، أيضاً هو ضُعّف، ولكن هل يمكن أن يقال بتوثيقه أو لا؟

عقبة بن خالد يفترق عن محمد بن عبد الله بن هلال في أنه ذكره النجاشي والشيخ بخلاف محمد بن عبد الله بن هلال، إلا أنهما لم يوثقاه، ولكن يمكن توثيقه بأحد أمور:

الأمر الأول: أنه من جملة من لم يستثنهم ابن الوليد من كتاب نوادر الحكمة، وكما ذكرنا في سابقه أيضاً بشكل مجمل أن من استثناه ابن الوليد يُحكم بضعفهم ومن لم يستثنهم يُحكم بوثاقتهم، يعني يستظهر من استثناء بن الوليد أنه يرى وثاقة من لم يستثنهم، وهذا توثيق من أحد المتقدمين لهم، فهذا الوجه يمكن التمسك به بالنسبة إلى عقبة بن خالد وإذا تم هذا الوجه تكون الرواية معتبرة أيضاً، وعندنا هناك أوجه أخرى ذُكرت محل كلام في توثيقه.

الأمر الثاني: ما ورد في الكشي من المدح له، الكشي في ترجمة عقبة بن خالد قال: (حدثني محمد بن مسعود قال: حدثني عبد الله بن محمد عن الوشّاء قال: حدثنا علي بن عقبة عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن لنا خادمة لا تعرف ما نحن فيه، فإذا أذنبت ذنباً وأرادت أن تحلف بيمين قال: لا وحق الذي إذا ذكرتموه بكيتم فقال: رحمكم الله من أهل بيت)

فالرواية يرويها علي بن عقبة عن أبيه الذي هو محل الكلام، وهو يحدث الإمام الصادق عليه السلام بأن عندهم جارية تخدمهم وهي غير عارفة بما هم عليه، يعني لم تعرف بالشيعة، ولكن إذا أذنبت ذنباً وأرادت أن تحلف بيمين وتعتذر من هذا الذنب قالت: لا وحق الذي إذا ذكرتموه بكيتم، يعني تقصد الإمام الحسين عليه السلام، يعني تعرف أن هذا شخص عزيز عندهم بحيث إذا ذكروه بكوا، فقال: رحمكم الله من أهل بيت، الإمام عليه السلام دعا له ولبيته، هذا مدح فيه.

أيضاً في رواية أخرى يرويها الكليني أيضاً السند (عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن فضّال عن علي بن عقبة عن أبيه قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا عقبة لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلا هذا الأمر الذي أنتم عليه)

رواية ثالثة في الكافي، (عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن الحسن بن علي عن أبيه عن عقبة بن خالد قال: دخلت أنا والمعلى وعثمان بن عمران على أبي عبد الله عليه السلام، فلما رآنا قال: مرحباً مرحباً بكم، وجوه تحبنا ونحبها جعلكم الله معنا في الدنيا والآخرة) هذه أيضاً فيها مدح من الإمام عليه السلام، بعد الترحيب قال: وجوه تحبنا ونحبها، جعلكم الله معنا في الدنيا والآخرة.

هذه الروايات المذكورة في مدح عقبة بن خالد، فيمكن أن يقال بثبوت وثاقته من خلال هذا المدح الذي بعضه ذكره الكشي وبعضه عن الكافي.

ولكن الذي يرد على هذه الروايات أنها جميعها مروية عنه، وكما هو معلوم أن الرواية التي ترد في مدح الشخص عنه شخصاً لا يؤخذ بها للتوثيق، يعني إذا كانت وثاقته ثابتة من السابق بغير هذه الرواية فهذه الرواية تؤخذ لأنها مروية عن ثقة وتعتبر مدح له، أما إذا كنا نريد توثيقه من خلال هذه الرواية وهذه الرواية مروية عنه فهذا لا يصح ويلزم منه الدور، فهذه الروايات مروية عنه فلا يمكن التمسك بها لإثبات وثاقته، هذا ما يرد على هذه الروايات التي ذكرناها.

مضافاً إلى أن بعضها غاية ما يستفاد منه أنه إمامي شيعي، أما أكثر من ذلك فلا، يعني (لا وحق الذي إذا ذكرتموه بكيتم) الإمام عليه السلام يقول: رحمكم الله من أهل بيت، باعتبار أنهم شيعة ويبكون على الإمام الحسين عليه السلام، من هذه الجهة وأما أنها هل تدل على وثاقته؟ التعبير بعيد عن ذلك.

أو مثلاً: (يا عقبة لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلا هذا الأمر الذي أنتم عليه) يعني كونك شيعياً، تعتقد بإمامة الأئمة عليهم السلام، أما أنها هل تفيد الوثاقة أم لا؟ هذا أيضاً قد يُتأمل فيه من حيث الوثاقة.

نعم الرواية الأخيرة (وجوه تحبنا ونحبها جعلكم الله معنا في الدنيا والآخرة) هذه قد تدل على منزلة عالية، لأن الإمام عليه السلام قال (ونحبها) ربما يكون هناك منزلة خاصة ليس لمجرد كونه شيعياً، هذه العبارة يمكن أن يستفاد منها ذلك، ولكن الإشكال أنها واردة عنه نفسه ولم ترد عن غيره.

نعم بالنسبة إلى هذه الرواية يمكن أن يقال: كما قيل: إنه يمكن الاعتماد عليها بضم ضميمة، وهي:

أن الرواية عن أحمد بن الحسن بن علي عن أبيه يعني الحسن بن علي بن فضال، عن عقبة بن خالد قال: دخلت أنا والمعلى وعثمان ابن عمران، فالراوي عن عقبة هو الحسن بن فضال، وعقبة لم يقل دخلت أنا على أبي عبد الله عليه السلام حتى يكون وحده ولا يمكن معرفة صحة هذه الرواية عن الإمام، وإنما قال: دخلت أنا والمعلى وعثمان بن عمران، فيقال هكذا: الحسن بن علي بن فضال لو لم يطمأن بوثاقة عقبة بن خالد ويطمأن بخبره لأنه ثقة لأمكنه أن يستفسر عن هذا الذي حدث به عقبة يستفسر المعلى أو عثمان بن عمران ومع عدم استفساره، يعني لم يرو رواية أخرى وحدثنا أيضاً المعلى أو سألت المعلى أو قلت للمعلى وقال صحيح، عن التعبيرات من هذا القبيل، فهو لم يستفسر إذاً، معنى ذلك أنه كان واثقاً بعقبة بن خالد، من هذه الجهة يقال: بأن هذه الرواية وإن كانت مروية عن عقبة بن خالد نفسه إلا أنه بهذه القرينة أو بهذه الضميمة نقول: بأن الحسن بن علي بن فضال كان يرى وثاقة عقبة فلهذا لم يستفسر، فيدل على المطلوب.

هذا ما ذُكر لاستفادة توثيق عقبة من خلال هذه الرواية، ولكن يبقى التأمل في هذه الاستفادة، لعله نقول: الحسن بن علي بن فضال أطمأن بكلام عقبة ولكن هل كان اطمئنانه ناشئاً من الحكم بوثاقته، لأنه كان يراه ثقة فلهذا اطمأن بخبره فيتم المطلوب؟ أو أنه اطمأن من خلال قرائن حافة بكلامه أو شيء من هذا القبيل، لعله مثلاً: أخبر عقبة ابن خالد بهذا الخبر أمام المعلى وعثمان فالحسن بن علي بن فضال لا يحتاج إلى أن يستفسر ولكن لا يدل على وثاقة عقبة، عقبة أخبر بهذا الخبر للحسن بن علي بن فضال أمام المعلى وأمام عثمان، فهو صادق في هذا الخبر بقرينة سكوت المعلى وعثمان، وإقرارهم وإمضاؤهم لكلامه، ولكن هذا لا يدل على أن عقبة في نفسه ثقة، فاطمأن من هذه الجهة، إذاً هذه الدعوى لا تفيد لأنها لازم أعم، يعني مجرد أن الحسن بن علي بن فضال كان مطمئناً بثبوت هذه الرواية أو صدورها لا يدل على أن المخبر له وهو عقبة بن خالد كان ثقة، فكانت اطمئنان الحسن من جهة كون عقبة ثقة، هذا لازم أعم، ربما أطمأن بقرينة أخرى مثلما ذكرنا قرينة مقامية والسؤال أمام المعلى وعثمان، فهذه الرواية يبقى فيها تأمل.

الأمر الثالث: الذي ذُكر لتوثيق عقبة هو كونه من رواة كامل الزيارات، وتقدم الكلام وأشرنا إلى أنه لا يدل، يعني غاية ما يمكن أن يقال: بأن مفاد عبارة كامل الزيارات هو وثاقة خصوص مشايخه وعقبة ليس منهم، على أن الكلام أن جميع الرواة ثقاة هذا محل كلام في محله يأتي إن شاء الله.

إذاً حاصل ما ذُكر: أنه ذُكرت وجوه ثلاثة لإثبات وثاقة عقبة بن خالد، الوجهان الثاني والثالث غير تامين، ولكن الأول لا يبعد تماميته، والأظهر تماميته، لهذا نقول: إن الأظهر والأقرب هو ثبوت وثاقة عقبة بن خالد اعتماداً على عدم استثناء ابن الوليد لرواياته من كتاب نوادر الحكمة وفي ذلك كفاية للقول بوثاقته والحكم باعتبار هذه الرواية خلافاً لغير واحد من العلام ممن ضعفها.

النتيجة إلى الآن: أن رواية زرارة معتبرة ورواية عقبة معتبرة، هذا بالنسبة إلى رواية الكليني والشيخ فقد رويا هاتين الروايتين بهذين السندين، وأثبتنا وثاقة عقبة يعني أثبتنا اعتبار كلتا الروايتين.

أما بالنسبة إلى رواية الشيخ الصدوق فهي مرسلة لأنه قال: روى عقبة، ولما نرجع إلى طريقه في المشيخة لا نجد له طريقاً فيها، يعني الشيخ الصدوق كما قلنا سابقاً بأنه ربما يروي عن زرارة عن محمد بن مسلم عن الإمام عليه السلام ثم يذكر في المشيخة وأما ما رويته عن زرارة عن فلان عن فلان عن فلان إلى زرارة أو محمد بن مسلم فينبغي أن نراجع المشيخة لنعرف أن طريق الشيخ الصدوق إلى من روى عنه الرواية طريق صحيح أو غير صحيح؟

بالنسبة إلى عقبة لم يذكر الشيخ الصدوق في المشيخة طريقاً إليه فتكون على هذا الرواية مرسلة.

ولكن ذُكر وجه لإخراج روايات عقبة وإخراج روايات الشيخ الصدوق عن عقبة ومنها هذه الرواية، ذُكر وجه لإخراجها عن حد الإرسال، هذا الوجه حاصله: أن الشيخ الطوسي (ره) ذكر في الفهرست طريقاً إلى عقبة وهذا الطريق يمرُّ بالشيخ الصدوق (ره) يعني يتوسط هذا الطريق الشيخ الصدوق، فعليه: نعرف بأن سند الشيخ الصدوق إلى عقبة هو هذا الطريق الذي ذكره الشيخ ويتصل بالشيخ الصدوق إلى عقبة.

ولتوضيح ذلك أكثر: الشيخ الطوسي في الفهرست قال هكذا: (أخبرنا به جماعة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين -يعني الشيخ الصدوق- عن أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عنه) هذا الطريق هو طريق الشيخ الطوسي إلى عقبة بن خالد، لاحظنا أن الشيخ الصدوق يتوسط هذا الطريق، هؤلاء الجماعة نقلوا عن محمد بن علي بن الحسين الصدوق، من هنا يبدأ طريق الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين -يعني الشيخ الصدوق- عن أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة، نستفيد مما ذكره الشيخ في الفهرست طريقاً للشيخ الصدوق إلى عقبة بن خالد، فما رواه عقبة هنا بعنوان وروى عقبة بن خالد نعرف طريقه إليه وإن لم يذكره في المشيخة، فتخرج الرواية من حد الإرسال إلى الإسناد، والسند يكون تاماً على ما قويناه باعتبار أن من تقدم يعني عن أبيه ثقة محمد بن الحسن بن الوليد ثقة سعد بن عبد الله القمي الأشعري ثقة محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ثقة محمد بن عبد الله بن هلال وثقناه لعدم كونه من المستثنيات، عنه عن عقبة، على هذا تكون رواية الشيخ الصدوق أيضاً مسندة ومعتبرة.

لكن الملاحظ على هذا: أن الشيخ الصدوق صحيح أنه يتوسط هذا الطريق، ويدل على أن الشيخ الصدوق عنده طريق إلى عقبة بن خالد، ولكن لا يدل على أن هذه الرواية التي رواها الشيخ الصدوق رواها عن كتابه، وبتعبير آخر: الشيخ الصدوق عنده طريق إلى الكتاب كما يظهر من فهرست الشيخ الطوسي، فلو قال الشيخ الصدوق: روى عقبة بن خالد في كتابه مثلاً لعرفنا أن هذه الرواية من ذلك الكتاب الذي ذكر طريقه الشيخ الطوسي، وكذا لو التزم الشيخ الصدوق في مقدمته أنني متى ما ابتدأت براوٍ فأنا أنقل عن كتابه كما يظهر ذلك من الشيخ الطوسي أنه يبدأ بصاحب الكتاب فلهذا علينا أن نذهب ونلاحظ طريق الشيخ إلى صاحب الكتاب، لو الشيخ الصدوق التزم بهذا الالتزام أنه إذا ابتدأ براوٍ فهو يروي عن كتابه أو لو صرّح هنا بأنه يروي عن كتابه لتم هذا الطريق، فنقول: الشيخ الصدوق وإن لم يذكر في المشيخة طريقه إلى كتاب عقبة إلا أن الشيخ الطوسي ذكر طريقاً إلى كتاب عقبة وهذا الطريق يمر بالشيخ الصدوق فنعلم من ذلك أن طريق الشيخ الصدوق أو أحد طرقه إلى كتاب عقبة هو فلان عن فلان عن فلان، لكن لم يثبت لنا ذلك وأنه التزم بأنه عندما يذكر راوياً في بداية السند أو في بداية الحديث فهو يروي عن كتابه، لم يثبت لنا ذلك، فربما يروي الرواية من كتاب أحد مشايخه وشيخه له طريق إلى كتاب عقبة مثلاً أو إلى روايات عقبة، أو ربما ينقل الشيخ الصدوق هذه الرواية عن كتاب أحد مشايخ مشايخه هو، فلم ينقلها عن كتاب عقبة، فلم يثبت أن هذه الرواية رويت عند الشيخ الصدوق من كتاب عقبة نفسه، إذا لم يثبت ذلك فلا تفيد، هكذا قيل.

ولكن يمكن أن يقال: بأن هذا الاحتمال يبعد، لأنه لو كان الشيخ الصدوق ينقل هذه الرواية من كتاب أحد مشايخه أو مشايخ مشايخه لماذا لم يذكر اسم الراوي الذي يروي عنه هذه الرواية، يعني لو فرضنا أنه ينقل عن كتاب ابن الوليد فلماذا لا يقول ابن الوليد مثلاً، أو يعني يؤشر إشارة إلى أن هذا من كتاب شيخه، أو من كتاب شيخ شيخه، مثلاً نفترض محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ينقل هذه الرواية من كتاب شيخ مشايخه، يبقى عندنا الاحتمال، يعني هذا الاحتمال يبعد أن الشيخ الصدوق لم يرو الرواية من كتاب عقبة، فيبقى عندنا احتمال ناهض على أن الشيخ الصدوق كان يروي الرواية من كتاب عقبة، يحتمل هذا الاحتمال وهو ليس ببعيد أن يكون هذا طريق الشيخ الصدوق إلى روايات عقبة أو أحد طرقه إليه، ليس مجرد أن يكون هذا هو الطريق إلى كتابه، وهذا يبقى احتمال ولا يخرج من التأمل، وكيفما كان ثبت عندنا هذا الطريق أو لم يثبت، وثبت اعتبار رواية الصدوق أو لم تثبت، نقول: بأن هذه الرواية معتبرة بطريق الشيخ الكليني.

فتحصل إلى الآن أن عندنا روايتين معتبرتين فيهما لا ضرر ولا ضرار، بهذه الجملة لوحدها، وللحديث بقية. والحمد لله رب العالمين.