الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

 

المورد الثاني من موارد حديث لا ضرر ولا ضرار: الذي كان فيه مجرد (لا ضرر ولا ضرار) بدون الإضافة.

وحديث الشفعة، وهذا الحديث المروي عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام، وأخرجه المشايخ المحمدون الثلاثة في الكافي والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه.

ونص الحديث كما في الكافي هكذا: (محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين أي ابن أبي الخطاب عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في الشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا ضرار، وقال: إذا رُفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة)

هنا طبعاً المقصود أنه إذا كان بالنسبة إلى الشركاء في الأرضين إذا كان شريكين مثلاً في أرض واحدة وغير مقسمة وأراد أحدهما أن يبيع نصيبه لآخر أو باعه لآخر، فالشريك الأول له حق الشفعة فيستطيع أن يأخذ هذا القسم بنفس الثمن الي باعه على الغير، المهم هنا (لا ضرر ولا ضرار) وقال: إذا رفت الأرف، وتفسيرها عبارة وحدت الحدود، يعني الشفعة تكون قبل التقسيم، أما لو فرضنا كانت الأرض بين اثنين واقتسماها وكل واحد أخذ قسمه ونصيبه وانتهى، هنا صاحب القسم الشمالي عندما يريد ان يبيع لا يقول له الثاني عندي حق الشفعة.

في الفقيه أيضاً قال: (وروى عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكب وقال: لا ضرر ولا ضرار) أو نسخة (ولا إضرار)

في التهذيب ذكر نفس السند الموجود في الكافي للكليني، (محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في الشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا ضرار، وقال: إذا أُرفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة)

المهم الآن في هذا المتن (لا ضرر ولا ضرار) الطريق وهل أن السند صحيح وأن هذه الرواية معتبرة أو لا؟البحث في هذا الرواية في رجلين، في محمد بن عبد الله بن هلال وفي عقبة بن خالد.

أولاً: طريق الشيخ تقريباً يرجع إلى نفس طريق الكليني، محمد بن يحيى، الشيخ يظهر أنه نقل هذه الرواية عن نفس الكافي، فالكلام فعلاً يقع في طريق الكليني وطريق الصدوق.

بالنسبة إلى طريق الكليني فيه محمد بن عبد الله بن هلال وعقبة بن خالد، أما من تقدمهما محمد بن يحيى ومحمد بن الحسين لا إشكال فيهما، والكلام في محمد بن عبد الله وعقبة بن خالد.بالنسبة إلى محمد بن عبد الله بن هلال، فلم يرد في حقه توثيق صريح، يعني عندما نرجع للشيخ النجاشي والشيخ الطوسي أو الشيخ المفيد أو أحد من المتقدمين لم يذكروا توثيقاً صريحاً فيه، ولكن هل يمكن الحكم بوثاقته أو لا؟ يعني مجرد عدم ذكر التوثيق الصريح له نكتفي بذلك أو هناك محاولات؟ نعم هناك محاولات فيمكن أن يقال بتوثيقه بواسطة أحد هذه المحاولات:

الأمر الأول: أنه من رواة كامل الزيارات، طبعاً كما مرّ عندنا مراراً في كامل الزيارات الآن ملخصاً نذكره لأنه بحث طويل في الواقع لوجود الاختلاف بين الأعلام في مفاد كلمة ابن قولويه في مقدمته للكتاب، فمثلاً السيد الخوئي (ره) في السابق كان يرى وثاقة جميع رواة كامل الزيارات ما عدا من صُرّح بتضعيفهم، أما من لم يصرح بتضعيفهم فيقول إن عبارة ابن قولويه في المقدمة يستفاد منها وثاقة جميع الرواة الموجودين فيه، هذا رأيه السابق وعليه أيضاً سماحة السيد سعيد الحكيم (حفظه الله) يرى هذا الرأي إلى الآن كما هو موجود في مصباح المنهاج، هناك يصرح بهذا الرأي، ويوثق الكثير بناءً على هذا الرأي، أن جميع رواة كامل الزيارات من الثقاة.

السيد الخوئي (ره) في الآونة الأخيرة عدل عن هذا الرأي، فقال: بأن عبارة ابن قولويه لا نستفيد منها إلا توثيق مشايخه بالخصوص، عبارته القدر المتيقن منها أنه يوثق مشايخه فقط، لا جميع الرواة، وهذا عليه أيضاً الشيخ الوحيد (حفظه الله) كما يظهر من بعض كلماته أنه يذهب إلى هذا الرأي، وهناك قول ثالث: بأن العبارة لا تدل لا على وثاقة الجميع ولا على وثاقة المشايخ، العبارة أساساً أجنبية عن هذا المقام، هذه أقوال ثلاثة ربما يكون هناك قولان آخران ربما يدخلان في أحد هذه الأقوال، والكلام فيه طويل. ولكن لا نستطيع الآن أن نثبت وثاقة جميع الرواة، يعني القول بأن عبارته يستفاد منها توثيق جميع الرواة هذا لا يخلو من نظر وإشكال، فالقدر المتيقن هو خصوص المشايخ، هل أن العبارة تدل أيضاً على المشايخ أو لا؟ هذا بحثه في محله، ولكن بالمقدار الذي يفيدنا الآن نقول: محمد بن عبد الله بن هلال وإن كان من رواة كامل الزيارات فهو ليس من المشايخ فلا تدل العبارة على وثاقته أو توثيقه.إذاً هذا الوجه الأول للقول بوثاقته مندف

الأمر الثاني: هو أنه من شيوخ محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، الذي هو من أجلّاء الطائفة والأصحاب والرواة، وقال عنه النجاشي: جليل من أصحابنا عظيم القدر كثير الرواية ثقة عين حسن التصانيف، فمثل هذا الراوي العظيم الجليل عندما يروي عن راوٍ مثل محمد بن عبد الله بن هلال يكون كافي للدلالة على وثاقته، فإذا روى عنه فهذا كافي للحكم بوثاقته، بل يضاف إلى ذلك أنه روى عنه آخرون من الأجلاء أيضاً، رووا عن محمد بن عبد الله بن هلال، فالكلام ليس فقط في أنه من شيوخ محمد بن الحسين بن أبي الخطاب بل هو أيضاً من شيوخ آخرين أجلاء.

طبعاً هذه النقطة تارة ندرجها في مشايخ الإجازة، يعني من يرى ذلك نعتبره من مشايخ الإجازة، وهناك بحث مستقل هل أن شيخوخة الإجازة دالة على التوثيق أو ليست دالة على التوثيق؟ وهذا بحث مفصل في الرجال، والنتيجة أنه لا نستطيع أيضاً أن نقول إنه بمجرد شيخوخة إجازة دالة على التوثيق، ربما تكون قرينة وأمارة على التوثيق، فعندما نجمع أمارات وقرائن متعددة نضيف أنه شيخ إجازة.وعندنا بحث آخر وهو رواية الأجلاء عن شخص بغض النظر أنه شيخ إجازة أو لا، هل يفيد التوثيق أو لا؟ نقول أيضاً: لا يفيد، لأنه الجلاء ربما يروون عن الثقاة وربما يروون عن غير الموثقين، لمصلحة هم يروها، أو عندهم قرائن بصحة ما قاله أو تؤخذ كشاهد يضم إلى شواهد أخرى، على حسب المقامات المهم أنه ثبت في الرجال رواية الأجلاء عن ضعاف، إذاً ليس عندنا قاعدة عامة بأن الأجلاء لا يروون إلا عن الثقاة، نعم ورد ذلك في حق المشايخ الثلاثة ابن أبي عمير والبزنطي وصفوان بأنهم لا يروون إلا عن ثقة، وأيضاً ذُكر بعض الرجال الأخرين في ذلك، هناك في نقطة بحث أخرى.إذاً مجرد أنه من شيوخ محمد بن الحسين بن الخطاب، أو ممن روى عنه جماعة من الأجلاء لا يكفي للحكم بوثاقته.

الأمر الثالث: هو أنه ممن ورد في أسانيد نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي ومن القسم الذي لم يستثنه محمد بن الحسن بن الوليد، ولذلك استفيد توثيقه كما استفيد تضعيف المستثنى، وهذه الجهة أيضاً محل بحث في علم الرجال وبحث مهم باعتبار أنه إذا قلنا بذلك نوثق رواة متعددين ونضعف رواة متعددين أيضاً، ولكن مختصراً لبيان أصل الفكرة في المقام، نقول هكذا: النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي قال ما نصه: (محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمي أبو جعفر، كان ثقة في الحديث إلا أن أصحابنا قالوا: كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمن أخذ وما عليه في نفسه مطعن في شيء)

إذاً المستفاد من كلمات النجاشي أن محمد بن أحمد بن يحيى في حد نفسه ثقة في الحديث وليس عليه مطعن من أي جهة، فقط أن أصحابنا قالوا: أنه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمن أخذ، هذه نقطة ضعف تسجل أحياناً لتضعيف الرجل في حديثه لا في نفسه، كما أشرنا إلى ذلك أيضاً في محمد بن خالد البرقي، وهنا أيضاً وإن لم يصرح النجاشي هناك قال: وكان محمد ضعيفاً في الحديث، هنا لم يذكر بل قال كان ثقة في الحديث وبعد أن ذكر أن أصحابنا قالوا أنه يروي عن الضعفاء، قال: وما عليه في نفسه مطعن في شيء، الآن محل شاهدنا ليست هذه النقطة، بل محل الشاهد فيما يأتي، يقول النجاشي (وكان محمد بن الحسن بن الوليد) وهو أستاذ الشيخ الصدوق وهو من أجلاء الطائفة ومن أعيانهم ومن النقاد في علم الحديث الرجال ويعتد عليه الشيخ الصدوق كثيراً، بحيث يُنقل عن الشيخ الصدوق أنه يقول: من وثقه شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد نوثقه ومن ضعفه يضعفه، يعني كأنه اعتبر نفسه مقلداً لمحمد بن الحسن في مقام التضعيف والتوثيق، المهم هو من الأجلاء ومن النقاد، (يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمد بن موسى الهمداني، أو ما رواه عن رجل، أو يقول بعض أصحابنا أو عن محمد بن يحيى المعادي أو عن عبد الله الرازي الجامراني أو عن أبي عبد الله السياري) وساق مجموعة من الرواة، هذه العبارة من الشيخ النجاشي، وورد مع اختلاف عند الشيخ الطوسي ينقلها عن ابن الوليد في المسند.

هذه العبارة صارت محل بحث، سموها مستثنيات أو ما استثناه ابن الوليد من كتاب نوادر الحكمة، طبعاً لما نلاحظ أن النجاشي لم يحدد خصوص نوادر الحكمة وهو كتاب كبير ومشتمل على عدة كتب وحتى كان يسمى عندهم في قم بدبة شبيب وشبيب كان يبيع الدهن وما شاكل عنده آنية كبيرة وفيها بيوت موزعة فكل شيء يريده المشتري يجده عنده، فيسمون كتاب النوادر دبة شبيب لأنه فيه كل شيء، فهو متعدد الأغراض، عبارة الشيخ صرح بنوادر الحكمة، والشيخ النجاشي أطلق وقال: (وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية) ولم يقل عن كتاب نوادر الحكمة بالخصوص وإن كان له كتاب نوادر الحكمة، المعروف الآن لما يُطرح البحث الرجالي يُذكر ما استثناه محمد بن الحسن بن الوليد من كتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي، ولكن عبارة النجاشي كما قلنا مطلقة لا تختص بخصوص نوادر الحكمة.المهم هذا بحث آخر، ومحل ما نريد أن نبينه لتوضيح الفكرة فعلاً، نقول: من هذه العبارة نلاحظ أن ابن الوليد هذا الذي هو من نقاد الحديث والرجال، استثنى من روايات أحمد بن محمد بن يحيى مطلقاً أو في خصوص نوادر الحكمة، استثنى مجموعة استثنى المراسيل التي عبر عنها ما رواه عن رجل، واستثنى ما رواه عن مجموعة من الرجال فقال: ما راوه عن محمد بن موسى الهمداني لا يقبله، و ما عن أبي عبد الله الجامراني لا يقبله وهكذا، من هذا استفاد بعضهم وقال نستفيد من هذا الاستثناء تضعيف من استثناهم ابن الوليد فنحكم عليهم بالضعف وعدم الوثاقة فقط، وبعضهم قال: نستفيد تضعيف هؤلاء الذين استثناهم وتوثيق من لم يستثنهم، رجال كثيرون لم يستثنهم ابن الوليد يعني أنهم ثقاة، فنستفيد الشيئين.قسم قالوا: لا نستفيد لا هذا ولا ذاك، لا نستفيد أن المستثنى ضعاف ولا أن المستثنى منه ثقاة.وما يهمنا من البحث هنا هو القول الثاني وهو الأقرب للصواب، وهو أن العبارة المستفادة من كلمات النجاشي والمقارنة بين المستثنى والمستثنى منه، وأنه استثنى مجموعة من الرجال واستثناهم لأجل ضعفهم لشواهد وقرائن لا حاجة لذكرها، استثناهم لأجل ضعفهم لوجود القرائن الدلة على أنه لأجل التضعيف، نستفيد من هذه المقابلة أن من لم يستثنهم ثقاة، فنحكم بوثاقة كل من لم يستثنه ابن الوليد، إذا لم يُذكر في حقه تضعيف ولم يذكر في حقه توثيق في كتب الرجال فنستطيع من خلال ذلك أن نحكم بوثاقته، هذه أصل الفكرة، وبحثها المفصل في علم الرجال، وهذه نطبقها الآن على محمد بن عبد الله بن هلال.

نقول: محمد بن عبد الله بن هلال هو من جملة من روى عنه محمد بن يحيى ولم يستثنه ابن الوليد، فعليه: يظهر ثبوت وثاقته عند ابن الوليد فنستفيد أن ابن الوليد قد وثق محمد بن عبد الله بن هلال فنحكم بوثاقته.

فإذاً هذا الوجه الذي يمكن أن نتمسك به لتوثيق محمد بن عبد الله بن هلال، ومن هذه الجهة نقول: هذا الوجه قوي وقريب للصواب، فعليه: من ضعّف محمد بن عبد الله بن هلال لمجرد عدم وجود توثيق، فبعض الأعلام وبعض الأكابر من المعاصرين (حفظهم الله) ذكروا أن توثيقه من خلال كامل الزيارات أو من خلال أنه شيخ لمحمد بن الحسين وهذا لم يثبت إذاً لم تثبت وثاقته، لكن لم يتعرضوا إلى هذه الجهة، نقول: ينبغي التعرض أيضاً إلى هذه الجهة، ونقول: هذه الجهة يستفاد منها الوثاقة، هذا بالنسبة إلى محمد بن عبد الله بن هلال.

وبالنسبة إلى عقبة بن خالد: فحاله نفس حال محمد بن عبد الله بن هلال، والفرق أن محمد بن عبد الله بن هلال لم يذكره والشيخ ولكن عقبة بن خالد ذكره النجاشي والشيخ إلا أنهما لم يوثقاه، فنستطيع توثيقه أيضاً بنفس ما ذكرناه أنه من جملة الأشخاص والرواة الذين لم يستثنهم ابن الوليد من كتاب نوادر الحكمة، فعليه: نحكم بوثاقته، هذا الوجه الذي يمكن أن نتمسك به لبيان وثاقته.

هناك وجه آخر: وهو أنه مُدح كما في الكشي، ولكن ذكر العبارات الآن يطول إن شاء الله تعالى في الدرس الآتي نذكره. والحمد لله رب العالمين.