الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - خاتمة في شرائط العمل بالأصول العملية:

مناقشة ما أفاده الفاضل التوني (قده):

كان الكلام فيما أفاده الفاضل التوني (ره) وهو أنه بالإضافة إلى الفحص بالنسبة إلى جريان الأصول اشترط شرطين، الشرط الأول وتقدم الكلام فيه وهو ألّا يكون مورداً لقاعدة لا ضرر، وتقدمت المناقشة وتقدم توجيه كلامه عند السيد الخوئي وغيره.

الكلام الأن في الشرط الثاني: وهو ألّا يستلزم جريان الأصل في المورد ثبوت وجوب آخر من جهة أخرى، وذكر في ذلك ثلاثة أمثلة:

المثال الأول: ما لو علمنا إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين فهنا إجراء أصالة الطهارة في أحدهما أو جريان أصالة البراءة - من ناحية أنه هل يجوز شربه أو لا؟ - في أحد الإناءين، لازمه أن تثبت النجاسة في الإناء الثاني ويحرم شربه.

المثال الثاني: ما لو لاقى المشكوك كونه كرّاً النجاسة، فهنا استصحاب عدم كريته يثبت النجاسة.

المثال الثالث: ما لو كنا نعلم بكريته ونعلم بملاقاته للنجاسة ولكن لا نعلم بالتقدم والتأخر، هل الكرية كانت سابقة على الملاقاة فيكون طاهراً؟ أو الكرية متأخرة عن الملاقاة فيكون نجساً؟ فأصالة عدم تأخره أو عدم تقدمه هنا لا تثبت النجاسة وهكذا.

هذا الشرط الثاني ناقشه السيد الخوئي (ره) ومن قبله أيضاً المحقق النائيني (قده) وذكر بحثاً مفصّلاً وفي حد نفسه البحث جيد ويستفاد منه حتى في موارد أخرى، ولكن في واقعه أن ما ذكروه ليس إشكالاً على الفاضل التوني من حيث الكبرى.

يعني الفاضل التوني يتضمن كلامه دعويين في الواقع عند التحليل، الدعوى الأولى كبروية وهي أنه يشترط في جريان الأصل ألا يكون جريانه مثبتاً أو يستلزم ثبوت حكم إلزامي آخر من جهة أخرى، هذه كبرى، والصغرى: الأمثلة التي ذكرها.

المناقشة التي سنذكرها الآن للسيد الخوئي (ره) وهو مشى على منوال ما أفاده المحقق النائيني (قده) هذه المناقشة مناقشة صغروية في الواقع لكلام الفاضل التوني، والهدف منها أن يبين موارد جريان الأصول وعدم موارد جريان الأصول، هي تدفع كلام الفاضل التوني من حيث الصغرى لكن لا تدفعه من حيث الكبرى، يعني الكبرى المدعاة ما هي المناقشة فيها؟ هنا بحث، الآن كما سنذكر ونطرح ما أفاده السيد الخوئي (ره) نلاحظ أنه تقسيم جيد وجميل ومفيد في غير هذا المورد أيضاً ولكنه لا يمس أصل الإشكال.

حاصل ما ذكره السيد الخوئي (ره): يقول: إن ترتب الإلزام من جهة على جريان البراءة يتصور على أقسام ثلاثة:

نحن نريد أن نجري الأصل ويترتب على جريان الأصل الإلزام من جهة أخرى، هذا معناه ترتب الإلزام من جهة على جريان البراءة، هذا له صور، وفي بعض الصور الترتب صحيح وفي بعضها الترتب غير صحيح:

القسم الأول: ألا يكون بينهما في ذاتهما ترتب شرعاً ولا عقلاً، ولكن الترتب أشبه ما يكون ترتباً عارضياً، يعني ترتب ناشئ من جهة خارجية هي التي أوجبت الترتب، مثال ذلك: نفس المثال الأول الذي ذكره الفاضل التوني، نعلم إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين وجريان أصالة الطهارة في الإناء الأول لا يترتب عليه ثبوت النجاسة في الإناء الثاني، لا ربط بينهما في ذلك، بل ربما يكونان في الواقع نجسين وربما يكونان في الواقع طاهرين، أو إذا علمنا قطعاً بنجاسة أحدهما لا نقول بالواقع ربما أن يكونا طاهرين، بل نقول: ربما يكونان نجسين، فحتى لو أجرى أصالة الطهارة في أحدهما الآخر ربما أن يكون نجساً أيضاً في الواقع، إذاً نفس جريان أصالة الطهارة فيف الإناء الأول لا يترتب عليه نجاسة في الإناء الثاني، يمكن أن يكون كما قلنا كلاهما نجس في الواقع بل ربما يكون ما أجرينا فيه القاعدة هو نجس في الواقع وما لم نجرِ فيه القاعدة هو طاهر في الواقع، لا ترتيب بين طهارة أحدهما ونجاسة الآخر بحسب الواقع، ولكن الذي أوجب هذا الترتيب المذكور عند الفاضل التوني هو الجهة الخارجية وهو العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما هي أورثت وسببت هذا الترتيب، إذا كان هذا الإناء طاهر إذاً الثاني نجس لأني أعلم بنجاسة أحدهما، إذاً الموجب هو ليست نفس جريان البراءة أو جريان الطهارة وإنما الموجب للاجتناب هو العلم الإجمالي، لكن نقول: الآن إذا اتضحت الأساس في هذا القسم وهو أنه لا ترتب بينهما بمجرد أن نثبت بأن هذا طاهر لا يترتب عليه نجاسة الآخر إلا بواسطة العلم الإجمالي الخارجي، على هذا نقول: في هذا المثال أساساً لا يمكن الرجوع إلى الأصل لكن لا لما ذكره الفاضل التوني من أن جريان الأصل في أحدهما يستلزم ثبوت حكم إلزامي آخر من جهة أخرى فلهذا لا نجريه، بل عدم الجريان ليس ناظراً إلى هذه الجهة بل ناظر إلى أصل التعارض، أصالة الطهارة في الإناء الأول معارضة بأصالة الطهارة في الإناء الثاني لأجل هذا التعارض هناك قلنا لا يمكن جريان الأصلين على ما حُرر في محله في العلم الإجمالي هناك أن جريان أحد الأصلين دون الآخر ترجيح بلا مرجح وجريانهما معاً يستلزم منه مخالفة العلم الإجمالي، فإذاً هذا يعارض ذاك، لأجل المعارضة قلنا بعدم الجريان، ولهذا لو فُرض أن البينة أو الأمارة قامت نفس الكلام تكون أمارتان متعارضتان تتساقطان.

الحاصل: أن هذا القسم الذي لا يكون في ذاتيهما بينهما ترتب شرعاً ولا عقلاً، هنا لا نجري الأصل لكن لا لأجل ما ذكره الفاضل التوني (قده) وإنما لشيء آخر، فنلاحظ الآن هذا القسم أن المناقشة مع الفاضل التوني كانت صغروية، يعني كأنه يقول له: هذا المثال إنما لم يجرِ فيه الأصل للمعارضة لا لما ذكرته، لم يتعرض الآن إلى المناقشة الكبروية.

القسم الثاني: أن يكون هناك ترتب بينهما ترتب عقلي، مثل ترتب وجوب المهم على عدم وجوب الأهم بناءً على القول باستحالة الترتب، في بحث الترتب هناك قولان:

القول الأول أنكر الترتب، كما يذهب إلى ذلك صاحب الكفاية (قده) أنه الترتب مستحيل.

القول الثاني: كما ذهب إليه المجدد الشيرازي (قده) وتبعه في ذلك المحقق النائيني والأعلام المتأخرون (قدهم) قالوا بتحقق الترتب وأنه غير مستحيل.

على القول الأول بالاستحالة: فكرة الترتب أن يكون عندي واجبان، واجب أهم مثل إنقاذ الغريق المؤمن، وواجب مهم غير أهم وهو وجوب الصلاة فعلاً، إذا تزاحما الآن في آخر الوقت ذهب للصلاة فوجد الغريق، هنا نقول له: إنقاذ الغريق أهم من الصلاة فعلاً، على القول بالترتب يقول: إن لم تنقذ الغريق فصلِّ، هذا الآن ليس الكلام فيه، على القول بالاستحالة: الوجوب المتوجه إلى المهم وهو الصلاة، أُخذ فيه قيد وهو عدم وجوب الأهم الإنقاذ، إذا كان الإنقاذ واجباً لا تجب الصلاة، إذا كان الإنقاذ غير واجب تجب الصلاة، إذاً أُخذ في موضوع وجوب المهم عدم وجوب الأهم، إذاً عقلاً يترتب وجوب المهم على عدم وجوب الأهم، هذا على القول بالاستحالة يترتب عليه، إذا شككنا الآن في وجوب الأهم وأجرينا الترخيص لأي سبب كان، نفترض كفرض يعني الآن للتوضيح أنه وجد هناك سبع قريب من مكان غرق المؤمن فشك هل الآن يجب عليّ واحتمال الخطر يتوجه إلي أو ليس واجباً عليّ؟ ورخص الشارع ظاهراً يجوز لك ترك إنقاذ المؤمن، لما أجرى الأصل أصالة البراءة عن إنقاذ المؤمن يعني أجرينا الأصل عن وجوب الأهم فارتفع المانع عن وجوب المهم، وجوب المهم مترتب على عدم وجوب الأهم، فلما أجرينا أصالة البراءة في وجوب الأهم الآن ارتفع المانع عن وجوب المهم نقول له: تجب عليك الصلاة، فلاحظنا هنا أن ترتب وجوب المهم وهي الصلاة في المثال على عدم وجوب الأهم وهو إنقاذ المؤمن الغريق، فلما أجرينا الأصل في عدم وجوب الأهم ترتب عليه الحكم الإلزامي بوجوب المهم، في مثل هذا الفرض هل نقول كما قال الفاضل التوني: لا يجري الأصل في عدم وجوب الأهم لأنه سيترتب عليه توجه التكليف بالمهم مقتضى كلامه أن لا نقول به، بينما في مثل هذا المورد نفس جريان أصالة عدم وجوب الأهم رفع المانع، وظيفته كانت رفع المانع عن وجوب المهم، الترتب عقلي، يقول: إذا وُجد الأهم لا تصل النوبة إلى وجوب المهم، إذا انعدم وجوب الأهم الآن تصل النوبة إلى وجوب المهم، فهنا وجوب المهم صحيح أنه مترتب على عدم وجوب الأهم لكن لم يثبت من خلال جريان أصالة البراءة في عدم وجوب الأهم، فأصالة البراءة فقط رفعت المانع والذي أوجب الصلاة أي المهم هو إطلاق دليله، عندنا الدليل يقول: صلِّ وهو مطلق، هذا الإطلاق مادام الأهم موجوداً نرفع اليد عن الإطلاق، فلهذا قلنا أنه أُخذ فيه عدم وجوب الأهم، أصالة البراءة رفعت هذا المانع، قالت أّلا يجب عليك الأهم الآن صل مطلقاً ليس متوقفاً على شيء، فبواسطة صلِّ قلنا بوجوب الصلاة.

إذاً هذا المورد نفس الكلام لما ندقق فيه نلاحظه صغروياً، يعني ربما يقال كتطبيق لما أفاده الفاضل التوني: أن أصالة البراءة الجارية في عدم وجوب الأهم لا تجري لأنها تستلزم وجوب واجب آخر وثبوت تكليف آخر وهو وجوب الصلاة، لو قيل ذلك عن الفاضل التوني كتطبيق لقاعدته نقول له: هذه الصغرى من تلك الكبرى، هذه الصغرى أصالة عدم وجوب الأهم رفعت المانع عن وجوب المهم ووجوب المهم إنما توجه إليه من إطلاق دليله لا من أصالة البراءة.

فالمهم نلاحظ هنا، أنه حتى لو لزم حكم إلزامي نجري البراءة بلا محذور لأنه يثبت الحكم الإلزامي من خلال جريان أصل البراءة أصلاً، فإذاً هذا بيان للقسم ولكن يرجع أيضاً للمناقشة في الصغرى ولكن كقسم فهو جيد ومهم ويعطينا صورة لتطبيق الأصول.

القسم الثالث: أن يكون الترتب بينهما شرعياً بخلاف الثاني، أن يكون بينهما عقلياً، هنا أن يكون الترتب بينهما شرعياً، بأن يكون جواز شيء مأخوذاً في موضوع وجوب شيء آخر، هذا جائز أُخذ هذا النحو موضوع في وجوب شيء آخر في لسان الدليل، يعني كأنه قال: إن كان هذا جائزاً فذلك واجب، فأُخذ في موضوع وجوب الآخر أن يكون هذا الحكم جائزاً، فالترتب من جهة الشارع، الشارع رتب الحكم أن وجوب الآخر مترتب على جواز الأول، فيكون الترتيب ترتيباً شرعياً وأُخذ في لسان الدليل.

هذا القسم الثالث له ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكون الإلزام المترتب حكماً واقعياً مترتباً على الإباحة الواقعية، كلا الحكمين واقعيان، والحكم الأول واقعي بالإلزام يترتب على إباحة واقعية، إذا ثبتت الإباحة الواقعية الشيء الفلاني يترتب الحكم الإلزامي في هذا الشيء.

القسم الثاني: أن يكون الإلزام حكماً واقعياً مترتباً على مطلق الإباحة، يعني على ثبوت جامع الإباحة سواء كانت إباحة واقعية أو ظاهرية، إذا ثبتت الإباحة في هذا يترتب الحكم الإلزامي في الآخر، مثلاً: إذا ثبتت الإباحة في الماء أن هذا مباح سواء كان إباحة واقعية أو ظاهرية ثبتت لي أنه مباح يترتب عليه لزوم وجوب الوضوء منه، ما عندي إلا هذا الماء، وأشك هل أنه مباح أو لا؟ أجريت أصالة الإباحة، ثبتت عندي الإباحة الظاهرية في هذا الماء، يترتب عليه يجب الوضوء، إذاً أُخذ في موضوع وجوب الوضوء الحكم بالإباحة المطلقة إباحة واقعية أو ظاهرية في المقام، فنلاحظ أن حكماً إلزامياً واقعياً وهو الوجوب ترتب على حكم ترخيصي أو حكم بالإباحة أعم من الحكم الواقعي والحكم الظاهري.

القسم الثالث: أن يكون الإلزام هو الأعم، في القسم الثاني الإلزام واقعي يترتب على الإباحة الأعم من الواقعية والظاهرية، الآن بعكسه الإلزام هو الأعم من الواقعي والظاهري مترتب على مطلق الإباحة الأعم من الواقعية والظاهرية، يعني إذا ثبتت الإباحة الأعم من الواقعية والظاهرية يترتب عليه الحكم بالإلزام الأعم أيضاً من الظاهري والواقعي، هذا القسم الثالث بهذا المقدار واضح ولكن أضاف السيد الخوئي (ره) كما في التقرير، قال: بمعنى أن الإلزام الواقعي كان مترتب على الإباحة الواقعية والإلزام الظاهري مترتب على الإباحة الظاهرية، الظاهر أنه هذا الشرح والتفسير لا حاجة له، يعني يكتفي في القسم بالأول: أن يكون الإلزام أعم من الواقعي والظاهري ويترتب على الإباحة الأعم من الواقعية والظاهرية، حتى يكون قسيماً للقسم الأول والثاني.

بعد بيان هذه القسم الثلاثة للقسم الثالث، الآن ما يترتب عليه.

يقول: بالنسبة إلى القسم الأول وهي أن يكون الإلزام المترتب حكم واقعي والمترتَب عليه أيضاً إباحة واقعية، في مثل هذا الفرض لما نجري أصالة البراءة في أحدهما لا يترتب عليه الحكم بالإلزام؛ لأن الحكم بالإلزام واقعي اشترطنا أن يترتب على حكم واقعي والبراءة لا تفيد الواقع، هي فقط تقول أنت ذمتك بريئة، فإذاً لا يترتب عليه، نعم لو كان استصحاب يعني أصل تنزيلي يمكن أن نقول يثبت الإباحة الواقية، إذا قلنا بالاستصحاب وأنه أصل تنزيلي ويترتب عليه، من باب كما يقال تنقيح الموضوع، تنقح موضوعه لا أنه استلزم، ومع ذلك لو عبّرنا بالاستلزام هو هنا يثبت ولا مجال لعدم الأخذ به، يعني نقول: إذا ثبتت الإباحة الواقعية من خلال الاستصحاب لأنه أصل تنزيلي فيترتب عليه الحكم الواقعي المترتب على الإباحة الواقعية، على عكس ما يقوله الفاضل التوني (قده)، إذاً هنا أيضاً لاحظنا أنه المناقشة في المثال أيضاً.

القسم الثاني: أن يترتب على الأصل الجاري فيه الإلزام سواء كان أصل تنزيلي أو غيره لتحقق موضوع الإلزام، الثاني قلنا: الحكم الإلزامي يترتب على الإباحة الأعم من الظاهرية والواقعية فإذا ثبت عندنا جريان أصالة البراءة يعني ثبتت عندنا الإباحة الظاهرية، ثبت عندنا موضوع الحكم الإلزامي، فالحكم الإلزامي يترتب شرعاً على ثبوت الإباحة الأعم من الظاهرية والواقعية وقد ثبتت فتنقح الموضوع، فهنا يترتب الحكم ولا نقول كما يقول الفاضل التوني (قده) بأنه لا يترتب.

أيضاً في القسم الثالث: إذا كان الحكم الإلزامي الأعم من الظاهري والواقعي يترتب على الحكم بالإباحة الأعم من الظاهرية والواقعية، فإذا جرت البراءة يعني ثبتت الإباحة الأعم من الظاهرية والواقعية فيترتب عليه الحكم الأعم من الواقعي والظاهري، يعني تنقح موضوعه، فنقول هنا بالثبوت،

فإذاً لاحظنا الآن في القسم الثالث أنه القسم من القسم الثالث بما أنه أُخذ في الموضوع الإباحة الواقعية فهي لا تثبت بجريان أصالة الإباحة الظاهرية، فلا يترتب الحكم لأنه لم يتحقق موضوعه، في القسمين الثاني والثالث أُخذ في الموضوع الإباحة الأعم من الظاهرية والواقعية فهنا يترتب الحكم الإلزامي لأن موضوعه قد تحقق ثبت موضوعه ببركة هذا الأصل، فهو على خلاف كلام الفاضل التوني.

نعم يمكن أن يختلف القسم الثاني والقسم الثالث من جهة أخرى: القسم الثاني يترتب الحكم الإلزامي على الأعم من الإباحة الظاهرية والواقعية، هنا يذكر السيد الخوئي مثالين: مثال يذكره للقسم الثالث الإباحة الظاهري تكون متوقفة على الإباحة الأعم من الواقعية والظاهرية، الحكم الإلزامي الأعم من الظاهري والواقعي يترتب على الإباحة الأعم من الظاهرية والواقعية، هنا يقول: مثلاً وجوب الحج حجة الإسلام يترتب على الاستطاعة، الاستطاعة توقفت على إباحة المال، إن كان هذا المال الذي بيدي مباح فأنا مستطيع، فهنا نحكم بإباحة المال لجريان الأصل من الأصول التنزيلية أو غيرها، يترتب عليه الحكم بوجوب حجة الإسلام، لما حكمت بأنه مباح لي وأنا الآن وضعت يدي عليه صرت مستطيعاً إذاً يجب الحج، لو انكشف أنه ليس مباحاً لي ينكشف عدم الاستطاعة وعدم وجوب الحج من الأول ليس من الآن من حين الانكشاف ، نفترض أنا قبل شهر حكمت بإباحة المال وتملكته فحكمت بالاستطاعة ووجب عليّ الحج وبعد شهر من ذلك انكشف أنه ليس بمباح، انكشف لي أن الحج ليس واجباً عليّ من ذلك الوقت.

أما في القسم الثاني الحكم الإلزامي الوقعي يتوقف على الأعم من الحكم الظاهري للإباحة والواقعي، فإذا حكمت مثلاً بإباحة ماء الوضوء هذا الماء الموجود، لما حكمت عليه ولو بالإباحة الظاهرية ترتب عليه وجوب الوضوء منه، هذا الحكم الإلزامي وهو وجوب الوضوء منه ترتب على الحكم الظاهري وهو إباحة الماء، عليه: لو بعد يوم انكشف لي أن هذا الماء ليس بمباح هنا من الآن ينكشف لي الحكم، يعني من الآن لا أحكم بإباحته، ما سبق حكمت بإباحته وترتب عليه الوضوء وتوضأت وصلاتي صحيحة، أما من الآن وما بعد، لا، فهنا انكشف عدم إباحة الماء وعدم وجوب الوضوء منه من الآن وليس من السابق، هذا فرق بين القسم الثاني والثالث، ولكن لا يخل بأصل المطلب.

المهم ما لاحظناه الآن في الأقسام الثلاثة، أن السيد الخوئي قال: مما ذكرنا من هذا التفصيل ظهر أن أصالة البراءة في مورد جريانها تترتب عليها آثارها بلا فرق بين كونها إلزامية أو غير إلزامية، فلا وجه لما ذكره الفاضل التوني من اشتراط عدم ترتب حكم إلزامي على جريانه، يعني نحن لاحظنا الآن قسم منها يترتب عليه الحكم الإلزامي وقسم منها لأنه الموضوع اختلف لم يتحقق فلا يترتب عليه، لكن من الجميع لاحظنا أنه لا ينطبق عليه ما أفاده الفاضل التوني من اشتراط عدم ترتب حكم إلزامي على جريانها.

البحث كما قلنا دقيق ورشيق ومهم ويستفاد منه في تطبيقات الأصول في أماكن أخرى ولكن لا يصلح أن يكون إشكالاً على الكبرى التي قررها الفاضل التوني؛ لأن هذا كله يكون بحثاً صغروياً، من حيث الصغرى لاحظنا أن هذه موارد لا ينطبق عليها ما ذكره الفاضل التوني.

لكن النقاش مع الفاضل التوني ينبغي أن يكون في الكبرى، فنقول مثلاً: إن هذه الكبرى لا دليل عليها، ما أفاده الفاضل التوني من هذا الشرط لا دليل عليه والأمثلة التي ذكرها خارجة موضوعاً أساساً، يعني بأسباب أخرى قلنا بعدم الترتب أو نقول: بالترتب، يعني في العلم الإجمالي قلنا بسبب العلم الإجمالي لا يترتب بسبب المعارضة، المهم لأجل أسباب أخرى وليس بسبب نفس القاعدة نفس الضابطة.

هذه نهاية الكلام في أصالة البراءة وما يتعلق بها.

هنا الشيخ الانصاري (قده) بعد هذا المبحث لما ذكر شرط الفاضل التوني وهو ألا تكون أصالة البراءة في مورد جريان لا ضرر بحث في قاعدة لا ضرر، وهذا البحث أساساً ليس بحثاً أصولياً لكن أدرجه الشيخ الأنصاري (قده) ومشى عليه بقية علماء الأصول، فإن شاء الله البحث القادم يكون في قاعدة لا ضرر.