الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - خاتمة في شرائط العمل بالأصول العملية:

الجهة الرابعة: في ترك التقليد والاجتهاد:

كما هو معلوم ويذكر في الفقه أنه يجب على المكلف إما أن يكون مجتهداً أو مقلداً أو محتاطاً، إذا كان محتاطاً وأتى بالواقع فلا كلام، الكلام في هذه النقطة بحيث يرتبط بما نحن فيه من لزوم الفحص هو في المجتهد والمقلد.

لو عمل المقلد بلا فحص الذي قد يُعبر عنه بلا تقليد فيما هو حكمه من حيث صحة العمل وفساد العمل من جهة ومن حيث استحقاقه للعقوبة وعدم استحقاقه من جهة أخرى، وكذلك بالنسبة إلى المجتهد لو استنبط من غير فحص ورتب الأثر فهنا أيضاً يأتي الكلام في صحة العمل وعدم صحته ومن جهة استحقاق العقوبة وعدم الاستحقاق.

قبل الدخول في أصل الصور المذكورة في المقام، نقول: بأن في الفقه ذكروا هذا المعنى، أنه عمل العامي بلا تقليد باطلٌ، هذه المسألة ترتبط بما نحن فيه تقريباً، ومقصود القائل بعمل العامي بلا تقليد باطل مع هذا الإطلاق هو أنه لم يحرز الامتثال فلذلك يُعبر عن عمله بالبطلان بحسب الظاهر، يعني يتعامل مع عمله ظاهراً بأنه باطل، هو في الواقع وفي الأساس يجب على المكلف أن يبرء ذمته أمام الله سبحانه وتعالى لعلمه بأن هناك أحكاماً إلزامية متوجهة إليه فيجب أن يبرء ذمته وأن يخلص نفسه أمام ذلك، هذا هو الأساس، بعد ذلك يجب عليه الفحص ليعرف الوظيفة المتوجهة إليه ويمتثلها، الآن هو مثلاً صلى بلا تقليد ولم يأتِ بالسورة مثلاً لأنه لم يتعلم ولم يقلد فلم يأت بالسورة، قبل أن نلاحظ الأحكام الأخرى وأنه فعلاً ما هي وظيفته، الآن قبل الفحص هو لا يحرز براءة ذمته بما أتى به، هو صلى ولكن لا يحرز أن هذه الصلاة مبرئة لذمته أو ليست بمبرئة لذمته؟ فيتعامل معها معاملة الباطل فنقول: بحسب ظاهر الحال أن ما أتيت به غير صحيح ولا يجزئ ولا يبرء الذمة، فإذاً المقصود من العمل بلا تقليد باطل هو هذا المعنى أنه محكوم بالبطلان ظاهراً قبل الفحص، هذا المعنى طبعاً لا ينحصر في خصوص العبادات بل يأتي أيضاً في المعاملات، إتيانه في العبادات مثلما مثلنا، وإتيانه في المعاملات لأن الأصل في المعاملة الفساد كما هو مقرر عندهم في المعاملات، يقولون الأصل في المعاملة الفساد، إذا شككت في صحتها وفسادها فالأصل الفساد، فعليه: لا بد على من يريد أن يأتي بالمعاملة صحيحة وبدون اجتهاد أو تقليد أن يأتي بجميع ما يحتمل دخله في صحة المعاملة، كلما شك فيه يشك في أنه هل يشترط العربية أو لا يشترط؟ يأتي بالعربية، ويشك في أنه هل يشترط التلفظ بالعقد أو لا؟ يتلفظ، وهكذا سائر الشروط التي يشك في دخولها في الصحة وعدم الدخول، فالأصل الفساد.

طبعاً أصل الفساد يذكرون هناك الوجه في ذلك، ويذكرون عدة أوجه، من جملتها استصحاب عدم النقل والانتقال بمعنى أنه لو باع، أثر البيع هو نقل الثمن من المشتري إلى البائع ونقل المثمن من البائع إلى المشتري، فيتحقق بالبيع الصحيح النقل والانتقال، الآن إذا هذا الشخص أنشئ معاملة بيع وشككنا، أو هو شك في صحة هذه المعاملة لشكه في دخل شرطٍ ما لم يأت به، هنا نقول أصالة عدم النقل والانتقال، أو استصحاب بقاء الثمن على ملك مالكه وبقاء المثمن على ملك مالكه، فهنا هذا كدليل للقول بأصالة الفساد، أن نقول أصالة الفساد يعني لا يتحقق نقل وانتقال في المعاملة إذا شككنا فيه لاستصحاب بقاء الثمن على ملك مالكه ونستصحب بقاء المثمن على ملك مالكه.

المهم أنه هناك أوجه تُذكر في باب المعاملات، وما نريد الآن فعلاً أن نقوله: إن الحكم بالبطلان الظاهري لا يختص بالعبادات، بل كما يأتي في العبادات يأتي في المعاملات، نعم هناك شرط يفيدنا في الإثنين، يعني في العبادات لما نريد أن نصحح العبادة كما سيأتي في بعض الأوجه، نقول: إذا تحقق منه قصد التقرب، يعني من عمل بلا فحص وبلا تقليد ولا اجتهاد هذا العمل العبادي لا يصح إلا إذا تحقق منه قصد التقرب، أم إذا أتى بالعمل وهو جاهل بالحكم لعدم فحصه بدون أن يتحقق منه قصد التقرب، يعني من قبيل مثلاً: هو عالم بأنه لا يعلم بالوظيفة ولكن مع ذلك أتى بها وبدون قصد احتياط وبدون احتياط، ربما نقول هذا الشخص العالم الملتفت إلى أن عمله مطلوب فيه التقليد ولم يقلد ربما نقول بأنه لا يتحقق منه قصد التقرب، فلا يفيد التصحيح الذي سيأتي في بعض الصور، فإذاً لا بد من أن نحرز هذه الجهة في العبادات وهي أن يتحقق منه قصد التقرب.

وفي المعاملات أيضاً يشترط شرط من هذا القبيل ولكن يختلف، وهو أنه يشترط في المعاملة القصد أي قصد البيع والنقل والانتقال، إذا تحقق من مثله القصد، يعني إذا كان عالماً ملتفتاً إلى أنه سينشئ عاملة ربما تكون فاسدة ولا يتحقق منها النقل والانتقال ربما لا يحصل منه القصد الجدي في النقل والانتقال، فإذاً هو أقدم على البيع بدون قصد إنشاء البيع الحقيقي، هذا أيضاً يشكل الأمر فيه، فالآن يكون البحث في الصور الآتية في العبادات بحيث نقول: تحقق منه قصد التقرب، وفي المعاملات نقول: تحقق منه قصد الإنشاء.

عليه: إذا اتضح هذا التمهيد، نقول: ذُكرت صور أربع في حالة الانكشاف، بمعنى أنه إذا أتى المكلف بالعمل بدون تقليد ثم بعد ذلك التفت وقلَّد فيطبق عمله على مقتضى التقليد، هذا هنا عُبر عنه بالانكشاف، إذا انكشفت المخالفة أو المطابقة، لأن الواقع فعلاً غير منكشف عندنا ولا نتصور انكشاف الواقع عندنا في زمن الغيبة، فالمراد من الانكشاف هو ملاحظة هذا العمل مع فتوى المجتهد، يعني عرفت الآن فتوى المجتهد الذي يجب تقليده فأطبق العمل على طبقه فأُلاحظ أنه عندنا هنا صور أربع، بعد ملاحظة أن زمان العمل يختلف عن زمان الانكشاف، نفترض زمان العمل قبل شهر وزمان الانكشاف الآن، بعد هذه الملاحظة نقول:

الصورة الأولى: تارة بعد الانكشاف يتبين له عدم مطابقة عمله لفتوى من يجب عليه تقليده حين العمل ولفتوى من يجب عليه تقليده الآن، أو كان المجتهد نفسه قبل شهر والآن، المهم أن يتبين أن هذا العمل مخالف لفتوى من يجب عليه تقليده حين العمل وحين الانكشاف، هذه صورة.

الصورة الثانية: أن ينكشف له مطابقة العمل لفتوى من يجب عليه تقليده حين العمل ولمن يجب تقليده الآن حين الانكشاف.

الصورة الثالثة: أن يكون العمل مطابقاً لفتوى من يجب عليه تقليده حين العمل ومخالفة العمل لفتوى من يجب عليه تقليده فعلاً.

الصورة الرابعة: عكس الثالثة، يعني أن يكون العمل مطابق لفتوى من يجب عليه تقليده الآن ومخالف لفتوى من يجب عليه تقليده حين العمل.

أما الصورة الأولى: وهي أن يكون العمل مخالفاً لمن يجب عليه تقليده حين العمل ولمن يجب عليه تقليده حين الانكشاف، نفترض أنه صلى بترك القراءة وافترضنا أن فتوى من يجب عليه تقليده حين العمل بطلان هذه الصلاة، ومن يجب عليه تقليده الآن أيضاً يفتي ببطلان هذه الصلاة، هنا نقول له: العمل انكشف بطلانه وانكشف خطؤه، ويجب عليك القضاء مثلاً، فهذا العمل حكمنا عليه بالبطلان بعد أن انكشف لنا مخالفته لفتوى من يجب عليه تقليده حين العمل ولفتوى من يجب عليه تقليده الآن، هذا العمل باطل، وهذه الصورة تكاد أن تكون واضحة على حسب ما قررناه أولاً وهو أنه يجب عليه أن يبرئ ذمته، يعلم باشتغال ذمته بالصلاة فيجب عليه أن يأتي بالصلاة الصحيحة ليبرئ ذمته، هو الآن لم يأت بالصلاة الصحيحة بحسب الفتوى التي يجب عليه أن يعمل بطبقها، لا حين العمل ولا حن الانكشاف، فهذا العمل نحكم عليه بالبطلان.

أما الصورة الثانية: وهي أن يكون عمله مطابقاً لفتوى من يجب عليه تقليده حين العمل ومطابقاً لفتوى من يجب عليه تقليده حين الانكشاف، مطابق للإثنين، هنا نقول له: العمل صحيح مادام هو تحقق منه قصد التقرب، هذا الشرط الذي أخذناه مسبقاً، يشترط أن يتحقق منه قصد التقرب في العبادة، إذا تحقق منه قصد التقرب وحكمنا بصحة العمل في نفسه وطابق العمل لمن يجب عليه الرجوع إليه حين العمل ومن يجب عليه الرجوع إليه الآن، فهنا نحكم بالصحة وما عندنا إشكال في هذه الجهة، فإذاً هذه الصورة أيضاً واضحة.

أما الصورة الثالثة: وهي أن تنكشف مطابقة العمل لفتوى من يجب الرجوع إليه حين العمل وعدم مطابقة عمله لمن يجب عليه الرجوع إليه حين الانكشاف، في مثل هذا الفرض نقول ببطلان العمل، لو صلى حين العمل بلا تقليد وحين العمل كان عمله مطابقاً لمن يجب عليه تقليده حين العمل ولكنه مخالف لمن يجب عليه تقليده فعلاً الآن، هنا نحكم ببطلان الصلاة، السبب في ذلك: نلاحظ ما هو الوجه في الصحة أولاً، لو حكمنا بالصحة، ونحن قررنا القاعدة أن عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل بحسب الظاهر، ما هو المصحح حتى نرفع اليد عن هذا الأصل الأولي؟ المصحح المحتمل هنا هو أن نجري قاعدة لا تعاد، الصلاة في حسب الفرض أنه ترك القراءة والقراءة ليست من الأمور الخمسة التي يجب أن تعاد الصلاة منها، لا تعاد الصلاة إلا من خمس، ليست من هذه الخمسة القراءة، عليه: نقول: ترك جزءً ليس من الأمور الخمسة فتجري في حقه لا تعاد الصلاة، هذا هو الوجه، نحكم بصحته من هذه الجهة.

وهذا الوجه غير ناهض للقول بالصحة: وذلك: لأنَّ لا تعاد فيها بحث من جهة الشمول، لا تعاد تشمل الناسي، يعني من ترك القراءة ناسياً تشمله لا تعاد وهذا لا إشكال فيه، وهذا تقريباً هو لمقدار المتيقن المسلَّم عندهم، من ترك أحد الأجزاء أو الشروط غير الخمسة نسياناً تجري في حقه لا تعاد، الثاني من ناحية الشمول: هو الجاهل القاصر، هل تشمله لا تعاد أو لا تشمله؟ فيه خلاف، المحقق النائيني (قده) قال لا تشمله لا تعاد، فتنحصر لا تعاد في خصوص الناسي، ولا تشمل الجاهل حتى القاصر، غيره كالسيد الخوئي (ره) مثلاً ومجموعة من الأعلام قالوا: بأن لا تعاد تشمل الجاهل القاصر، هذا محل بحث الآن أيضاً خارج عن كلامنا، القسم الثالث الذي نسأل هل تشمله لا تعاد أو لا؟ هو الجاهل المقصر، من ترك جزءً لأنه جاهل مقصر، هل تشمله لا تعاد أو لا؟ نقول: لا، هذه تقريباً مسلمة عندهم لأنّ لا تعاد لا تشمل الجاهل المقصر، طبعاً الجاهل المقصر فيه قسمين ملتفت وغير ملتفت هناك أبحاث فيه، الجاهل المقصر لا تشمله لا تعاد، عليه: لا نصحح صلاته لأنه جاهل مقصر فهذا الشخص عمله لم يطابق فتوى من يجب الرجوع إليه وقت العمل ولم يطابق عمله لفتوى من يجب الرجوع إليه الآن ومع ذلك هو جاهل مقصر، فالتصحيح نريده من طريق لا تعاد وهي لا تشمله فلهذا نقول بما أنه لا تشمله فلا مصحح له من هذه الجهة، هذا وجه للتصحيح وهو باطل.

التصحيح الثاني: هو الأدلة العامة التي أقيمت على دلالة الأوامر الظاهرية للإجزاء، عندي أمر ظاهري والأمر الظاهري دال على الإجزاء، وهذا بحث يُذكر في الأجزاء وهو هل أن الأوامر الظاهرية دالة على الإجزاء أو غير دالة؟ على فرض الدلالة نقول: بأن الأوامر الظاهرية دالة على الإجزاء ولما كان عمله مطابقاً لفتوى من يجب عليه الرجوع إليه حين العمل فهناك أمر ظاهري يتوجه إليه بحسب حالته ووظيفته بأنه يجب عليك أن تأخذ بفتوى فلان مثلاً، اعمل على طبق فتوى فلان، هذا أمر ظاهري وعمله مطابق لهذا الأمر الظاهري، والأمر الظاهري يقتضي الإجزاء ولهذا نقول بصحة عمله، فلا يجب عليه القضاء، ولا يجب عليه الإعادة إذا كان في داخل الوقت لو انكشف طبعاً خلاف الكلام الفعلي.

هنا غير تام أيضاً؛ لأن هذا الوجه على فرض صحة الكبرى وهي أن الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء، هذا يتوجه لمن عمل واستند إلى هذا الأمر الظاهري، عملت بالأمر الظاهري وعملت بالفتوى، رأيت فتوى للذي يجب الرجوع إليه عليّ، وعملت على طبقها هنا نقول: بأن الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء، أما إذا لم أعمل -كما هو الفرض- بمقتضى الأمر الظاهري فأي أمر ظاهري يقتضي الإجزاء؟ يعني لم يعمل بأمر ظاهري يقتضي الإجزاء حتى نقول يقتضي الإجزاء، إذاً هذا الوجه أيضاً غير تام، فإذا كان عمله مطابقاً لفتى من يجب الرجوع إليه حين العمل ولكنه مخالف لفتوى من يجب الرجوع إليه الآن فنحن حكمنا عليه بالانكشاف لمطابقته لفتوى من يجب عليه تقليده وعدم المطابقة هي التي قلنا عنها الانكشاف، الآن انكشف خطأ عمله وعدم مطابقة عمله لفتوى من يجب الرجوع إليه الآن فعلاً، يعني انكشف الخطأ فلا تقول إنه عمل بالأمر الظاهري وهو يقتضي الإجزاء، لأننا نقول هو لم يعمل بالأمر وإنما عمل بلا أمر بلا تقليد وانكشف خطؤه فيأتي الطلان، القاعدة هي البطلان.

أما الصورة الرابعة: عكس هذه الصورة السابقة، وهي أن ينكشف مطابقة عمله لفتوى من يجب الرجوع إليه الآن فعلاً، ومخالفة عمله لفتوى من يجب الرجوع إليه حين العمل، في مثل هذا الفرض نحكم بالصحة، حين الانكشاف كان العمل مطابقاً لفتوى من يجب الرجوع إليه حين الانكشاف، هذا المجتهد الآن يقول: بأن عملك صحيح ولا تجب عليك الإعادة فنحكم عليه بالصحة، حتى لو كان حين العمل مخالفاً لفتوى من يجب الرجوع إليه حين العمل، المدار على الفعلية، الآن المجتهد يقول له عملك صحيح، ولا يجب عليك الإعادة ولا القضاء فيما فات وقتها، فنحكم بصحة العمل، هذه الصور المذكورة في المقام للتصحيح، من هذا يأتي بحث البحث الآخر، هل يستحق العقوبة أو لا؟ ذاك مبحث ثاني يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.