الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - خاتمة في شرائط العمل بالأصول العملية:

ما أفاده المحقق النائيني (قده) في وجوب التعلم:

على ما تقدم قلنا إن رأي المحقق الأردبيلي وتبعه تلميذه صاحب المدارك على أن وجوب التعلم وجوب نفسي، على هذا يستحق العقوبة على تركه لا على ترك الواقع فعلاً وإنما على ترك التعلم، وتقدم الكلام فيه وأن الدليل الذي ذُكر له لا يصح أن يكون دليلاً، والقول الثاني ما ذكره غير واحد من الأعلام كالسيد الخوئي (ره) وغيره، على أن الوجوب هنا وجوب طريقي، يعني يجب التعلم لأجل العمل فإذا ترك التعلم لا يستحق العقوبة على تركه التعلم وإنما يستحق العقوبة على تركه الواقع فعليه لو ترك التعلم ولم يصادف الواقع يعاقب على الواقع، وإذا ترك التعلم ولم يكن في الواقع حكم فهنا لا عقوبة عليه إلا من باب التجرّي على القول بأن التجرّي يوجب العقوبة، وهذا القول تقدم الكلام فيه.

الآن لتتمة الكلام نذكر ما أفاده المحقق النائيني (قده) وهو يقول: بأن العقوبة على ترك التعلم إذا صادف مخالفة الواقع وهو لا يقول كما قال المحقق الأردبيلي من أن العقوبة على ترك التعلم مطلقاً ولا يقول بمقالة المشهور وهو أن العقوبة على ترك الواقع وإنما يقول: استحقاق العقوبة على ترك التعلم إذا صادف الواقع وهذا قولٌ آخر غير القولين السابقين.

ولهذا هو في أجود التقريرات قال بما عبارته هكذا: (وقع الكلام في أن العقاب على ترك الفحص مطلقاً)، يعني صادف الواقع أم لم يصادف الواقع، (أو فيما لزم منه ومن الأخذ بالبراءة مخالفة التكليف الواقعي؟ وعلى الثاني فهل الموجب للعقاب هو مخالفة نفس الواقع مع حكم العقل بلزوم الفحص أو مخالفة وجوب الفحص المستلزمة لمخالفة الواقع، وجوه نسب الأول منها إلى صاحب المدارك والمحقق الأردبيلي)، الذي هو عبر عنه في بادئ الأمر أن العقاب على ترك الفحص مطلقاً، (والثاني إلى المشهور، وعلى الثاني فهل الموجب للعقاب هو مخالفة نفس الواقع مع حكم العقل بلزوم الفحص، هذا هو الثاني وهو المشهور، والمختار عندنا هو الثالث يعني مخالفة وجوب الفحص المستلزمة لمخالفة الواقع).

هنا المحقق النائيني تعرض إلى مقدمة لبيان محل البحث ومحل الكلام:

المقدمة: يقول: بأن الواجب ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: واجب نفسي، والقسم الثاني: واجب غير نفسي.

الواجب النفسي: قال: هو ما كان وجوبه لا لأجل خطاب آخر، الخطاب به لا لخطاب آخر وإنما للإتيان به بنفسه.

وغير النفسي: كل خطاب يكون لأجل خطاب آخر.

ثم كلٌ منهما قسمه: النفسي الذي يجب خطابه لا لأجل خطاب آخر قسمه إلى أقسام:

القسم الأول: أن يكون هو بنفسه غرض أولي، مثل معرفة الله سبحانه وتعالى، فهنا هذا هو بنفسه غرضاً أولياً، يعني نفس المعرفة مطلوبة بحد ذاتها.

القسم الثاني: أن يكون سبباً توليدياً للغرض والوجوب لا لأجل خطاب آخر ولكن لكونه سبباً توليدياً للغرض، مثلاً الإلقاء الواجب هذا في نفسه مخاطب، يعني وجب لا لأجل خطاب آخر، ولكن وجوب باعتبار أنه سبب توليدي للإحراق والغرض هو الإحراق، وهذا يختلف عن السابق، فالسابق نفس متعلق الوجوب هو بنفسه غرض وهذا الثاني متعلق الوجوب سبب توليدي للغرض، فالخطاب موجه إلى نفس الإلقاء ولكن الإلقاء باعتبار أنه سبب توليدي للغرض، الإلقاء سبب للإحراق، فيكون يختلف عن الأول.

القسم الثالث: أن يكون علة معدّة للغرض، هو في نفسه لا يحمل الغرض وليس سبباً توليدياً للغرض وإنما معدّ، فنسميه علة معدّة للغرض، هذا فيما لم يمكن تعلق التكليف بنفس الغرض، وهو مثل المصالح المترتبة على جل الواجبات الشرعية، مثلاً: الأمر والخطاب تعلق بالصلاة لأجل المصلحة الموجودة في الصلاة والمصلحة الموجودة في الصلاة لا يمكن أن يُخاطب بالإتيان بها مباشرة، يعني مثلاً: لو قلنا بأن الغرض من الصلاة هو كونها معراجاً للمؤمن، المعراجية لا يمكن أن يتعلق بها التكليف فالتكليف يتعلق بالصلاة في نفسها لا لأجل خطاب آخر، ولكن من جهة أنها معدّة لذلك الغرض، علة لذلك الغرض، وذلك الغرض لا يمكن أن يتعلق به الخطاب والتكليف في نفسه، هذه أقسام ثلاثة للواجب النفسي الذي وجوبه لا لأجل خطاب آخر.

يجمع هذه أن نقول: أن يكون الغرض من الإيجاب التوصل إلى ما في المتعلق من دون أن يكون هناك خطاب آخر، الغرض هو أن يكون الغرض من الإيجاب هو التوصل إلى إيجاد متعلقه خارجاً من دون أن يكون هناك خطاب آخر، هذا القسم الأول وهو الواجب النفسي.

القسم الثاني من الواجب: وهو الواجب غير النفسي، وهو وجوبه لأجل خطاب آخر، كل خطاب يكون لأجل خطاب آخر هذا نسميه واجب غير نفسي، وهذا هو المائز بينه وبين القسم الأول الذي وجوبه لا لأجل خطاب آخر، وهذا وجوبه لأجل خطاب آخر، والثاني ينقسم إلى أقسام أيضاً:

القسم الأول: الخطاب يكون مقتضياً له بنفسه من دون احتياج إلى إنشاء آخر، مثل الخطابات الغيرية المتعلقة بالمقدمات المترشحة من الواجبات النفسية، الخطاب الأول هو للواجب النفسي والواجب النفسي في نفسه يترشح منه وجوب وتكليف للمقدمات التي يتوقف عليها، عندنا الخطاب يتوجه إلى الواجب النفسي والواجب النفسي يتوقف وجوده على تحصيل مقدمات فيترشح تكليف من الواجبات النفسية إلى هذه المقدمات، هذا الخطاب المتوجه إلى المقدمة خطاب لأجل خطاب آخر لا لأجل المقدمة نفسها وإنما خوطب بالإتيان بالمقدمة لأجل وجود خطاب آخر وهذا النوع من هذا القسم نقول: إنه لو فُرض لم يوجد خطاب يتعلق بالمقدمة نكتفي بالخطاب المتعلق بذي المقدمة، يقول: يجب عليك الصعود إلى السطح، لا يحتاج أن يقول إيتي بالسلم واصعد للسطح، لأنه نفس الأمر بالصعود للسطح يقتضي أن تأتي بالسلم للصعود للسطح لأنك غير قادر على الصعود بدون سلم، فهذا القسم الأول يكون مقتضياً بنفسه بدون احتياج لخطاب آخر.

القسم الثاني: أن يكون محتاجاً إلى جعل آخر، مثل موارد متمم الجعل، هذا القسم الثاني الخطاب الأول لا يقتضيه وليس مثل القسم الأول، مثلاً على ما يراه المحقق النائيني من متمم الجعل، الأمر بالصلاة لا يقتضي أن يؤتى بها بقصد امتثال أمرها على حسب ما ذكر في بحث التوصلي والتعبدي وهو أن الإتيان بالصلاة العبادة بقصد امتثال أمرها هذا من الأقسام الثانوية التي تأتي بعد الأمر، أولاً يوجد الأمر وبعد وجوده نقول: هل يؤتى بالمأمور به بقصد امتثال أمره أو يؤتى به حتى بدون قصد امتثال أمره، فإذاً صار من التقسيمات الثانوية وهي شأن للأمر الأول بالنسبة لها، أو بعبارة أخرى أن الأمر الأول لا يقتضيه لأنها هي متأخرة عنه وليس متقدمة عليه، ليست مثلاً صلِّ في المسجد أو في البيت، هذه تقسيمات أولية أن الصلاة يمكن أن تقع في البيت أو في المسجد، فيمكن أن يقول صل ي المسجد أو في البيت ويمكن أن يُطلق، أما بالنسبة إلى أن يؤتى بالصلاة بقصد امتثال أمرها لا بد أن يكون بعد الأمر وبما أنه كذلك إذاً الخطاب الأول لا يقتضي الإتيان بها وإنما يحتاج إلى متمم الجعل وإلى خطاب ثاني متمم الجعل وهذا المتمم حتى يمكن أن يستوفي الخطاب الأول لتمام الأجزاء والشرائط، بمعنى أنه في الوقع نقول: بأن الصلاة ذات أجزاء وشرائط، عندنا أجزاء وشرائط تكون من قبيل التقسيمات الأولية مثل الصلاة مع الركوع أو مع السجود أو القراءة وهكذا، وعندنا جزء لا يكون من هذا الباب وهو النية وأن يؤتى بالفعل بقصد امتثال الأمر، والشارع يريد من المكلف أن يأتي بالفعل بتمام أجزاءه وشرائطه فيحتاج أن يأتي بخطاب آخر وهذا الذي سماه بمتمم الجعل، يقول: إيتي بهذه الصلاة بقصد أمرها، فإذاً أولاً يأتي أمر بالصلاة ثم يأتي أمر آخر يقول إيتي بهذه الصلاة التي أمرناك بها بقصد الأمر المتقدم حتى تتم الأجزاء والشرائط، إذاً يكون الخطاب المتمم للجعل لأجل عدم إمكان استيفاء الخطاب الأول لتمام الأجزاء وتمام شرائطه، هذا القسم الثاني من الخطاب يكون لأجل خطاب آخر، والخطاب الثاني الذي سميناه متمم للجعل هذا كان لأجل خطاب آخر لوجود الخطاب الأول المتعلق بالعبادة، هذا القسم الثاني من الواجب غير النفسي.

القسم الثالث: أن يكون الخطاب لأجل أنه لولاه لزم فوات الواجب، لأجل توقفه على مقدمات خارجية دخيلة في القدرة عليه، هذا القسم من قبيل الحج ومقدماته ففيه عندنا وجوب يتعلق بالحج، إذا لم أتحرك من بلدي إلى مناسك الحج لا يمكن الإتيان بالحج، فهنا الحج يتوقف على المقدمات الخارجية، الخطاب الأول الحج والخطاب الثاني يتعلق بهذه المقدمات، سر إلى مناسك الحج، هذا الخطاب الثاني يكون لأجل خطاب آخر، الخطاب الأول يجب الحج والخطاب الثاني سر إلى مناسك الحج، فهذا الخطاب الثاني أنه لولا هذا الخطاب الثاني لزم فوات الحج لأجل توقف الحج على مقدمات خارجية دخيلة في القدرة عليه، يعني لا أستطيع من الإتيان بالحج ولا أقدر عليه إلا إذا ذهبت هناك، هذا القسم يختلف عن القسم الثاني والأول، الأول قلنا هو بنفسه يقتضي الإتيان بالثاني والقسم الثاني قلنا هو بنفسه لا يقتضي ولكن نحتاج إلى متمم حتى يمكن الإتيان بجميع الأجزاء والشرائط، وهذا القسم الثالث يقول الخطاب لولاه لزم فوات الواجب، لأنه هنا يمكن أن يقال إنه لولا الذهاب إلى الحج لا يكون قادراً ولا يكون مخاطباً، نقول: عندنا الخطاب الثاني لأجل أنه لولا الإتيان بمتعلق الخطاب الثاني يلزم فوات الواجب لأجل توقفه عليه لكونه من المقدمات الخارجية الدخيلة في القدرة.

القسم الرابع: من غير النفسي: ما يكون الخطاب الثاني لأجل أنه لولاه لما وصل المكلف إلى خطاب المولى، حتى ينبعث نحو الإتيان به ومن دون أن يكون دخيلاً في القدرة على متعلقه بخلاف القسم السابق، هذا من قبيل التعلق، وجوب التعلم لخطاب آخر لأجل أنه لولا التعلم لما وصل إلى معرفة الحكم الشرعي، ولما وصل المكلف إلى خطاب المولى الأولي وإذا لم يصل لم ينبعث، فإذاً المكلف ينبعث عن الخطاب الأول صلِّ مثلاً، ولكن إذا لم أتعلم الحكم لم أعرف الخطاب الذي يوجب انبعاثي نحو العمل، فإذاً الخطاب المتعلق بالتعلم لأجل خطاب آخر لا لأجل نفسه، وهو أنه لولا التعلم لما وصلت إلى التكليف إلى الخطاب الأولي حتى أنبعث عنه ومن دون أن يكون التعلم دخيلاً في القدرة، ليس هو مثل السعي إلى أماكن الحج فالسعي من دونه لا أقدر على الحج، هذا ليس من هذا الباب وإنما من دون التعلم لا أنبعث نحو العمل فقط لا أني غير قادر، هذا القسم الرابع من الخطاب غير النفسي هو الواجب الطريقي.

فإذاً هذه المقدمة كلها يريد أن يبين أن الخطاب بالتعلم ليس واجباً نفسياً كما يقول المحقق الأردبيلي وصاحب المدارك لأن الخطاب النفسي هو ما وجب لا لأجل خطاب آخر، وهذا وجب لأجل خطاب آخر، فإذاً هو ليس من الواجب النفسي بجميع أقسامه.

ثم لما نأتي إلى الواجب غير النفسي قلنا هو أقسام نحصره في القسم الأخير، وجب لأجل أنه لولاه لم يصل إلى تكليف المولى حتى ينبعث نحوه، هذا النحو نسميه بالواجب الطريقي مثله مثل أيضاً أدلة الطرق مثله مثل الاحتياط هذا واجب طريقي، إذا كان واجباً طريقياً الآن اتضح إلغاء ما أفاده المحقق الأردبيلي.

الآن العقوبة يستحقها على ماذا؟ هنا الذي يختلف فيه مع المشهور، يقول: العقوبة يستحقها على ترك التعلم المصادف لترك الواقع، أما استحقاق العقوبة على ترك التعلم في نفسه فهذا يترتب على ما لو كان الواجب واجباً نفسياً والخطاب خطاب نفسي، وقد قلنا إن الخطاب ليس بنفسي، إذاً لا تترتب العقوبة على ترك التعلم في نفسه كما أفاده المحقق الأردبيلي.

وأما على ما أفاده المشهور أن العقوبة تترتب على ترك الواقع فيقول: الواقع لا بيان عليه، إذا لم يتعلم لا بيان عليه، فإذا لا يوجد بيان البراءة تقول: قبح العقاب بلا بيان، فإذاً من هذه الجهة يقول: بأن العقوبة لا تترتب على الواقع في نفسه، فالنتيجة أنه لا يرى رأي المشهور من ترتب العقوبة على ترك الواقع في نفسه لعدم البيان ولا يقول بمقالة المحقق الأردبيلي من ترتب العقوبة على ترك التعلم لأن التعلم خطاب لأجل خطاب آخر والذي يترتب عليه العقوبة هو الخطاب النفسي لا لأجل خطاب آخر، فيقول: عندنا قول ثالث وهو أن العقوبة تترتب على ترك التعلم المصادف لترك الواقع، بهذا القيد، هذا تمام ما أفاده المحقق النائيني وللحديث بقية ترتبط بالتعليق عليه. والحمد لله رب العالمين.