الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - خاتمة في شرائط العمل بالأصول العملية:

التفصيل بين المقدمات المفوتة وغير المفوتة في وجوب التعلم:

ذكرنا فيما سبق ما أفاده السيد الخوئي (ره) وحاصله أنه في المورد الذي حصل الإشكال فيه وهو فيما إذا كانت القدرة معتبرة شرعاً ودخيلة في الخطاب والملاك، هناك قال: قبل تحقق الشرط لا يجب فإذا لا يجب إذاً لا يكون الواجب فعلياً فلا يجب تعلمه، وبعد تحقق الشرط هو غير قادر والقدرة دخيلة في الملاك فإذاً أيضاً لا يجب لأنه ينتفي الوجوب بانتفاء ملاكه.

قال ما لفظه هكذا: وإن كانت القدرة معتبرة شرعاً ودخيلة في الملاك فلا يجب التعلم قبل الوقت حينئذ بلا فرق بين القول بوجوبه طريقياً والقول بوجوبه نفسياً، أما على القول بالوجوب الطريقي: فالأمر واضح إذ لا يترتب على ترك التعلم فوات واجب فعلي ولا ملاك ملزم؛ لأنه قلنا القدرة دخيلة في الملاك فما لم تحصل القدرة لا يحصل الملاك ولا يعتبر أيضاً فات الواجب الفعلي، هذا على القول الطريقي، وأيضاً وأما على القول بالوجوب النفسي فلأن الواجب إنما هو تعلم الأحكام المتوجهة إلى شخص المكلف والمفروض أنه لم يتوجه إليه تكليف ولو لعجزه، هو يجب عليه تعلم الأحكام المتوجهة إلى شخصه قبل الشرط لم تتوجه الأحكام لعدم تحقق الشرط أساساً فلم يتحقق المشروط، وبعد تحقق الشرط الفرض أنه غير قادر فلا يتوجه إليه التكليف فعليه: يقول: لأن الواجب إنما هو تعلم الأحكام المتوجهة إلى شخص المكلف والمفروض أنه لم يتوجه إليه تكليف ولو لعجزه، ولا يجب على المكلف تعلم الأحكام المتوجهة إلى غيره وهو القادر، ولذا لا يجب على الرجل تعلم أحكام الحيض، يقول: هذه الأحكام هي متوجهة إلى القادر وهو غير قادر فهو لا يجب عليه أن يتعلم الأحكام المتوجهة إلى غيره، نظيره لا يجب على الرجل أن يتعلم أحكام النساء، هنا أيضاً لا يجب على غير القادر أن يتعلم أحكام القادر لأنها غير متوجهة إليه، فالنتيجة يقول: لا ثمرة عملية بيننا وبين المحقق الأردبيلي، إذ قد عرفت عدم وجوب التعلم في هذا الفرض على كلا القولين فلا يجدي الالتزام بالوجوب النفسي في دفع الإشكال المذكور وهو أنه يلزم على القول بالوجوب الطريقي أنه قبل الشرط لا يجب وبعد الشرط غير قادر، يقول: هذا الكلام يأتي حتى في الوجوب النفسي، يقول: بل الحق هو الالتزام بالإشكال وعدم وجوب التعلم ولا يلزم منه محذور، ونحن نقول: نحن نلتزم بالإشكال نقول: لا يجب التعلم ولا يأتي أي محذور، هذا حاصل ما أفاده السيد الخوئي (ره).

الشيخ الوحيد (حفظه الله) تقريباً نفس الكلام الذي أفاده السيد الخوئي (ره).

ولكن نقول: هذه المسألة ترتبط عادة بمسألة المقدمات المفوتة وهناك بحث مفصل حول المقدمات المفوتة، وهل تجب المقدمات المفوتة أو لا؟ بمعنى أنه إذا علم المكلف بأنه إذا لم يأتِ بهذه المقدمة قبل الوقت يفوت الواجب حين الوقت، فهل يجب عليه الإتيان بالمقدمة أو حفظها أو لا؟ مثلاً: لو كان عنده ماء قبل الوقت ولكن هو في مكان يعلم بأنه إذا استعمل الماء فعلاً فسوف لن يكون قادراً على الوضوء بعد دخول الوقت فهل يجب عليه حفظ الماء إلى وقت دخول الوقت، أو لا يجب عليه؟ هذه وأمثالها تسمى المقدمات المفوتة، هناك بحث مفصل، طبعاً الآن لا نريد أن ندخل في ذلك البحث المفصل.

ولكن نقول: بأن ما أفاده السيد الخوئي (ره) يمكن أن يتم في المقدمات المفوتة غير التعلم، وحتى المقدمات المفوتة هناك كلام وليس بضرس قاطع، نقول: بأنه لا تجب المقدمات المفوتة لأنه قبل الوقت لا يوجد تكليف بذي المقدمة حتى تجب مقدماته وبعد دخول الوقت أيضاً لا تجب لعدم القدرة على الواجب، هذا على فرض أن يقال فيقال في المقدمات المفوتة غير التعلم، السبب في ذلك أنه هناك نتصور مثلما أفاد السيد الخوئي هناك، بأنه إذا كانت القدرة دخيلة في الملاك والخطاب فإذاً قبل تحقق الشرط لا يوجد خطاب ولا ملاك وبعد تحقق الشرط غير قادر فلا يوجد ملاك فعلى التقديرين نقول: فلا يجب الحفظ، ولكن هناك من قال بوجوب المقدمات المفوتة وأتى بوجه، الآن كما قلنا لا نريد الخوض في أصل البحث في المقدمات المفوتة هذا في محله.

الآن الذي نريد أن نقوله: إنه ينبغي التفريق بين المقدمات المفوتة غير التعلم وخصوص التعلم، يعني الوجه الذي أُفيد هذا يأتي بالنسبة إلى المقدمات المفوتة غير التعلم، أما بالنسبة إلى التعلم إذا اعتبر أنه من جملة المقدمات المفوتة فهنا نقول: يجب التعلم وليس حاله حال المقدمات المفوتة الأخرى، بل يجب قبل الوقت في الموقتات، بما أنه يعلم بأنه سيبتلي بهذا الواجب بعد دخول وقته ويعلم بأنه إذا لم يتعلم يفوته الواجب بعد دخول وقته، في هذه الحالة نقول له: يجب عليك التعلم قبل دخول الوقت وقبل حصول الشرط، والسبب في ذلك: هو إطلاق الأدلة القائمة على الوجوب، عندما مثلاً يقول: يجب الحج مطلقاً، تحققت طبعاً الاستطاعة بحيث تحقق شرط وجوب الحج هنا مطلق، أو تجب الصلاة على المكلف ودليله (أقيموا الصلاة) مطلق، وهذا الإطلاق نستطيع أن نستفيد منه وجوب الفعل نفسه مطلقاً وبما أن إمكان امتثال الوجوب يتوقف على التعلم فنقول: يجب عليه التعلم.

وبعبارة أخرى: نستطيع أن نقول: بأن المستفاد من هذه الأدلة هو أن ترك الواجب إذا استند إلى ترك التعلم يستحق المكلف العقاب على نفس الواجب، هذا طبعاً بمعونة الأدلة التي تقول: (هلّا تعلمت) التي تقدم الكلام فيها، المهم هنا الذي نريد أن نقول هكذا: إن إطلاقات الأدلة القائمة على الوجوب يستفاد منها أن ترك الواجب إذا استند إلى ترك التعلم استحق المكلف العقاب عليه، سواء كان تركه للواجب قبل دخول الوقت أو قبل حصول الشرط أم كان بعدهما، هذا الإطلاق متحكم، فيدل على أن التعلم مأمور به مطلقاً وإن لم يتحقق الشرط، هنا في الفرض محل الكلام أن ترك الواجب كان بسبب ترك التعلم، فات الواجب لأنه ترك التعلم فمقتضى إطلاقات الأدلة أنه يجب عليك وأن المكلف يعاقب على ترك هذا الواجب، فلا يسوغ له تركه ولا يسوغ له ترك التعلم.

خلاصته: أن إطلاقات أدلة وجوب التعلم يستفاد منها أن ترك الواجب إذا كان بسبب ترك التعلم فالمكلف غير معذور ويستحق العقاب، سواء كان ترك التعلم قبل أو بعد، يعني إذا يعلم بأنه غير قادر عليه أن يتعلم قبل دخول الوقت.

تقول: بأنه لا يوجد تكليف بذي المقدمة، قبل تحقق الشرط أو قبل دخول الوقت لا يوجد تكليف بالصلاة أو بالحج أو بذي المقدمة فعليه: إذا لا يوجد تكليف بذي المقدمة لا يوجد تكليف بالمقدمة لأن وجوب المقدمة تابع لوجوب ذيها، فمع عدم توجه التكليف بذي المقدمة لا يتوجه التكليف إلى المقدمة.

نقول: حتى لو كان كذلك: وإلا في الواقع يلزم أن يستطيع المكلف أن يتخلص من أكثر الواجبات المشروطة والموقتة التي يتضيق فيها الوقت فإذا لم يتعلم لا يستطيع الإتيان بها، هذه تنتفي، يعني يستطيع المكلف ألا تتوجه إليه فقط لا يتعلم قبل تحقق الشرط أو قبل دخول الوقت عند ذلك لن يكون مستطيعاً بعد دخول الوقت فعليه لا يكون مخاطباً بها لأنه غير قادر، والالتزام بهذا بعيد غايته.

ولكن هذا الذي نقوله لا يخرج الكلام عن كون وجوب التعلم وجوباً طريقياً، يعني لا نلتزم بما التزم به السيد الخوئي (ره) بأنه نلتزم بالإشكال ونقول لا يجب عليه التعلم وفي النتيجة أنه لا يجب عليه الإتيان بالفعل، لا نلتزم بالإشكال من هذه الجهة، وأيضاً لا نلتزم بالوجوب النفسي للتعلم الذي أراده المحقق الأردبيلي (قده) بل نلتزم بأن وجوب التعلم طريقي وإنما وجب للإتيان بالواجبات لا لأنه مطلوب في نفسه كسائر الواجبات، فإذا تركه المكلف لا يعاقب على تركه التعلم وإنما يعاقب على تركه الواجب، هذا هو الفرق بين الوجوب النفسي والطريقي، أن العقاب ليس على ترك التعلم وإنما هو على ترك الواجب وهذا هو معنى الوجوب الطريقي، لو كان العقاب على نفس ترك التعلم نقول: هذا الوجوب نفسي.

ربما يقال: ما هي الثمرة في الفرق بينهما، نقول: الثمرة تظهر هنا، لو فرضنا ترك التعلم ولكن استند ترك الواجب لغير ترك التعلم فهنا لا يستحق العقوبة، يعني لو فرضنا مثلاً بأنه إذا لم يتعلم قبل دخول وقت الحج لا يكون قادراً على الامتثال والإتيان بالحج، وهو لم يتعلم وتوجه إلى الحج فحصر أخذه ظالم، فهنا ترك الواجب ولكن لم يستند ترك الواجب على ترك التعلم وإنما استند إلى سبب آخر، في مثل هذا الفرض.

نقول: لا عقوبة عليه، لكن لو استند ترك الواجب إلى ترك التعلم هنا نقول: عليه عقوبة، فإذاً هنا تظهر الثمرة، نقول: بأنه واجب طريقي وليس واجباً نفسياً، نقول تظهر الثمرة هنا، بما أن الواجب الطريقي تكون العقوبة عند مخالفته على ترك الواجب لا على ترك التعلم، وأما على القول بالواجب النفسي تكون العقوبة على ترك التعلم، هنا نقول بالواجب الطريقي وتظهر الثمرة في مثل هذا الفرض، إذا كان ترك الواجب مستنداً إلى ترك التعلم يستحق العقوبة، وإذا كان ترك الواجب مستنداً لغير التعلم وإن ترك التعلم هنا لا يستحق العقوبة.

هذا طبعاً كما قلنا أولاً أنه يرتبط بما إذا علم بأنه سيبتلي بالواجب، أما لو فرضنا أنه احتمل أنه سيبتلي بالواجب لا بنحو العلم وإنما بنحو الاحتمال، هنا يأتي الكلام الذي قدمناه سابقاً وحاصله: في البراءة العقلية قلنا سابقاً بأنها تتوقف على البيان فإذا لم يتحقق البيان يتحقق قبح العقاب بلا بيان، فإذا حصل البيان لا تأتي قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وقلنا هناك بأن المقصود من البيان أن يجعل المولى الحكم في معرض الوصول، النبي صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام يبلغه للناس فيكون هذا في معرض الوصول، فلا يشترط أن يذهب الإمام عليه السلام إلى كل بيت ليخبرهم بالحكم، هو جالس في المسجد يحدث أصحابه في معرض البيان وفي معرض الوصول، هذا المقدار كافي في تحقق البيان ولا يصح عند حصول المعنى أن يقال: قبح العقاب بلا بيان، هذه هي وظيفة المولى، إذا جعل الأحكام في معرض الوصول انتهت وظيفته، ويكون لا يوجد عند المكلف مؤمن من العقوبة، لا يستطيع أن يتسمك بأن هذا مؤمن من العقوبة، بناءً عليه: هنا إذا احتمل بأنه سيبتلي بالواجب، بالنتيجة هو يحتمل أو يعلم بأنه إذا ترك التعلم لا يستطيع أن يؤدي الواجب، هنا أيضاً نقول له لا يمكنك التمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان حتى تقول إنه أن لا يوجد عندي بيان لا يجب عليّ التعلم لأنه أنا أحتمل ابتلائي بالحكم فلا يجب عليّ تعلم أحكامه، نقول: يجب عليك تعلم أحكامه، بما أنك تحتمل ووظيفة المولى هو أن يجعل الحكم في معرض الوصول فوظيفتك أيها المكلف أن تسعى لذلك، فإذاً يجب عليك التعلم حتى لو كان عندك مجرد احتمال بالابتلاء بالواجب.

فنتيجة الكلام: أننا نقول ملخصاً هكذا: إن ما أفاده السيد الخوئي (ره) وأيضاً هو المستفاد من كلمات الشيخ الوحيد (حفظه الله) هو الالتزام بالإشكال وأنه في حالة عدم التعلم لا يكون قادراً على الإتيان بالواجب ومع عدم قدرته بعد تحقق الشرط لا يكون واجباً لعدم تحقق الملاك ولانتفاء الملاك، هذا الذي التزما به.

نقول: يمكن مناقشته بأنه نفرّق بين المقدمات المفوتة غير التعلم وبين التعلم إذا كان مقدمة مفوتة، فبالنسبة إلى المقدمات الأخرى يمكن الالتزام وإن كان في نظر وفيه إشكال وكلام.

وبالنسبة إلى خصوص التعلم فبمقتضى إطلاقات الأدلة يجب التعلم مطلقاً، وإذا استند ترك الواجب إلى ترك التعلم فالمكلف غير معذور ويستحق العقوبة، هذا إذا علم ابتلائه بالواجب بعد دخول وقته، وإذا احتمل ابتلائه بالواجب بعد دخول وقته فنقول لا يمكنه أن يجري البراءة أيضاً لما بيناه. والحمد لله رب العالمين.