الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - خاتمة في شرائط العمل بالأصول العملية:

نوع الوجوب في لزوم الفحص: إشكال على كون الواجب طريقياً:

اتضح مما تقدم، أولاً: بأنه لا بد قبل جريان الأصول من الفحص والبحث عن الأدلة.

ثانياً: أن مقدار الفحص هو بحيث يحصل الاطمئنان بعدم وجود الدليل أو بتعبير آخر أن يحصل اليأس بعدم الظفر بالدليل، بعد ذلك يمكن جريان الأصول.

ثالثاً: هو أنه هل وجوب الفحص ووجوب التعلم وجوب نفسي أو وجوب طريقي؟ على ما تقدم أن الذي يظهر من المحقق الأردبيلي وتلميذه صاحب المدارك وهو المنسوب لهما أنهما يريان الوجوب النفسي، ومن الإشكالات الموجهة إلى ما أفاداه يتضح أن القول بالوجوب النفسي غير تام، فالصحيح هو أن الوجوب طريقي، يعني التعلم لأجل العمل لا لأجل التعلم نفسه ثم يترتب عليه الأمر، وبناءً على ذلك أن المكلف عندما لا يتعلم وبالتالي لم يعمل ويخالف الواقع تكون عقوبته على مخالفة الواقع لا على تركه للتعلم، أما لو كان الوجوب وجوباً نفسياً فيلزم من ذلك أن يكون هناك عقوبة على ترك التعلم لا على ترك الواقع فقط، وهذا تقدم.

فيتضح إذاً أن الوجوب هنا وجوب طريقي لأجل العمل، يبقى هنا نقطة ترتبط بهذه الجهة وهي إشكال أورد على الوجوب الطريقي.

والإشكال في خصوص الواجبات المشروطة، لأنه عندنا واجبات مطلقة تجب بدون أن تتعلق بشرط وعندنا واجبات مشروطة مثل إذا زالت الشمس تجب الصلاة هنا واجب مشروط بدخول الوقت بالزوال، الإشكال الذي يوجه على القول بالوجوب الطريقي في خصوص الواجبات المشروطة.

حاصل الإشكال: أن هذا الواجب المشروط بشرط إذا لم يكن الشرط متحققاً قبل دخول الوقت فهنا قبل دخول الوقت لا يجب عليه الفعل لأن الفعل وجوبه مشروط بدخول الوقت وقبل دخول الوقت لم يتحقق الشرط فالمشروط عدم عند عدم شرطه، فإذاً قبل دخول الوقت -بما أنه مشروط وموقت- لا يجب عليه الإتيان بالفعل لعدم تحقق الشرط، وبعد دخول الوقت وتحقق الشرط لا يمكنه الإتيان بالعمل لعدم تعلمه، فهنا يكون غير قادر على الإتيان بالعمل أو ربما يكون غافلاً، بما أنه لم يتعلم قبل الوقت فبعد دخول الوقت ربما يكون غافلاً أساسً عن العمل، على كل تقدير إذا كان غير قادر وملتفت وغير قادر على الإتيان بالعمل أو كان غافلاً بالمرة عن الإتيان بالعمل على كلا التقديرين هو معذور، غير قادر لا يتوجه إليه الخطاب الغافل أيضاً لا يتوجه إليه الخطاب.

فعليه: حاصل الإشكال هكذا: أنه بالواجبات المشروطة الموقتة بوقت قبل دخول الوقت يعني قبل تحقق الشرط لم يجب عليه الفعل لن المشروط عدم عند عدم شرطه، وبعد دخول الوقت هو إما غافل عن العمل أو عاجز عن الإتيان بالعمل لعدم تعلمه فلا يجب عليه أيضاً الإتيان بالفعل، فيلزم إذاً على القول بالوجوب الطريقي في الواجبات المشروطة يلزم عدم توجه الحكم له؛ لأنه قبل تحقق الشرط لا وجوب وبعد تحقق الشرط غير قادر أو غافل أيضاً لا خطاب يتوجه إليه، هذا حاصل الإشكال الذي يتوجه على القول بالطريقية.

وهذا الإشكال يعتبر من الإشكالات المهمة والقوية بحيث أن صاحب الكفاية (قده) لعله لهذا السبب اختار أحد أمرين إما أن يقول بالواجبات المشروطة بنفس الواجب المعلق أو نقول بمقالة المحقق الأردبيلي وصاحب المدارك من أن وجوب التعلم وجوب نفسي لا ربط له بالعمل فيجب عليه، سبب اختيار صاحب الكفاية أحد هذين الأمرين على القول بالواجب المعلق أن الوجوب فعلي والواجب معلق كما يصور نظيره وجوب الحج، فوجوب الحج مشروط بالاستطاعة وإذا تحققت الاستطاعة في الشهور الأولى من السنة في ربيع مثلاً الواجب متى يكون، الواجب في وقت أشهر الحج، إذاً الوجوب فعلي بتحقق الاستطاعة فهو مشروط بالاستطاعة وتحققت الاستطاعة الآن، فالوجوب فعلي والواجب استقبالي، في مثل هذا المورد إذا تحققت الاستطاعة فحصل وجوب الحج يجب على المكلف أن يهيئ جميع المقدمات التي يتوقف عليها الحج حتى قبل أشهر الحج، يعني يعلم بأنه يجب عليه تحصيل مثلاً الجواز والتذكرة وهذه الشؤون التي توصله إلى مناسك الحج، وإذا انتظر إلى وقت دخول الحج لا يستطيع الذهاب نقول له من الآن يجب عليك تهيئتها يعني قبل أن يأتي وقت الحج يجب عليك تهيئتها لأن الوجوب هنا موجود وفعلي فإذاً المقدمات المرتبطة به يجب تحصيلها عقلاً وشرعاً على الخلاف والكلام، المهم يجب تحصيلها، أما بالنسبة إلى الواجب المشروط غير المعلق نفس الوجوب فيه مشروط بتحقق شرطه، قبل زوال الشمس لا يجب عليّ صلاة الظهر، إذا زالت الشمس فصلِّ، فإذاً هذا الوجوب في الواجب الشروط نفس الوجوب مشروط وقبل تحقق شرطه لا يوجد وجوب.

هنا حتى نرفع الإشكال، صاحب الكفاية يقول: في الواجبات المشروطة لا بد أن نلتزم بالواجب المعلق حتى نقول بأن الوجوب فعلي والواجب استقبالي وعليه يجب التعلم مادام حصل الوجوب فعلاً وإذا لم أتعلم يفوتني الواجب في وقته نقول: يجب عليك التعلم، إما أن نلتزم بهذا أو نلتزم بمقالة المحقق الأردبيلي أن وجوب التعلم نفسي، الآن يجب عليك تعلم الأحكام فعلاً، النتيجة أنه إذا حصل أو جاء واقت الواجب نقول إنه أنت قادر فإذا تركت فأنت اضطررت إلى الترك عن سوء اختيار، مثلما يقال في حالة رمي الإنسان نفسه من شاهق في حال السقوط هو غير قادر لا يأتي له خطاب لا تسقط نفسك ولكن هذا بسوء اختياره والاضطرار بالاختيار لا ينافي الاختيار، قبل السقوط كان قادراً على عدم إسقاط نفسه فنقول لا تسقط نفسك، هو اختار بسوء اختياره السقوط الآن صحيح لا يتوجه إليه خطاب ولكن من سوء اختياره وهذا الاضطرار بالاختيار لا ينافي الاختيار، هنا أيضاً نفس الكلام إذا التزمنا بمقالة المقدس الأردبيلي (ره) نقول يجب تعلم الأحكام إذا لم أتعلم وجاء وقت الواجب ولم آتِ به إما غفله أو لعدم القدرة عليه، نقول: عدم القدرة عليه من سوء اختيار المكلف لعدم تعلمه.

إذاً صاحب الكفاية في النتيجة يلتزم بأحد أمرين لرفع الإشكال، ولهذا قال عنه السيد الخوئي (ره) لعله لأجل هذا الإشكال التزم صاحب الكفاية وغيره بالوجوب النفسي لأنه مال هو إلى الوجوب النفسي، هذا حاصل الإشكال الموجه في المقام.

هذا الإشكال وقع موقع الكلام من السابق، الشيخ الأنصاري (ره) ذكر أجابه عنه والمحققون ذكروا إجابات عنه، والآن فعلاً نذكر جواب السيد الخوئي (ره) باعتبار أنه مفصل وفيه وضع النقاط على الحروف.

قال: تحقيق الحال هو: أن الواجب نتصوره على أقسام:

القسم الأول: قد يكون الواجب فعلياً مع اتساع الوقت لتعلمه وللإتيان به، الواجب مشروط بتحقق شرطه ولكن وقت الواجب واسع بحيث عندما يتحقق الشرط هنا يكون الواجب فعلياً ويكون في سعة من الوقت من الوقت يمكنه التعلم، في مثل هذا الفرض يقول: لا إشكال في عدم وجوب التعلم عليه قبل الوقت، بما أنه يمكنه التعلم حين الوقت لا نوجب عليه التعلم قبل الوقت، مثلاً: بالنسبة إلى وجوب الحج تحققت الاستطاعة وجب عليه الحج فعلاً، هل يجب عليه من الآن أن يتعلم أحكام الحج؟ نقول: لا، هو بإمكانه بعد دخول وقت الحج أن يتعلم أحكام الحج ويأتي بها تدريجياً، يعني قبل الإحرام يتعلم أنه يجب عليك لبس ثوبي الإحرام بهذه المواصفات ويدخل في الإحرام، يتعلم تروك الإحرام ويتركها، إذا دخل إلى مكة يتعلم الواجب الآخر يجب عليه الطواف وشروطه كذا فيأتي به وهكذا بقية أعمال العمرة ثم أعمال الحج، هنا الوقت يتسع له للتعلم ويمكنه التعلم في مثل هذا الفرض لا يأتي الإشكال لأن الإشكال فُرض فيه أنه بعد دخول الوقت إما أن يكون غافلاً أو يكون غير قادر، هنا نقول ليس بغافل وهو قادر، لا يجب عليه التعلم قبل الوقت، من جهة طبعاً قبل الوقت نقول: لعدم فعلية وجوب الواجب قبل الوقت، وبعد دخول الوقت نقول: بأنه يمكنه الامتثال التفصيلي والتعلم ولو تدريجاً، السيد الخوئي في هذا الدليل أضاف بعد أوسع من هذا، يقول: بعد دخول الوقت هو مخير بين التعلم وبين الامتثال التفصيلي، وبين الأخذ بالاحتياط والاكتفاء بالامتثال الإجمالي، نفترض أنه لم يتعلم الحكم ولكن يمكنه الاحتياط بحيث يستطيع أن يمتثل إجمالاً، هنا على حسب المبنى المتقدم من أن الامتثال الإجمالي صحيح ولا يتوقف على عدم القدرة على الامتثال التفصيلي على حسب الخلاف الذي مضى والكلام مع المحقق النائيني، على هذه المقالة أنه يجوز الامتثال الإجمالي يعني بالعلم الإجمالي يعني أحتاط حتى مع التمكن من العلم التفصيلي، على هذا المبنى الآن نقول: قبل دخول الوقت لا يجب عليه التعلم لعدم تحقق الوجوب الفعلي الآن وبعد دخول الوقت نقول: المكلف مخير بين أن يتعلم ويمتثل امتثالاً تفصيلياً لسعة الوقت وبين أن لا يتعلم الأحكام ويمتثل امتثالاً إجمالياً وبنحو الاحتياط بغض النظر أن هذا الاحتياط استلزم التكرار أو لم يستلزم على ما تقدم من جواز الاكتفاء من الامتثال الإجمالي.

على هذا الفرض نقول: الإشكال مندفع ولا يأتي ولا أظن أن المحقق الأردبيلي يوجه مثل هذا الإشكال على هذا الفرض.

القسم الثاني: أن يكون الواجب فعلياً مع عدم اتساع الوقت للتعلم والإتيان به تفصيلاً، هناك مع اتساع الوقت للتعلم والامتثال التفصيلي، هنا الفرض أنه بعد دخول الوقت لا يتسع الوقت للتعلم والإتيان بالفعل ولكن يمكن للمكلف أن يحتاط ويمتثل بالامتثال الإجمالي، في مثل هذا الفرض بناءً على ما تقدم لا يوجد إشكال، يعني أنه لا يجب عليه التعلم قبل الوقت لعدم فعلية وجوب الواجب ولا يجب عليه التعلم بعد الوقت لعدم اتساع الوقت له وللإتيان بالواجب حسب الفرض لكن يمكنه أن يحتاط، فهنا له أن يتعلم قبل الوقت وله أن يحتاط، يعني لا نلزمه بوجوب التعلم قبل الوقت لأن قبل الوقت الوجوب غير فعلي فالتعلم أيضاً لا يكون فعلياً وبعد دخول الوقت هو غير قادر على التعلم والامتثال التفصيلي ولكن يمكنه الإتيان بالامتثال الإجمالي فله أن يحتاط بذلك.

هنا طبعاً ربما يُتوهم وهذا التوهم من السابق: بأن الامتثال الإجمالي في طول الامتثال التفصيلي، يعني إذا لم يمكن الامتثال التفصيلي عند ذلك تصل النوبة إلى الامتثال الإجمالي، نقول: إن هذا مجرد توهم وتقدم الكلام فيه والغرض أن يأتي بالفعل منتسباً إلى الله تعالى سواء بالامتثال الإجمالي أو التفصيلي، الامتثال الإجمالي يعني لا يعلم هل هو في هذا الفرد أو هذا الفرد فيأتي بهما معاً، طبعاً يندفع الإشكال على هذا الأساس ولا يأتي، هذا القسم الثاني من كلام السيد الخوئي (ره).

القسم الثالث: يقول: قد يكون الواجب فعلياً مع عدم اتساع الوقت للتعلم وللإتيان بالفعل، ولا يكون المكلف متمكناً من الاحتياط، ولكنه متمكن من الامتثال الاحتمالي فقط، مثلاً: إذا شك في الركوع حين الهوي إلى السجود قبل أن يصل إلى السجود، إذا وصل للسجود وشك في الركوع ستجري قاعدة التجاوز وينتهي الحال، في حين الهوي شك هل ركع أو لم يركع؟ في مثل هذا الفرض لا يتمكن من الاحتياط لأنه إن رجع وأتى بالركوع فيحتمل أنه زاد ركناً في الصلاة فيوجب البطلان، وإن لم يعتنِ بالشك ومضى وسجد فيحتمل أنه لم يركع فترك ركناً في الصلاة، فإذاً يدور الأمر بين إما أنه سيزيد ركناً أو أنه سينقص ركناً، فعليه: لا يوجد ما يطمأن بالامتثال وما يحصل به الامتثال الذي هو معنى الاحتياط، فهنا لا يمكنه ذلك، زيادة الركن مبطلة ونقصان الركن مبطل، الإتيان بالركوع مع الزيادة مبطل وترك الركوع مع عدم الاعتناء مبطل، في مثل هذا الفرض لا يمكن الاحتياط، طبعاً هنا العمل باطل فيجب عليه التعلم ويأتي بالعمل، ولكن هنا حسب الفرض أنه لم يتعلم، المهم: أنه في مثل هذا الفرض الذي يرتبط بالأركان على كلا التقديرين في الشكوك في الأركان يأتي هذا الترديد، أما لو كان متعلقاً لغير الأركان فهو يتمكن من الاحتياط بحيث أنه يأتي بالمشكوك به رجاءً وهذا يكون خارج عن الفرض، وفي الفرض الأول الذي يوجي البطلان هنا يقول: يجب عليه التعلم قبل الابتلاء بالشك بحكم العقل، لا لأنه التعلم وجوبه نفسي ولكن بحكم العقل بناءً على دفع العقاب المحتمل عند فعلية الشك، هنا بما أنه لم يتعلم هذا الحكم يحتمل أنه معاقب يجب دفع العقاب المحتمل عقلاً، فإذاً دفعه يتحقق بالتعلم، أو حتى نقول: بشمول أدلة وجوب التعلم لمثل هذا المورد، فلعيه: لو لم يتعلم قبل الابتلاء واكتفى بالامتثال الاحتمالي وفي الواقع لم يصادف ما أتى به الواقع، يعني مضى مثلاً وفي الواقع تبين أنه لم يركع فصلاته باطلة ويصح عقابه، ولا يصح اعتذاره بأنني لم أعلم لأنه يأتي الخطاب الذي ذكرناه في الرواية السابقة، فإذا سئل فلم لم تعمل يقول لم أعلم فيقال له هلّا تعلمت حتى تعمل، بهذا المضمون، المهم في مثل هذا الفرض نعم، وعليه: يعني لعله أن فتوى الأصحاب بوجوب تعلم مسائل الشك والسهو قبل الابتلاء من هذا الباب، الأصحاب يقولون كما في الرسائل العملية: يجب على المكلف تعلم المسائل الابتلائية كمسائل الشك والسهو، وبعضهم أيضاً ذهب إلى فسق من لم يتعلم، هذا من هذه الجهة أنه دفع الضرر المحتمل لأنه لو لم يتعلم ولم يمكنه الاحتياط سوف يمتثل بالامتثال الاحتمالي وإذا امتثل به وصادف مخالفة ما أتى به للواقع فهنا يعاقب على تركه الواقع.

إذاً في هذه الصورة نقول: يجب التعلم لكن لا لأجل الوجوب النفسي، يبقى صورة أخيرة وهي التي يكون فيها محل البحث إن شاء الله يأتي الكلام فيها.