الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/03/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - خاتمة في شرائط العمل بالأصول العملية:

نوع الوجوب في لزوم الفحص:

كان الكلام عن لزوم الفحص في النقطة الأولى والنقطة الثانية هي عن نوعية هذا الوجوب، وقبل أن نستمر في الكلام عن نوعية هذا الوجوب نريد أن نؤكد على نقطة تقدم الكلام فيها أمس، ولكن حصل بعض الأسئلة يحتاج إلى إعادة نوعاً ما.

قلنا بأن الشيخ الوحيد (حفظه الله) قال: بأن دائرة الفحص تشمل الفحص عما في استدلالات الفقهاء المعتبرين الذين يحتمل أن يكون في كلامهم ما يغير المبنى مثلاً أو يغير الإشكال أو طريقة الاستدلال، وبدون ذلك لا يجزي، هذا ملخص كلامه.

وقلنا إنه بين أن الفقيه في مرحلة الاستنباط يحتاج في بادئ ذي بدء إلى معرفة وجود الأدلة، المقصود من الأدلة هنا هي الروايات المعتبرة بحسب نظره سواء كان من حيث اعتبار الوثاقة أو اعتبار الوثوق، المهم أن يكون هناك روايات معتبرة بنظره فيفحص عنها، وهذه مضانها هي كتب الأحاديث والروايات وهذا المقدار لا إشكال فيه وهو الذي انصب الكلام عليه.

عندنا قسم ثاني من الأدلة: ربما تكون هناك أدلة عقلية أو أدلة عقلائية أو سيرة أو ما شاكل ذلك، هذه الأدلة عادة توجد في كتب الفقهاء ليست في كتب الروايات بل في الكتب الاستدلالية للفقهاء هناك يذكرون إجماع وسيرة شرعية أو سيرة عقلائية وربما يأتون بأوجه عقلية هذه أيضاً يُفترض أنها تدخل في مضان البحث ولا بد من الرجوع إلى كتب الفقهاء وآراء الفقهاء والتتبع في ذلك لمعرفة وجود السيرة من عدمها ووجود الإجماع من عدمه وهكذا.

القسم الثالث: أن يكون هناك في كيفية الاستدلال، يعني الرواية اطلعنا عليها في كتب الحديث ولكن في كيفية الاستدلال ربما نستظهر منها شيء، في كيفية الاستدلال في مقام الاستنباط في تطبيق الكبرى على الصغرى مثلاً أو كيفية إجراء الأصل إن وصلت النوبة إلى إجراء الأصل، هل هناك دليل حاكم أو ليس هناك دليل حاكم، هذه الأشياء أيضاً قال الشيخ الوحيد بأنه لا بد من الرجوع إلى كلمات الفقهاء المعتد بهم.

نحن الذي نقوله: ما أفاده تام ومتين من حيث الرجوع ولكن هذا القسم الثالث خارج عن محل البحث في لزوم الفحص، لزوم الفحص عن الأدلة سواء كانت روائية أو غير روائية، هذا لزوم الفحص لا بد منه عن الأدلة وكما قسمنا الروايات في الكتب المعدة للروايات والسير والإجماعات وما شاكل ذلك هذه في الكتب الاستدلالية، هذا القسمان يدخلان في دائرة البحث، القسم الثالث هو ضروري للفقيه عندما يريد الاستنباط ولكن خارج عن البحث وليس موطنه مكان بحثنا، يعني إذا احتمل أن الشيخ الأنصاري أو مثل المحقق النائيني أو مثل المحقق الأصفهاني في هذه المسألة له نظر في كيفية التطبيق مثلاً أو إشكال على أصل الاستدلال بالنسبة للرواية الموجودة عندنا بحيث يمكن أن يغير مسار البحث وجهة الاستدلال، هذا الاحتمال إذا كان في مثل هؤلاء الذين يكون كلامهم محل عناية واعتماد هنا في مقام الاستنباط يحتاج الفقيه أن يرجع إذا كان يحتمل ذلك أن يرجع إلى كلماتهم ولكن هل هو من باب لزوم الفحص أو من طريق آخر؟ الذي نحن نناقشه هذا، نقول هو لازم ولكن ليس من باب لزوم الفحص، الفحص يتم عن أصل الأدلة بقسميها ولكن في مقام الاستنباط والتأمل في الحكم الشرعي الفقيه قد يحتاج إلى ذلك مع وجود هذا الاحتمال، يعني طبيعة الفقيه الآن مثلاً لا يستنبط فقط يلاحظ الروايات ويستنبط وبحسب ما في ذهنه بل يتابع قول صاحب الجواهر مثلاً أو السيد الخوئي في العصر الحديث، نلاحظ هذه الكتب حتى تصير المسألة منظور إليها من جميع جهاتها ربما تكون هناك نكتة يذكرها أحد الأعلام المحققين هي غائبة عن ذهنه أو هو غافل عنها، هذا أمر ضروري، ولعله من باب المناسبة ومن هذا الباب يجعلون لهم مجلس استفتاء وهو أيضاً على قسمين عندهم: مجلس استفتاء استدلالي يعني في مقام الاستنباط ومجلس استفتاء في مقام الفتوى، في مقام الاستدلال كما هو منقول عن السيد الخوئي (ره) عندما أراد أن يكتب حاشية على العروة جمع مجموعة من طلبته وهم عشرة وفي الأخير صاروا من المراجع لأجل التحشية على العروة، هذا النوع يعني التداول بين الجميع في طريقة الاستدلال يجعل الفقيه أكثر اطمئناناً بمعرفة الحكم وبالوصول إلى الحكم الشرعي وأكثر احتياطاً في مقام الاستنباط، فهذا أمر طبيعي ولكن نقول هل هو داخل في ضمن لزوم الفحص أو غير داخل؟ هذه هي النقطة التي نناقشها، هذا بالنسبة إلى ما تقدم في النقطة الأولى.

بالنسبة إلى النقطة الثانية: قلنا بأن الكلام أن لزوم الفحص ما هو نوع الوجوب فيه، هل هو أمر إرشادي أو هو أمر مولوي؟ وإذا كان أمراً مولوياً هل هو نفسي أو طريقي أو غيري؟ المنسوب والذي يظهر من بعض كلمات المحقق الأردبيلي (قده) وصاحب المدارك (قده) أنهما ذهبا إلى أن الأمر هنا أمر نفسي، وجهة الدليل الذي استدل به لهما هو إطلاق الأمر بالسؤال يقتضي النفسية على حسب ما قُرر في علم الأصول، بأن إطلاق صيغة الأمر يقتضي النفسية العينية التعيينية، هنا في المقام محل الشاهد النفسية، إذاً مقتضى الإطلاق هو النفسية، يعني لم يجب لوجوب غيره مثلاً أو لم يجب لكونه طريقاً لغيره وهكذا.

هذا الاستدلال أورد عليه السيد الخوئي (ره) بأنه عندنا قرينتين، قرينة خاصة داخلية وقرينة خارجية، القرينة الداخلية تهدم أصل الإطلاق، يعني تمنع من الإطلاق، والقرينة الخارجية لا تمنع من الإطلاق وإنما تمنع من حجيته، بالنسبة إلى القرينة الأولى تقدم الكلام فيها والسيد الخوئي قال ما حاصله: إن الأمر بالسؤال عن شيء هو طريق إلى ذلك الشيء، يعني طريق إلى العمل بذلك الشيء، فطبيعة السؤال إنما هو لأجل كونه طريقاً إلى ذلك الشيء فلا يكون نفسياً، إذاً هذه قرينة داخلية تهدم الإطلاق الذي استدل به على النفسية، قلنا بأن الشيخ الوحيد (حفظه الله) ناقش السيد الخوئي في تطبيقه على آية (فاسألوا أهل الذكر) قال هي خارجة عن الموضوع وإن كان أصل الدعوى صحيح، ما قلناه الآن نلخصه فقط بالتوضيح.

نقول: بأن أصل الأمر بالسؤال ظاهر في الطريقية -بغض النظر عن المتعلق- كما يقول السيد الخوئي (ره)، فإذا لا نفصل ونقول: إنه السؤال هنا ليس عن الطريق، الشيخ الوحيد يقول: إذا كان السؤال عن الطريق فالأمر به طريقي، أما إذا لم يكن السؤال عن الطريق فلا، وفي الآية لم يكن السؤال عن الطريق فلهذا لا يكون طريقياً.

نحن نقول: ظاهر الأمر بالسؤال بغض النظر عن متعلقه هو الطريق أو غيره، ظاهره هو الطريقية، بعبارة أخرى: أنه عندما يقال اسأل لا يراد أن يكون للسؤال موضوعية بحيث له موضوعية خاصة، أو بعبارة ثالثة: أن تكون هناك مصلحة في نفس السؤال بحسب الظاهر أن السؤال لأجل شيء إما أن يكون لأجل العمل فيكون طريقياً للعمل أو يكون لأجل العلم أيضاً فيكون طريقاً لتحصيل العلم.

فالنقطة التي أفادها الشيخ الوحيد (حفظه الله) أنه لو كان السؤال عن الطريق فهذا طريقي ليس نفسياً أما إذا لم يكن عن الطريق فلا نقول إنه ليس نفسياً بل هو طريقي، نحن نقول أيضاً: نفس الأمر بالسؤال هو طريقي سواء كان طريقاً للعلم أو كان طريقاً للعمل على كلا التقديرين يعتبر هو طريق، فعليه: الإشكالات التي أوردها حول الآية لا تأتي، هب أنه الآية هنا ناظرة إلى قضية أصول الدين وعن الرسالة وصفات الرسول فالخطاب للمسلمين بأن يسألوا أهل الكتاب، نعم لماذا يسألوا؟ لمعرفة أن هذا هو النبي المبعوث المنتظر، فالسؤال صار طريقياً ولكن طريق للمعرفة وتارة يكون السؤال للعمل وليس للمعرفة، على كلا التقديرين نقول: بأن الأمر بالسؤال أمر طريقي وليس نفسياً فلا يفرق أن نقول: هنا للعلم وليس للعمل، نقول لا فرق بينهما فيف الجانبين.

ثم الشيخ الوحيد (حفظه الله) قال: بأن أصل الكبرى مسلّم بها ولكن ناقش في الآية فطبق أنه عندنا رواية أخرى يمكن أن يستدل بها بإطلاق السؤال ويأتي عليها فيما بعد الإشكال، يعني لا نأتي نستدل بإطلاق آية الذكر ثم نورد عليه الإشكال لأنه يرد الجواب، يقول: عندنا رواية فيها إطلاق السؤال والسؤال أيضاً للعمل فيكون طريقياً، حاصل هذه الرواية: هي أنه إذا اشترك محرمان في صيدٍ، الآن الكفارة تكون على كل منهما كفارة؟ أو تكون عليهما معاً؟ يعني كفارة واحدة وهي عليهما معاً أو كل واحد عليه كفارة على حدة؟ في ذيل الرواية الراوي يقول: سألت عن هذا ولم أكن أعلم فعبر الإمام (عليه السلام) بهذا التعبير: إذا لم تعلم فاسأل، فهنا السؤال لأجل العمل كما يقول الشيخ الوحيد، فهذا السؤال فيه قرينة داخلية بأنه طريقي، فإذاً السؤال لمعرفة الحكم ليس لأجل المعرفة فقط وإنما هو لأجل العمل، هذه الرواية التي استدل بها.

طبعاً هذه الرواية، النتيجة هي كما قال، ولكن لما ندقق في الرواية نلاحظ أن الراوي ليس هو صاحب المسألة، يعني هو سُئل ولم يعرف ثم هو سأل الإمام لأجل التعلم ومعرفة الحكم لا لأجل العمل، العمل بالنسبة لغيره، فإن اقتصرنا في معرفة أنه واجب طريقي أو أنه واجب نفسي على حسب المتعلّق فهنا واضح أن السائل لأجل معرفة الحكم الشرعي، لو اضطر فيما بعد سيعمل، لو سُئل فيما بعد سيكون عارفاً بالحكم، لكن سؤاله هو لأجل المعرفة، وذيل الرواية يكشف عن ذلك، ففي ذيل الرواية إذا اصبتم فاسألوا لتعلموا، إذاً هذه الرواية على حسب الإشكالات التي أوردها الشيخ الوحيد (حفظه الله) أيضاً نخرجها والمفروض أن لا نستشهد بها، ولكن على ما قلناه من أن أصل الأمر بالسؤال طريقي بغض النظر هو طريق للمعرفة أو هو طريق للعلم، وإن كان طريق للمعرفة فيما بعد لأجل العمل، المهم أصل الأمر بالسؤال نستطيع أن نقول هو طريقي، هذا ما يرتبط بالقرينة الداخلية.

القرينة الخارجية: التي استشهد بها السيد الخوئي (ره): يقول: عندنا روايتان وهما قرينتان على أن الأمر بالسؤال هو للعمل، يعني طريق وليس للتعلم.

الرواية الأولى: عن الإمام الصادق (عليه السلام) (يقول الله يوم القيامة للعبد: عبدي أكنت عالماً؟ فإن قال نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت؟ وإن كان جاهلاً قال له: أفلا علمت حتى تعمل؟) فهنا (أفلا علمت حتى تعمل) فإذاً وجوب العلم هنا ليس نفسياً بل هو لأجل العمل هنا، فهذه قرينة خارجية تدل على أن الأمر بالسؤال سواء كان في الآية أو في الرواية الأمر بالسؤال لأجل العلم لأجل العمل وليس لأجل العلم في حد نفسه حتى نقول بأن وجوب التعلم نفسي، هذه الرواية الأولى وهي معتبرة طبعاً.

الرواية الثانية: أيضاً عن الإمام الصادق (عليه السلام)، (قيل له: إن فلاناً أصابته جنابة وهو مجذوذ فغسلوه فمات، فقال: قتلوه، ألا سألوا ألا يمموه، إن شفاء العي السؤال) فهنا الظاهر من هذه الرواية أن الإمام عليه السلام لامهم وآخذهم على ترك التيمم وليس على ترك السؤال، هم مشوا على حسب الحكم الأولي أن المجنب عليه أن يغتسل، فلما غسلوه مات بسبب هذا المرض، الإمام يقول ألا سألوا، هل لأجل السؤال أو لمعرفة الحكم أو للتعلم فقط؟ يقول: لا، ألا يمموه، فإذاً ألا سألوا حتى يعملوا بمقتضى الجواب الشرعي، فهنا هذا واضح أن لوم الإمام عليه السلام ومؤاخذته لهم هو من جهة أنهم تركوا التيمم فاستوجب ذلك أنهم قتلوه، لم يقوموا بما ينبغي فعله، إذاً هذه قرينة ثانية خارجية تدل على أن وجوب التعلم ليس نفسياً وإنما هو لأجل العمل.

فنتيجة الكلام: أن ما استدل به لمقالة المقدس الأردبيلي وصاحب المدارك من أن وجوب التعلم وجوب نفسي بمقتضى الإطلاق، نقول بحسب القرينة الداخلية نمنع من انعقاد الإطلاق أساساً فلا إطلاق في البين، وبحسب القرينتين الخارجيتين نمنع من حجية الإطلاق على فرض ثبوته، لو فرض وجود الإطلاق فهو لا حجية فيه بمقتضى هاتين القرينتين، هذا بالنسبة إلى دليلهم الأول الدليل النفسي.

ثم في الأخير السيد الخوئي (ره) أورد أيضاً إشكال على القول بالنفسية، حاصل هذا الإشكال: يقول: أساساً وجوب التعلم لوجود منجز على الحكم الشرعي الواقعي، الحكم الشرعي الواقعي تنجز إما بالاحتمال قبل الفحص أو للعلم الإجمالي بوجود الأحكام الشرعية، فتنجز الحكم الشرعي الواقعي، ولما تنجز أُمِرنا بالتعلَّم حتى هذا الأمر المنجز نبرأ ذمتنا فيه، الآن إذا أُمرنا بالتعلم بعد تنجز الحكم الواقعي هنا نسأل، لو خالف المكلف ولم يتعلم الحكم الشرعي وكان في الواقع واجباً ولم يعمل به، أو تبين أنه في الواقع حرام فارتكبه فخالف الحكم الشرعي الواقعي، هنا هل إذا كان نفسياً مقتضاه أن مخالفة الأمر النفسي توجب العقوبة، فاستحقاق العقوبة هنا هل هو لأجل مخالفة الأمر بالتعلم النفسي دون الواقع؟ هذا احتمال، أو هناك عقوبتان عليه يستحقهما، عقوبة على مخالفة الحكم الواقعي وعقوبة على مخالفة الأمر النفسي؟ أو العقوبة فقط على مخالفة الأمر الواقعي؟ احتمالات ثلاثة.

الاحتمال الأول: وهو أن تكون العقوبة على مخالفة الأمر النفسي بالتعلم وليست على مخالفة الواقع، يعني عندنا عقوبة واحدة وهي على مخالفة الأمر النفسي للتعلم وليست على مخالفة الواقع، هذا ضروري البطلان ومخالف لأصل تنجيز الحكم الواقعي، إنما أُمرنا بالتعلم لأن الحكم الواقعي منجز، سواء بالاحتمال قبل الفحص أو بالعلم الإجمالي فكيف لا يستحق العقوبة عليه ويستحق العقوبة على ترك التعلم، هذا لا يمكن المصير إليه.

الاحتمال الثاني: أن يستحق عقوبتين، عقوبة على ترك التعلم وعقوبة على ترك الواقع، هذا أيضاً بعيد ولا يقولان به، فيتعين الثالث وهو أنه يستحق العقوبة على ترك الواقع فقط لا على ترك التعلم، واستحقاق العقوبة على ترك الواقع شاهد على أن الأمر بالسؤال أو بالتعلم أو وجوب التعلم أمر طريقي، والوجوب فيه وجوب طريقي وليس وجوباً نفسياً، هذا ما يرتبط بالاستدلال على القول بالنفسية والإشكال الوارد عليه.