45/11/27
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ العلم الإجمالي في التدريجيات
العلم الإجمالي في التدريجيات
ويمثل له بالمرأة الناسية لوقت حيضها مع علمها بعدد أيامه، كخمسة أيام مثلاً مع جهلها بأنها الخمسة الأولى من الشهر أو الثانية أو الثالثة.. الخ، فهي تعلم بحرمة دخول المسجد إما في الخمسة الأولى أو في الثانية.. الخ، وعليه الحكم يكون فعلياً على تقدير كونه في الخمسة الأولى، ولا يكون كذلك على تقدير أن يكون في الخمسة الثانية أو الثالثة.. بل يكون الحكم استقبالياً.
ونحوه التاجر الذي يعلم بأنَّه يُبتلى بمعاملة ربوية ضمن معاملاته التي يجريها خلال الشهر، فإن كانت هذه المعاملة في هذا الوقت من الشهر فالحكم بالحرمة فعلي وإلا فهو استقبالي.
تحرير محل النزاع:
وفي مقام تنقيح محل النزاع نذكر ما ذكره السيد الخوئي قده، وحاصله[1] إنَّ تدريجية أطراف العلم الإجمالي يمكن فرضها على ثلاثة أنحاء:
النحو الأول: أن تكون التدريجية مستندة الى اختيار المكلف نفسه مع تمكنه من الجمع بين الأطراف، كما إذا فرضنا أنه علم بنجاسة أحد الثوبين ثم ارتأى أن يلبس أحدهما اليوم ويلبس الآخر في يوم آخر، مع تمكنه من لبسهما معاً، وهنا لا إشكال ولا خلاف ولا ينبغي أن يقع فيه الخلاف في خروج هذا النحو عن محل النزاع، لوضوح أنَّ العلم بالتكليف يكون فعلياً مع فرض تمكن المكلف من مخالفته القطعية وموافقته القطعية، وهذا ما يوجب تنجُّز التكليف عليه سواء أراد ارتكابهما الآن أو على نحو التدريج.
النحو الثاني: أن تكون التدريجية مستندة الى عدم تمكن المكلف من الجمع بين الطرفين ولكنه يتمكن من ارتكاب كل منهما بالفعل، كما إذا علم بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة، فهو غير قادر على الجمع بينهما ولكنه قادر على الاتيان بأحدهما، وهنا لا إشكال في تنجيز العلم الإجمالي لأنه يعلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير، ولا يمكن إجراء الأصول في أطرافه بناءً على العلية التامة أو للمعارضة بين الأصول بناءً على الاقتضاء، وهذا النحو خارج عن محل الكلام أيضاً.
النحو الثالث: أن تكون التدريجية مستندة الى تَقيُّد أحد الأطراف بزمان متأخر أو زماني كذلك، فالمكلف غير قادر على ارتكاب كل واحد منهما بالفعل، وإنما يقدر على ارتكاب أحدهما المعيَّن، وهو الطرف غير المقيد بزمان المتأخر، وهذا النحو هو محل الكلام.
ثم الحكم المعلوم في النحو الثالث تارة يكون فعلياً على كل تقدير، وأخرى يكون فعلياً على تقدير دون تقدير، أما الأول فلا ينبغي الاشكال في منجزية العلم الإجمالي فيه، لأنَّ المفروض فيه العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير وهو الملاك في التنجيز، كما إذا علم إجمالاً بتعلق النذر بقراءة سورة خاصة في هذا اليوم أو في يوم غد، فإنَّ وجوب الوفاء بالنذر يكون فعلياً بالنذر وإن كان الواجب استقبالياً على أحد التقديرين، وهذا بناءً على إمكان الواجب المعلَّق.
وأما الثاني فهو محل الكلام، وهو ما إذا كانت التدريجية مستندة الى تقيُّد أحد الطرفين بزمان متأخر على أن يكون قيداً للوجوب لا للواجب، أي لا يكون الوجوب فعلياً على كل تقدير، والكلام يقع في أنَّ العلم الإجمالي هل يُنجِّز التكليف على كلا التقديرين أو لا.
والتعليق عليه:
يتضح من خلال كلامه قده أنَّ الفرض الأول من النحو الثالث مرجعه الى أنَّ الزمان المتأخر الذي فُرض أخذه في هذا الطرف ليس دخيلاً في فعلية التكليف خطاباً وملاكاً، وإنما يكون دخيلاً في متعلَّق التكليف على نحو الظرفية أو القيدية، فيكون التكليف خطاباً وملاكاً فعلياً على كل تقدير وإن كان المكلف به استقبالياً - بناءً على امكان الواجب المعلَّق - كما أنَّ الملاك فعلي أيضاً لأنَّ الفعل المنذور يتصف بكونه ذا ملاك من حين تعلق النذر به، ويمكن تطبيقه في مثال الربا فإنه يتصف بكونه ذا ملاك ملزم في كل معاملة ربوية من دون فرق بين أن تكون موجودة الآن أو في غد، وهنا اتفق الكل – تقريباً – على منجزية العلم الإجمالي بعد فرض العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير وبعد كون الأصول متعارضة في أطرافه فيكون منجَّزاً على المكلف، وهذا الاتفاق يخرجه عن محل النزاع.
ولا ينبغي الاشكال في المنجزية في المقام وذلك لأنَّ المناط في منجزية العلم الإجمالي هو أن يكون علماً بتكليف فعلي على كل تقدير كما هو المعروف، أو يكون المناط في منجزيته أن يكون علماً صالحاً لتنجيز معلومه على كل تقدير على رأي آخر، وهذا الملاك متحقق، أما على الأول فواضح لأنه هو المفروض فيه، وأما على الثاني فباعتبار أنَّ العلم في محل الكلام صالح لتنجيز معلومه على كل تقدير، لأنَّ المفروض فعلية الحكم على كل تقدير فيكون العلم بالحكم الفعلي على كل تقدير منجِّزاً له على كل تقدير، وإن كان متعلق التكليف على أحد التقديرين استقبالياً وجوداً ومتأخر زماناً.
والحاصل إنَّ العقل يُدرك قبح مخالفة كل تكليف للمولى مادام ذلك التكليف ثبت فيه حق له، ومن الواضح إنَّ دخول التكليف في دائرة حق الطاعة - حتى يدرك العقل قبح مخالفته - يكون بمجرد العلم به، فإذا علم به المكلف حكم العقل الآن بقبح مخالفته حتى إذا كانت نفس المخالفة متأخرة زماناً، بل سيأتي أنَّ حكم العقل بالمنجزية وقبح المخالفة فعلي حتى إذا كان التكليف استقبالياً، هذا في الفرض الأول.
وأما الفرض الثاني - من النحو الثالث - فهو الذي جُعل محلاً للنزاع واختلفت فيه الأنظار، ومثاله المرأة التي تعلم بالحيض المردد بين أيام الشهر، فإنَّ حرمة دخول المساجد عليها في أول الشهر تكون فعلية إذا صادف حيضها الخمسة الأولى، وأما إذا كان وسط الشهر أو في آخره فلا تكون هذه الحرمة فعلية في أول الشهر، وهكذا مثال النذر بناءً على استحالة الواجب المعلَّق، لأنَّ الوجوب لا يكون فعلياً على تقدير نذر القراءة يوم غد وإن كان فعلياً على تقدير نذرها هذا اليوم.