45/11/26
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي
إنتهينا الى أنَّ الأثر المختص بأحد الأطراف يتنجَّز بالعلم الإجمالي لأنه داخل في دائرته ولو بتصوير علمين إجماليين يشتركان في طرف، فيُنجِّز العلمان جميع الأطراف الثلاثة.
ويُستثنى من ذلك ما إذا فرضنا أنَّ الأثر الزائد كان له أصل مختص به غير مسانخ للأصل الجاري في الأثر المشترك، كما إذا فرضنا أنَّ الماء المطلق كانت حالته السابقة المتيقنة هي الطهارة فيختص باستصحابها، ولا يجري هذا الأصل في الطرف الآخر إذ لا يقين بطهارته سابقاً، وهو غير مسانخ لأصالة الطهارة، والكلام يقع في إمكان إجراء الاستصحاب لنفي الأثر الزائد لعدم المعارض له بعد سقوط الأصل الآخر – أي أصالة الطهارة – من الطرفين باعتبار إجمال الدليل؟
وفي هذه الحالة إذا قلنا بحكومة الاستصحاب على أصالة الطهارة حتى في صورة التوافق فيكون مانعاً من جريانها، فيقع التعارض بين الاستصحاب في الماء المطلق وبين أصالة الطهارة في الطرف الآخر، والوجه فيه هو أنَّ النجاسة الواقعية المعلومة بالإجمال إما تكون ساقطة في الماء المطلق أو في الماء المضاف، ولا يمكن الالتزام بطهارتهما معاً لمخالفته للعلم الإجمالي، كما لا مرجح لأحدهما على الآخر، فيتعارضان ويتساقطان ويثبت التنجيز.
وأما إذا قلنا بعدم الحكومة في صورة التوافق فالاستصحاب حينئذٍ لا يمنع من جريان أصالة الطهارة في الماء المطلق، ولكنها تكون معارضة بمثلها في الطرف الآخر، إذ لا يمكن جريانها فيهما معاً لأنه يستلزم المخالفة القطعية، ولا في أحدهما لأنه ترجيح بلا مرجح، فيقع التعارض بينهما، وهذا ما يوجب اجمال دليل القاعدة، بمعنى أننا لا نعلم أنه هل يشمل هذا الطرف أو ذاك، وهذا الاجمال يمنع من التمسك بالقاعدة في كل من الطرفين وهو معنى التساقط، وحينئذٍ لا مانع من إجراء استصحاب الطهارة في الماء المطلق إذ لا معارض له في الإناء الآخر بعد فرض سقوط المعارض بالأصل في هذا الطرف، وبذلك تثبت آثار الطهارة.
ومن هنا يظهر أنَّ المنع من جريان الأصل بلحاظ الأثر المختص فيما لو كان مسانخاً للأصل النافي للأثر المشترك إنما هو لأجل ابتلاء دليل هذا الأصل بالإجمال بسبب المحذور العقلي المانع من الترخيص في المخالفة القطعية بضميمة استحالة الترجيح بلا مرجح، مما يعني إجمال الدليل بلحاظ شموله لهذا الطرف أو لذاك، فإذا كان الأصل واحداً وأصيب بالإجمال فلا مجال للتمسك به في الماء المطلق لنفي الأثر الزائد، بخلاف ما إذا كان غير مسانخ كما في الاستصحاب بالنسبة الى أصالة الطهارة فإنَّ الإجمال في القاعدة الناشئ من استحالة شمولها معاً واستحالة شمولها لأحدهما دون الآخر يختص بدليل القاعدة ويمنع من جريانها فيهما، ولا يسري الى دليل الاستصحاب فيمكن التمسك به في الماء المطلق بعد سقوط القاعدة في الطرفين، إذ لا يعارضه حينئذٍ شيء في الطرف الآخر.
وهذا الكلام يجري حتى بالنسبة الى الأثر المشترك إذا كان يوجد لنفيه في أحد الطرفين أصل غير مسانخ، كما إذا علم بنجاسة أحد ماءين مطلقين وكان أحدهما معلوم الطهارة سابقاً دون الآخر، فإنه يجري استصحاب الطهارة في هذا الماء بلا معارض، لأنَّ أصالة الطهارة في الطرف الآخر سقطت بالمعارضة مع أصالة الطهارة في هذا الماء.
والحاصل إنَّ ما تقدم - من أنَّ العلم الإجمالي ينجِّز تمام الآثار وأنَّ الأثر الزائد داخل في دائرة العلم الإجمالي لأنَّ هناك علمين أجماليين بينهما طرف مشترك وهما ينجزان تمام الأطراف - إذا كان الأصل النافي للأثر الزائد مسانخاً للأصل النافي للأثر المشترك، كما إذا لم يكن أحدهما مسبوقاً بالحالة السابقة فالأصل الجاري هو أصالة الطهارة فإذا ابتلى دليلها بالإجمال تعذر التمسك به حتى لنفي الأثر الزائد، بخلاف ما إذا كان غير مسانخ كما عرفت.
هذا تمام الكلام في هذه المسألة.
العلم الإجمالي في التدريجيات
ما تقدم كان في صورة علم المكلف اجمالاً بثبوت التكليف فعلاً على كلا التقديرين، وهناك صورة أخرى للعلم الإجمالي وهي ما إذا كان التكليف في أحد طرفي العلم الإجمالي تكليفاً فعلياً وفي الآخر تكليفاً منوطاً بزمان متأخر وهو المسمى بالعلم الإجمالي في التدريجيات، كما في الحائض الناسية لوقت عادتها فهي تعلم إجمالاً بحيضها مدة خمسة أيام ولكن لا تعلم بوقتها، فإذا كانت عادتها في الخمسة الأولى فيكون التكليف عليها فعلياً كحرمة الدخول الى المسجد، وإذا كانت في الخمسة الأخيرة من الشهر فلا تكليف فعلي في حقها، والكلام يقع في أنَّ العلم الإجمالي هل يُنجِّز التكليف على كلا التقديرين أو لا؟