45/11/25
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي
تقدم أنَّ هناك رأيين في تنجيز العلم الإجمالي فيما إذا كان لأحد الطرفين أثر زائد، الأول ما اختاره المحقق النائيني قده وهو أنَّ العلم الإجمالي لا يُنجِّز إلا الأثر المشترك، وأما الشك في الأثر الزائد فهو شبهة بدوية يجري فيها الأصل المؤمِّن،
ونتيجته هي أنَّ الأصل المؤمِّن في الأثر المختص ليس له معارض فلا مانع من جريانه، وأما الأصل الجاري في الأثر المشترك فله معارض يمنع من جريانه، وعليه لا تتنجَّز على المكلف حرمة الوضوء بالماء المطلق.
وظاهر كلامه هو أنَّ الأصل الجاري لنفي الأثر المختص هو نفس الأصل الجاري في الأثر المشترك المعارض بأصل مثله في الطرف الآخر، وهو أصالة الطهارة في المثال.
لا يقال: بناءً على ما تقدم يكون الأصل الجاري في الأثر المشترك ساقطاً بالمعارضة فكيف يجري مرة أخرى في الأثر المختص؟!
لأنه يقال: إنَّ هذه تطبيقات متعددة للدليل الدال على هذا الأصل، فكلما تحقق موضوع أصالة الطهارة جرت فيه، ولا إشكال في ذلك، وهو من قبيل تطبيق أصالة الطهارة في الإناء تارة وفي الثوب أخرى، وفي محل الكلام يكون الأصل في التطبيق الأول ساقطاً بالمعارضة وفي التطبيق الثاني جارياً لعدم المعارض.
والثاني ما اختاره السيد الخوئي قده والقائل بتنجُّز جميع الآثار، وذلك لأنَّ الأثر المختص ينفيه نفس الأصل النافي للأثر المشترك، وحيث أنه ساقط بالمعارضة كما تقدم فلا يبقى أصل يمكن التمسك به لنفي الأثر المختص، فيبقى بلا مؤمِّن فيتنجَّز.
وهذا يعني أنه لو كان هناك أصل مؤمِّن ننفي به الأثر المختص غير الأصل الساقط بالمعارضة فلا مانع من جريانه لإثبات جواز الوضوء به، فالإشكال عنده هو عدم وجود أصل مؤمِّن غير أصالة الطهارة الساقطة بالمعارضة، وهذا يستبطن الاعتراف بخروج الأثر المختص عن دائرة العلم الإجمالي وأنه شبهة بدوية كما يقول المحقق النائيني قده.
ويلاحظ عليه:
إنَّ الأثر المختص إما أن يكون داخلاً في دائرة العلم الإجمالي أو لا يكون كذلك، فإن كان داخلاً فيتنجَّز بالعلم الإجمالي ولا يمكن نفيه بالأصل حتى لو كان أصلاً مختصاً به، وإن لم يكن كذلك فيجري فيه الأصل المؤمِّن حتى لو كان نفس الأصل الجاري في الأثر المشترك لأنه يكون تطبيقاً آخر له كما تقدم، وبعبارة أخرى نتمسك بإطلاق دليل الأصل لإثبات جريانه في الأثر المختص.
والصحيح أن يقال إنَّ الأثر المختص داخل في دائرة العلم الإجمالي ويكون منجِّزاً له، فيمنع من جريان الأصل المؤمِّن فيه حتى لو كان متعدداً، خلافاً للمحقق النائيني قده الذي يرى أنه ليس داخلاً في دائرة العلم الإجمالي وأنَّ الشبهة فيه بدوية ويجري فيه الأصل المؤمِّن، وكذلك خلافاً للسيد الخوئي قده الذي يرى عدم دخوله في دائرة العلم الإجمالي أيضاً، نعم إنما لا يجري الأصل المؤمِّن فيه لسقوطه بالمعارضة لا من جهة دخوله في دائرة العلم الإجمالي.
والوجه في ذلك – أي في دخوله في دائرة العلم الإجمالي - هو أنَّنا كما نعلم إجمالاً بحرمة شرب الماء المطلق أو المضاف كذلك نعلم إجمالاً إما بحرمة شرب الماء المضاف أو بحرمة الوضوء بالماء المطلق، وسبب العلم الإجمالي الثاني هو نفس سبب العلم الإجمالي الأول، وذلك لأنَّ النجاسة المعلومة بالإجمال إن كانت ساقطة في الماء المضاف ترتبت عليها حرمة الشرب، وكذا يترتب عدم جواز الوضوء به إن كانت ساقطة في الماء المطلق، فالمكلف يعلم إجمالاً بتكليف آخر غير التكليف الأول، فهناك علمان إجماليان يشتركان في طرف واحد وهو حرمة شرب الماء المضاف، والطرف الآخر في العلم الإجمالي الأول هو حرمة شرب الماء المطلق، والطرف الآخر في العلم الإجمالي الثاني هو عدم جواز الوضوء بالماء المطلق، وبذلك يدخل المقام في المسألة السابقة، وقد تقدم عدم انحلال أحد العلمين الإجماليين بالآخر، فيُنجِّز العلمان الإجماليان جميع الأطراف الثلاثة، أي حرمة شرب الماء المطلق وحرمة شرب الماء المضاف وعدم جواز الوضوء بالماء المطلق.
وهذا الكلام كما يجري في المثال المتقدم كذلك يجري في مثال آخر كما لو فرضنا أنَّ المكلف علم بأنه استقرض إما من زيد خمسة دنانير أو من عمرو عشرة دنانير، فيوجد أثر مشترك بين الطرفين وهو اشتغال الذمة بخمسة دنانير، وهناك أثر مختص بعمرو وهو اشتغال الذمة له بخمسة أخرى على تقدير الاقتراض منه، لأنَّ الواجب هنا استقلالي، فهنا علمان إجماليان أحدهما هو العلم باشتغال ذمته بخمسة دنانير إما لزيد وإما لعمرو، والآخر العلم باشتغال ذمته إما بخمسة دنانير لزيد وإما بخمسة دنانير أخرى لعمرو، وهذان العلمان يُنجِّزان جميع الأطراف أيضاً.
وعليه فالصحيح في هذه الأمثلة مما كان الأثر المشترك والمختص في موضوعين متعددين هو أنَّ العلم الإجمالي يُنجِّز تمام الآثار المختصة والمشتركة، ولا يجري الأصل بلحاظ الأثر الزائد لتنجُّزه بالعلم الإجمالي كما تقدم، بخلاف ما إذا كان الأثران في موضوع واحد كما إذا علم بأنه إما استدان من زيد خمسة دنانير أو استدان منه عشرة دنانير، فإنه لا إشكال هنا في عدم التنجيز وجريان البراءة عن الأثر الزائد، وذلك لأنه بلحاظ السبب وإن كان يوجد علم إجمالي إلا أنه بلحاظ المُسبَب – أي التكليف الداخل في العهدة – لا يوجد علم إجمالي حقيقي، لأنه من موارد الدوران بين الأقل والأكثر، والصحيح فيها هو جريان البراءة لنفي الزائد حتى لو كانا ارتباطيين، وذلك لعدم وجود علم إجمالي حقيقي بلحاظ التكليف.