45/11/24
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي/ التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ إذا كان لأحد الطرفين أثر زائد
الكلام يقع فيما إذا كان لأحد الطرفين أثر مختص به، ومثلنا له بما إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد إناءين، أحدهما فيه ماء مطلق والآخر فيه ماء مضاف، فحرمة الشرب أثر مشترك بينهما، وأما عدم جواز الوضوء فهو أثر مختص بالماء المطلق، وأما الماء المضاف فلا يجوز الوضوء به على كل حال.
والكلام هنا في أنَّ هذا العلم الإجمالي هل يُنجِّز جميع الآثار حتى الآثار المختصة بأحد الطرفين أم يؤثر في خصوص الأثر المشترك؟
وهنا رأيان:
الرأي الأول إنَّ العلم الإجمالي يُنجِّز خصوص الأثر المشترك دون الأثر المختص وهو مختار المحقق النائيني قده، ويترتب عليه حرمة شرب الماء المطلق مع جواز الوضوء به.
واستدل عليه بدعوى إنَّ الأصل الجاري في كل طرف – وهو أصالة الطهارة - معارض بمثله في الطرف الآخر ولكن بالنسبة الى الأثر المشترك، فيتساقط الأصلان في الطرفين، فتتنجز عليه حرمة الشرب، أما بيان المعارضة فلأنَّ إجراء أصالة الطهارة في كلا الطرفين يستلزم المخالفة القطعية، وإجراؤها في أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح، فيقع التعارض بين الأصول وتتساقط ويكون العلم الإجمالي منجِّزاً لهذا الأثر المشترك، فيحرم شرب الماء المضاف كما يحرم شرب الماء المطلق.
وأما الأثر المختص - وهو عدم جواز الوضوء به – فلا مانع من جريان الأصل في الماء المطلق، لأنَّ المكلف يشك في جواز الوضوء بهذا الماء فتجري قاعدة الطهارة للتأمين من ناحيته، ولا تُعارض بأصالة الطهارة في الطرف الآخر لأنَّ عدم جواز الوضوء به ليس من آثار نجاسته وإنما هو أمر ثابت له لكونه مضافاً، فلا معارض لجريان الأصل في الماء المطلق.
ففي هذا المثال لا يجوز شرب الماء المضاف ولا الماء المطلق لأنَّ الأصل يجري في كل واحد منهما للتأمين من ناحية حرمة الشرب، فتتعارض الأصول ويثبت التنجيز، وأما بلحاظ الأثر المختص فلا تعارض بين الأصول لأنَّ الأصل وإن كان يجري في الماء المطلق لإثبات جواز الوضوء به لكنه لا يجري في الماء المضاف لعدم جواز الوضوء به على كل حال، فيجري الأصل في الماء المطلق بلا معارض.
الرأي الثاني: إنَّ العلم الإجمالي يُنجِّز جميع الآثار، المشتركة والمختصة، وهو مختار السيد الخوئي قده.
ويُستدل على ذلك بدعوى أنَّ جواز الوضوء بالماء المطلق متفرع على جريان أصالة الطهارة فيه، فإذا فُرض سقوطها عنه للمعارضة فلا طريق للحكم بطهارته حتى ظاهراً لكي يثبت جواز الوضوء به، فإنَّ نفس احتمال النجاسة يمنع من التَّوَضُّؤ به إذا لم يكن هناك ما يوجب الحكم بطهارته ولو ظاهرياً، فالعلم الإجمالي الذي أوجب سقوط الأصول في الطرفين فهو كما يُنجِّز حرمة الشرب في الماء المطلق كذلك يُنجِّز عدم جواز الوضوء به، فيتنجز كلا الأثرين المشترك والمختص.
وكأنه افتَرض أنَّ الأثر الزائد ينفيه نفس الأصل الذي ينفي الأثر المشترك في الماء المطلق وهو أصالة الطهارة، والمفروض سقوطه بالمعارضة فلا يبقى في الإناء المطلق ما يُثبت جواز الوضوء به.
والحاصل: لا يمكن إجراء أصالة الطهارة في الإناء المطلق للمعارضة فيسقط الأصلان في الطرفين، فلا يبقى ما يدل على طهارة الماء المطلق وبالتالي جواز الوضوء به.
تعليق السيد الشهيد قده:
إنَّ ظاهر كلام السيد الخوئي قده الاعتراف بخروج الأثر المختص عن دائرة العلم الإجمالي، لأنَّ ما نعلمه إجمالاً هو إما حرمة شرب هذا الإناء أو حرمة شرب الإناء الآخر، بمعنى أنَّ المكلف لا يمكنه القول إني أعلم إما بحرمة الوضوء بالماء المطلق وإما بحرمة الوضوء بالماء المضاف، وذلك لأنه يعلم بحرمة الوضوء بالماء المضاف على كل تقدير، ويشك بحرمة الوضوء بالماء المطلق شكاً بدوياً، فيكون الأثر المختص خارجاً عن دائرة العلم الإجمالي، وحينئذٍ قد يقال: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يجري الأصل المؤمِّن للتأمين من ناحيته وإثبات جواز الوضوء به؟
والجواب: لا يوجد أصل مؤمِّن غير أصالة الطهارة، وهي ساقطة بالمعارضة بحسب الفرض، وهذا يعني أنَّ الأثر المختص إذا كان له أصل آخر مختص به أمكن نفيه وإثبات جواز الوضوء به.
ومن هنا لا بد من التفصيل بين ما لو كان الأثر الزائد منفياً بنفس الأصل النافي للأثر المشترك وبين ما إذا كان منفياً بأصل آخر غير الأصل النافي للأثر المشترك، ومثال الأول ما نحن فيه، فيصح كلام السيد الخوئي قده فيه.