45/11/23
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي
تقدم أنَّ الانحلال على أساس تقدم العلم يمكن أن يُستدل له بأحد بيانين:
البيان الأول المبني على القول بالعلية التامة، فيقال أنَّ الطرف المشترك لما تلقى التنجيز من العلم الإجمالي المتقدم فلا يتلقى التنجيز من العلم الإجمالي المتأخر لأنَّ المتنجِّز لا يتنجَّز، فيكون العلم الإجمالي المتأخر غير قابل لتنجيز معلومه على كل تقدير، وإنما يُنجِّز معلومه على تقدير أن يكون في الطرف غير المشترك، فيسقط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز وهو معنى الانحلال، ويظهر أثره في الطرف الآخر الذي تجري فيه الأصول بلا معارض.
البيان الثاني المبني على القول بالاقتضاء، فيقال بأنَّ منجزية العلم الإجمالي مرهونة بتعارض الأصول في الأطراف وتساقطها فيكون منجِّزاً، ويُدعى في محل الكلام بأنَّ الأصل لا يجري في الطرف المشترك لتنجُّز التكليف فيه بالعلم الإجمالي المتقدم فلا يتلقى التنجيز مرة أخرى، وهذا نظير ما لو قامت الأمارة على ثبوت التكيف فيه، ومعه يجري الأصل في الطرف الآخر بلا معارض، وهو يعني انحلال العلم الإجمالي.
وأُجيب عن البيان الأول بأنَّ التنجيز في كل آن منوط بوجود المنجِّز في ذلك الآن، فإذا كان المنجِّز هو العلم المتقدم فتنجيزه منوط بوجوده في كل آن يُراد إثبات التنجيز فيه، والدليل عليه بأنَّ المنجِّز لو فرض زواله في الآن الثاني فيرتفع تنجيزه بطيعة الحال فلا بد من فرض وجوده لإثبات التنجيز، وحيث أنَّ وجوده ليس حدوثياً فلا بد أن يكون بقائياً، فالعلم الإجمالي الأول يؤثر في وجود التنجيز بوجوده البقائي، وهذا يعني أنَّ تنجُّز التكليف في الطرف المشترك يجتمع فيه سببان أحدهما هو الوجود الحدوثي للعلم الإجمالي الثاني، والآخر هو الوجود البقائي للعلم الإجمالي الأول، ولا موجب لترجيح أحدهما على الآخر، فلا يقال إنَّ الطرف المشترك تلقى التنجيز من منجِّز سابق والمتنجِّز لا يتنجَّز، وحيث أنه يستحيل أن يؤثر كل منهما بنحو مستقل في التنجيز لاستحالة اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد فلا بد من أن تكون العلة المؤثرة هي المجموع المركب منهما، وعليه لا يمكن القول بأنَّ العلم الإجمالي الثاني سقط عن التنجيز على كل تقدير فينحل العلم الإجمالي ولا مانع من جريان الأصل في الطرف الآخر، هذا غير صحيح.
ومنه يظهر الجواب عن البيان الثاني المبني على القول بالاقتضاء، وذلك باعتبار أنَّ تعارض الأصول وتساقطها في كل آن هو فرع تنجُّز حرمة المخالفة القطعية في ذلك الآن وإلا فإنَّ تنجُّز حرمة المخالفة في زمان ثم ارتفاعه في زمان آخر لا يوجب تعارض الأصول في الزمان الآخر، ومن الواضح أنَّ تنجُّز حرمة المخالفة في كل آن هي فرع وجود العلم الإجمالي في نفس ذلك الآن، ولذا لو زال العلم الإجمالي في زمانٍ ارتفع التنجيز، وهذا يعني أنَّ العلم الإجمالي المتقدم زماناً ينجُّز حرمة المخالفة القطعية ويوجب تعارض الأصول وتساقطها في زمان حدوثه، وأما تنجيزه لذلك في زمان متأخر فهو من آثار وجوده البقائي، فتنجيز الطرف المشترك من العلم الإجمالي الأول بوجوده البقائي ومن العلم الإجمالي الثاني ولكن بوجوده الحدوثي، وليس أحدهما متقدماً على الآخر، ومعه لا يمكن القول بأنَّ الطرف المشترك تلقى التنجيز من منجز سابق فلا يجري فيه الأصل المؤمن، فيجري الأصل في الطرف الآخر بلا معارض فيسقط التنجيز وينحل العلم الإجمالي، لأنه مبني على تقدم أحد المؤثرين على الآخر، كما تقدم في جواب البيان الأول.
إذن العلم المتقدم بوجوده البقائي ينجِّز الإناء الأسود في الزمان المتأخر، ومن الواضح أنه يكون في عرض العلم الإجمالي المتأخر بوجوده الحدوثي وليس متقدماً عليه، ويترتب على ذلك أنَّ الأصل في الإناء الأسود له معارض واحد في فترة ما قبل حدوث العلم الإجمالي، لكنه بعد حدوث العلم الإجمالي الثاني صار له معارض آخر وهو الأصل في الإناء الأصفر، فتتساقط الأصول جميعاً وتتنجَّز هذه الأطراف الثلاثة بهذين العلمين الاجماليين كما لو كانا متقارنين من البداية.
فالصحيح أنَّ العلم الإجمالي الثاني لا ينحل بالأول في كل الفروض السابقة، أي سواءً تقارنا زماناً علماً ومعلوماً، أو اختلفا زماناً من ناحية العلم وإن تقارنا من ناحية المعلوم، أو اختلفا من ناحية المعلوم وإن تقارنا من ناحية العلم، أو اختلفا من كلتا الناحيتين.
هذا تمام الكلام في مسألة اشتراك علمين اجماليين في طرف واحد.
تأثير العلم الإجمالي في الطرف المعيّن بلحاظ أثره المختص:
لو فرضنا أنَّ لأحد الطرفين أثر زائد يختص به فهل ينجزه العلم الإجمالي أو لا، مثلاً إذا علمنا إجمالاً بنجاسة أحد إناءين أحدهما فيه ماء مطلق والآخر فيه ماء مضاف، فيحرم الشرب منهما وهذا أثر مشترك، ولكن لو فرض سقوط النجاسة في الماء المطلق فلها أثر مختص به وهو عدم جواز الوضوء والغسل به، وهذا الأثر لا يترتب على سقوطها في الماء المضاف لأنه لا يجوز الوضوء ولا الغسل اصلاً، فهل يكون العلم الإجمالي منجِّزاً بلحاظ هذا الأثر الزائد أو لا؟