45/11/20
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي
إعادة صياغة الدليل الأول لإثبات الانحلال:
ذكر المحقق النائيني قده في دليله (إنَّ العلم الإجمالي المتأخر ليس علماً بالتكليف على كل تقدير، ويُشترط في منجزية العلم الإجمالي أن يكون علماً بالتكليف على كل تقدير) ومقصوده يدور بين احتمالات ثلاثة:
الاحتمال الأول أننا لا نعلم بكون هذه القطرة من الدم سبباً للتكليف، لأنه على تقدير وقوعها في الإناء الأسود - مع فرض كونه نجساً من أول الأمر - لا تكون سبباً للتكليف.
وهذا صحيح، لكن لا يُشترط في حصول العلم بالتكليف حصول العلم بكون هذه القطرة سبباً للتكليف، بل يكفي في حصول العلم بالتكليف العلم بأنَّ هذه القطرة ملازمة للتكليف، باعتبار أنَّ هذه القطرة إما واقعة في إناء نجسٍ في نفسه – وهو الأسود الذي يجب الاجتناب عنه - وإما واقعة في إناء طاهر في نفسه، وبذلك يحصل العلم بالتكليف على كل تقدير، وهو إنما حصل بسبب هذا العلم الثاني ولولاه لما علمنا بالتكليف على كل تقدير في أطراف العلم الإجمالي الثاني.
الاحتمال الثاني أن يُراد أننا لا نعلم بحدوث تكليف على كل تقدير، لأنه على تقدير وقوع القطرة فيما كان نجساً من قبل لم يحدث تكليف جديد.
وهذا صحيح أيضاً فإنه لا يُحدث فيه تكليفاً ولكن لا دليل على أنه يُشترط في منجزية العلم الإجمالي كونه علماً بتكليف حادث بل يكفي في نظر العقل في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون علماً بالتكليف على كل تقدير، أي أنه يعلم بثبوت التكليف بالاجتناب في ذمته على كل تقدير سواءً كانت القطرة في الإناء الأسود النجس من الأول أو كانت في الإناء الآخر الطاهر كذلك.
الاحتمال الثالث – وإن كان بعيداً – إنَّ العلم الإجمالي الثاني ليس علماً بتكليف آخر غير التكليف الأول.
وجوابه: أنه لا يُشترط ذلك في منجزية العلم الإجمالي لأنَّ المنجِّز هو العلم بأصل التكليف سواءً كان بقائياً أو كان حدوثياً.
هذا كله في الدليل الأول على الإنحلال في محل الكلام.
الدليل الثاني على الانحلال:
وهو ما نسبه السيد الشهيد قده الى السيد الخوئي قده، لكن الموجود في تقريراته هو نفس ما ذكره المحقق النائيني قده، ولعله نقله عنه من مجلس درسه، وحاصله:
إنَّ الضابط في الإنحلال هو تقدم أحد العلمين بنفسه على الآخر - بخلاف الوجه الأول الذي يجعل الضابط هو تقدم المعلوم بأحد العلمين على المعلوم بالآخر - أي أنَّ تنجُّز أحد الطرفين بعلم إجمالي سابق يوجب انحلال العلم الإجمالي المتأخر سواءً كان معلومه متأخراً أو متقدماً أو مقارناً، مثلاً إذا علم ظهراً بنجاسة أحد إناءين إما الأسود أو الأبيض، ثم علم بعد ذلك بنجاسة أحد إناءين إما الأسود أو الأصفر، فينحل الثاني بالأول من دون دخل لزمان المعلوم، والدليل على الانحلال هو أنَّ العلم المتقدم قد نجَّزَ الطرف المشترك، ومعه لا يكون العلم الثاني صالحاً لتنجيز التكليف فيه، وذلك ببيانين:
البيان الأول أنَّ المتنجِّز لا يتنجَّز، وهذا يبتني على مسلك العلية.
البيان الثاني لعدم تعارض الأصول في الأطراف فلا موجب للمنجزية، فيجري الأصل في الطرف الآخر بلا معارض ويتحقق الانحلال الحكمي، وهذا يبتني على مسلك الاقتضاء.
وأجيب عن الأول بأنَّ التنجيز في كل آن منوط بوجود المنجِّز - وهو العلم في المقام - في ذلك الآن ولا يكون وجوده في الآن الأول مؤثراً في التنجيز في الآن الثاني، وهذا يعني أنه في الآن المتأخر اجتمع مُنجِّزان على الإناء الأسود في عرض واحد أحدهما العلم الإجمالي المتقدم بوجوده البقائي والآخر العلم الإجمالي المتأخر بوجوده الحدوثي، وليس أحدهما قبل الآخر حتى يكون له التأثير دون الآخر، فيكون اختصاص المتقدم بالتأثير - كما ادُعي - في الإناء المشترك ترجيح بلا مرجح، وعليه يصير مجموعها منجِّزاً واحداً للإناء المشترك، لأنهما علتان مستقلتان اجتمعتا على معلول واحد فيكونان بمثابة علة واحدة مؤثرة.