45/11/19
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي
كان الكلام في اشتراك علميين إجماليين بطرف، والمدعى هو إنحلال أحدهما بالآخر، وذكرنا أنَّ المحقق النائيني قده استدل على الانحلال بدليل حاصله هو أنه يعتبر في منجزية العلم الإجمالي أن يكون علماً بالتكليف الفعلي على كل تقدير، وأما إذا لم يكن كذلك بأن لم يُحدث في أحد الطرفين تكليفاً جديداً لتنجِّزه بالعلم الإجمالي السابق فلا يكون هذا العلم الثاني منجِّزاً، فينحل العلم الإجمالي.
فيفهم من كلامه أنَّ العلم الإجمالي المتأخر من ناحية المعلوم - وإن كان متقدماً من ناحية العلم - ينحل بالعلم الإجمالي المتقدم من ناحية المعلوم وإن كان متأخراً من ناحية العلم، فالمعيار في الانحلال هو كون المعلوم بأحد العلمين الإجماليين متقدماً زماناً على المعلوم بالآخر فينحل الثاني به سواءً كان متقدماً من ناحية العلم أو متأخراً.
ثم الظاهر من كلماته أنَّ مراده من التكليف في قوله (إنَّ العلم الإجمالي إنما يوجب التنجيز إذا كان علماً بالتكليف على كل تقدير)[1] هو التكليف الحادث، أي أننا لا نعلم بحدوث تكليف جديد بهذا العلم الاجمالي الثاني على كل تقدير فلا يكون منجِّزاً، وهو يعني الانحلال.
ولازم كلامه هو أنَّ العلم الإجمالي إذا أوجب تكليفاً على كلا التقديرين ولكنه في أحد الطرفين حدوثي وفي الآخر بقائي فهو يسقط عن التنجيز، فهل يمكن الالتزام بذلك؟
الصحيح أنَّ هذا ليس شرطاً في منجزية العلم الإجمالي، بل يكفي في منجزيته أن يكون علماً بالتكليف على كل تقدير سواء كان حدوثياً أو بقائياً، بدليل أنه لا إشكال ولا خلاف ولا ينبغي أن يقع الإشكال في منجزية العلم الإجمالي فيما إذا كان أحد الطرفين مشكوك النجاسة بالشك البدوي من الأول، ثم عُلم إجمالاً بسقوط قطرة دم في الاناء الأسود أو الأبيض، في حين أنَّ هذا العلم ينبغي أن لا يكون منجِّزاً بناءً على ما ذكره، لأننا لا نعلم بحدوث تكليف بسقوط قطرة الدم على كل تقدير، لأنه على تقدير كون الأسود نجساً من البداية فسقوط قطرة الدم فيه لا تُحدث تكليفاً جديداً بل هو تكليف بقائي، نعم على تقدير عدم كونه نجساً من البداية فسقوطها فيه يُحدث تكليفاً جديداً فيه، إذن هذا العلم الإجمالي ليس علماً بحدوث تكليف على كل تقدير، فلا يكون منجِّزاً بناءً على ما ذكره، مع أنه لا إشكال في منجزية مثل هذا العلم الإجمالي.
وعليه لا يصح دعوى انحلال العلم الإجمالي بدليل أنه ليس علماً إجمالياً بتكليف جديد على كل تقدير، لأنه على تقدير نجاسة الإناء الأسود سابقاً فسقوط قطرة الدم في العلم الثاني المتأخر لا يُحدث تكليفاً فيه، وذلك لأنه يكون منجِّزاً حتى إذا لم يكن علماً بتكليف جديد على كلا التقديرين، وإنما المهم هو أن يكون علماً بالتكليف على كلا التقديرين وإن كان أحدهما بقائياً والآخر حدوثياً، وهو متحقق في محل الكلام.
فهذا الدليل لا يمكن الالتزام به لإثبات الإنحلال في محل الكلام.