45/11/18
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي
اشتراك علمين إجماليين في طرف
بعد الفراغ عن كبرى الانحلال يقع الكلام عن أمور مرتبطة بها، ومنها اشتراك علميين إجماليين في طرف، كما إذا علمنا بنجاسة أحد إناءين الأسود والأبيض، وعلمنا ثانية بنجاسة أحد إناءين هما الأسود والأصفر، فهناك ثلاثة أطراف وأحدهما مشترك بين العلمين الإجماليين، والكلام يقع في أنَّ العلم الإجمالي الثاني هل يسقط عن التنجيز إذا كان الطرف المشترك قد تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الأول أو لا يسقط عن التنجيز؟
وهذا نظير قيام الأمارة على أحد طرفي العلم الإجمالي، إذ لا فرق في المنجِّز في الطرف المعيَّن بين أن يكون أمارة مثبتة للتكليف أو أصل كذلك أو يكون الطرف المعيَّن طرفاً لعلم إجمالي سابق يُنجِّز التكليف في كلا الطرفين ويمنع من ارتكابهما، فيقع الكلام في أنَّ هذا العلم الثاني هل ينحل حكماً أو لا، وأثر ذلك يظهر في الطرف المختص بالعلم الإجمالي الثاني – الإناء الأصفر – إذ يجوز إجراء البراءة فيه وارتكابه بناءً على الانحلال وإلا فلا.
ومنه يتضح ارتباط محل الكلام بالبحث السابق الذي فُرض فيه تنجُّز أحد الطرفين بمنجِّز، نعم استثنينا منه التنجُّز بعلم إجمالي آخر لوجود حيثيات مختصة به تقتضي إفراده ببحث مستقل وهذا محله.
الصحيح أنه لا ينبغي الإشكال، ولا خلاف في عدم الإنحلال الحكمي في صورة ما إذا تقارن العلمان زماناً بلحاظ العلم وبلحاظ المعلوم، كما إذا علم في وقت الظهر بنجاسة أحد الإناءين الأسود أو الأبيض صباحاً وعلم ظهراً بنجاسة أحد الإناءين إما الأسود أو الأصفر صباحاً أيضاً، فيتحد العلمان زماناً فكل منهما حصل ظهراً، ويتحد المعلوم زماناً أيضاً وهو حصولها صباحاً، فيتقارن العلمان في الزمان بلحاظ العلم وبلحاظ المعلوم، وهنا العلمان في عرض واحد ونسبتهما الى الأطراف متساوية، فلا تقدم ولا تأخر لا بلحاظ العلم ولا بلحاظ المعلوم، فلا موجب لانحلال الثاني بالأول ولا العكس، فيبقى كل منهما على منجزيته وبذلك تتنجَّز جميع الأطراف الثلاثة بهذين العلمين الإجماليين.
بل هذان العلمان يرجعان في الحقيقة الى علم إجمالي واحد وهو العلم بنجاسة إما الإناء الأسود أو الإناءين الأبيض والأصفر، وذلك باعتبار أنَّ النجاسة المعلومة بالإجمال في هذين العلمين الاجماليين إن كانت في الواقع موجودة في الإناء الأسود فهي غير موجودة في الإناءين الأبيض والأصفر، وإن كانت غير موجودة في الإناء الأسود فهي موجودة في الإناءين، فيتشكل العلم الإجمالي بنجاسة إما الاناء الأسود وإما نجاسة الاناءين الآخرين وهو علم واحد، ولا إشكال في أنه يُنجِّز كلا الطرفين، بمعنى تنجيزه للأطراف الثلاثة جميعاً، وهذا الفرض ليس محل الكلام.
وإنما الكلام فيما إذا لم يتقارن العلمان الإجماليان زماناً، إما من ناحية العلم نفسه مع التقارن من ناحية المعلوم، وإما من ناحية المعلوم مع التقارن من ناحية العلم، أو لم يتقارنا من كلتا الناحيتين بأن يكون أحد العلمين سابقاً على الآخر ويكون معلومه سابقاً على معلوم الأخر أيضاً، فحاصل الصور في محل الكلام هو:
1. اختلاف العلمين زماناً مع تقارن المعلومين.
2. اختلاف المعلومين زماناً مع تقارن العلمين.
3. اختلاف العلمين والمعلومين معاً.
فهل ينحل العلم الإجمالي المتأخر – إما بلحاظ العلم أو بلحاظ المعلوم – في جميع هذه الفروض الثلاثة، أو لا ينحل فيها جميعاً، أو يُفصَّل بينها؟
نُسب الى المحقق النائيني قده القول بانحلال العلم الإجمالي المتأخر من ناحية المعلوم بالعلم الإجمالي المتقدم من ناحية المعلوم، وقد ذكر بأنَّ العلم الإجمالي ينحل بقيام ما يوجب ثبوت التكليف في بعض الأطراف المعيَّن، سواء كان علماً أو أمارة أو أصلاً شرعياً أو أصلاً عقلياً كما إذا كان من أطراف علم إجمالي آخر، ففي الجميع يتلقى الطرف التنجيز من منجِّز آخر، وفي محل الكلام التنجيز بحكم العقل لأنَّ الطرف مشترك مع علم إجمالي منجِّز آخر، فينحل العلم الإجمالي الثاني وتظهر ثمرته في الطرف المختص به.
وذكر بأنه لا يُفرَّق في ذلك بين أن يكون الموجب لثبوت التكليف في البعض حاصلاً قبل العلم الإجمالي أو بعده أو مقارناً معه، وإنما المدار على تاريخ المعلوم، غايته إن كان الموجب لثبوت التكليف قبل العلم الإجمالي الثاني فهو يوجب عدم تأثير العلم الإجمالي الثاني من البداية، وكذا إذا كان مقارناً له، بخلاف ما إذا كان بعده فإنه يوجب الانحلال وعدم التأثير في مرحلة البقاء.
واستدل على ذلك بأنَّ العلم الإجمالي إنما يوجب التنجيز إذا كان علماً بتكليف فعلي على كل تقدير - أي سواءً كان المعلوم بالإجمال وهو النجاسة في هذا الطرف أو في ذاك - وفي محل الكلام بعد احتمال انطباق المعلوم بالعلم المتقدم على أحد طرفي المعلوم بالعلم المتأخر لا يكون العلم الإجمالي المتأخر علماً بتكليف فعلي على كل تقدير، لأنه لا يستوجب ذلك على تقدير الانطباق على الطرف المشترك، وذلك باعتبار أنَّ هذا الطرف ثبت فيه التكليف بمنجِّز آخر، نعم على تقدير عدم الانطباق فهذا العلم يُحدِث تكليفاً في الطرف المختص، وهذا يعني أنَّ العلم الإجمالي الثاني ليس علماً بالتكليف على كل تقدير فلا يكون منجِّزاً، وهو معنى الانحلال.
ومنه يظهر أنَّ العلم الإجمالي إنما يوجب التنجيز إذا كان يستوجب العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير وإلا فينحل، وذكر لذلك موردين:
المورد الأول إذا لم يكن هناك تقارن بين العلمين لا من ناحية العلم ولا من ناحية المعلوم بأن يكون أحدهما متأخراً عن الآخر من حيث العلم والمعلوم معاً فإنه يتم ما ذكره من الانحلال، فإنَّ المكلف وإن كان يعلم في الثاني بوقوع النجاسة إما في الأسود أو الأصفر إلا أنَّ ذلك ليس علماً بالتكليف على كل تقدير لأنَّ النجاسة المعلومة بالعلم الإجمالي إن كانت في الأسود فهذا العلم لا يُحدث تكليفاً فيه لثبوته فيه باعتباره طرفاً للعلم الإجمالي الآخر.